وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر    بعد هجوم حوثي بصاروخ باليستي وطيران مسير.. إعلان عسكري أمريكية عن عملية مدمرة    توني كروس: انشيلوتي دائما ما يكذب علينا    دي زيربي يجهل مستقبل انسو فاتي في برايتون    أجواء ما قبل اتفاق الرياض تخيم على علاقة الشرعية اليمنية بالانتقالي الجنوبي    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    رصاص المليشيا يغتال فرحة أسرة في إب    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    صحيفة تكشف حقيقة التغييرات في خارطة الطريق اليمنية.. وتتحدث عن صفقة مباشرة مع ''إسرائيل''    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص ورقة الدكتور سيف العسلي في "مؤتمر اليمن إلى اين ؟"
نشر في التغيير يوم 27 - 01 - 2012

نص ورقة الدكتور سيف العسلي المقدمة إلى المؤتمر الوطني " اليمن إلى أين ؟ الذي عقد في العاصمة المصرية القاهرة خلال الفترة من 23- 24 يناير الجاري:
الرؤيا الاقتصادية لليمن الجديد
بروفيسور سيف العسلي
مقدمة
لقد ترتب على غياب الرؤيا الاقتصادية للأسف الشديد فشل اليمن خلال الفترة الماضية في تحقيق التنمية الاقتصادية على الرغم من توفر قدر معقول من متطلباتها. و اذا لم يتم تلافي ذلك في المستقبل فانه من غير المتوقع ان يتم النجاح في تحقيق ذلك. ومن مميزات هذه الرؤيا انها طويلة الاجل وبالتالي فان على شباب الثورة جعل ذلك من ضمن اهم اولوياتهم في مرحلة ما نجاح ثورتهم.
فلأسباب عديدة فقد تم في الماضي اهمال دارة الاقتصاد اليمني في الاجل الطويل اي السعي التنمية الاقتصادية. فعلى الرغم من الحديث المتكرر و المسهب عن ضرورة تحقيق التنمية الاقتصادية الا انه في الواقع لم يتم فعل اي شيء يذكر بل انه يمكن القول بانه لم يكون هناك اي تفكير جدي في تحقيقها.
فبدون تحقيق قدر معقول من التنمية الاقتصادية (النمو الاقتصادي الموجب و المستديم) فانه لا يمكن تحقيق اي قدر من زيادة الدخل الحقيقي و توفير وظائف منتجه للأجيال الجديدة و تحسين مستوى المعيشة لجميع فئات الشعب بل انه لا يمكن المحافظة على الوظائف الموجودة و لا حتى على مستويات المعيشة القائمة.
وعلى الرغم من كون التنمية الاقتصادية ظاهرة اقتصادية الا ان لها ارتباطات بكل من الظواهر السياسية و الاجتماعية. و من اجل التوضيح فانه يمكن تشبيه عملية التنمية الاقتصادية بطائرة مقلعة بحيث يمثل الاقتصاد محركها و السياسة و الاجتماع جناحيها و افراد المجتمع ركابها.
و من الواضح ان طائرة التنمية في اليمن فعلى الرغم من وجود عدد كاف من الركاب بل عدد اكثر من ذلك فإنها لم تقلع نظرا لغياب كل من محركها و اجنحتها. و من المؤكد انها لن تقلع الا اذا توفر لها ذلك.
تتمثل المحركات الاقتصادية لعملية التنمية الاقتصادية في اليمن اذا ما توفرت ثلاث منطلقات هي الرغبة في بذل العمل الجاد و ممارسة الادخار و السعي للاستثمار اي اقتناص الفرص. و لا بد ان يترافق مع ذلك سلامة الجناحين السياسي و الاجتماعي.
فالجناح السياسي يتمثل في تحقيق العدل بين جميع المواطنين بغض النظر عن مناطقهم او مذاهبهم او قبائلهم. اما الجناح الاجتماعي فيتمثل في توفر الانسجام الاجتماعي و الذي يتطلب الاتفاق على القيم النبيلة و التسامح فيما عدا ذلك من تمايزات اجتماعية او ثقافية.
فمن حسن حظ اليمن ان لديه قدرا معقولا من الموارد الطبيعية و البشرية كان من الممكن ان يمكنه من تحقيق قدر كبير من التنمية الاقتصادية. و لكن لسوء حظه انه ليس لديه نخبة سياسية صادقة و مخلصة.
ذلك ان الموارد الطبيعية مهما كان حجمها لا يمكن ان تطلق تنمية اقتصادية من اي نوع. العمل الانساني هو وحده القادر على اطلاقها. فالتنمية الاقتصادية مرتبطة بالإنسان على اعتبار انه اداتها و غايتها. فالدول التي تهمل عنصرها البشري لا تملك اي فرصة لتحقيقه اي تنمية الاقتصادية فيها.
ومن المؤكد ان النخب السياسية هي التي تتحمل القدر الاكبر من المسؤولية عن التخلف الذي يعاني منه اليمن. اذ انه من غير الممكن اطلاق اي عملية تنمية اقتصادية بدون الاعتراف بحق العامل بالحصول على حوافز عادلة. فحوافز العمل هي على قسمين: ايجابية و سلبية. تتمثل الحوافز الايجابية في الاعتراف للعامل بنتائج عمله و بحقه في استخدامه كما يرغب هو بذلك. اما الحوافز السلبية فتتمثل في ترك العامل يتحمل مسئولية نفسه. بمعنى انه اذا كان له كامل الحق في الحصول على قيمة عمله فكذلك فانه اذا لم يعمل او اذا بذر قيمة عمله فان عليه ان يتحمل نتائج ذلك. و من الملاحظ ان هناك اختلال في الحوافز الايجابية و السلبية في اليمن. فبعض العمال يجبر على الحصول على اقل مما يستحق و البعض الاخر يحصل على ما لا يستحق.
فالأجور في اليمن لا تتحدد من خلال التراضي بين العاملين و المستخدمين اي من خلال السوق اي قانونين العرض. فالحكومة و كبار المستثمرين و التجار و ملاك الاراضي يفرضون على العاملين ما يرونها اجرا مناسبا. و يرجع ذلك الى تخلف سوق العمل في اليمن و تساهل الدولة في حماية حقوق كل العاملين وخصوصا العاملين لديها.
فلم تكتف الدولة في اليمن في فشلها في سن و تطبيق القوانين و اللوائح و الممارسات المشجعة للعمل و الادخار و الاستثمار بل انها تعتمد القيام بممارسات تتناقض مع ذلك. فلا هي طبقت قوانين السوق بصرامة و لا هي طورت اجراءات اخرى مناسبة. فالقادرون على العمل بكفاءة اما في البيوت او متقاعدين او عاطلين و من لا يقدر عليه يعطى له اولوية في الحصول عليه. و لقد ترتب على ذلك حدوث ظاهرة عجيبة فبدلا من ان يكون العمل حقا لمن يطلبه و يستطيع القيام به فقد اصبح محتكرا لمن لا يقدر عليه على اعتباره انه مشابها لبرامج الضمان الاجتماعي. لقد فتحت هذه الممارسات باب الكسل على اوسع ابوابه مما ادى الى التواكل و عدم العمل و من ثم اعاقة عملية التنمية الاقتصادية.
و لا يختلف الامر كثير فيما يخص المحرك الثاني للتنمية اي الادخار. فقد مارست الدولة التبذير و شجعت عليه. و قد انعكس ذلك سلبا على المحرك الثالث للنمية الاقتصادية آلا وهو الاستثمار. الاستثمار ضروري لعملية التنمية لأنه يزيد من فاعلية العمل من ناحية و لأنه يمكن العمل من الوصول الى الموارد الطبيعية التي لا يستطيع ان يصل اليها باستخدام طاقته الطبيعية المجردة. انه ينقسم الى قسمين: القسم الاول الاستثمار البشري اي التنمية البشرية و القسم الثاني الاستثمار المادي اي الآلات و المعدات و المباني و الطرق و الجسور و غيرها. و كما هو معروف فان التنمية البشرية تعني التعليم و كل ما يرتبط به من انشطة اي التعليم العام و التدريب و البحث العلمي. اما الاستثمار المادي فيرتبط بتطبيقات التعليم اي بالتكنولوجيا.
و بما ان الاستثمار بنوعية يعني تأجيل الاستهلاك الى المستقبل فانه لن يقدم اي انسان على ذلك الا اذا توفرت لها حوافز كافية و ضمانات. فالاستثمار يعني ان يستهلك الفرد او المجتمع اقل في الوقت الحاضر مقابل الامل بان يستهلك اكثر في المستقبل. ان محرك الاول للاستثمار هو استقرار العملة و الاسعار. ففي هذه الحالة فانه سيترتب على الادخار تحقق الاستثمار من خلا توسط البنوك و المؤسسات المالية. و لا شك ان اليمن قد عانت و لا زالت في تدهور قيمة عملتها و من تغير الاسعار بشكل عشوائي. و نتيجة لذلك فالم تتطور البنوك التجارية و لم يتم اقامة اسواق مالية.
فالدولة اليمنية قصرت في القيام بما يجب عليها به من توفير البنية التحتية للتنمية الاقتصادية و التي من اهمها على الاطلاق تطوير التعليم و المعرفة. انهما يمكنان الانسان من استخدام الموارد الطبيعة بطريقة افضل اي ان الجهد المبذول سيكون اقل و ان العائد عليه سيكون اكبر. و ذلك فانه سيمكن الانسان من استخدام الطاقة الطبيعة التي تفوق طاقته بكثير مما سيمكنه من تقليل الجهد المبذول و زيادة العائد عليه الا ان الصحيح ايضا ان ذلك غير مؤكد و يكتنفه العديد من المخاطر. لذلك فلا بد و ان يكون العائد مجزيا و ان يكون الحصول عليه مضمونا قدر الامكان. ان تساهل الدولة مع عملية التعليم قد ادى الى عدم تحقيق اي تقدم حقيقي في هذا المجال على الرغم من زيادة الانفاق العام و الخاص عليه.
لقد اخفقت الدولة في اليمن كذلك في مساعدة الأفراد على تنظيم أنفسهم بطريقة فعالة و كفؤة. ان عملية الاستثمار و الانتاج لا بد و ان تكون جماعية. فلأسباب عديدة فان مجالات الاستثمار الفردية محدودة و العائد عليها محدود ايضا. و في هذه الحالة فانه لا بد من يسمح للمؤسسات الاقتصادية ان تأخذ حجمها المناسب و ان يسمح لها التطور و التأقلم مع المتغيرات الاقتصادية. فالمؤسسات الاقتصادية في اليمن فردية وصغيرة الحجم و غير منظمة.
ان مجالات الاستثمار الافضل ترتبط و بشكل وثيق بالأشكال التنظيمية للمؤسسات الاقتصادية. ان الدولة لا بد و ان تلعب دورا مساندا لذلك. ان دورها في التعليم و التدريب و التأهيل و التكنولوجيا مهمة جدا. ان ذلك ينبع من ان الافراد قد لا يدركون اهمية ذلك الا في اوقات متأخرة. و ثانيها ان بعض الافراد قد لا يستطيعون ان يتحملوا تكاليف ذلك و رابعها ان من يستطيع ان يتحملها فانه قد لا يكون قادرا على استعادتها.
و لا يستطيع ان يجادل احد بان الدولة اليمنية قد قصرت في هذه الجوانب تقصيرا كبيرا مما ترتب عليه غياب التنمية على اليمن و لفترة طويلة. و من ذلك اهمال عملية ادارة التنمية. ان اطلاق عملية التنمية يتطلب الاستعداد لإدارتها. فبدون ذلك فان محاولة الاطلاق قد تفشل حتى لو كانت هذه المحاولات صحيحة فقط لأنها قد حرمت من عملية الادارة. ان ادارة التنمية تعني الاستعداد لاغتنم الفرص و التغلب على العقبات.
و لا شك ان ادارة التنمية عملية مشتركة بين الجوانب الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية. فقد تتطلب ادارة التنمية تغير السياسات الاقتصادية الامر الذي يعني تغير بعض القوانين السائدة و من اجل ذلك فانه لا بد و ان تتوفر ارادة سياسية. و كذلك فان ادارة التنمية قد يتطلب تحمل بعض التكاليف الاجتماعية الامر الذي يتطلب اقناع الفئات الاجتماعية بذلك بهدف تقبل هذه التكاليف من خلال الاقناع و ليس من خلال الاجبار.
و لقد ترتب على ذلك ضياع العديد من الفرص. فالعديد من الاستثمارات كانت غير المخطط و غير كفؤة. و من يشك في ذلك فما عليه الا ان يقيم كلا من مشاريع التعليم و الصحة و البنية التحتية. فلا التعليم تطور و لا الصحة تحسنت و لا البنية التحتية خلقت مجالات اقتصادية جيد قادرة للتعويض عن تقلص قطاع النفط.
و من الفرص الضائعة اهدار عائدات النفط والغاز. فقد تم تبذير ايراداتها خلال انفاقها على مجالات تشجع على الكسل و الاستهلاك و على حساب الاستثمار. الا ترى ان القطاع النفطي نفسه قد حرم من ايراداته. فظلت البلاد تعتمد على الخارج في مجال الاستثمار و الادارة مما ترتب عليه ان معظم عائدات النفط قد ذهبت للخارج.
و من الفرص الضائعة اهمال القطاعات الواعدة. الا ترى ان مشاريع البنية التحتية المنفذة لم تخدم القطاعات الواعدة اي السياحة و التجارة. اما كان بالإمكان تركيز مشاريع البينة التحتية في الطاقة التدريب المهني و استكشاف و تكرير المشتقات النفطية و الغازية.
و لا شك ان فشل عملية التنمية في اليمن يعد من احد الاسباب التي تفق وراء ثورة الشباب. و الدليل على ذلك ان المطالب الاقتصادية تعد جزاء مهما من مطالب شباب الثورة.
و لذلك فان تحقيق التنمية سيكون من اهم القضايا التي ستحتل المركز الاول في سلم الاولويات بعد نجاح الثورة. لاذا ما تم تقيم اوضاع اليمن فإنه سيجد انه ما زال يتوفر له فرص حقيقية للنجاح في تحقيق تنميته. انه يمتلك المحركات و الاجنحة لها. و الاهم من ذلك انه يمتلك اهم مكون من مكونات التنمية الاهم و هو العنصر البشري. فقط يجب عليه ان يوفق في اختيار سياسيين صادقين و مخلصين يعملون على تبني الرؤى الاقتصادية المناسبة لليمن و على قناع الراي العام بها.
هذه الورقة ستناقش القدر المتوفر من الموارد الطبيعية لليمن و الاسباب التي وقفت وراء عدم استغلالها الاستغلال الامثل و التعثرات التي نجمت عن ذلك ثم اخيرا سيتم تقديم خطوط عام للرؤيا الاقتصادية القادرة على تحقيق التنمية الاقتصادية.
اولا: محددات التنمية الاقتصادية في اليمن
مما لا شك فيه ان اليمن يتمتع بموارد طبيعة و بشرية معقولة تمكنه من تحقيق مستويات افضل من التنمية الاقتصادية بكثير مما حققه خلال الفترات الماضية. و في هذا الاطار يمكن ايراد اهم مؤشرات الموارد الطبيعية و البشرية المتوفرة و ذلك على النحو التالي.
1. الموارد الطبيعية
تقدر المساحة الإجمالية للبلاد بحوالي 55 مليون هكتار و تبلغ المساحة القابلة للزراعة حوالي 1.67 مليون هكتار أي بنسبة 3% من إجمالي المساحة الكلية للبلاد. أما المزروعة فعليا فتبلغ حوالي 1.14 مليون هكتار و بنسبة تتراوح بين 70% و84% من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة بحسب معدل نزول الأمطار. و مع ذلك فان اعتماد الاقتصاد اليمني على الزراعة لا زال كبيرا. فالقطاع الزراعي يساهم بما يقارب من 16% من الناتج المحلي كما في عام 2004 و يشغل أكثر من 60% من القوى العاملة و يعتمد عليه بشكل مباشر او غير مباشر أكثر من 70% من السكان. إذ انه لا زال هو النشاط الرئيسي في الريف اليمني.
و يتمتع اليمن بتنوع المناخ الذي يمكنه من زراعة محاصيل متعددة و متنوعة الا أنه يعاني من مشاكل محدودية الأراضي و شح المياه. فدرجات الحرارة تتباين بحسب الاختلاف في الارتفاعات بين 15 درجة مئوية في إقليم المرتفعات و 30 درجة مئوية في الوديان و 40 درجة مئوية في إقليم الهضبة الشرقية و الصحراء و قد تنخفض درجة الحرارة إلى ما دون الصفر في فصل الشتاء.
يتوفر للبلاد ثروة حيوانية متواضعة تتكون من 4.8 مليون من الأغنام و 4.3 مليون من الماعز و 1.34 مليون من الأبقار و 0.19 مليون من الإبل وفقا لإحصائيات عام 2000. بالإضافة إلى ذلك يوجد في البلاد حوالي 0.107 مليون خلية نحل وعدد من مزارع الدواجن.
تقع اليمن ضمن الدول الفقيرة بمواردها المائية.إذ يتراوح معدل سقوط الأمطار ما بين 50 مليمتر سنويا في الشريط الساحلي و 200-400 مليمتر في المرتفعات الجبلية الغربية و إلى اقل من 50 مليمتر في الهضبة الشرقية و السواحل. وعلى هذا الأساس فان معظم مناطق اليمن تقع في المناطق المدارية شبه الجافة. والمياه الجوفية المتوفرة في بعض المناطق محدودة و قابلة للنفاد خلال فترة قصيرة. إذ يصل حجم الموارد المائية المتاحة سنويا حوالي 2500 مليون متر مكعب سنويا في حين يصل حجم الموارد المائية المستخدمة في عام 2000 إلى حوالي 3400 مليون متر مكعب سنويا. يستخدم القطاع الزراعي حوالي 90% من إجمالي المياه المستغلة.
و ينبغي هنا ان نشير الى ان اليمن تتمتع بمصادر طاقة متعددة أي النفط و الغاز و الرياح و الشمس و المياه الحارة. و في ظل استغلال هذه المصادر فانه يمكنه معالجة مشكلة المياه الى حد كبير.
تمتلك اليمن حوالي 3 مليار برميل من النفط الخام القابل للاستخراج. ان هذا القدر من الاحتياطي متواضع جداً مقارنة بالدول الأخرى، و في حال استمرار معدل الإنتاج اليومي الحالي فان هذا المخزون سيستنفذ خلال العشرين السنة القادمة. من الممكن الحصول على مخزون جديد في حال القيام باستكشافات جديدة. لكن ينبغي ان نأخذ بعين الاعتبار ان الاستكشافات النفطية في اليمن في الماضي كانت من النوع المحدود. فلم يتم حتى الآن اكتشاف أي حقول ضخمة. و من ثم فان الاستكشافات المستقبلية قد تكون من نفس النوع. ان ذلك يعني ان اليمن لا يتوقع ان تتحول إلى منتج كبير للنفط. و في أفضل الأحوال يمكن ان تحافظ فقط على حجم الإنتاج الحالي او قريبا منه.
تشير التقديرات الرسمية بان اليمن تملك احتياطياً غازياً يقدر بحوالي 14 تريليون قدم. في الوقت الحالي يتم استغلال جزء ضئيل من الغاز المصاحب أي حوالي 5% فقط لتغطية الاستهلاك المحلي في حين يتم إعادة ضخ المتبقي إلى الحقول مرة ثانية لعدم إمكانية استغلاله تجاريا.
يمكن لليمن أن تستغل تعدد المناخات و الآثار التاريخية للترويج للسياحة في اليمن. وعلى الرغم من التطور الذي حدث في البنية التحتية للقطاع السياحي إلا أنها لا زالت اقل من المستوى المطلوب لجذب السواح. ففي الآونة الأخيرة تم بناء عدد من الفنادق و المنتجعات إلا أن مستوى خدماتها أما متدني أو أن أسعارها مرتفعا مقارنة بالدخل المحلي.
تتميز اليمن بطول سواحلها التي تبلغ حوالي 2000 كيلومتر على البحر الأحمر و خليج عدن و بحر العرب، و هناك عدد كبير من الجزر المنتشرة على هذه البحار. و تدل الدراسات المتعددة على غناء هذه السواحل و الجزر بالثروة السمكية. إذ تقدر القدرة الإنتاجية لهذه السواحل بحوالي 400 ألف طن سنويا. في الوقت الحاضر يبلغ الإنتاج السنوي حوالي 135 ألف طن سنويا.
يتم الاصطياد في الوقت الحاضر بواسطة قوارب صيد صغيرة حيث تصطاد ما يقارب من 80% من إجمالي الصيد. ولا توجد في البلاد أي صناعة سمكية متطورة قادرة على المنافسة في الأسواق الخارجية. و مع ذلك فان مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الاجمالي لا يزيد عن.0.2%. ان استغلال الثروة السمكية المتاحة محلية يحتاج الى استثمارات كبيرة ينبغي توفيرها في ظل الموارد المتاحة.
تشير العديد من المصادر الرسمية و غير الرسمية الى وجود بعض المعادن المهمة مثل الذهب و البلاتنيوم و التيتانيوم و الجبس و الرخام و بعض المناجم الحجرية. غير انه ينبغي التنبيه إلى أن الدراسات الأولية لم تشر إلى حجم الجدوى الاقتصادية لاستغلال هذه المعادن. ونظرا للطبيعة الجيولوجية لليمن فانه يتوفر فيه عدد كبير من الأحجار ذات الخصائص الجيولوجية و الجمالية المتعددة. و قد تنبه اليمنيون لذلك منذ القدم فأقاموا المحاجر المختلفة لاستخراج الأحجار المختلفة و استخدامها في البناء. و قد طور اليمنيون أيضا أساليب للبناء متميزة تنسجم مع المظاهر الجمالية للأحجار اليمنية.
تتمتع اليمن بموقع جغرافي ممتاز بأهلها لتحويل نفسها إلى مركز تجاري إقليمي مهم. فاليمن تقع على مقربة من أهم مراكز الإنتاج العالمية الحالية والمستقبلية. تحتل منطقة جنوب شرق أسيا مركز مهما في التجار ة الدولية. هذه المنطقة تشارك فيما يقارب من 20% من حجم التجارة الدولية. تأتي اليابان في مقدمة هذه الدول ثم الصين وكوريا واندونيسيا وماليزيا. من المتوقع أن يزداد نصيب هذه المنطقة من التجارة الدولية وذلك بسبب النمو المتصاعد في الاقتصاد الصيني مما سيؤدي إلى زيادة نصيبها من التجارة الدولية في المستقبل.
لقد أدى انتشار التجار اليمنيون في جميع مناطق الجوار. مثل التجار اليمنيون أهم التجار في كل من السودان وإثيوبيا واريتريا وجيبوتي والصومال والمملكة العربية السعودية وغيرها من دول العالم. بالإضافة إلى ذلك فان التجار اليمنيين يتواجدون بقوة في كل من اندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وغيرها من دول جنوب شرق أسيا. إن هذه التواجد يمثل أهم حلقة بين الدول المنتجة والدول المستهلكة يمكن البناء عليه لتحويل اليمن إلى مركز تجاري إقليمي. يجاور اليمن عدد من الدول أهمها المملكة العربية السعودية وعمان والسودان واريتريا وإثيوبيا والصومال وجيبوتي وعدد من الدول الأخرى. يزيد عدد سكان هذه الدول عن 100 مليون شخص ويزيد الناتج القومي لهذه الدول عن خمسين مليار دولار.
2. الموارد البشرية
يبلغ سكان اليمن في الوقت الحاضر حوالي 23 مليون نسمة. و يتزايد السكان بمعدل مرتفع يبلغ حوالي 3 % سنويا. ارتفع عدد السكان في سن العمل (15 سنة فأكثر) من 7.6 مليون في عام 1995 إلى 9.3 مليون في عام 2000 وبمعدل نمو سنوي قدره 4.1%. وبطبيعة الحال فانه لا يمكن تصور أن يدخل سوق العمل جميع من هم في سن العمل لاعتبارات متعددة. كما بلغت نسبة مشاركة القوى العاملة في عام 2000 حوالي 56% و تتوزع على النحو التالي. نسبة مشاركة الذكور حوالي 35% ونسبة مشاركة الإناث حوالي 11%. ويلاحظ تغير ملموس في هيكلية القوى العاملة خلال الفترة من 1995 إلى 2000. إذ كانت نسبة المشاركة الإجمالية في عام 1995 حوالي 46% موزعة على النحو التالي: نسبة مشاركة الذكور حوالي 37% ونسبة مشاركة الإناث حوالي 9%.
ثانيا: اسباب فشل عملية التنمية في اليمن
فعلى الرغم من هذه الموارد الطبيعية و البشرية فان اليمن لم يحقق ما كان يمكن تحقيقه خلال الفترات الماضية. فقد ظل لاقتصاد اليمني يعاني من عجز في الإنتاج و من عدم عدالة في التوزيع. فعجز الإنتاج يتضح من البطالة المزمنة التي يعاني منها الاقتصاد اليمني و من حجم الموارد الطبيعية الكبيرة غير المستغلة. و كذلك من خلال تدني إنتاجية كل من الموارد الطبيعية و الموارد البشرية التي يدل عليه كل من تدني مستويات التعليم و انخفاض العائد عليه و تدني الأجور و العائد على رأس المال.
يعاني الاقتصاد اليمني من غياب العدالة في التوزيع. و يتضح من سوء توزيع الموارد العامة كما تظهره بنود و اقام الموازنات العامة خلال السنوات الماضية. و كذلك حجم الدين العام الكبير و عدم توفر نظام فعال للرعاية الاجتماعية و تدني الخدمات الصحية و تضخم الخدمة المدنية و ارتفاع نفقات الدفاع و الأمن.
و يعاني الاقتصاد اليمني من قدر كبير من التبذير و الاهدار. فيما يخص تبذير الأسرة فان المؤشرات على ذلك كثيرة جدا. انظر فقط الى حفلات الزفاف او الموت او الى العزائم و الضيافات فسيلاحظ ذلك بشكل كبير. و فيما يخص عدم انضباط المؤسسات الاقتصادية فيتضح من العشوائية الكبيرة التي يتم بها التخطيط و التنفيذ للمشاريع العامة و الخاصة و لذلك فان الوقت الذي يستغرقه انجازها كبير جدا مقارنة بنفس المشاريع في الدول الاخرى.
ان هذه الممارسات لم تكن عابرة و انما كانت ظاهرة بارزة. و يتضح ذلك من خلال استعراض أهم المحطات التاريخية للاقتصاد اليمني و الكيفية التي تفاعل بها مع مكونات النظام السياسي في اليمن. فقبل الوحدة كان اقتصاد المحافظات الشمالية يعاني من عدم الاستغلال الامثل للموارد و من سوء عملية التوزيع.
و قد نتج ذلك نتيجة لاتباع الحكومات المتعاقبة سياسة اقتصادية انغلاقية، تمثلت في تثبي سعر الصرف وزيادة الرسوم الجمركية وتحديد سقوف للاستيراد، بل وعملت في بعض الحالات إلى منع الاستيراد كلياً، واستمرت في زيادة الإنفاق العام ومولت العجز عن طريق الاقتراض من البنك المركزي.
أما اقتصاد المحافظات الجنوبية فقد كان اقتصادا مركزيا مخططا تسيطر الدولة عليه بشكل كامل. فقد قامت حكومات ما عبد الاستقلال بتأميم كل الانشطة الاقتصادية و احتكارها من قبل الدولة. الامر الذي ادى الى اغلاق البلاد كليا على الرغم من كون البلاد فقيرة و معتمدة على بعض الانشطة التجارية و تلك المرتبطة بالملاحة الدولية و مينا عدن.
و عندما توحد الشطران في عام 1990 كان اقتصاد الدولة الجديدة انعكاسا حقيقيا لاقتصاد الشطرين السابقين الضعيفين. و قد ساعد على استمرار ذلك استمرار حكومات الوحدة بتطبيق نفس السياسات الاقتصادية السابقة. و قد زاد من الاثار السلبية لهذه السياسات كون بعضها متناقضة جدا. فلفترة طويلة ظل الاقتصاد في المحافظات الشمالية يدار من خلال النظام الاقتصادي المختلط و الاقتصاد في المحافظات الجنوبية يدار من خلال النظام الاقتصادي الموجه. و قد اثر ذلك بدون شك على ثقة المستثمرين المحليين و الخارجين.
و لسوء حظ اليمن فقد ترافق ذلك مع حدوث تطورات داخلية و خارجية غير مواتية أثرت سلبا على الأوضاع الاقتصادية فيه. ولعل أهم هذه التطورات اندلاع الازمات السياسية وعودة أعداد كبيرة من المغتربين العاملين في الدول المجاورة نتيجة لحرب الخليج الثانية.
فبعد وقت قصير من اتمام عملية الوحدة اندلع صراع سياسي خفي في بداية الامر و ظاهر بعد ذلك بين المؤتمر الشعبي العام الذي كان الحزب الحاكم في الشمال و الحزب الاشتراكي الذي كان حاكما في الجنوب. و لقد كان لهذا الصراع اثارا مدمرة على الاقتصاد اليمني
ورغم أن عودة المغتربين كانت قد بدأت بشكل تدريجي منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي نتيجة لتشبع أسواق العمالة الخليجية وعدم قدرة العمالة اليمنية غير الماهرة على منافسة العمالة الأخرى، إلاّ أن عودة أعداد كبيرة في وقت واحد كانت له آثار مدمرة على الاقتصاد اليمني الذي لا يملك المقومات الأساسية لاستيعابهم. و لقد ترتب على ذلك تدني معدل النمو الاقتصادي الذي كان سالبا. و يمكن القول بان الاقتصاد اليمني كان على وشك الانهيار.
ونتيجة لذلك فقد وصل الاقتصاد اليمني الى حافة الانهيار الشامل في عام 1994. و على الرغم من سعي الحكومات المتعاقبة للتعامل مع ذلك فلم تنجح في انتشال الاقتصاد اليمني من حالة الشلل و الركود. و لعل أهم هذه البرامج البرنامج الذي بدء بتطبيقه في عام 1995. فقد عان الاقتصاد من أزمة اقتصادية حادة بلغت مداها في بداية عام 1995، وعلى إثر ذلك بادرت الحكومة وبمساعدة كل من الصندوق والبنك الدوليين إلى إعداد وتطبيقه برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي والمالي المعزز للفترة 1995-2001 وقد قسم البرنامج إلى مرحلتين هدفت المرحلة الأولى منه إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي (برنامج التثبيت) وهدفت المرحلة الثانية منه إلى إعادة هيكلة الاقتصاد (برنامج إعادة الهيكلة). وقد تولى صندوق النقد الدولي مهمة الإعداد والإشراف على برنامج التثبيت، في حين تولى البنك الدولي مهمة الإعداد والإشراف على برنامج الإعداد والإشراف على برنامج إعادة الهيكلة.
و في عام 2006 كانت هناك محاولة جديد لإصلاح الاقتصاد اليمني الا ان هذه المحاولة توقفت تماما في عام 2007. وعلى الرغم من ذلك فان الاوضاع الاقتصادية لم تتحسن. فقد ظل الاقتصاد اليمني يعاني من نمو اقتصادي ضعيف لم يتجاوز 3%. و قد ترافق ذلك مع ارتفاع معدل البطالة الى معدلات قياسية تتجاوز 40% و انخفاض معدل الدخل الحقيقي و تصاعد كبير في مستويات الاسعار.
و قد بلغ التفاقم في هذه المؤشرات نسبا قياسية مباشرة قبل يناير 2011 اي قبل اندلاع ثورة الشباب. فعلى سبيل المثال فان معدل النمو الاقتصادي كان قربيا من صفر او سالبا. و قد وصلت نسبب العجوزات التي تعاني منها الموازنات العامة حسابات ميزان المدفوعات اليمني الى نسب مخيفة، فقد فاق عجز الموازنة العامة 10% ووصل العجز في ميزان المدفوعات الى ما يقارب 8%. وتقلص حجم الاحتياطي من العملة الصعبة الى النصف تقريبا.
و ما من شك ان العشرة الاشهر الماضية من عمر الثورة قد عملت على حدوث تدهور كبير في هذه المؤشرات. و نتيجة لذلك فانه يمكن القول بان الاقتصاد اليمني قد وصل الى مرحلة الانهيار الشامل.
و لسوء الحظ فان ما يطلق عليها بحكومة الوفاق الوطني قد حذت حذو الحكومات السابقة في تكرار نفس الاخطاء القاتلة. فبرنامجها المقدم الى مجلس النواب ما هو في حقيقة الامر الا تجميعا لبرامج الحكومات السابقة و التي فشلت في تحقيقها.
فبرنامجها هذا لا يحتوي على اي اولويات لا في الاجل القصير و لا في الاجل الطويل مما يشير الى فشله. فقد كان من المفترض ان يعبر عن حقيقة الاوضاع الاقتصادية الحالية و المتوقعة.
انه بذلك بعبر عن توجه هذه الحكومة لممارسة التضليل و الكذب على الناس. و الدليل على ذلك ان برنامجها هذا قد احتوى على كل ما يخطر على بال من غير اكتراث بمدة توفر التمويل الكافي و الوقت الكافي و القدرة الاستيعابية.
و على هذا الاساس فان المتوق من حكومة هذا برنامجها غير المفشل الذريع لان الاوضاع الحالية و المستقبلية اصعب بكثير من الاوضاع التي كانت سائدة خلال الفترات الماضية.
ثالثا: الامراض المزمنة التي يعاني منها الاقتصاد اليمني
فنتيجة للممارسات الخاطئة التي ارتكبتها الحكومات اليمنية المتعاقبة خلال الفترات الماضية يمكن القول بان قد احدثت في الاقتصاد اليمني الامراض المزمنة التالية و التي تحتم على حكومة ما بعد نجاح الثورة التعامل معه باسرع وقت و بأكبر جهد.
1. عدم كفاية البنية التحتية الصلبة
تعاني اليمن من نقص حاد في الطاقة الكهربائية و قصور كبير في مجال الطرق و تدني كبير في التكنولوجيا الحديثة و البحث العلمي. فالاقتصاد الزراعي لا زال يمثل اهم القطاعات تشغيلا للعمالة و اكبرها مساهمة في الناتج القومي المحلي.
2. عدم فعالية البنية التحتية المرنة
هناك قصور واضح في قدرة الدولة على إدارة شئون البلاد وفقا لاختصاصاتها المحددة في الدستور لأنها لا يوجد اي هيكلية تنظيمية فعالة. و نتيجة لذلك فقدت اي قدرة لها على التنسيق فيما بينها و فيما بينها و بقية مكونات المجتمع. و قد تسبب ذلك في غياب كامل لكل من الشفافية و المسئولة.
لا يوجد تحديد دقيق لوظائف الدولة في اليمن و على وجه التحديد وظيفتها الاقتصادية. فعلى الرغم من إعلان اليمن بأنها تتبع النظام الرأسمالي أي الاقتصاد الحر أي اقتصاد السوق فان الوظيفة الاقتصادية للدولة في الوقت الحاضر لا يتفق مع ذلك تماما. و قد ترتب على ذلك وجود العديد من جوانب القصور في قيام الدولة بوظائفها الاقتصادية.
تعاني السلطة التنفيذية في اليمن من جوانب قصور متعددة. ما من شك أن لمؤسسة الرئاسة دورا بارزا في القرار السياسي في اليمن. فالدستور اليمني قد أعطا لها صلاحيات واسعة. و نتيجة للخلفية التاريخية فان رئيس الدولة يمارس دورا سياسيا يفوق حتى ذلك الدور الذي حدده له الدستور. و لذلك فانه لا يستطيع ان يقوم بواجباته على الوجه المطلوب.
و في إطار مجلس الوزراء فان الواجبات و الصلاحيات بين المجلس و رئيسه و الوزراء غير متوازنة لصالح رئيس المجلس. و لا يختلف الامر فيما يخص العلاقة بين الوزير و القطاعات و المؤسسات التابعة له. فلا يوجد توزن بين الواجبات و الصلاحيات لصالح الوزير.
ولقد ترتب على ذلك عجز الحكومة عن القيام بواجباتها الدستورية على أكمل وجه. و في هذا الإطار فانه لا بد من تحديد واجبات مجلس الوزراء و علاقته بالوزارات و الجهات التابعة له. فمجلس الوزراء لا ينبغي ان يمارس بعض اختصاصات الوزارات و الجهات.
تعاني السلطة القضائية هي الاخرى جوانب قصور متعددة. فهي لا تتمتع بالاستقلال و لا بالاحترام من قبل غالية المواطنين. و لذلك فإنها غير قارة على ممارسة دورها في تحقيق العدالة بين المواطنين ناهيك عن قدرتها على ممارسة هذا الدور بين المواطنين و السلطات السياسة او بين السلطات السياسة ذاتها.
لقد اثر ذلك و بشكل كبير على سيادة القانون. فالعديد من القوانين لا تطبيق و اذا طبق بعضها فان ذلك يتم بانتقائية شديدة. و في ظل قضاء كهذا فانه لا معنى للحديث عن الحكم الصالح و لا عن احترام حقوق الإنسان و لا عن أي نوع من العدالة. و على وجه التحديد فان تحقيق العدالة الاجتماعية يكون صعب المنال.
مجلس النواب هو الآخر يعاني من مظاهر العجز و القصور الشديد. و يظهر ذلك جليا من خلال ملاحظة حجم القوانين والتشريعات التي ناقشها المجلس و اقرها منذ أول مجلس منتخب و حتى اليوم. صحيح ان هناك عددا كبيرا منها لكن تأثيرها على الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي محدود للغاية.
أما فيما يخص الدور الرقابي الذي يلعبه المجلس على الجهاز التنفيذي، فانه يمكن القول بان المجلس يقوم بذلك بشكل مقبول. فمن الواضح ان المجلس قد شكل العديد من اللجان للتحقيق في العديد من الموضوعات. و من الواضح كذلك بان هذه اللجان قد أعدت العديد من التقارير. و من الواضح ان مناقشة المجلس لهذه التقارير كانت قوية و شفافة. لكن للأسف فان التوصيات التي تصدر أما عامة او ضعيفة او غير عملية.
هناك ازدواجية بين وظيفة الدولة في اليمن ووظيفة القبيلة. و لا شك ان ذلك قد انعكس سلبا على عمل مؤسسات الدولة الحديثة التي تقوم على أساس المواطنة المتساوية و التعاون بين أصحاب المهن و بين المستفيدين من الخدمات العامة و اللجوء الى مؤسسات الدولة المختصة لتوفير الأمن و تطبيق العدالة و غيرها من المؤسسات الاخرى.
و كذلك فان القطاع الخاص في اليمن في الوقت الحاضر غير قادر على القيام بهذه الوظائف على النحو المطلوب. يتكون القطاع الصناعي في اليمن من القطاع الصناعي العام و الذي يضم حاليا 26 مؤسسة صناعية عامة و معظم هذه المؤسسات تعاني من مشاكل متعددة و لذلك تعمل الحكومة الآن على خصخصة معظمها. أما القطاع الخاص فيضم العدد الأكبر من المؤسسات الصناعية في البلاد.
فالقطاع الخاص في اليمن لا زال يعاني من عدد كبير من المشاكل ويواجه الكثير من العقبات. إذ يتكون القطاع الخاص في اليمن من مكونين: القطاع الخاص المنظم و القطاع الخاص غير المنظم. فالقطاع الخاص المنظم هو إجمالي عدد المؤسسات الخاصة التي لها عنوان و مسجلة لدى الدوائر الرسمية و معروف نشاطها على وجه التحديد. أما القطاع الخاص غير المنظم فهو إجمالي عدد المؤسسات الخاصة التي ليس لديها عنوان صحيح و غير مسجلة لدى الدوائر الرسمية أو مسجلة ولكن لا يعرف نشاطها على وجه التحديد. فكثير من أصحاب المؤسسات الخاصة لا يعطون معلومات كافية عن اماكن تواجد مؤسساتهم أو عن أنشطتهم بهدف التهرب من الضرائب أو لممارستها التهريب أو لعدم ادارك أهمية إعطاء المعلومات الصحيحة.
يعاني اليمن من ضعف واضح لمؤسسات المجتمع المدني في اليمن فان لا توجد أي ضغوط على الحكومة لتبني قدر اكبر من الشفافية و اللامركزية. و لا يمكن في الوقت الحاضر ممارسة القدر الكافي من المساءلة للحكومة و في الحدود التي يسمح بها الدستور و القانون.
3. تخلف القطاع الزراعي
و يتمثل ذلك في تدني انتاجية الفدان مقارنة بالدول المشابهة و كذلك في ان والجزء الأكبر من المحاصيل الزراعية هي محاصيل إما غير نقدية او ذات قيمة نقدية متدنية. فمحاصيل الحبوب ذات النوعية الرديئة تمثل حوالي 60% من إجمالي قيمة المحاصيل الزراعية، وتمثل قيمة محاصيل القمح فقط 8% من هذه النسبة. أما المحاصيل النقدية مثل الفواكه و الخضروات فتبلغ قيمتها حوالي 14%، و الباقي هي قيمة محصول القات.
4. اعتماد الاقتصاد اليمني على قطاع النفط
فعلى الرغم من انه يمثل مورد سريع النضوب فانه يساهم بحوالي 30% من الناتج المحلي، و تمثل الصادرات النفطية حوالي 95% من إجمالي الصادرات. وتمثل عائدات النفط المصدر الأول للعملة الصعبة. و تمثل حوالي 74% من الإيرادات الحكومية.
5. كبر حجم قطاع الخدمات
ان هذا القطاع يمثل رديفا للقطاع النفطي و بالتالي فان نضوب النفط سيؤثر سلبا عليه و على الاقتصاد الوطني. و يأتي في المرتبة الثانية قطاع التجارة والمطاعم والفنادق حيث يشغل حوالي 12%. أما قطاع الخدمات الحكومية فيشغل ما نسبة 11.4% و يشغل قطاع الخدمات الاجتماعية ما نسبة 7% وقطاع التشييد والبناء يشغل ما نسبة 6.6% و يأتي في المرتبة الأخيرة قطاع الصناعة التحويلية الذي يشغل ما نسبة 3.7% فقط. و لا زال القطاع العام و المختلط يساهم بنسبة كبيرة من الناتج المحلي الاجمالي.
اما فيما يخص الموارد البشرية فاليمن ضمن أكثر الدول سكاناً في الجزيرة العربية، والتي أصبحت منطقة جذب للعمالة في الإقليم، ويمكن لليمن أن تستفيد من هذا الوضع إذا ما أحسنت استخدام عنصرها البشري بكفاءة عالية. و مع ذلك فانه لم ينجح في استغلال هذا المورد الاستغلال الأمثل كما يتضح ذلك من المؤشرات التالية.
6. تدني مستويات الأجور
يعاني اليمن من اختلال واضح في معدل الأجور. فإذا كان من المفروض أن تتحدد الأجور في القطاع الخاص بين العامل والمستخدم غير ان ذلك لم يحدث بشكل كامل لان الأجور في القطاع الحكومي تتحدد وفقا للائحة الأجور والمرتبات التي تصدرها وزارة الخدمة المدنية. و لا شك ان ذلك يؤثر على تحديد مستوى الأجور في القطاع الخاص حيث إنها لا يمكن أن تكون اقل من الأجور في القطاع الحكومي. إن هذه الممارسة تضع قيودا على تحرك الأجور الاسمية مما يفسر انخفاض الأجور الحقيقية.
7. تدني مستوي التعليم
على الرغم من إن دستور الجمهورية اليمنية ينص في المادة 53 على إن "التعليم حق للمواطنين جميعا تكفله الدولة وفقا للقانون بإنشاء مختلف المدارس والمؤسسات الثقافية والتربوية, والتعليم في المرحلة الأساسية إلزامي, وتعمل الدولة على محو الأمية وتهتم بالتوسع في التعليم الفني والمهني" إلا أن أعدادا كبيرة ممن هم في سن التعليم لا يحصلون عليه. ومن يحصل عليه لا يحصل على التعليم المطلوب.
بلغت نسبة الأمية في البلاد في عام 2000 بين السكان (15 سنة فأكثر) حوالي 55.7% في حين كانت حوالي 62.73% في عام 1995. بلغ الالتحاق في التعليم الأساسي (6-15 سنة) في عام 2000 حوالي 17.5% من السكان و 36 % من إجمالي عدد سكان الفئة العمرية. و لذلك فأن نسبة كبيرة ممن هم في سن الالتحاق لم يلتحقوا. كما ان نسبة الطلاب في المرحلة الثانوية لا يتجاوز10 % من مجموع الفئات العمرية. و تبلغ نسبة الملتحقين في التعليم الجامعي حوالي 5% من الفئة العمرية (19-23 سنة). وهذه نسبة منخفضة مقارنة بعدد السكان.
و لم يتغير الامر كثيرا في عام 2007. فقد بلغت نسبة التحاق في المرحلة الابتدائية من التعليم الأساسي 60% في عام 2006/ 2007 "70% للذكور و49% للإناث. وهناك مليوني طفل يحتاجون الصفوف أكثر لمدارس في الوقت الحاضر. و يبلغ معدل الإعادة في كل الصفوف أكثر من 5% وأكثر من 3.9% للإناث. و بالرغم من سياسة الترفيع الآلية في الصفوف الثلاثة الأولى إلا أن نسبة التسرّب في الصف الأول أساسي بين كل من الإناث والذكور هي أعلى نسبة بين كل الصفوف من 1- 12 من التعليم العام حيث تصل الى "19% للذكور و18.3% للإناث"، ويليه الصف التاسع "1.18% للذكور و1.16% للإناث". أن نصف من يلتحق فقط بالصف الأول أساسي يكملون التعليم الأساسي و38% يكملون التعليم الثانوي.
و تتركز خدمات هذا النوع من التعليم في الحضر مما يفسر محدودية أعداد الملتحقين فيه ومع ذلك فان نسبة الاستيعاب ظلت منخفضة نسبيا. و يلاحظ أن الفجوة بين الريف والحضر لم تتحسن كثيرا خلال الفترة من 1994 إلى 2000. حيث كانت الفجوة 31% في عام 1994 في حين انخفضت في عام 2000 إلى%. إن ذلك يعني انه لا يوجد توزيع عادل للخدمات التعليمية بين الريف والحضر.
وهناك فجوة بين الذكور والإناث في كل المستويات. فقد بلغت الفجوة الاستيعابية بين الذكور والإناث في عام 1994 حوالي 48%. وقد ضاقت هذه الفجوة إلى حوالي 38% في عام 2000. ولا يوجد تناسب بين عدد سكان المحافظات ونسب الالتحاق والاستيعاب سواء على مستوى التعليم الأساسي أو الثانوي أو الجامعي.
8. انخفاض العائد على التعليم
أظهرت نتائج القياس انخفاض العائد على التعليم بشكل عام. حيث بلغ العائد الإجمالي على التعليم حوالي 2%. إن تدني العائد على التعليم قد تسبب في انخفاض إنتاجية العامل. وفي هذه الحالة فان قدرة البلاد على تحقيق معدلات نمو اقتصادية كبيرة يصبح أمرا صعبا للغاية. وهذا ما حدث بالفعل.
أظهرت النتائج ارتفاع عائد التعليم للإناث عن عائد التعليم للذكور. عائد الإناث بلغ حوالي 2.3% بينما بلغ عائد الذكور حوالي 1.8%. فكما كان العائد العام على التعليم في اليمن منخفضا فان العائد على مستويات التعليم منخفض أيضا. لكن من الملفت للنظر أن العائد على مستويات التعليم في اليمن منخفض جدا مقارنة بالدول الأخرى. أظهرت النتائج ارتفاع العائد على القراءة والكتابة على جميع مستويات التعليم يليها العائد على التعليم الجامعي. أما العائد على التعليم الابتدائي فقد كان سالب وكذلك العائد على التعليم المهني والتعليم العالي. بينما كان عائد التعليم الإعدادي والفني منخفضا جدا.
من الملفت للنظر أن العائد على مستويات التعليم على مستويات المحافظات يختلف من محافظة إلى أخرى. ربما يعكس ذلك تفاوت مستويات التعليم بين المحافظات. فالمحافظات التي تتمتع بمستويات تعليم كبيرة نجد فيها العائد على المستويات الدنيا اكبر من عائد المستويات العليا والعكس صحيح أيضا.
9. عدم انتظام أسواق العمل
لم تتمكن أسواق العمل في اليمن من الانتظام و يرجع ذلك الى العديد من العوامل. فبعد قيام الوحدة المباركة ازدادت الأمر سوءا من خلال فشل الحكومة في إقامة المؤسسات القادرة على إدارة الاقتصاد بكفاءة عالية. فقد تم تسيس الوظيفة العامة عن طريق التقاسم الأمر الذي أدى إلى زيادة التوظيف العام بدون ضوابط أو حدود. و تم أيضا التلاعب في معايير الترقية و التعين. و كانت نتيجة ذلك كله جهاز بيروقراطي متضخم و غير متناسق و غير منسجم. الأمر الذي شل الأجهزة الحكومية و أعاقها عن العمل. و لا زال الاقتصاد اليمني يعاني من هذه الظاهرة إلي يومنا هذا حيث لم تنجح المحاولات المختلفة لإصلاح الخدمة المدنية.
لم يتوقف اثر ذلك على أداء الخدمة المدنية و إنما امتد ليشمل التأثير السلبي على التفوق في المجال التعليمي و على إقبال القوى العاملة على وظائف القطاع الخاص. و بشكل عام لقد اثر ذلك على الأداء الاقتصادي الكلي.
10. عدم استقرار الأسعار
عدم استقرار الأسعار في اليمن الذي يمكن القول بأنه ظل لفترة طويلة يعاني من تضخم مزمن. و يمكن توقع تفاقم هذه المشكلة إذا ما عرفنا بأن الاقتصاد اليمني يعتمد على الخارج في تلبية حاجاته و خصوصاً حاجاته من السلع الأساسية بما لا يقل عن 70%، و لذلك فإنه لن يكون قادرا على مواجهة أي انخفاض في أسعار النفط و التي يمثل أكثر من 95% من صادراته، و ارتفاع أسعار المواد الأساسية و التي تمثل أكثر من 80% من وارداته.
11. العجز المزن في الموازن العامة للدولة
ظلت الموازن العامة تعاني من عجز مزمن سواء من خلال معدل عجز الموازن الظاهر او الخفي و المتمثل في الالتزامات الحكومية التي يتم تأجيلها من سنة الى أخرى. و قد ترتب على ذلك ارتفاع الدين العام الداخلي ووصوله الى أحجام كبيرة تهدد التوازن الداخلي. و من الواضح أن الدين العام الداخلي والخارجي قد وصل في الوقت الحاضر إلى مستويات غير آمنة. إذ يبلغ حجم الدين العام الداخلي ما يقرب من 40% من الناتج المحلي و يبلغ حجم الدين الخارجي ما يقرب من 30% من الناتج المحلي الإجمالي، أي أن حجم الدين العام بنوعيه يقرب من 70% من الناتج المحلي.
12. عدم عادلة توزيع الخدمات العامة و البنية التحيتية العامة
لقد ترتب على ذلك غياب شبه كامل للعدالة الاقتصادية. و قد تمثل ذلك في عدم توزيع الخدمات العامة على المستهدفين و عدم خضوع الاستثمارات العاملة لمعاير اقتصادية و اجتماعية.
13. انتشار الممارسات الاحتكارية
فحتى في ظل الحرية الاقتصادية فانه لا يمكن ضمان تحقق المنافسة العادلة التي تفيد جميع الأطراف. ففي حالات معينة يكون الوضع الاحتكاري هو الوضع الطبيعي مثل إنتاج الكهرباء أو تقديم خدمات التلفون الأرضية. و في هذه الحالة فان المستهلكين قد يخضعون لابتزاز المنتجين فيفرضون عليهم أسعارا كبيرة غير مبررة. و كذلك في حال العلاقة بين بعض العمال و رجال الأعمال و بين المستأجرين و المؤجرين و غير ذلك من الأمثلة التي لا تكون فيها القوة التفاوضية للطرفين متساوية.
14. ممارسة الغش و الخداع
في حالات كثيرة يكون من الممكن ممارسة الغش إما من قبل البائعين و إما من قبل المشترين. فعلى سبيل المثال في حال الخدمات الطبية لا يكون لدى المستفيدين منها معلومات كافية عنها الأمر الذي قد يعرضهم للغش و الخداع من قبل الممارسين لهذه الخدمات. فقد يتم التوصية بإجراء عملية في حين انه لا حاجة لها أو القيام بفحوصات لا ضرورة لها أو ارتكاب أخطاء دون أن يدركها المستفيد.
و بسبب عدم نضوج القطاع الخاص في اليمن فقد تدنت الكفاءة و العدالة المطلوبة في الاقتصاد اليمني نتيجة لعدم وجود الحجم و النوع المناسب في البنية التحتية فقد ترتب على ذلك.
15. حدوث تبذير كبير في الموارد النادرة.
من الواضح ان العديد من أفراد المجتمع اليمني يعانون من عدم الانضباط. فالعديد منهم يفضلون الكسل على العمل و التبذير على الادخار و العشوائية على التنظيم و الاكتفاء بما هو موجود على السعي الى الأفضل. و لأدراك حجم ذلك فما على الر اغبين في ذلك إلا ان يلاحظوا كم من الوقت ينفقون على أعمالهم. فعلى سبيل المثال فان الموظف حكومي او المدرس او الشرطي او غير هم لا ينفقون على أعماله إلا النزر اليسير من أوقاتهم. فان كان لا يرغب في تقييم نفسه فما عليه إلا ان يراقب الوقت التي يبذله زملائه في العمل أي عمل. فلا شك بان من يفعل ذلك سيصاب بصدمة كبيرة.
16. عدم التوازن بين الادخار و الاستثمار
و يتضح عدم الانضباط من خلال السلوك غير المنضبط لكل من الادخار العام و الخاص و الاستثمار العام و الخاص. و بشكل عام كلا من الادخار و الاستثمار القومي منخفض.
17. انتشار الفساد
يعاني اليمن من الفساد الذي اثر على كل من الاقتصاد و السياسية و الحياة الاجتماعية. يقصد بالفساد هنا اعطاء من لا يستحق ما لا يستحق و العكس. و بذلك فانه يشمل الفساد الاداري و المالي و السياسي و اجتماعي. فالفساد الاداري هو اسند الامر الى غير اهله مما ترتب عليه استغلال الوظيفة العامة لتحقيق المصالح الخاصة غير المشروعة و الاهمال و الفشل بالقيام ما يجب عليه القيام به من واجبات. اما الفساد المالي فيعني الحصول على المال العام خارق القانون و تخصيص المال العام بدون الحصول على تفويض من الشعب. اما الفساد السياسي فيتمثل بانعدام الشفافية و المسائلة. في حين يتمثل الفساد اجتماعي في التهرب من الواجبات الاجتماعية.
و لذلك فلا شك فان اليمن لم ينجح في تنويع مصادر الدخل فيه على الرغم من إمكانية ذلك اذا ما أخذنا حجم و نوع الموارد الطبيعية و كذلك حجم الموارد البشرية. و لذلك فان اليمن يعاني اليمن من تدني متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي. في عام 1960 كان إجمالي الناتج القومي اليمني هو 300 مليون دولار ومتوسط نصيب الفرد من الدخل القومي هو 80 دولارا. وذلك يساوي بأسعار عام 2000 حوالي 5 مليار ريالا للناتج المحلي و 13600 ريالا لنصيب الفرد من الدخل القومي.
في عام ألفين كان متوسط نصيب دخل الفرد قريبا من 300 دولار وذلك مساوي لنفس متوسط نصيب دخل الفرد تقريبا في عام 1960.فقد نما الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط خلال الفترة من 1990 إلى 2000 بمعدل سنوي يساوي 3.5%. وبلغ معدل النمو السكاني خلال نفس الفترة حوالي 3.7%. الأمر الذي يعني انخفاض نصيب الفرد من الدخل القومي. ان هذا التدني لمتوسط نصيب الفرد من الدخل القومي يرجع الى العديد من الاختلالات الاقتصادية و التي تسببت في تدني العمل الجاد و الانضباط و اغتنام الفرص. فمعد البطالات المرتفع و المزمن يدل على الاختلال الكبير في العمل الجاد المبذول في اليمن.
رابعا: رؤيا مستقبلية للاقتصاد اليمني
ان تحقيق مستقبل افضل للاقتصاد اليمني لا يعتمد فقط على ما سيبذله اليمنيون من جهود في سبيل تحقيق ذلك و انما على الرؤيا التي ستقودهم لتحقيق ذلك. و على هذا الاساس استشراق مستقبل الاقتصاد اليمني يعتمد على ما سيحدث من تطورات في كل من الجوانب الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية بعد نجاح ثورة الشباب و على الرؤيا الاقتصادية التي ستنتج من تفاعل هذه التطورات.
فالتنمية الاقتصادي ما هي التفاعل بين الموارد الطبيعة و الموارد البشرية لتحويلها الى سلع و خدمات قابلة لإشباع الحاجات الإنسانية من خلال العمليات التالية.
• العمل الجاد
صحيح ان الله خلق الموارد الطبيعية غير صالحة للاستخدام المباشر لتلبية الحاجات الأساسية للناس لكنه في نفس الوقت اوجد الطاقة الجسمية و العقلية الكافية في الإنسان الطبيعي الذي بلغ سن الرشد لتحويل هذه الموارد الى سلع و خدمات صالحة لتلبية الحاجات الأساسية للفرد و لغيره.
فعلى سبيل المثال فان الطاقة الجسمية و العقلية في الفرد الطبيعي البالغ تمكنه من استخدام التربة و المناخ و المياه لإنتاج الغذاء الذي يكفيه و يكفي ما لا يقل عن عشرة أفراد آخرين. و كذلك فان هذه الطاقة قد تمكنه من بناء بيت يصلح للسكن خلال فترة معقولة من الزمن. و ايضا ان الإنسان يمكنه ان ينتج من الملابس ما يسد حاجته من هذه السلعة و يزيد. ففي حال تمكن العدد الكافي من استخدام الطاقة الجسمية و العقلية التي منحهم الله إياها فان هذا المجتمع سيكون ثريا. و في حالة عدم تمكن العدد الكافي من أفراد المجتمع من تحقيق ذلك فان هذا المجتمع يكون قد وقع في الفقر.
ان القيام بالعمل الجاد و ان كان في الحقيقة ظارة فردية الا انه يتاثر ببعض تصرفات الأسرة او الدولة و التي قد تؤدي الى تشجيع الأفراد على القيام بذلك او عدمه. في الحالة الاولى
إذن الفقر للفرد و للمجتمع ليست قدرا محتوما و إنما هي حالة اختارها الفرد او المجتمع لنفسه. فالله قد زود أفراد المجتمع الطبيعيين و الراشدين بما يحتاجونه من طاقة لتحويل الموارد الكافية التي خلقها الله في الطبيعة لتلبية الحاجات الأساسية لكل أفراد المجتمع. فإذا كان الفقر حالة غير طبيعية فان الوقوع فيها هو الأخر حالة غير طبيعة أي ان له أسباب معينة و بالتالي فان معالجة هذه الأسباب سيعمل على الخروج منه.
فنتيجة للكسل فان الفرد يهدر طاقته الجسمية في أنشطة غير مفيدة. و كما هو معروف من القواعد الأساسية للعلوم الفيزيائية ان الطاقة غير المستغلة تذهب أدراج الرياح. فقط تلك الطاقة التي تستغل وفقا للقوانين الطبيعية هي التي تحول الى شيء مفيد يكون استخدامه او ادخاره. فعلى سبيل المثال فان الفرد الذي لا يستغل طاقته لتحويل الموارد الطبيعية (التربة و المناخ و المياه) الى غذاء يمكن الاستفادة منه او ادخاره لا يستطيع ان يستفيد من وقت فراغه و لا يستطيع بالتالي ان يدخره. و هكذا دواليك. فإنتاج الغذاء يحتاج الى تحويل الموارد الطبيعية بواسطة الطاقة البشرية الى سلع تكون صالحة لذلك. لكن تبذير هذه الطاقة من خلال التفكير غير المنضبط أي من خلال الأحلام و التخيلات لا ينتج سلعا تصلح للغذاء و لا لغيره.
• الادخار
من الواضح ان التفكير غير المنضبط أسهل من التفكير المنظم و المهدف لأنه يتطلب طاقة اقل و لأنه لا يحتم بالضرورة أتباع ذلك ببذل الطاقة الجسمية و التي تعد أصعب من ذلك بكثير.
من الواضح ان الأسرة و الدين و الاستخدام بعد على مدى انضباط الأفراد و المؤسسات الامر الذي يؤثر على أدائهم الاقتصادي. التبذير يعني استخدام السلع و الخدمات التي تم إنتاجها من خلال تضافر الطاقة البشرية و الموارد الطبيعية في غير الاستخدامات التي أنتجت من اجلها. و ينتج ذلك من العجلة التي تصيب العديد من الأفراد. و لا شك انه يترتب على ذلك عدم تراكم الثروات من ناحية و عدم القدرة على التفرغ بهدف اكتشاف القوانين و العلاقات التي تمكن الطاقة البشرية و الموارد الطبيعية من إنتاج حجم اكبر من السلع و الخدمات. انه يترتب على التبذير انعدام الادخار سواء على مستوى الفرد او على مستوى المجتمع و كذلك زيادة الاستهلاك المرغوب عن الاستهلاك الممكن مما يؤدي الى تشجيع الظلم و التبذير و من ثم الى تقلص حجم الإنتاج المتوقع و الامر الذي ينتج الفقر.
التبذير عمل فوضوي يتنافى مع التخطيط و التنظيم. و في هذه الحالة فان بذل أقصى الجهود الممكنة من جميع أفراد المجتمع او غالبيتهم لا يؤدي الى وفائهم باحتياجهم الأساسية في الأوقات التي يحتاجونها. فمن المعروف ان هناك تواريخ معينة للاستفادة من السلع المختلفة لإشباع الحاجات الأساسية للبشر و يرجع ذلك الى طبيعة كل من السلع و البشر على حد سواء. فالعديد من السلع تفقد صلاحيتها للاستخدام بعد فترة معينة بل أنها قد تكتسب خصائص معاكسة لخصائصها الأصلية. فبدلا من ان تكون سلعة معينة قادرة على منع الجوع فإنها قد تكون مسببة لألأم اقوي من الم الجوع أي الم المرض و هكذا.
و كذلك فان قدرة الإنسان على الأكل خلال فترة معينة محدودة فإذا ما تجاوز هذا الحد فان ذلك لن يؤخر احتياجه للطعام في المستقبل. فمهما أكل فانه سيشعر بالجوع بعد اقل من 8 ساعات. و من ثم فان مبالغته في الأكل لن يؤثر على ذلك بل انه قد يصيبه بمرض يسبب له الغثيان و التقيؤ او الاستفراغ الامر الذي يعني انه سيحتاج للأكل خلال وقت اقصر من ذلك بكثير.
• الاستثمار :اغتنام الفرص
الطموح هو الرغبة في التحسن المستمر من خلال السعي الى إنتاج حجم اكبر من السلع و جودة أفضل. و لاشك ان ذلك يتطلب عمل اكبر و تبذيرا اقل في الوقت الحاضر. و من الواضح ان ذلك لا يقدر عليه إلا القليل من أفراد المجتمع أي الموهوبون. و في حال قمع هؤلاء او تحجيمهم او تهمشهم فان قدرة المجتمع على التطور و التقدم و بالتالي الخروج من فخ الفقر تتلاشى بشكل كبير.
و حتى في حالة التناسق بين قوة العمل و رأس المال فان عملية النمو الاقتصادي تتطلب تحسين كفاءة كل منهما. و هنا فانه يمكن اعتبار القواعد و الأعراف التي تنظم ذلك عوامل تساعد على زيادة النشاط الاقتصادي. ذلك ان لها تكاليف و عائد و بالتالي فان عائدها لا بد و ان يفوق تكلفتها كي تكون مفيدة من الناحية الاقتصادية. و في حال عدم توفر ذلك فقد يكون التناسق عند مستوى متدني من الكفاءة و الذي ينعكس على مستوى المعيشة للناس الذي يكونون هذا الاقتصاد.
• اهمية التعليم في تحقيق التنمية الاقتصادية
و مما لا شك فيه ان التعليم يؤثر على عملية الإنتاج الاقتصادي. ذلك انه يساعد على اكتشاف الطرق الممكنة و الكفاءة لعمليات خلط عناصر الإنتاج. و لذلك فان تحسين التعليم و تشجيع عملية البحث و التطوير سيساعد على الوصول الى التشغيل الكامل و الكفء لجميع الموارد المتاحة. و تقع معظم مسؤولية ذلك مؤسسات التعليم و البحث العلمي. و من الواضح ان إقامة وإدارة هذه المؤسسات يعتمد على عدد من العوامل و لعل من أهمها العلاقة بين الأسرة و المؤسسات الاقتصادية و الدولة. و من المهم ان نلاحظ ان عملية تطوير التعليم قد يؤدي الى عدم التناسق بين كل القوى العاملة و رأس المال و بنفس الكيفية السابقة.
ان عملية التوزيع تختلف كثيرا عن عملية الانتاج. و يرجع ذلك الى حقيقة ان الناس يتساوون تقريبا في الحاجات و لكنهم يتفاوتون في الطاقة. فبعض الناس لديهم طاقة جسمية اكبر من الطاقة الفكرية و العقلية مقارنة بالآخرين و العكس بالعكس. و لذلك فان حجم الموارد الطبيعية و فعاليتها تختلف من منطقة الى أخرى. و لذلك فان من يسيطر على المناطق التي تتفوق على المناطق الاخرى في الموارد الطبيعية و من يتفوق على الآخرين بقدراتها الفكرية و العلمية يتحصل على سلع و خدمات تفوق بكثير غيرهم. و لاشك ان ذلك يؤدي الى التفاوت في إشباع الحاجات الامر الذي يؤثر على العلاقات الإنسانية غير الاقتصادية.
فكما هو معروف فان الأسرة هي التي تتولى إدارة القوى البشرية أي هي التي تتخذ قرارات الإنجاب و بالتالي قرارات الاستهلاك لكن المؤسسات الاقتصادية هي التي تتخذ قرارات الإنتاج. أما عملية توزيع العائد من الإنتاج فتقوم به كل من الأسرة و المؤسسات الاقتصادية. و لا شك ان عملية التوزيع هذه تنعكس على كل من الاستهلاك و حجم رأس المال. و من اجل تحقيق التوازن بينهما فانه لا بد ان تأخذ كل جهة منهما تصرفات الجهة الاخرى. فلا بد و ان تأخذ الأسرة بعين الاعتبار الأوضاع الاقتصادية و كذلك فان حجم المؤسسات الاقتصادية يتأثر بحجم و نوعية القوى العاملة. و هنا ينبغي ان نفرق بين قرارات الأسرة ذات الطابع الاقتصادي أي ما يتعلق بحجم و نوعية العمل المتاحة و حجم الاستهلاك بين قراراتها التي لا علاقة لها بالاقتصاد أي قرارات الزواج و الإنجاب و الدين و السياسة. و كذلك فانه لا بد من التفرقة بين قرارات الدولة المرتبطة بالاقتصاد مثل السلع العامة و شبه العامة و السياسيات الاقتصادية و بين قراراتها التي لا علاقة لها بذلك من الانتخابات و التحالفات و غيرها من القرارات.
لقد اعتقد العديد من الاقتصاد ان كلا من الأسعار و الأجور و العائد على رأس المال و الضرائب يعملون على التنسيق بين هذه الجهات بحيث تكون قراراتها و تصرفاتها متناسقة. و في حال تحقق ذلك فان الاقتصاد يكون في حالة انسجام أي في حالة طبيعية أي ان يستغل كل الموارد المتاحة له. لكن قراراتهما الاخرى التي لا علاقة لها بالاقتصاد قد تعمل على التقليل من التنسيق و الانسجام فيما بينها. و من اجل معالجة ذلك فانه لا بد من الفصل بين العلاقات القائمة بينها على أسس اقتصادية و بحتة و تلك العلاقة القائمة على أسس أخرى.
• مسؤولية مكونات المجتمع عن تحقيق التنمية الاقتصادية
و من الممكن ان لا ينجح كل من الأسرة و المؤسسة الاقتصادية في التنسيق و الاتفاق بينهما و في هذه الحالة فان الدولة هي الجهة المخولة التوسط بينهما و العمل على معالجات أي اختلافات بينهما. و على هذا الأساس فان الأسرة و المؤسسة الاقتصادية هما الجهتان الأساسيتان فيما يخص كل الإنتاج و التوزيع و الاستهلاك. أما الدولة فإنها عامل مساعد و لا يمكن ان تكون شريكا أساسيا في ذلك تحت أي ظرف من الظروف. ففي هذه الحالة فان ذلك سيؤثر على كل من الجدية و الانضباط و الطموح.
ان تدخل الدولة في عملية خلق الثروة و عملية توزيعها يعرقل عملية النمو الاقتصادي بشكل واضح. فمن ناحية فان ذلك يؤثر سلبا على الكفاءة الاقتصادية و من ناحية اخرى فان ذلك يؤثر على العدالة بمعناها الواسع. فينبغي عليها اذن ان نقتصر وظيفتها على القيام فقط بما تعجز كل من الاسرة و المؤسسة الاقتصادية القيام به. ان ذلك يعني ان تمارس الدولة أي نشاط اقتصادي انتاج الا عندما يكون ذلك ضروريا جدا و لا يمكن تشجيع المؤسسات الاقتصادية على القيام به من خلال الحوافز. و كذلك فان على الدولة القيام بتوزيع الثروة في الحالة التي يشترك فيها المجتمع او جزء منها في ملكيتها و بالتالي لا يمكن تحويلها الى ملكية فردية بتكاليف معقولة او في الحالات التي تفوض به من قبل المجتمع بشكل واضح و جلي.
و من اجل نجاح الاقتصاد اليمني في استغلال الموارد الطبيعية و البشرية المتاحة له فان أولوية في اليمن ينبغي ان تكون لخلق الثروة و ليس لإعادة توزيعها و بالتالي فان التوزيع ينبغي ان لا يكون هدفا لذاته او لتحقيق أهداف اجتماعية و إنما ينبغي ان ينظر اليه كعامل مساعد لعملية خلق الثروة.
• مسئولية الدولة عن التنمية الاقتصادية
لا شك ان المسئولية الكبرى في تحقيق التنمية الاقتصادية تقع على الدولة. فبما ان عملية التنمية الاقتصادية هي عملية اجتماعية و ليست عملية فردية فان مؤسسات الدولة تأتي في مقدمة المؤسسات الاجتماعية المنوط بها تحفيز مؤسسات المجتمع الاخرى على الاسراع في السير في خطى التنمية الاقتصادية الشاملة.
و في هذا القسم سيتم ابراز اهم مهام دولة ما بعد الثورة في تحقيق التنمية الاقتصادية و ذلك على النحو التالي.
1. مهام الدولة في تحقيق البنية التحتية الصلبة
انطلاقا من حقيقية ان اليمن دولة متوسطة الموارد الطبيعية و فوق المتوسط فيما يخص الموارد البشرية فانه لا بد من الموائمة بين متطلبات استغلال الموارد الطبيعية و البشرية. ان ذلك يتحتم ان تكون اولوية الدولة خلال المرحلة القادمة هي تطوير التعليم و على وجه الخصوص التعليم الاساسي و الفني و المهني.
و في هذا الاطار فانه يجب الاخذ بعين الاعتبار طبيعة اليمن السكانية و الجغرافية و بنية التعليم الحالية و مستوياته و تطور تقنيات التعليم الحديثة. ففيما يخص طبيعة اليمن السكانية فانه يمكن القول بان حوالي 70 % من سكان اليمن يعيشون في الريف و في منطق متفرقة حيث ان هناك ما يزيد عن 130 الف تجمع سكاني. و لا شك ان ذلك يجعل تطوير بنية تحتية تعليمية مكلف جدا. و حتى في حال النجاح في ذلك فان عملية التعليم نفسها ستظل ضعفيه و ذلك نتيجة للطبيعة الجغرافية لليمن.
صحيح ان اليمن يمتلك طبيعة جغرافية متنوعة تتكون من الجبال و السهول و الوديان و الصحاري و لكن الصحيح ايضا هو ان 80% من سكان اليمن يتركزون في الشريط الجبلي الغربي و الذي يتميز بوعورة تضاريسه. و لا شك ان ذلك قد انعكس سلبا على محاولات تطوير التعليم في هذه المناطق.
فمن ناحية فان بناء المدارس في هذه المناطق مكلف جدا. و كذلك فان توفير المدرسين الاكفاء صعب للغاية لان المدرسين لا يفضلون الانتقال العيش في مناطق غير مناطقهم الاصلية وصعب كذلك ايصال مدخلات التعليم الناجح الى هذه المناطق مثل المناهج التعليمية و الادوات التعليمية الاخرى.
هذا من ناحية و من ناحية اخرى فان ذهاب الطلاب الى المدارس في هذه المناطق امر في غاية الصعوبة و خصوصا للإناث و ذلك نظر لبعد المدارس من التجمعات السكانية و لعدم توفر المواصلات الحديثة. فقد تستغرق رحلة الطالب او الطالبة الى اقرب مدرسة له اكثر من ساعتين ذهابا و مثله ايابا. فلا يصل الطالب او الطالبة الى المدرسة الا و قد انهك و خصوصا في حال انتشار سوء التغذية بشكل واسع. و لذلك فانه لن يكون قادرا على بذل الطاقة الكافية في عملية التحصيل. و عندما يعود الى بيته لن يكون كذلك قادرا على بذل اي جهد في تحضير الدروس و الواجبات. و نتيجة لذلك تصبح عملية التعليم مرهقة و مكلفة و بدون فائدة تذكر.
و لحسن الحظ انه يمكن الاستفادة من التقنية الحديثة للتغلب على هذه المشاكل. و على وجه التحديد فانه يمكن الاستفادة من خدمات الانترنت و خصوصا التكنولوجية الوايرلس. فعن طريق الانترنت يمكن التواصل عن بعد بين الطلاب و المدرسين و بالتالي تعويض ما ينجم عن قلة التواصل المباشر. و لتحقيق ذلك فانه يمكن الاستفادة من اللوح الاليكتروني في ايصال المناهج و الواجبات و التواصل بين الطلاب و المدرسين. و من الممكن لليمن ان تستفيد تجربة الهند الريدة في هذا المجال.
لكن من الواضح ان الاستفادة من هذه الوسيلة يحتم وجود شبكة اتصالات حديثة. و لحسن الحظ كذلك انه يمكن الاستفادة من انظمة الاتصالات الحديثة مثل اجهزة التلفونات المتحركة و على وجه الخصوص الاجيال المتطورة منها.
و من المؤكد ان الاستفادة من هذه التقنيات الحديثة يحتم توفر الطاقة الكهربائية. فبدون توفرها بالقدر الكافي فان لا يمكن الاستفادة من هذه الوسائل في مجال التعليم. و لحسن حظ اليمن ان هناك تقدما فنيا كبيرا في مجال الطاقة الكهربائية سواء من خلال استخدام الطاقة الشمسية او طاقة الرياح او الغاز.
ان توفير الطاقة الكهربائية في عموم مناطق اليمن سيكون مفيدا في مجالات اخرى غير مجال التعليم. فبواسطتها يمكن تعقيم و تحلية المياه و بواسطتها يمكن شق الطرق الجبيلة بتكلفة اقل و بواسطتها يمكن تطوير الانتاج الزراعي و بواسطتها يمكن اقامة منشآت صناعية صغيرة و متوسطة الحجم الى ذلك من الاستخدامات.
و على هذا الاساس فان هذه الرؤيا الاقتصادية لمرحلة ما بعد نجاح الثورة تقوم على اساس ان يتكون اولويات اليمن الجديد الاقتصادية هي التعليم و الكهرباء و الاتصالات.
2. مهام الدولة في تحقيق البنية التحتية المرنة
ان تحقيق التنمية الاقتصادية يتطلب توفير البيئة المناسبة لنمو و تطور القطاع الخاص. و من اجل ذلك فانه ينبغي اعطاء تعريف و حماية حق الملكية اولوية قصوى. فاليمن يعاني من ذلك بشدة. و لذلك فان فشله في استغلال موارده البشرية و الطبيعية يعود الى غياب ذلك.
فلا يوجد تعريف واضح لحق الملكية. صحيح ان الدستور اليمني يعترف بالملكية الخاصة لكنه لم يعرف هذا الحق بدليل ان الدستور نفسه يعترف بالقطاع العام و المختلط و التعاوني. و لم يوضح العلاقة بين هذه القطاعات.
ان تعريف حق الملكية تعريفا دقيقا أمر في غاية الأهمية و يعود ذلك الى ان الدولة في الجنوب قبل الوحدة قد ألغت الملكية الخاصة و الدولة في الشمال قبل الوحدة تعاملت مع هذا الحق باستهتار كبير. و لذلك فان هذا الحق في دولة الوحدة ظل ضبابيا.
و لذلك فانه لا بد من الفصل الواضح بين الحق الخاص و الحق العام. في الوقت الحاضر هناك تداخل كبير بين الحقين. فقد يتضخم الحق الخاص للبعض ليزاحم الحق العام الى أقصى الحدود. و في نفس الوقت فان الحق العام قد يتضخم لدى البعض ليلغي الحق الخاص تماما.
هذا من ناحية و من ناحية أخرى فان حدود الحق الخاص بين الأفراد ليست واضحة. فعلى سبيل المثال فان هناك تداخل كبير بين الحقوق الخاصة للأولاد و الإباء و بين الأقارب. فعلى سبيل المثال فان هناك مصادرة لحقوق النساء و هناك تعدي من الأبناء على حقوق الإباء و العكس.
و هناك ايضا تداخل بين الحقوق الخاصة للإفراد و للقبيلة في العديد من الجوانب. فملكية أراضي القبيلة لا زالت مشاعة بين أفرادها الامر الذي يؤثر على عملية استغلالها و تقاسم العائد على ذلك. و كذلك فان تمويل نفقات القبيلة لا تتم وقفا لمعاير عادلة و مستقرة. و ابرز مثال على ذلك ممارسات الثأر داخل القبيلة و بين القبائل.
و لقد ترتب على هذا التدخل في الحقوق ان تدخلت حقوق ملكية الأفراد غير الأقارب او غير المنتمين الى القبلية. و ابرز مثال على ذلك ما يحدث من عمليات خطف و تقطع و مصادرة و تفاوت في الديات و الاروش و غير ذلك من الحقوق.
و لا يقل الامر سواء فيما يخص عملية حماية حقوق الملكية. فالملكية العامة لا تحظى بأي حماية البتة مما ترتب عليه عدم توازن التنمية الاقتصادية و خصوصا فيما يخص البنية التحتية الأساسية. أما حماية حقوق الأفراد فلا يخضع لمعاير موحدة و إنما يتنوع بتنوع النفوذ القلبي. فمن له دعم قبلي فانه يحمي حقوقه كاملة و من ليس له هذا الدعم فان لا يستطيع ان يحمي حقوقه مما يغري الآخرين في مصادرتها و انتهاكها بشكل فاضح.
أما فيما يخص التوزيع فانه غير عادل و غير كفء. فإيرادات النفط و التي تمثل ما يقرب من 20% من الناتج القومي الاجمالي يتم إنفاقها بدون أي ضوابط. و يمكن القول بان هذا الوضع ينطبق على كل الموارد العامة. فلا توجد أي أسس و معاير علمية و عادلة يتم وفقا لها إعداد و تنفيذ و الرقابة على الموازنة العامة و الموازنات المستقلة و الملحقة و الصناديق الخاصة. فإذا كان مجموع ما تتولى إدارته هذه المؤسسات يقترب من 50% من الناتج القومي الاجمالي فان اثر ذلك السلبي على الكفاءة الاقتصادية و العدالة الاجتماعية كبير جدا.
و نفس الامر ينطبق على الخدمة المدنية و العسكرية. فلا توجد أي قواعد عادلة تحكم كل من الالتحاق و الترقية و الفصل في هذه الأجهزة. و في نفس الوقت فان الأجور و المرتبات التي يتقاضها هؤلاء لا تخضع لأي معيار اقتصادي او اجتماعي.
و فيما يخص الرعاية الاجتماعية و الضمان الاجتماعي فانه يمكن ان لا يوجد في اليمن شيء يمكن ان يطلق عليه رعاية اجتماعية او ضمان اجتماعي. لم يقف الامر عند هذا الحد فان الدولة تعرقل عمل مؤسسات الرعاية الاجتماعية غير الرسمية مثل الزكاة و النفقات و الكفارات و الصدقات.
و لقد ترتب على ذلك تحول الادخار الى اكتناز و اقتصار الاستثمار على تلك المجالات قصيرة الاجل و تشوه الخدمات العامة التي تقدمها الدولة و عدم كفاءتها و ارتفاع تكاليفها. و على وجه التحديد فقد اتجهت أنظار الجميع الى السطو على المشاريع العامة و المال العام بعدد من الطرق. و من ابرز ذلك التكالب على الوظيفة العامة بهدف الحصول على العوائد المالية بدون مماسه العمل العام و كذلك التكالب على الحصول على المشاريع العامة لأنه يتم الحصول عليها بأسعار مبالغ فيها و بمواصفات متدنية.
و لإصلاح هذا التشوه من الحرص على حماية حق الملكية من خلال الحرص على تطبيق العدل و الحزم.صحيح أن طريق العدل و الحزم طويل وشاق لكن لا بديل عن ذلك إذا ما أردنا تحقيق النهوض
إن البداية الحقيقية هي مناقشة وإقرار القواعد العامة للعدل بهدف الاتفاق على مرجعية مقبولة من الجميع. و لا شك إن الاتفاق على قواعد العدل سيساعدنا على التعامل مع أية عقبات قد تعترضنا في علمية النهوض.
ذلك أن نجاح أية أمة في تحقيق نهوضها لا يمكن أن يتحقق إلا إذا أصبحت أمة متضامنة ومتكافلة ومتحدة، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا نجحت في الاتفاق على مكونات العدل في العديد من الموضوعات الأساسية التي تهمها.
لا شك أن اليمن لم ينجح في ذلك حتى الآن الامر الذي يفسر الإخفاقات التي واجهها و بالتالي عجزه عن تحقيق نهوضه. فلأمة ليست موحدة بالشكل الكافي مما ترتب عليه غموض في الحوافز مما تسبب في عدم إقبال عدد كبير من أفراد الأمة اليمنية على العمل المنتج بدلاً من الانشغال في النقاشات العقيمة او الانتظار للمجهول واللذين يمثلان إهدار للطاقات وعقبات أمام النهوض.
و ما يتم الاتفاق عليه من قواعد العدل فانه لا بد من توثيقه و نشره للناس. و هنا طريقتان أساسيتان لتحقيق ذلك. الطريقة الأولى هي الدستور. و في هذه الحالة فان الدستور لا بد و ان يعكس ما تم الاتفاق عليه لا ما ترغبه به نخبة من النخب او فيئه من الفئات,
أما الطريقة الثانية والهامة فهي القوانين والتي تلعب دورا أساسيا في تفصيل القواعد العامة التي تضمنها الدستور. فالقوانين أكثر تفصيلا وتوضيحا للقواعد العامة التي تتضمنها الدساتير. ومن الواضح أن القوانين على الرغم من ذلك تظل عامة نسبيا نظرا لأن عملية سنها وتعديلها عملية صعبة ومكلفة. لذلك يتم في الغالب تدعيم هذه القوانين بلوائح تفصيلية وخصوصا تلك التي تتعلق بتطبيق العدالة في ظروف معينة تستوجب متطلبات خاصة.
وفي الحياة العملية لا يكفي ذلك بل لا بد من ترجمة اللوائح الى تعليمات تفصيلية كافية تحدد قواعد التعامل والصلاحيات في تطبيق هذه القواعد والعلاقة بين المستويات الإدارية المختلفة بحيث يتم ضمان سرعة الإنجاز وكفاءة التنفيذ. فتصادمها معناه يجب أن تنسجم هذه المستويات المتعددة من القواعد وطرق تنفيذها مع قواعد العدل. لأن تصادمها مع بعضها البعض قد يترتب عليه سوء النتائج المترتبة عليها. وذلك يحتم أن تكون قواعد العدل العامة في غاية الوضوح. كما أنه كفيل بحدوث تفسير عادل للقوانين واللوائح والتعليمات.
ولتدعيم هذه الدساتير واللوائح فإنه يجب أن يترافق مع ذلك تعميق لمفهوم العدل في صلب العلمية التعليمية. باعتبار إن ذلك ضروري لإيجاد شرح كاف لقواعد العدل وتوضيح لأهميتها وتبين لمصادرها وكيفية تحقيقها. وهو ما يتطلب تقييم تاريخي وفقا لقواعد العدل.
إن ثقافة المجتمع ينبغي أن تعمل على تشجيع الممارسات التي تقوم على العدل وإدانة الممارسات الضارة التي تقوم على الظلم. وبالإضافة الى ذلك فإن تدعيم ذلك من خلال التركيز على قيم العدل في وسائل الإعلام وفي الكتابات وفي الأمثال والنكت الشعبية.
وحتى يكون للعدل معنىً فإنه يجب أن يتم الالتزام بقواعده طوعا فإن لم يتم ذلك فكرها. فبدون ذلك فإنه لا يكون لهذه القواعد أي معنى. ولعل ما يميز الإنسان عن الحيوان هو الحسد الذي هو رفض الإذعان للحق إذا كان ذلك سيؤدي الى حصول الغير على منافع مادية ومعنوية. ويترتب على ذلك أن يرى الإنسان نفسه هو الأحق بكل تكريم أما غيره فلا يستحق أي شيء من ذلك حتى لو كان يتميز بخصائص طبيعية او مكتسبة.
ونتيجة لذلك فإن بعض الناس الذين تضخم داء الحسد في نفوسهم ولم تستطع القيم الدينية والإنسانية السيطرة عليها لا يذعنون لقواعد العدل طوعا. ولذا فإن التخفيف من الآثار الضارة لهذا الداء يتطلب معاقبة حامله بإذاقته من نفس الكأس الذي يريد أن يذيقه الآخرين ظلما.
والحزم يعني هنا تحديد عقوبات ضد كل من لا يحترم قواعد العدل او النتائج المترتبة عليها طوعا. فعلى سبيل المثال اذا ما رفض أي شخص التفاوت في الدخل الناشئ من التفاوت في المواهب وعمل على السطو على بعض هذا الدخل سرا او علانية فإنه لا بد أن يردع بواسطة العقوبات الفعالة التي تجعل غيره يتجنب مثل هذه التصرفات.
ما من شك بان الاختلالات الاقتصادية و السياسية التي يعاني منها اليمن في الوقت الحاضر تعود و بشكل كبير الى اختلال العلاقة بين مؤسسات كل من الدولة و القطاع الخاص. و يرجع ذلك الى تدخل بعض مؤسسات الدولة في انشطة مؤسسات القطاع الخاص و العكس ايضا صحيح.
لقد ترتب على ذلك اضار لكل منهما و للمجتمع بشكل عام. فهناك اختلافات واضحة بين طبيعة و وظائف و مجال عمل مؤسسات الدولة و بين طبيعة و وظائف و مجال عمل القطاع الخاص. فالدولة من المفترض ان تدير الموارد العامة من بهدف تحقيق المصالح العامة. اما القطاع الخاص فان مجال عمله ينحصر في القيام بالأنشطة التي تحقيق له اكبر ربح ممكن.
و على الرغم من ذلك فان هناك مجالات مشتركة بينهما. و يتمثل ذلك في خدمة المجتمع. فالسلع العامة التي تنتجها الدولة مفيدة للقطاع الخاص كما هي مفيدة لكل فئات المجتمع الاخرى. و من اهم هذه الخدمات الامن و العدل و التعليم و الصحة و الضمان الاجتماعي و السياسيات الاقتصادية. و كذلك فان الانشطة التي يزاولها القطاع الخاص لا بد و ان تكون مفيدة للدولة كما هي مفيدة للمجتمع ككل. فالضرائب التي يجب على القطاع الخاص ان يدفعها للخزينة العامة تعد مصدر التمويل الاساسي للمؤسسات الدولة. و كذلك فان قيام القطاع الخاصة بأنشطته لا بد و ان يؤدي الى خلق فرص عمل للمواطنين و الى شرائه لعناصر الانتاج الاخرى مثل الارض الامر الذي يفيد مالكيها من المواطنين. وكذلك فان السلع و الخدمات التي ينتجها القطاع الخاص تشبع الاحتياجات المختلفة للمواطنين و للدولة. بالاضافة الى ذلك فانه هو الذي يشغل الاستثمارات الممولة من مدخرات جميع فئات المجتمع مقابل تحقيق عائد مجز لهم. و يساهم القطاع الخاص في العديد من الانشطة الاخرى المفيدة للمجتمع.
المقصود هنا بمؤسسات الدولة المؤسسات السياسية و التي تتمثل في مؤسسة الرئاسة و الحكومة و اعضائها و مؤسستي الجيش و الامن و المؤسسات التابعة لدلولة الاخرى و مسئولي الحكم المحلي و اعضاء السلطتين التشريعية و القضائية و الاحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني.
• مسئولية القطاع الخاص عن التنمية الاقتصادية
اما المقصود بمؤسسات القطاع الخاص فهي الشركات الفردية و الشراكة مثل التضامنية و المحدودة و الشركات العامة المفتوحة او المغلقة. و هذه المؤسسات تمارس انشطتها في مختلف الانشطة الاقتصادية و قطاعاته و التي من اهمها الانتاج بكل انواعه الزراعي و الصناعي الاستخراجية و التحويل. و كذلك في مجالات التجارة و التخزين و النقل و الخدمات المختلفة. بالاضافة الى ذلك في مجال البنوك و التامين و التمويل.
يتم تنظيم عمل مؤسسات الدولة المختلفة من خلال الدستور و القوانين و اللوائح و الاجراءات المتنوعة. و يتم ملئ المناصب الاساسية في مؤسسات الدولة اما من خلال الانتخاب او من خلال التعين وفقا لمواصفات وقواعد تنبع من الدستور و القانون.
اما عمل مؤسسات القطاع الخاص فيتم ادارة نشاطاتها من خلال السوق و قوانينه و اعرافه. و مع ذلك فان على الدولة ان تعمل على حماية القطاع الخاص و تشجيعه. لكن يجب الحفاظ على تميز كل من مؤسسات الدولة و مؤسسات القطاع الخاص.
فبدون ذلك فانه لا يمكن الحفاظ على كل من التنافس و التكامل بين هما. و لا يكمن تحقيق ذلك الا من خلال ايجاد توازن يسمح ذلك. يقوم هذا التوازن على عدم تدخل اي منهما في مجال اي منها مما يحافظ على استقلال كل منها. في هذه الحالة فقط يمكن ضمان عدم تحول مؤسسات الدولة الي ممثلة لمصالح بعض مكونات القطاع الخاص و عدم تحويل بعض مؤسسات القطاع الخاص الى جهات مهيمنة على بعض مؤسسات الدولة.
ان ذلك يتطلب عدم الخلط بين اليات عمل السوق و اليات العمل السياسي. ان ذلك سيعمل على تحديد خطوط واضحة في العلاقة بين المؤسستين. و من ذلك ينبع التحديد الدقيق لوظائف الدولة و لحقوق وواجبات القطاع الخاص.
و من اجل ضمان ذلك فانه لا بد و ان يشارك الشعب كله في تحديد ذلك و حمايته. فالشعب هو صاحب المصلحة الحقيقية من قيام كل من مؤسسات الدولة و مؤسسات القطاع الخاص بوظائفها. اما اذا ترك لكل من مؤسسات الدولة و القطاع الخاص تحديد ذلك و حمايته فانه لا بد و ان يختل التوازن بين الجهتين. فإما ان تتغلب مؤسسات الدولة على مؤسسات القطاع الخاص او العكس. و لا شك ان ذلك سيعمل على اختلال في التوازن المطلوب. و لا شك ان ذلك ليس في صالح اي منهما و لا في صالح المجتمع ككل.
فاختلال التوازن قد يؤدي الى اختلال في عمل السوق مثل الاحتكار و الغش و عدم دفع الضرائب و الاساءة في استخدام الدعم و عدم استقرار الاسعار بالتالي تدني الكفاءة الاقتصادية. و كذلك فانه يترتب على اختلال التوازن غياب و ضعف الخدمات التي تقدمها الحكومة وتبذير الموارد العامة و سوء توزيع للدخل و ارتفاع في البطالة و التضخم و انتشار الفساد العام. ان الحفاظ على التوازن سيعمل على تحديد و حماية الحقوق العامة و الخاصة. انه سيوازن بين المصلحة العامة و المصالح الخاصة. انه سيمنع من استحواذ اي أقلية في المتجمع بثروته.
في هذه الحالة سيكون من الممكن منع الجمع بين السلطة و التجارة و الاستثمار. ذلك ان السماح بانتهاك حرمة المال العام لا بد و ان يؤدي بالضرورة الى انتهاك المال الخاص. فلا فرق في سرقة مال الغير من دون حق بان يكون هذا مال مملوكا ملكية عامة او خاصة. فالسماح باغتصاب الاراضي العامة و مشاريع العامة و الاموال العامة سيشجع حتما على اغتصاب الاراضي الخاصة و المشاريع الخاصة و الاموال الخاصة.
و في هذه الحالة تتحول العلاقة بين مؤسسات الدولة و مؤسسات القطاع الخاص الى تقاسم المنافع غير المشروعة بينهما. اذ يبدا الامر في تنافس بين مكونات القطاع الخاص على المصالح غير المشروعة و في تنافس بين مكونات مؤسسات الدولة عليها. و في مرحلة لاحقة يتحالف اصحاب المصالح في كل من مؤسسات الدولة و مؤسسات القطاع الخاص. و في هذه الحالة يحدث تصارع الكل ضد الكل فتختلف المصالح العامة و يحل محلها المصالح الخاص غير المنضبطة باي قواعد او قوانين او اخلاق او اي اعتبارات اخرى.
و في هذه الحالة يتحول النشاط الاقتصادي من نشاط انتاجي الى نشاط ريع. اي من نشاط يقوم على خلق القيمة الذي يعني زيادة الدخل و بالتالي توفير وظائف لأفراد المجتمع الى نشاط ريعي اي التسابق على تقاسم الدخل من غير اعطاء اي اعتبار لمن شارك في خلقه.
من الواضح الجلي ان هناك اختلالا مزمنا بين مؤسسات الدولة و مؤسسات القطاع الخاص. فالتحليل التاريخي لتطور هذين المؤسستين يؤيد ذلك. اذ انه يمكن القول بانه لم يكن هناك اي وجود لما يمكن ان يطلق عليه مؤسسات الدولة او مؤسسات القطاع خاص في الشطر الشمالي من الوطن قبل قيام ثورة السادس و العشرين من سبتمبر. فقط كان يوجد امام و رعية. و لقد ترتب على ذلك تخلف كل من الاقتصاد و السياسية و الاجتماع.
صحيح انه كان هناك شكل من اشكال القطاع الخاص في الشطر الجنوبي من الوطن في ظل الاحتلال الاجنبي و لكن الصحيح ايضا ان ذلك القطاع كان يعمل في التجارة فقط. ونظرا لعدم وجود دولة وطنية فلم يتم العمل على تطويره ليكون قادرا على خدمة الوطن و ليس فقط التركيز على خدمة المستعمر.
و بعد قيام ثورة السادس و العشرين من سبتمبر في الشطر الشمالي فانه لم يتم التركيز على بناء كل من مؤسسات الدولة و مؤسسات القطاع الخاص. و ربما يرجع ذلك للانشغال في ذلك الوقت بالحرب الاهلية و ما ترتب عليها من اهدار للموارد فانه لم يتم الاهتمام بتنظيم كل من مؤسسات القطاع الخاص و مؤسسات الدولة.
ففي المجال الاقتصادي كان هناك الحديث عن اقتصاد اشتراكي على غرار ما كان يحدث في مصر على الرغم من الظروف الاقتصادية في اليمن كانت بدائية. اما في المجال السياسي فقد تم التركيز على تثبيت سلطة الثوار على حساب سلطة الشعب. و نتيجة لذلك فقد تم الاعتماد على المساعدات الخارجية لتمويل نفقات الدولة و على الاغتراب الى الخارج في توفير الوظائف للعاطلين.
و نتيجة لذلك فقد اقتصر نشاط القطاع الخاص على استيراد السلع من الخارج و تقديم بعض الخدمات المحدودة التي تعتمد على عناصر الانتاج المحلية. و بالمثل فقد تم التركيز على بناء مؤسسات الدولة التي تتولى حماية السلطة اي الجيش و الامن.
اما في الشطر الجنوبي من الوطن بعد الاستقلال فقد تم الاهتمام في بناء مؤسسات الدولة على غرار ما كان يجري في معسكر الدول الاشتراكية. و نتيجة لذلك فقد تم تطهير البلاد من مؤسسات القطاع الخاص التي كانت موجودة قبل الاستقلال. كانت النتيجة ان التهمت مؤسسات الدولة كل مؤسسات القطاع الخاص. فما تم بنائه من مؤسسات قد اقتصر فقط مؤسسات كل من الحزب الحاكم و الجيش و الامن و المليشيات. و في نهاية المطاف سقطت مؤسسات الدولة هذه و لم يبقى منها اي شيء لا اقتصادي و لا سياسي.
و على انقاض هذه التجارب الفاشلة قامت مؤسسات القطاع الخاص و مؤسسات الدولة بعد توحيد شطري اليمن في عام 1990. فقد تكون القطاع الخاص في الدولة الجديدة من مجموعات من المؤسسات الفاشلة سواء على المستوى السياسي والاقتصادي. فقد تم تقاسم مؤسسات الدولة من قبل الحزبين الحاكمين. اما مؤسسات القطاع الخاص فقد تكونت من بعض البيوت التجارية التي هربت من الجنوب الى الشمال. و للأسف الشديد فان الدولة الجديدة لم تولي مؤسسات القطاع الخاص اي اهتمام و اقتصر اهتمامها فقط على دمج و ترتيب مؤسسات الدولة.
و قد اغرت تدفقات الايرادات النفطية السير في هذا الاتجاه. و الدليل على ذلك ان الازمات السياسية هي التي سيطرت على جميع الفعاليات خلال الفترة من 1990-1995. فنتيجة لسياسية التقاسم و التنافس بين كل من المؤتمر الشعبي العام و الحزب الاشتراكي فقد زاد حجم كل من مؤسستي الجيش و الامن اضعافا مضاعفة. و نظرا لاحتكار الحزبين لهاتين المؤسستين فقد تم شراء صمت الاحزاب المعارضة من خلال تضخيم الجهاز البيروقراطي للدولة. اذ ان هذا الجهاز اصبح يضمن كل قيادات الاحزاب و معظم كوادرها. و لقد ترتب على ذلك زادة عدد موظفي الخدمة المدنية عشرات الاضعاف و تم التلاعب بمراتبها و قيادتها مما ادى الى اختلال واضح بين قاعدتها و رأسها. فالرأس اصبح اكبر بكبير من الارجل. و لا يمكن لأي رجل ان يمشي على الارض مطمئنا اذا كان رأسها اثقل من رجليه.
و بعد ان اصبح من غير الممكن احتواء كل من الموالين و المعارضين للسلطة في اجهزة الدولة المختلفة فقد تم احتوائهم في انشطة القطاع الخاص. و قد تم ذلك من خلال اعطاء التراخيص للأشخاص المرغوب بهم. و الاغرب من ذلك ان توسعت سياسية الإرضاء لتشمل ارساء المناقصات و العطاءات لأناس لا علاقة لهم بالاستثمار و التجارة و المقولات و انما فقط لانهم من ابناء النافذين في السلطة او ممن يرغب في استمرار ولائهم السياسي.
لقد ترتب على ذلك تشابك كل من مؤسسات القطاع الخاص و مؤسسات الدولة بطريقة غير منسجمة و مضرة. فالمال العام اصبح فيدا لبعض المحسوبين للقطاع الخاص. و المال الخاص هو الاخر اصبح فيدا لبعض المحسوبين على مؤسسات الدولة. و لذلك فقد تماهت معايير العمل في كل من المؤسستين. فبعض قيادة الدولة لا تتردد في ان تمارس التجارة و الاستثمار كقطاع خاص و بعض مؤسسات القطاع الخاص تتصرف بشئون الدولة هي لا تحتل اي مركز قيادي او غير قيادي فيها.
من المؤكد ان هذه الاوضاع قد ادت الى تركز الاستثمارات بيد القلة و الى توسع الانشطة الطفلية مثل المقاولة من الباطن و الى تشوه التجارة من حيث انها مثلت اتجاها واحدا و هو الاستيراد من تصدير و الاستيراد بدون معايير و الى تعثر المشاريع لعدم توفر المتطلبات الضرورية لمن اوكلت اليهم مهام تنفيذها و الى غياب المواصفات و غياب التخطيط و الى زيادة الفجوة بين المواطنين.
ان اصلاح اليمن يتطلب سرعة ازالة هذه التشوهات من خلال العمل بكل جد على ايجاد توازن جديد بين مؤسسات القطاع الخاص و مؤسسات الدولة. فبدون ذلك لا يمكن تحصيل الضرائب من التجار و لا الاستفادة من المنح و القروض الخارجية و لا من تشجيع الاستثمار المحلي و لا جذب الاستثمارات المحلي. و بدون ذلك لا يمكن السيطرة على كرة الفقر التي تلتهم احلام غالبية المواطنين.
ان الشروط الضرورية لإيجاد هذا التوازن هو الاقرار بمتطلبات العمل في مؤسسات الدولة و الحرص على تطبيقها و كذلك الاقرار بمتطلبات العمل في مؤسسات القطاع الخاص و الحرص على تطبيقها.
فالعمل في مؤسسات الدولة ينبع من كونه خدمة عامة لا تهدف الى تحقيق الثراء. فقط يعطى من يزاولها ما يكفيه ان يعيش هو و اسرته حياة كريمة. و لذلك فان العمل في مؤسسات الدولة ان يفتح لكل من يقبل بذلك. و لا بد من تشديد الرقابة على العاملين في مؤسسات الدولة حتى لا يغيرون رايهم فيحولون الوظيفة العامة الى مصدر للثراء غير المشروع. و من ذلك عدم السماح بالجمع بين العمل في مؤسسات الدولة والعمل في القطاع الخاص تحت اي ظرف من الظروف. و من ذلك تطبيق قانون الذمة المالية من حيث الافصاح عما يمتلكه الموظف العام قبل التحاقه في الوظيفة العامة و اثناء تواجه فيها و بعد خروجه منها. و منه تطبيق مبدأ من اين لك هذا؟ و من ذلك تطبيق الحياد الوظيف بحث لا يتم الربط بين الولاء السياسي و الوظيفة العامة و لا بين اداء الموظف لوظيفتها و انتماءاته السياسية.
اما العمل في مؤسسات القطاع الخاص فانه يجب ان يكون مكفولا لكل مواطن يرغب في ذلك و ليس موظفا عاما و يلتزم بالقانون و يتحمل نتائج عمله. و اجل تحقيق ذلك فانه لا بد و ان تكون قواعد مزاولة انشطة القطاع الخاص محايدة و ممكنة و غير مكلفة. و بالتالي فان كل من تتوفر فيه ذلك يسمح له بمزاولة النشاط التي يرغب فيه من غير تدخل غير مقنن من مؤسسات الدولة. و من ذلك السماح لكل من يرغب في الحصول على مناقصات او مزايدات عامة بحرية و المفاضلة بينهم من خلال المعايير الواضح و الصريحة. و من ذلك ان تعمل الدولة و مؤسساتها على تشجيع المبدعين لانهم كذلك بعض النظر على انتمائهم السياسي او المناطقي او غير ذلك من الاعتبارات المتحيزة.
في هذه الحالة فقط سيكون من الممكن حماية الملكية العامة و الملكية الخاصة و سيكون من الممكن التكامل بين كل من مؤسسات القطاع الخاص و مؤسسات الحكومة و سيكون من الممكن مطالبات مؤسسات الدولة بالقيام بواجباتها (الامن و العدالة و التعليم و الصحة و الضمان الاجتماعي و البنية التحتية) و كذلك مطالبات مؤسسات القطاع الخاص القيام بواجباتها (دفع الضرائب و توفير فرص للعاطلين و استغلال موارد البلاد ذات الطبيعة الخاصة).
• الحكم المحلي و التنمية الاقتصادية
و كذلك فانه لا بد من الفصل بين الدولة و القبيلة بحيث ان القبيلة لا تعارض تطبيق القوانين السيادية و على الدولة ان لا تتدخل في العلاقات القبيلة البحتة. لا شك ان ذلك سيوفر التكاليف الكبير التي يلتهمها الصراع بين المؤسستين في الوقت الحاضر.
و كذلك الفصل بين السلطة المحلية و المركزية بما يضمن توازن الواجبات و الصلاحيات و الخدمات و الإيرادات و كذلك التكامل بين السلطتين. ان ذلك سيعمل على تجفيف منابع الفساد و زيادة الكفاءة و تحقيق العدالة.
و كذلك الفصل بين السلطات التنفيذية بحيث يتم تحديد صلاحيات رئاسة الجمهورية و الحكومة و الوزارات و الهيئات المستقلة و العامة. الأساسية.
و كذلك الفصل بين مؤسسات القطاع الخاص و المؤسسات الحكومية من حيث تحديد الوظيفة الاقتصادية لكل منهما و كذلك واجبات و حقوق كل منهما وفقا لذلك.
اتن ذلك يحتم اعادة النظر بالوظيفة الاقتصادية و تقاسم هذه الوظائف بين السلطات المركزية و المحلية. لقد اوضحت تجارب اليمنين مع الدولة الحديثة وجود تصورات متناقضة حول الوظائف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للدولة. فقد تراوحت هذه التصورات بين اقصى اليمين و اقصى اليسار. و كان من الواضح ان عملية تحديد وظائف الدولة في اليمن قد اقتصرت على النخب السياسية. اما غالبية فئات المجتمع فقد غيبت او تغيبت.
و بدلا من التركيز على تفعيل وظائف الدولة على ارض الواقع فان النخب السياسية قد عرقت في الصراعات حول اختلافها حول تصور وظائف الدولة الحديثة. و قد كانت هذه الصراعات في بعض الاحيان الى عمليات تدمير للدولة و المجتمع. و لسوء الحظ فان الاختلافات على وظائف الدولة لا زال مستمرا حتى الان.
و لقد ترتب على ذلك غياب للدولة و مؤسساتها و انسحابها من واقع اليمنيين حتى و ان بقيت بعض اشكالها. فاليمن اليوم يعيش ازدواجية خطيرة بين وهم وجود دولة من اي نوع كان و حقيقة الفراغ الذي تستطع المؤسسات التقليدية و على وجه الخصوص مؤسسة القبيلة ملئه.
فمن المؤكد انه في ظل تناقض التصورات حول وظائف الدولة الحديثة و انشغال النخب السياسية في عملية فرض تصوراتها لن يكون هناك اي جدوى لأي عملية اصلاح من اي نوع و في اي مجال.
• خاتمة
ان تحقيق التنمية الاقتصادية يحتم اشراك جميع فئات المجتمع في تحديد وظائف كل من الدولة و القطاع الخاص و منظمات المجتمع المدني. ان ذلك يحتم ضرورة اتباع اليات جديد في عملية اعادة النظر في وظائف الدولة في اليمن. فعلى سبيل المثال فانه لا بد من التخلي عن احتكار النخب السياسية حق الحديث عن وظائف الدولة. و لذلك فانه لا بد من اشراك كل فئات المجتمع في ذلك.
فالأحزاب السياسية في اليمن لم تصل الى النضج المطلوب حتى تتولى هذه المهمة على اعتبارها انها تمثل اليات لتجسيد وجهات النظر المختلفة لدى فئات الشعب. فهذه الاحزاب لا تحظى بالتأييد الشعبي الكافي و لذلك فإنها لا تعبر عن مواقفه. انها تمثل مواقفها او على وجه التحديد مواقف قياداتها او موافق بعضها. و لذلك فإنها ليست مؤهلة للتحاور و التوافق على تصور للدولة الحديث يمكن ان يحظى بالقبول من قبل غالبية اليمنيين.
و نتيجة لذلك فان المؤسسات المنبثقة عن العملية السياسية في اليمن مثل مجلس النواب لا تعبر عن تمثيل شعبي حقيقي بقدر ما تعبر عن تناقض الاحراب و القوى السياسية. و الدليل على ذلك فإنها لم تستطع ان تحسم اي خلاف سياسي بطريقة تغلب المصالح العامة.
ان ذلك يحتم بالضرورة الغاء العملية السياسة اي حل الاحزاب السياسية و المؤسسات الدستورية. بدون ذلك لا يمكن اشراك فئات المجتمع في تحديد وظائف المؤسسات المختلف بحيث يتم تكامل كل منهما و ليس تنافسهما.
و في هذا الاطار فانه يمكن الدعوة الى لقاء محلي بين مندوبين ينتخبون في كل محافظة من المحافظات اليمنية الواحدة و العشرين لمناقشة حدود و صلاحيات السلطات المحلية و علاقاتها مع السلطة المركزية. ان لقاء كهذا قد يعمل على توحيد كل محافظة من المحافظات تجاه المحافظات الاخرى. و لا شك ان ذلك سيعمل على ايجاد وحدة وظنية حقيقية في كل محافظة و في هذه الحالة فانه سيمنع محاولات تحريض عدد من المحافظات ضد عدد من المحافظات الاخرى. ففي الحالة الاولى فان اي اختلاف بين المحافظات و بعضها البعض لا بد و ان يكون في اطار الوحدة الوطنية لان كل محافظة لحالها لا يمكن ان تشكل اي كيان قابل للحياة يسعى للانفصال عن الوطن. اما في الحالة الثانية فان ذلك قد يكون ممكنا او ان التخوف من وقوعه له ما يبرره.
هذا من ناحية و من ناحية اخرى فان لقاء كهذا سيمكن مكونات المجتمع من ان تعبر عن مصالحها و ان يكون لها قول في مستقبلها. و لا شك ان ذلك يمثل الضمانة الحقيقية لان تكون وظائف الدولة المتفق عليها تعبر عن واقع اليمن و عن مستقبله. و اذا ما تحقق ذلك فان ذلك يمثل ضمانا بان تكون هذه الوظائف مفعلة و حاضرة.
و من اجل ذلك فانه لا بد من توفير المتطلبات التالية
1. ضرورة الاتفاق على دستور جديد
فلا يمكن لاحد ان يجادل بان الدستور الحالي ليس كافيا لخلق دولة حديثة و كذلك جميع القوانين الاخرى التي انبثقت عنه. و السبب هو ببساطة ان من كتب هذا الدستور و هذه القوانين لم يكن يستند الى قاعدة شعبية. صحيح ان الدستور قد تم اعتماده من خلال استفتاء عام لكن الظروف التي تم الاستفتاء عليه لم تكن طبيعية و بالتالي فانه لم يجري نقاش حقيقي له.
2. تدشين عملية توعية واسعة حول واجبات وحقوق المواطنين وفقا للوظائف المتفق عليها للدولة. ذلك العديد من القضايا التي ينظمها الدستور لا يمكن اعتبارها قضايا صغيرة او هامشية يمكن الاكتفاء بما يوفره مناقشتها خلال اقرارها. ان قضايا مهمة و حاسمة تتطلب التذكير بها و التوعية بها شعبيا و على نطاق واسع في كل المناسبات و الفرص الممكنة.
ان التوعية بالحقوق و الواجبات الدستورية يجب ان تكون في صميم العملية التعليمية و الثقافية بل و السياسة و الاجتماعية. و يأتي في مقدمة ذلك ايجاد المحكمة الدستورية المستقلة و المتخصصة و كذلك النيابة العامة المستقلة و المتخصصة. ان ذلك سيعطي للدستور هيبة و احتراما يليق به. فاذا ما حال احد اختراق القانون فان هذه المؤسسات ستقف له بالمرصاد و من خلال ما قد يترافق مع ذلك من نقاش كبير سيعمل على تقوية التوعية بأهمية حماية الدستور و الاحتكام له عند الاختلاف.
3. اقامة انتخابات حرة و نزيهة
لا يمكن ان تتحقق المشاركة الشعبية في تحديد اهداف و طرق و تكاليف و اقتسام عوائد التنمية الاقتصادية ما يكن هناك ديمقراطية حقيقية. و كذلك فانه لا يمكن ان تكون هناك ديمقراطية حقيقية بدون انتخابات حرة و نزيهة.
4. اصلاح المالية العامة في اليمن
من الواضح ان تحديد وظائف الدولة بشكل يلبي تطلعات و احتياجات ابناء اليمن و ايجاد الضمانات الكافية لتفعيل هذه الوظائف و حمايتها سيجعل من الضروري تطوير المالية العامة في اليمن. فمن غير الممكن القيام بوظائف الدولة المتفق عليها في ظل وجود اي اختلالات مالية.
ان ذلك سيعني ضرورة القيام بكل العمليات المالية في كل مراحل الموازنة العامة. و في هذه الحالة فان شركاء هذه العملية سيتوسع ليشمل كل مؤسسات الدولة و المجتمع المدني و فئات المجتمع.
و في هذه الحالة فانه لا بد من الاستفادة بكل ما يتم التوصل اليه من معاير و اليات. فبدون ذلك فانه لا يمكن ضمان فعالية و كفاءة و عدالة الانفاق العام. و كذلك فانه لا بد من ان يكون اي نظام ضريبي كفوء و فعال و عادل. و في هذه الحالة فان الخيارات المالية ستكون نابعة من خيارات كل او معظم فئات المجتمع.
في هذه الحالة فقط سيكون هناك حوافز لإصلاح المالية العامة في اليمن و لتطويرها. و بدون ذلك فان اي حديث عن الاصلاح المالي هو حديث فارغ و غير صادق. لأنه ببساطة لا توجد ضغوطات و حاجات حقيقية له.
ان ذلك نقطة انطلاق اليمن في طريق الازدهار و الحرية و الاستقرار. و ما عدا ذلك فما هو الا ذر للرماد في العيون. و من المؤكد ان هذا الرماد سيصيب كل العيون ليس فقط عيون البعض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.