تمرد إداري ومالي في المهرة يكشف ازدواج الولاءات داخل مجلس القيادة    صحة غزة: ارتفاع الجثامين المستلمة من العدو الإسرائيلي إلى 315    موسم العسل في شبوة.. عتق تحتضن مهرجانها السنوي لعسل السدر    مليشيا الحوثي تسعى لتأجير حرم مسجد لإنشاء محطة غاز في إب    القائم بأعمال رئيس الوزراء يشارك عرس 1000 خريج من أبناء الشهداء    أبين.. حادث سير مروع في طريق العرقوب    شبوة تحتضن بطولة الفقيد أحمد الجبيلي للمنتخبات للكرة الطائرة .. والمحافظ بن الوزير يؤكد دعم الأنشطة الرياضية الوطنية    صنعاء.. إيقاف التعامل مع منشأتَي صرافة    وزارة الخدمة المدنية توقف مرتبات المتخلفين عن إجراءات المطابقة وتدعو لتصحيح الأوضاع    الأرصاد يتوقع أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    المجلس الانتقالي الجنوبي يرحّب بتقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة ويدعو إلى تعزيز التعاون الدولي    لحج: المصفري يرأس اجتماعا للجنة المنظمة لدوري 30 نوفمبر لكرة القدم    توتر وتحشيد بين وحدات عسكرية غرب لحج على شحنة أسلحة    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    تسعة جرحى في حادث مروع بطريق عرقوب شقرة.. فواجع متكررة على الطريق القاتل    انتقادات حادة على اداء محمد صلاح أمام مانشستر سيتي    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    برباعية في سيلتا فيجو.. برشلونة يقبل هدية ريال مدريد    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    جحش الإخوان ينهب الدعم السعودي ويؤدلج الشارع اليمني    هل يجرؤ مجلس القيادة على مواجهة محافظي مأرب والمهرة؟    الأربعاء القادم.. انطلاق بطولة الشركات في ألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    العسكرية الثانية تفضح أكاذيب إعلام حلف بن حبريش الفاسد    غارتان أمريكيتان تدمران مخزن أسلحة ومصنع متفجرات ومقتل 7 إرهابيين في شبوة    إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثيين بمدينة نصاب    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    الأستاذ علي الكردي رئيس منتدى عدن ل"26سبتمبر": نطالب فخامة الرئيس بإنصاف المظلومين    الشيخ علي محسن عاصم ل "26 سبتمبر": لن نفرط في دماء الشهداء وسنلاحق المجرمين    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    عين الوطن الساهرة (1)    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع لرؤيا مستقبلية لشباب الثورة!
نشر في الجمهورية يوم 11 - 03 - 2012

لا ينبغي ان تمر ثورة الشباب في اليمن دون ان تعمل على اطلاق عملية التنمية المستدامة. فقد كان على شباب الثورة ان يدركوا ان اهم مبررات ثورتهم هو فشل النظام في تحقيق او اطلاق عملية تنمية مستدامة، هذا من ناحية و من ناحية اخرى فان انطلاق ثورتهم يعد فرصة لا تعوض لتحقيق ذلك، و يتضح ذلك من حقيقة ان الشرط الضروري لإطلاق عملية التنمية المستدامة هو حصول تغير كبير مثل التغير الذي احدثته ثورة الشباب في اليمن.
التغير يقود الى التأقلم، و التأقلم يؤدي الى التعلم، و التعلم يشجع الابداع، لذلك تتطلب عملية اطلاق التنمية المستدامة حدوث التغير اولا لكي تتبعه العمليات الاخرى.
فقد احدثت ثورة الشباب تغيرا كبيرا في تفكير الناس كل الناس و بالتالي فانها بذلك قد وفرت الشرط الضروري لإطلاق عملية التنمية المستدامة، إن تغيرا بهذا الحجم لا يحدث عادة الا عندما يواجه المجتمع تحديات كبيرة تهز كيانه الداخلي بقوة، و في اعتقادي فان ما حدث في اليمن هو كذلك، فاذا لم يستغل الحدث الكبير في اطلاق عملية تنمية مستدامة فانه يمكن القول بانه لا شيء مثل ذلك يمكن ان يحدث في المستقبل الامر الذي يعني بقاء اليمن متخلفا و ربما الى فترة طويلة من الزمن.
فقد كان على شباب اليمن ان يعمل على توفير الشرط الثاني لإطلاق عملية التنمية المستدامة ألا هو حسن إدارة التغير الذي حدث، ذلك ان التنمية المستدامة هي عملية شاملة تشمل النمو الاقتصادي والعدالة الاقتصادية والاستقرار السياسية و الانسجام الاجتماعي و التقدم المعرفي، انها تسعى إلى تمكين الانسان من ممارسة حقوقه بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، و لذلك فانها تتطلب وجود أدارة كفؤة لها.
و تنبع صعوبة ادارة عملية التنمية المستدامة من حقيقة ان عملية اطلاقها و ادارتها لا بد و ان تعبر عن ارادة مجتمعية انسانية. و قد هيأت ثورة الشباب فرصة مهمة لحدوث ذلك، انها لا يمكن ان تنطلق استنادا الى رأي فرد او جماعة او فئة من فئات المجتمع او حزب، انها تنطلق تعبيراً عن ارادة جمعية انسانية. وهي بهذا المعنى ليست نتيجة تطور تاريخي، و بالاضافة الى ذلك فانها عملية نابعة من الفعل الارداي الانساني الجمعي المهدف المجسد على ارض الواقع.
عملية التنمية المستدامة بهذا المعنى هي عملية منظمة و بالتالي فانها تقوم على اسس محددة و تتطلب توفر عوامل مادية ومعنوية معينة. ان ذلك يعني ان الارادة المجتمعية لا بد ان تعمل من خلال تصرفات واقعية تتطلب استخدام موارد مادية ومعنوية، فالأفكار المجردة والتصرفات العشوائية لا تحقق التنمية المستدامة مهما كانت قوتها.
التنمية المستدامة هي حل للازمات و لكنها لا تكون كرد فعل لها، فالمجتمع المأزوم لا يقدر على اطلاق او ادارة اي عملية تنمية مستدامة، و لذلك فان مهمة اطلاق عملية التنمية المستدامة تقع على النخب التي تتجاوز و تترفع على الازمات مهما كانت. و قد كان على شباب الثورة ان يمثل ذلك.
التنمية المستدامة تتم من خلال الاختيار الحر العقلاني، ولا شك ان ذلك يعني وجود خيارات متعددة لتحقيقها و يتم تغليب الاحسن والافضل، اي ان المجتمع الذي يسعى لتنمية نفسه يحرص عن ان يكون التنافس بين افراده على الخير اي التسابق على الخيرات اي على ما يفيد الانسان كل الانسان. فالمجتمع الذي لا يؤمن بالحرية و الذي لا يعترف بالعقلانية لا يمكن ان يطلق و يدير اي عملية تنمية مستدامة.
التنمية المستدامة تعني التوازن بين الحقوق و الواجبات، فتوزيع الواجبات المترتبة على اطلاق عملية التنمية المستدامة يجب ان تتوازن مع توزيع العوائد المترتبة على تحقيقها، و بلغة اخرى فإن الاستدامة تعني الحرص على تحقيق العدالة، فعلى سبيل المثال فانه يجب الاخذ بعين الاعتبار حقوق الاجيال القادمة في العيش الكريم بنفس الاهمية التي يجب بها الاخذ بعين الاعتبار لحقوق الاجيال الحالية بذلك سواء بسواء، ذلك ان تلويث المناخ قد يأثر على حياة الاجيال القادمة، و كذلك فان الاستخراج العشوائي للموارد القابلة للنضوب ( المياه الجوفية والنفط و الغاز) قد يتجاهل احتياج الاجيال القادمة لهذه الموارد، و من الممكن ان يحتكر نتائج التنمية قلة من افراد المجتمع و على حساب الاخرين الضعفاء، فالتنمية الاقتصادية المستدامة تعني اخذ كل هذه الجوانب بعين الاعتبار بهدف ايصال فوائدها الى كل افراد المجتمع والى كل اجياله بقدر المستطاع.
التنمية المستدامة هي تلك التي تسعى الى زيادة الدخل الحقيقي لكل افراد المجتمع و الى توفير وظائف حقيقة و كافية لكل القادرين على العمل، فبدون ذلك لا يمكن توقع حدوث تحسن حقيقي ملموس في مستوى المعيشة لجميع فئات الشعب بل انه لا يمكن المحافظة حتى على مستويات المعيشة القائمة.
التنمية المستدامة هي التي تعمل على توفير الاحتياجات الانسانية الاساسية لكل الناس بغض النظر عن دينهم او مذهبهم أو مناطقهم او اعراقهم.
عملية التنمية المستدامة تتظافر كل من العوامل الاقتصادية والسياسية و الاجتماعية و الثقافية، و من اجل توضيح العلاقة بين هذه الجوانب فقد يكون من المفيد تشبيه عملية التنمية المستدامة بطائرة مقلعة بحيث يمثل الاقتصاد محركها و السياسة و الاجتماع جناحيها والتعليم و المعرفة وقودها.
و يمكن كذلك تمثيل المحركات الاقتصادية لعملية التنمية الاقتصادية في بذل العمل و ممارسة الادخار و القيام بالاستثمار اي اقتناص الفرص، اذ انه لا يمكن القول بان عملية التنمية المستدامة لا تقلع الا اذا توفرت كل هذه المحركات الثلاثة، بمعنى ان تشغيل بعضها فقط لن يؤدي الى اقلاعها.
فكما ان الطائرة لا يمكن ان تقلع الا اذا توفر لها جناحان حتى ولو كانت محركاتها تعمل بشكل جيد فان عملية التنمية المستدامة لا يمكن ان تقلع الا اذا توفر لها جناحاها السياسي و الاجتماعي الى جانب محركاتها الاقتصادية.
فالجناح السياسي لعملية التنمية المستدامة يتمثل في تحقيق الامن والبنية التحتية السياسية و الاقتصادية و العدل، فبدون الامن والبنية التحتية والعدل لن يقدم افراد المجتمع و مؤسساته على كل من العمل و الادخار والاستثمار، وبدون العدل فإن القوي سيلتهم الضعيف، الدولة وحدها القادرة على تحقيق القدر الضروري من كل ذلك.
اما الجناح الاجتماعي لعملية التنمية المستدامة فتتمثل في اشاعة التسامح و التكافل، فالمؤسسات الاجتماعية مثل الاسرة والرحم وربما العلاقات المرتبطة بالقرابة والجوار هي الاجدر والاكفأ على تحقيق الانسجام الاجتماعي. فلا العلاقات الاقتصادية ( السوق) ولا على العلاقات السياسية ( القوة) قادرة على تحقيق ذلك، ولا شك ان التكافل و التسامح يخفف من حدة الحسد الذي تنتجه المنافسة الاقتصادية والسياسية. ولذلك و من اجل ان تكون التنمية المستدامة قوية وفعالة فانه لا بد من العمل على توفر الانسجام الاجتماعي و الذي يتطلب الاتفاق على القيم النبيلة و التسامح فيما عدا ذلك من تمايزات اجتماعية او ثقافية.
و كما أن الطائرة قد تقلع اذا توفرت لها محركات جيدة و جناحان مناسبان فانها لا يمكن لها ان تقطع المسافات الكبيرة الا اذا توفر لها الوقود الكافي و كذلك فإن عملية التنمية المستدامة لا تستطيع ان تتطور وتتقدم الا اذا توفر لها الوقود الكافي أي العلم و المعرفة، و المقصود بذلك هو القدرة على خلق المعرفة او على الاقل القدرة على الاستفادة منها، ذلك ان كل عوامل التنمية المستدامة الاخرى مثل الموارد الطبيعية محدودة ولا بد من استنفادها بعد حد معين الا المعرفة فإنها لا نهائية.
ومن أجل توفير الوقود الكافي لعملية التنمية الاقتصادية المستدامة فإن ثقافة المجتمع قائمة على احترام العلم و العقل ونبذ الجهل والخرافة، وكذلك فإنه لا بد وان تكون تصرفات افراد المجتمع تنبع من الرشد و ليس من الغباء.
من الواضح ان اليمن في الماضي فشل في تحقيق التنمية المستدامة في الماضي بسبب غياب متطلباتها الاساسية مثل الارادة الجمعية الكافية والادارة المناسبة. فعلى الرغم من ان اليمن كان لديه قدر معقول من الموارد الطبيعية و البشرية كان من الممكن ان يمكنه من تحقيق قدر كبير من التنمية المستدامة، لكن لسوء حظه فإن نخبه لم تعمل على اطلاق أي من المحركات الاقتصادية و لم تسع الى توفير اجنحة التنمية الاقتصادية ولم توفر مصادر الطاقة لها خلال الفترات الماضية.
والدليل على ذلك هو الغياب الكامل لأي رؤيا اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية لتحقيق التنمية المستدامة في اليمن خلال الفترة الماضية،ان غياب ذلك هو الذي يفسر فشل اليمن في تحقيق التنمية المستدامة على الرغم من توفر قدر معقول من متطلباتها الطبيعية والبشرية لديه،ذلك ان الموارد الطبيعية مهما كان حجمها لا يمكن ان تطلق تنمية مستدامة من اي نوع، العمل الانساني هو وحده القادر على اطلاقها، فالتنمية المستدامة مرتبطة بالإنسان على اعتبار انه اداتها وغايتها، فالدول التي تهمل عنصرها البشري لا تملك اي فرصة لتحقيقه اي تنمية مستدامة.
لقد ترتب على ذلك عدم بذل اليمنيين كامل ما يتوفر لهم من طاقة عمل نتيجة لعدم الاعتراف بحق العامل بالحصول على حوافز عادلة. فحوافز العمل هي على قسمين: ايجابية و سلبية، تتمثل الحوافز الايجابية في الاعتراف للعامل بنتائج عمله و بحقه في استخدامه كما يرغب هو بذلك، اما الحوافز السلبية فتتمثل في ترك العامل يتحمل مسئولية نفسه، بمعنى انه اذا كان له كامل الحق في الحصول على قيمة عمله فاذا لم يعمل او اذا بذر قيمة عمله فإن عليه ان يتحمل نتائج ذلك، و من الملاحظ ان هناك اختلالاً في الحوافز الايجابية والسلبية في اليمن، فبعض العمال يجبر على الحصول على اقل مما يستحق والبعض الاخر يحصل على ما لا يستحق.
فالأجور في اليمن لا تتحدد من خلال التراضي بين العاملين والمستخدمين اي من خلال السوق اي قانون العرض، فالحكومة وكبار المستثمرين و التجار و ملاك الاراضي يفرضون على العاملين ما يرونها اجرا مناسبا، و يرجع ذلك الى تخلف سوق العمل في اليمن و تساهل الدولة في حماية حقوق كل العاملين وخصوصا العاملين لديها.
ولا يختلف الامر كثيراً فيما يخص المحرك الثاني للتنمية اي الادخار، فقد مارست الدولة التبذير و شجعت عليه، و لقد ترتب على الاختلالات المالية و النقدية اهدار الجزء الاكبر من الموارد النادرة المتاحة او تحوليها الى اكتناز مضر، و بما ان الادخار يعني تأجيل الاستهلاك الى المستقبل فانه لن يقدم اي انسان على ذلك الا اذا توفرت لها حوافز كافية و ضمانات. فالادخار يعني ان يستهلك الفرد او المجتمع أقل في الوقت الحاضر مقابل الامل بأن يستهلك اكثر في المستقبل، ان محرك الاول للادخار هو استقرار العملة و الاسعار، ففي هذه الحالة فإنه سيترتب على الادخار تحقق الاستثمار من خلال توسط البنوك والمؤسسات المالية، و لا شك ان اليمن قد عانت ولا زالت في تدهور قيمة عملتها و من تغير الاسعار بشكل عشوائي، و نتيجة لذلك فلم تتطور البنوك التجارية و لم يتم اقامة اسواق مالية.
و قد انعكس ذلك سلبا على المحرك الثالث للتنمية المستدامة ألا وهو الاستثمار، الاستثمار ضروري لعملية التنمية لأنه يزيد من فاعلية العمل من ناحية و لأنه يمكن العمل من الوصول الى الموارد الطبيعية التي لا يستطيع ان يصل اليها باستخدام طاقته الطبيعية المجردة. انه ينقسم الى قسمين: القسم الاول الاستثمار البشري اي التنمية البشرية و القسم الثاني الاستثمار المادي اي الآلات و المعدات والمباني و الطرق والجسور و غيرها، و كما هو معروف فإن التنمية البشرية تعني التعليم وكل ما يرتبط به من انشطة اي التعليم العام و التدريب و البحث العلمي، اما الاستثمار المادي فيرتبط بتطبيقات التعليم اي بالتكنولوجيا.
و من الواضح ان اليمن قد عانى من اختلالات كبيرة في جناحها السياسي، فالدولة اليمنية قد قصرت في القيام بما يجب عليها القيام به من توفير البنية التحتية للتنمية المستدامة و التي من اهمها على تطوير التعليم و المعرفة، انهما يمكنان الانسان من استخدام الموارد الطبيعة بطريقة افضل اي ان الجهد المبذول سيكون اقل و ان العائد عليه سيكون اكبر. التعليم سيمكن الانسان من استخدام الطاقة الطبيعة التي تفوق طاقته بكثير مما سيمكنه من تقليل الجهد المبذول و زيادة العائد عليه.
لقد اخفقت الدولة في اليمن كذلك في مساعدة الأفراد على تنظيم أنفسهم بطريقة فعالة و كفؤة،إن عملية الاستثمار و الانتاج لا بد و ان تكون جماعية. فلأسباب عديدة فإن مجالات الاستثمار الفردية محدودة و العائد عليها محدود أيضا، و في هذه الحالة فإنه لا بد من ان يسمح للمؤسسات الاقتصادية ان تأخذ حجمها المناسب وان يسمح لها التطور و التأقلم مع المتغيرات الاقتصادية، فالمؤسسات الاقتصادية في اليمن فردية وصغيرة الحجم و غير منظمة.
ان مجالات الاستثمار الافضل ترتبط و بشكل وثيق بالأشكال التنظيمية للمؤسسات الاقتصادية، ان الدولة لا بد و ان تلعب دورا مساندا لذلك. ان دورها في التعليم و التدريب و التأهيل و التكنولوجيا مهمة جدا، ان ذلك ينبع من ان الافراد قد لا يدركون اهمية ذلك الا في اوقات متأخرة، وثانيها ان بعض الافراد قد لا يستطيعون ان يتحملوا تكاليف ذلك ورابعها ان من يستطيع ان يتحملها فإنه قد لا يكون قادرا على استعادتها، لم تتطور المؤسسات الاقتصادية في اليمن فلم تكتف الدولة في عدم سن و تطبيق القوانين و اللوائح و الممارسات المشجعة للعمل و الادخار والاستثمار بل انها تعتمد القيام بممارسات تتناقض مع ذلك، فلا هي طبقت قوانين السوق بصرامة و لا هي طورت اجراءات اخرى مناسبة.
و لا يستطيع ان يجادل احد بأن الدولة اليمنية قد قصرت في هذه الجوانب تقصيرا كبيرا مما ترتب عليه غياب التنمية المستدامة، ان اطلاق عملية التنمية يتطلب الاستعداد لإدارتها، فبدون ذلك فان محاولة الاطلاق قد تفشل حتى لو كانت هذه المحاولات صحيحة فقط لأنها قد حرمت من عملية الادارة، ان ادارة التنمية تعني الاستعداد لاغتنام الفرص والتغلب على العقبات.
و لا شك ان ادارة التنمية عملية كانت تتطلب ادارة التنمية بكفاءة عالية من خلال تغير السياسات الاقتصادية الامر الذي يعني تغير بعض القوانين السائدة و من اجل ذلك فإنه لا بد وان تتوفر ارادة سياسية، وكذلك فإن ادارة التنمية قد يتطلب تحمل بعض التكاليف الاجتماعية الامر الذي يتطلب اقناع الفئات الاجتماعية بذلك بهدف تقبل هذه التكاليف من خلال الاقناع وليس من خلال الاجبار.
و لقد ترتب على ذلك ضياع العديد من الفرص، فالعديد من الاستثمارات كانت غير المخطط و غير كفؤة، و من يشك في ذلك فما عليه الا ان يقيم كلا من مشاريع التعليم و الصحة و البنية التحتية، فلا التعليم تطور و لا الصحة تحسنت و لا البنية التحتية خلقت مجالات اقتصادية جيدة قادرة للتعويض عن تقلص قطاع النفط.
ومن الفرص الضائعة اهدار عائدات النفط والغاز. فقد تم تبذير ايراداتها خلال انفاقها على مجالات تشجع على الكسل والاستهلاك وعلى حساب الاستثمار. الا ترى ان القطاع النفطي نفسه قد حرم من ايراداته،فظلت البلاد تعتمد على الخارج في مجال الاستثمار والادارة مما ترتب عليه ان معظم عائدات النفط قد ذهبت للخارج.
ومن الفرص الضائعة اهمال القطاعات الواعدة، الا ترى ان مشاريع البنية التحتية المنفذة لم تخدم القطاعات الواعدة اي السياحة والتجارة، اما كان بالإمكان تركيز مشاريع البينة التحتية في الطاقة التدريب المهني واستكشاف وتكرير المشتقات النفطية والغازية.
وكذلك فان اليمن قد عانى في الماضي من اختلالات كبيرة و خطيرة في جناحه الاجتماعي، فقد انتشرت ظواهر عملت على تمزيق الانسجام الاجتماعي مثل المناطقية والقبلية والمذهبية والفئوية، وفي ظل مناخ كهذا ينتشر الحسد وبالتالي الخوف من المستقبل مما لا يشجع الافراد على تحمل المخاطر الضرورية والمصاحبة لكل من الادخار والاستثمار.
ومن الواضح ان هناك نقصا حادا في وقود التنمية المستدامة، فعلى الرغم من التوسع الكمي في التعليم والمتمثل في الاعداد المتصاعدة للمدارس في مختلف مستويات التعليم و الجامعة واعداد الطلاب في كل المراحل الدراسية إلا ان مخرجاتها جميعا ضعيفة جدا، والدليل على ذلك انخفاض الانتاجية اليمنية في كل المجلات وعدم ملاءمة مخرجات التعليم للأسواق سواء في الداخل او في الخارج.
و يمكن القول بان شباب الثورة في اليمن حسنا فعلوا عندما لجأوا الى الثورة السلمية كوسيلة للتغير لأنهم لم يلحظوا من ابائهم حتى مجرد القلق على مصيرهم و مستقبلهم البائس، و الدليل على ذلك انه لم يكن هناك اي اهتمام من قبل الآباء حتى بمجرد البحث عن و تطوير اي رؤيا اقتصادية لتحقيق التنمية الاقتصادية. فعلى العكس من ذلك فقد استغرقتهم المماحكات السياسية.
لقد مثلت ثورتهم السلمية صيحة كبرى في وجوه النخب السياسية جميعاً التي تحولت الى سماسرة في سوق النخاسة السياسية من خلال تبرير التضليل والكذب والخداع مقابل الحصول على نصيب من كعكة الثروة الطبيعية ( النفط) و العاملين في الخارج ( تحويلات المغتربين) والمساعدات والقروض الخارجية.
لكن للأسف الشديد فإن التغير الذي تحققه شباب الثورة حتى الآن لم يكن كبيرا بحيث يؤسس لمرحلة جديدة، و الاكثر استغراباً ان اطلاق عملية التنمية المستدامة في الوقت الحاضر لا يحتل المركز الأول في سلم أولويات شباب الثورة، إلا إذا ما تم تقييم أوضاع اليمن فإنه سيجد أنه مازال يتوفر له فرصة حقيقية لإطلاق عملية التنمية المستدامة، فاليمن يمتلك المحركات الكافية لإطلاق عملية التنمية المستدامة و لكنه يفتقد للأجنحة و الوقود، انه يمتلك أهم مكون من مكونات التنمية الاهم و هو العنصر البشري.
لقد فشل شباب الثورة حتى الآن في اختيار سياسيين صادقين ومخلصين يعملون على تبني الرؤى الاقتصادية المناسبة لليمن وعلى اقناع الرأي العام بها.
ان مهمة شباب الثورة لم تنته بعد، فالمبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ستفشل حتما و في هذه الحالة فلن تكون هناك قوى قادرة على صناعة مستقبل اليمن سوى شباب الثورة، ستفشل المبادة الخليجية وآلياتها التنفيذية لأنها تعاني من قصور ذاتي و ستفشل لأن الاطراف الموقعة عليها غير صادقة في الوفاء بما التزمت به.
أقول أن مهمة شباب الثورة لم تنته بعد، و على الرغم مما يبدو من اليأس فإن الأمل لازال قوياً في نجاح ثورتهم في اطلاق عملية تنمية مستدامة، إلا أن ذلك يتطلب الاعتراف بالأخطاء التي ارتكبت وتصحيحها و الانطلاق من جديد، فمن الأخطاء التي ارتكبت من قبل الشباب عدم وجود رؤيا واضحة تحدد الاهداف الاستراتيجية وتشخص الواقع بدقة و تحدد الاولويات.
هذا العمل يمثل مشروع رؤيا مستقبلية لشباب اليمن، لأنه في الأساس موجه الى شاب الثورة و لكن يمكن القول بأنه موجه الى كل المنتمين، اني ارجو ان يمثل نقطة انطلاق لا أكثر، و من ثم فان ما ورد في من افكار ما هي في حقيقة الامر إلا اجتهاد قابل للنقاش و للتغير والتطوير.
إنه محاولة لتشخيص الوضع القائم و يقترح افكارا ورؤى للانطلاق الى مستقبل افضل، هذه الرؤيا تقوم على اساس مناقشة مفهوم التنمية المستدامة اولا، ثم التعرض لمتطلبات التنمية المستدامة ثانيا، و ثالثا انها تقيم تجارب اليمن في هذا المجال، ثم رابعا تقدم مرتكزات اساسية لإطلاق عملية التنمية المستدامة.
انني لأرجو من الله ان يتقبل هذا الجهد على ما فيه من هنات وان ينفع به انه على ما يشاء قدير و بالإجابة جدير.
« يتبع»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.