حضرت جامعة تعز في الآونة الأخيرة بشكل طاغ في منصات التواصل الاجتماعي، والمؤسف في هذا الحضور أنه لم يتجسد بإعلانات لمناقشات رسائل علمية، ولا بأخبار عن فتح فروع جديدة للمرافق الحيوية، ولا بتغطيات لأخبار المبرزين من الطلبة الأوائل في مختلف الأقسام والكليات.. ولكنه تمثل في زخات كثيفة من أخبار الفساد المالي والإداري، حتى ليخيّل للمتابع أن تسعة أعشار الفساد تحتضنها هذه الجامعة والعُشر المتبقي تتقاسمه الجامعات اليمنية في المناطق المختلفة. ومن البديهي أن تكون أخبار الفساد في هذه المؤسسة العلمية شديدة الوقع قاسية الدلالة، فهي نخبة النخبة، وهي وجه المجتمع الحضاري وسجله الذي يفترض فيه أن يكون ناصعا براقا، وهي بعد ذلك مصنع القدرات ومحضن الكفاءات، والمؤسسة التي يعول عليها في تحقيق الرقي والإزدهار. فما الذي جعل هذه الجامعة تصل إلى هذه الصورة المخجلة، وفي مدينة يفترض فيها أنها عاصمة للثقافة، وقبلة للمثقفين؟ إن الإجابة على سؤال كهذا تبدو في غاية من الصعوبة، وذلك لتداخل الإداري بالسياسي بالحزبي وحتى بالعسكري كخلفية تتحكم في مسارات إشكالية هذه الجامعة، غير أنه يمكن القول تأسيسا أن الخراب الإداري الذي حل بهذه الجامعة هو أم الموبقات في هذه الإشكالية، وأن ماتبقى من أسباب الفساد وتمظهراته إنما جاء نتيجة لغياب الإدارة، ويكفي للتدليل على هذا الخراب الإشارة إلى أن رئيس الجامعة وقيادات أخرى ذات أهمية قصوى شبه متغيبين عن الجامعة، وقد أوكلوا مهمة إدارة أعمالهم لغيرهم من ذوي الكفاءات المتدنية والخبرات المتعثرة، مما أوصل الجامعة إلى حالة موغلة في الوهن الإداري، وفي ذلك مناخ جيد للفساد والمفسدين الذين وجدوا الفرصة سانحة لنهب المبالغ المهولة، مستفيدين من الفوضى الأمنية والإدارية التي تعيشها مدينة تعز، والتي تقف خلفها قوى محلية وإقليمية، بهدف إنهاك المدينة، وتسليمها لسيناريوهات أقل ما يمكن وصفها به بأنها سيئة. ولقد أعانت المحاصصة الحزبية هذا التردي كثيرا، ووفرت له الغطاء السياسي، وضاعفت من أصوات الهرج والمرج حتى يضيع صوت الحقيقة في هذا المحيط الهائج، ويظل قطار نهب المال العام داخل هذا الحرم العلمي سائرا دون توقف، ودون مبالاة بالمآلات الكارثية التي ستصل إليها الجامعة قريبا.. بل وقريبا جدا. أين وزارة التعليم العالي إزاء كل ما يحدث؟ أم أن تعز ماتزال قطاعا منفصلا في كل الوزارات؟ عشرات وعشرات من قضايا النهب والفساد الإداري تحتضنها أروقة هذه الجامعة، والجهات المسئولة تنظر إلى الأمر بنوع من التسلية غير البريئة، ولسان حالها يقول للسرق والمفسدين: أمان يا نازل الوادي أمااااان.