بمغادرة الرئيس علي صالح البلاد عصر الأحد الموافق 21/1/2012م إلى أمريكا تنفس اليمنيون الصعداء وانفتحت أمامهم فرص جديدة وأحلام عريضة لبدء مستقبل جديد لابد أن تكون من معالمة الأساسية الأمن والاستقرار وإعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة وصنع المستقبل المزدهر المرتكز على البناء والتنمية المطلوبة. أما الأمن والاستقرار فهما العنصران اللذان بهما تقوم الدول وبهما تسقط. وقد جرب اليمنيون حالة غياب الأمن وضياع الاستقرار بفعل السلطة السابقة المستهترة حتى وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه من تردي الأوضاع وقرب الأنهيار الشامل لولا أن الله قد تداركنا برحمته ثم بالثورة الشعبية السلمية التي انطلقت في أرجاء اليمن مطالبة بالتغيير وبرحيل رأس النظام الذي كان اشبه بمرقص ثعابين هندي لا يجيد شيئاً غير تدريب الثعابين على الرقص حيث عٌرف عن الرئيس صالح أنه ليس له علاقة بالتخطيط البرامجي الآني ولا التخطيط الاستراتيجي ولم يكن يحمل مشروعاً محدداً في رأسه للنهضة باليمن. وقد وصل الأمر بالسلطة السابقة إلى اللعب على ورقة الأمن والاستقرار للمتاجرة بقضايا اليمن على المستوى الاقليمي والدولي وأصبحت القاعدة في اليمن تصول وتجول ليس بقوة حضورها وكثافة أعدادها ولكن بفعل سياسة السلطة التي لم تكن تتردد في استخدام هذه الأوراق لحسابات ضيقه ليس المجال هنا لسردها. واليوم نحن بأمس الحاجة لإرساء دعائم الأمن والاستقرار حتى ننعم به ونعيش في ظله آمنيين مستقرين وبهما سوف تنتعش الحياة وتعود لليمن روحه وسوف ينهض الاستثمار وتقوى السياحة وتتعدد فرص العمل للكثير من العاطلين إنشاء الله. أما إعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة فهو فعلا ما افتقده اليمنيون طوال ثلاثة عقود فمجلس نواب ليس له صلاحيات ومجلس وزراء لا يدري ما عليه من واجبات ومجلس شورى هزيل وقضاء فاسد وداخلية وما يتبعها من أجهزة أمنية ليست للسهر على مصالح المواطنين واحترام القوانين وإنما للقهر والتسلط وملاحقة الخصوم والصحفيين وإعلام منحاز لحزب واحد ولرجل واحد مجدُّوهُ وبجّلوهُ حتى قال قائلهم : علي عبدالله صالح نبي من أنبياء الله. وقد حان الأوان لأن تعود للمؤسسات هيبتها ولأجهزة الدولة المختلفة صلاحياتها وللقضاء سمعته ومكانته فما أضر اليمن شيئاً مثل غياب المؤسسات في ظل وجودها في حالة شلل وما يصرف عليها من ميزانية الدولة من مليارات دون فائده تعود للمواطن ولقد لعب النظام السابق دوراً جوهرياً في تعطيل وظائف هذه المؤسسات وربطها بشخص أو عدد من أفراد العائلة وهو ما أصاب أجهزة الدولة في مقتل وأصبحت عبئاً على البلاد لا تقدم ولا تؤخر ولا يوجد من يحاسبها أو يسائلها وقد عجز مجلس النواب خلال فتراته السابقة عن محاسبة وزير أو سحب الثقة من غفير رغم ما يصرف على هذه المؤسسة التشريعية من ميزانية سنوية تناهز ستة مليار ريال. أما البناء والتنمية في اليمن في تقارير العديد من المؤسسات الدولية فتقع في أسفل قائمة الدول ليس بعدنا إلا الصومال واثيوبيا وافغانستان وغيرها من الدول الفاشلة رغم فارق الإمكانيات بيننا وبين هؤلاء وقدرتنا إذا وجد الصدق والعزم والنزاهة على تخطي الكثير من معوقات التنمية والقفز بالبلد إلى مصاف الدول النامية الأكثر نمواً وليس المثال التركي والماليزي والسنغفوري عنا ببعيد واليوم يقع اليمن في المركز 154 من أصل 187 دولة في العالم شملتها تقارير التنميه البشرية وحتى لا نذهب بعيداً فقد أصبحت سلطنة عمان التي نعرف جميعاً ظروفها وأوضاعها السابقة أصبحت اليوم في مركز جيد في سلم التنمية حيث يقع ترتيبها في تقرير التنمية البشرية لعام 2011م (89) وعلى العموم فإن تقرير التنمية البشرية الذي يصدره برنامج الأممالمتحدة الإنمائي سنوياً يعتمد على ثلاث ركائز أساسية لتصنيف الدول هي الصحة والتعليم ودخل الفرد أما الصحة فتحسب العملية بحسب إنفاق الدولة السنوي على الفرد، واليمن تنفق على الفرد سنوياً 104 دولار وهناك طبيب يمني لكل عشرة ألف مواطن والتعليم ليس أكثر حظاً من الصحة فإجمالي الذين يلتحقون بالتعليم الابتدائي سنوياً لا يزيد على سبعين طفلا في سن التعليم وإجمالي الذين يلتحقون بالتعليم الثانوي لا يزيدون على سبعة وثلاثين فردا، أما دخل الفرد اليمني فبحسب تقرير التنمية البشرية لا يتجاوز 2400 دولار سنوياً وهذه الأرقام تحسب عن طريق قسمة الناتج القومي للدولة على عدد السكان. وأنا أشك بل وأؤكد أن دخل المواطن اليمني في حقيقة الأمر لا يتجاوز ستمائة دولار على أحسن الأحوال، ونفس الأمر يمكن أن يقال عن الإنفاق على الصحة ومعدلات الالتحاق بالتعليم الابتدائي والثانوي. ونحن لا نحتاج في الواقع إلى أن ندلل بالأرقام والإحصائيات ويكفي أن نسأل من من اليمنيين يعتبر أن دخل الفرد والخدمات الصحية والخدمات التعليمية مقبولة؟ الجواب لا يوجد أحد يقول أن هذه الركائز الأساسية لمقياس التنمية في أي بلد هي في حدها الأدنى. ولهذا فإن أمام الحكومة الجديدة وضع تعليمي وصحي ودخل سنوي للمواطن في أسوء الحالات وعليها تحسين التعليم والصحة ودخل الفرد حتى يتغير وضع اليمن نحو الأفضل ونحن على ثقة أن الحكومة ستبذل قصارى جهدها لبلوغ هذه الأهداف طالما ورأس الفوضى قد غادر موقعه الاستراتيجي الذي عطل به أشياء كثيرة وفوت على اليمن فرص عديدة للتقدم والازدهار.