القائم بأعمال رئيس الوزراء يشارك عرس 1000 خريج من أبناء الشهداء    صنعاء.. البنك المركزي يوقف التعامل مع شركة صرافة    مليشيا الحوثي تسعى لتأجير حرم مسجد لإنشاء محطة غاز في إب    موسم العسل في شبوة.. عتق تحتضن مهرجانها السنوي لعسل السدر    أبين.. حادث سير مروع في طريق العرقوب    شبوة تحتضن بطولة الفقيد أحمد الجبيلي للمنتخبات للكرة الطائرة .. والمحافظ بن الوزير يؤكد دعم الأنشطة الرياضية الوطنية    المجلس الانتقالي الجنوبي يرحّب بتقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة ويدعو إلى تعزيز التعاون الدولي    الأرصاد يتوقع أجواء باردة إلى شديدة البرودة على المرتفعات    وزارة الخدمة المدنية توقف مرتبات المتخلفين عن إجراءات المطابقة وتدعو لتصحيح الأوضاع    لحج: المصفري يرأس اجتماعا للجنة المنظمة لدوري 30 نوفمبر لكرة القدم    توتر وتحشيد بين وحدات عسكرية غرب لحج على شحنة أسلحة    عالم أزهري يحذر: الطلاق ب"الفرانكو" غير معترف به شرعا    تسعة جرحى في حادث مروع بطريق عرقوب شقرة.. فواجع متكررة على الطريق القاتل    انتقادات حادة على اداء محمد صلاح أمام مانشستر سيتي    سؤال المعنى ...سؤال الحياة    برباعية في سيلتا فيجو.. برشلونة يقبل هدية ريال مدريد    بوادر معركة إيرادات بين حكومة بن بريك والسلطة المحلية بالمهرة    هل يجرؤ مجلس القيادة على مواجهة محافظي مأرب والمهرة؟    جحش الإخوان ينهب الدعم السعودي ويؤدلج الشارع اليمني    الأربعاء القادم.. انطلاق بطولة الشركات في ألعاب كرة الطاولة والبلياردو والبولينغ والبادل    العسكرية الثانية تفضح أكاذيب إعلام حلف بن حبريش الفاسد    غارتان أمريكيتان تدمران مخزن أسلحة ومصنع متفجرات ومقتل 7 إرهابيين في شبوة    إحباط عملية تهريب أسلحة للحوثيين بمدينة نصاب    الدوري الايطالي: الانتر يضرب لاتسيو في ميلانو ويتصدر الترتيب برفقة روما    العدو الصهيوني يواصل خروقاته لإتفاق غزة: استمرار الحصار ومنع إدخال الوقود والمستلزمات الطبية    الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية تُنظم فعالية خطابية وتكريمية بذكرى سنوية الشهيد    دائرة الرعاية الاجتماعية تنظم فعالية ثقافية بالذكرى السنوية للشهيد    فوز (ممداني) صفعة ل(ترامب) ول(الكيان الصهيوني)    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    الأمين العام لجمعية الهلال الأحمر اليمني ل 26 سبتمبر : الأزمة الإنسانية في اليمن تتطلب تدخلات عاجلة وفاعلة    انها ليست قيادة سرية شابة وانما "حزب الله" جديد    ثقافة الاستعلاء .. مهوى السقوط..!!    تيجان المجد    الشهادة .. بين التقديس الإنساني والمفهوم القرآني    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    عين الوطن الساهرة (1)    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع لرؤيا مستقبلية لشباب الثورة!
نشر في الجمهورية يوم 13 - 03 - 2012

لقد آن أوان اطلاق عملية التنمية المستدامة في اليمن
ثانيا: متطلبات تحقيق التنمية المستدامة
تنطلق عملية التنمية المستدامة من التغيير. فيترتب على التغيير التأقلم او التكيف. و ينتج عن ذلك التعلم. و يثمر التعلم الابداع. و لا بد ان يتجسد كل ذلك على ارض الواقع من خلال العمل و الادخار و الاستثمار. و حتى يتحقق ذلك فإنه لا بد ان يتواكب مع ذلك مناخ سياسي و مناخ اجتماعي و مناخ ثقافي مناسب. و لا شك ان عملية معقدة كهذه تتطلب توفر قدر كاف من التنظيم و التنسيق بين مختلف فئات المجتمع و التي يجب ان تتشارك في ذلك كل فيما يخصه.
يمكن القول بأن تحقيق ذلك له متطلبات اساسية. و لعل في مقدمتها توفر المعرفة الكافية و الإرادة اي السلطة. صحيح ان كل ذلك يتطلب وجود امكانيات طبيعية كافية. فوجود المعرفة العملية مرتبط بالمعرفة الاقتصادية. اما وجود الارادة فمرتبط بالشرعية و بالتالي فهي مرتبطة بالجوانب السياسية و المناخ المناسب مرتبط بالعلاقات الاجتماعية و الثقافية. اما الموارد الكافية فهي هبة من الله و قد أعطاها الله لكل الناس و لكل البلدان.
و قد يكون من المناسب تشبيه اطلاق عملية التنمية الاقتصادية المستدامة بعملية اطلاق طائرة الى الجو. فكما ان عملية اطلاق الطائرة يتطلب وجود محركات سليمة و جناحين سليمين و وقود كاف فان عملية اطلاق التنمية الاقتصادية المستدامة تطلب ايجاد محركات سليمة ( العمل و الادخار و الاستثمار) و جناح سياسي سليم ( الاستقرار السياسي القائم على العدل و جناح اجتماعي سيلم (القائم على التسامح و التكافل) و وقود كاف من التقدم العلمي و المعرفي.
محركات التنمية الاقتصادية المستدامة
لا يمكن تحويل التغيير الى واقع معاش الا من خلال بذل الجهد البشري. وفي هذا الاطار فإنه يجب التفرقة بين الجهد العقلي و الذي هو مقدمة ضرورية للجهد البدني و بين الجهد البدني ذاته. فالجهد العقلي قد يبقى حبيس العقل او الكتب و بالتالي فقد لا يستفاد منه. و حتى يتحقق ذلك فانه لا بد و ان يترافق الجهد العقلي مع الجهد البدني. ان ذلك يعني انه لا بد من ان يتكامل كل من الجهد العقلي والجهد البدني لتحقيق التنمية المستدامة. فالجهد البدني منفصلا عن الجهد العقلي قد يكون ضرره اكبر من نفعه. اذ ان الجهد البدني غير المعقلن قد ينتج واقعا معاشا غير مرغوب به و بالتالي قد يعمل على اعاقة التنمية المستدامة. فقط الجهد البدني المعقلن هو الذي يصنع التنمية المستدامة.
يمكن القول بأن الادبيات الاقتصادية منذ ان نشر رائد علم الاقتصاد العالم الكبير آدم إسمث كتابه المشهور ثروة الأمم في عام 1776 و الى اليوم قد اجمعت تقريبا على ان التنمية المستدامة لا يمكن ان تتحقق الا اذا توفرت لها ثلاثة محركات اساسية هي العمل و الادخار و الاستثمار. يمكن إلقاء الضوء على هذه المحركات وذلك على النحو التالي:
العمل
يعتبر العمل و الذي هو الجهد البشري اهم محركات التنمية المستدامة. فبدونه لا يمكن تحقيق اي تنمية من اي نوع بل انه يمكن القول بأنه بدون بذل الانسان لأي جهد لا يتم انتاج اي شيء على الاطلاق. و المقصود هنا بالجهد البشري هو الجهد العقلي المرتبط بالجهد البدني اي الجهدان معا.
و على هذا الاساس فإن اي تغيير حقيقي لبدء عملية التنمية المستدامة لا بد و أن ينطلق الاول من العمل. اذ إنه ينبغي على المجتمع الذي يسعى الى اطلاق عملية تنمية مستدامة ان يحدث تغييراً كبيراً و اساسيا في مجال العمل اي ان يسعى الى تشجيع افراده القادرين على العمل بجد. فالله قد خلق الموارد الطبيعية ( التربة والماء والمناخ و المعادن) بالكمية الكافية لتلبية الاحتياجات الانسانية المتعددة و لكنه لحكمة يراها لم يخلقها صالحة للاستخدام المباشر. و من اجل تجهيزها لتلبية الحاجات الأساسية للناس فإنه لابد من بذل العمل (الجهد البشري). و في نفس الوقت فإن الله قد أوجد الطاقة الجسمية و العقلية الكافية في الإنسان الطبيعي الذي بلغ سن الرشد لتحويل هذه الموارد الى سلع و خدمات صالحة لتلبية الحاجات الأساسية للفرد و لغيره.
فعلى سبيل المثال فان الطاقة الجسمية و العقلية في الفرد الطبيعي البالغ تمكنه من استخدام التربة و المناخ و المياه لإنتاج الغذاء الذي يكفيه و يكفي ما لا يقل عن عشرة أفراد آخرين. و كذلك فان هذه الطاقة قد تمكنه من بناء بيت يصلح للسكن خلال فترة معقولة من الزمن. و ايضا ان الإنسان يمكنه ان ينتج من الملابس ما يسد حاجته من هذه السلعة و يزيد. ففي حال تمكن العدد الكافي من استخدام الطاقة الجسمية و العقلية التي منحهم الله إياها فان هذا المجتمع سيكون ثريا. وفي حالة عدم تمكن العدد الكافي من أفراد المجتمع من تحقيق ذلك فان هذا المجتمع يكون قد وقع في الفقر.
ان القيام بالعمل الجاد و ان كان في الحقيقة ظاهرة فردية الا انه يتأثر ببعض تصرفات الأسرة او الدولة و التي قد تؤدي الى تشجيع الأفراد على القيام بذلك او الى احباطهم في ذلك.
العمل الذي يؤدي الى انتاج يختلف عن الاستهلاك من حيث كون الاول ظاهرة اجتماعية اي انه لا بد و ان يتم من خلال تعاون اكثر من فرد و من حيث كون الثاني ظاهرة فردية. فالاستهلاك يمكن ان يكون فرديا.
مؤسسات العمل المنتج متعددة و قد تطورت عبر مراحل التاريخ. فقد كانت الاسرة هي المكون الاول للإنتاج. اذ انها تتكون من فردين على الاقل وهما الزوج و الزوجة. و من خلال تعاونهما فانه يمكنهما ان يحافظا على تناسلهما من خلال إنجاب الاطفال. و لا شك ان ذلك كان يتطلب العمل على توفير متطلبات الحياة لهما و لأطفالهما. و على هذا الاساس فإن الاسرة كانت في القدم مؤسسة اجتماعية واقتصادية و ربما سياسية و ثقافية.
و مع مرور الوقت تخلت مؤسسة الاسرة الى مؤسسات اخرى عن بعض واجباتها الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية. فنشأت الى جانب مؤسسة الاسرة مؤسسات اخرى مثل مؤسسة العشيرة و التي تتكون من اكثر من اسرة ثم الى القبيلة و التي تتكون من اكثر من عشيرة ثم الجماعة و التي تتكون من اكثر من قبيلة ثم الدولة و التي تتكون من اكثر من جماعة.
في العصر الحديث استقلت المؤسسات الاقتصادية عن المؤسسات الاجتماعية سالفة الذكر. و تحقق ذلك من خلال تطوير النظام القانوني و الإداري الذي سمح بتكوين المشاريع الاقتصادية او المؤسسات الاقتصادية ( المؤسسة الفردية والشركاء و الشركات بجميع انواعها).
فالإنتاج الحديث يتم من خلال تكوينات اقتصادية لها شخصية اعتبارية. و على الرغم من ذلك فإن العنصر البشري هو العامل الاساسي في تكوين هذه المؤسسات. و لم يقلل من اهمية ذلك تقسيم العمل الى انواع متعددة العمالة بالأجر لدى الغير و العمل لحساب النفس. و كذلك سواء كان العمل يدوياً او فكرياً و سواء كان بشكل دائم ام مؤقت.
و على الرغم من استقلال المؤسسات الاقتصادية عن المؤسسات الاجتماعية و السياسية فانه لا زال لهذه المؤسسات الاخيرة ادوار مهمة في عملية الانتاج اي في عملية استغلال قوة العمل. فهذه المؤسسات توفر خلفية اساسية من القواعد و الاعراف التي تدفع الاجيال الجديدة الى الاهتمام بالعمل و استغلاله فيما يفيد الفرد و المجتمع. و كذلك فان المؤسسات السياسية ( الدولة ) لا زالت تلعب دورا اساسيا في التوسط في التنازعات و الخلافات التي قد تحدث بين الافراد العاملين حول تقاسم نتائج العمل.
و من اجل الاستغلال الامثل لطاقة العمل فانه لا بد من وجود توافق و تقاسم للأدوار بين المؤسسات الاقتصادية و المؤسسات الاجتماعية و المؤسسات السياسية. و بدون ذلك فانه من المؤكد ان لا يتم استغلال طاقة العمل المتوفرة او ان لا يتم استغلالها بطريقة كفؤة و بالتالي لا يمكن ان تنطلق عملية التنمية المستدامة.. إذن فالثراء والفقر للفرد و للمجتمع ليس قدرا محتوما و إنما حالة اختيارية للفرد و للمجتمع. انهما في حقيقة الامر ناتجان من بذل العمل او الكسل. فالله قد زود أفراد المجتمع الطبيعيين و الراشدين بما يحتاجونه من طاقة لتحويل الموارد الكافية التي خلقها الله في الطبيعة لتلبية الحاجات الأساسية لكل أفراد المجتمع. فإذا كان الفقر حالة غير طبيعية لأنه ناتج عن التقصير في بذل العمل. وبالتالي فان الخروج منه يتطلب بذل العمل.
فنتيجة للكسل فإن الفرد يهدر طاقته الجسمية في أنشطة غير مفيدة. و كما هو معروف من القواعد الأساسية للعلوم الفيزيائية ان الطاقة غير المستغلة تذهب أدراج الرياح. فقط تلك الطاقة التي تستغل وفقا للقوانين الطبيعية هي التي تحول الى شيء مفيد يكون استخدامه او ادخاره. فعلى سبيل المثال فان الفرد الذي لا يستغل طاقته لتحويل الموارد الطبيعية ( التربة و المناخ و المياه) الى غذاء يمكن الاستفادة منه او ادخاره لا يستطيع ان يستفيد من وقت فراغه و لا يستطيع بالتالي ان يدخره. و هكذا دواليك. فإنتاج الغذاء يحتاج الى تحويل الموارد الطبيعية بواسطة الطاقة البشرية الى سلع تكون صالحة لذلك. لكن تبذير هذه الطاقة من خلال التفكير غير المنضبط أي من خلال الأحلام و التخيلات لا ينتج سلعا تصلح للغذاء و لا لغيره.
بذل العمل هو الذي يحقق الاحلام و الاماني و بالتالي يطلق عملية تنمية مستدامة. و لا يوجد اي خيار غير ذلك لتحقيق اي شيء. و ما لم يتم التخلي عن الكسل بكل انواعه فانه لا يمكن التغيير الى الافضل.
الادخار
يمثل الادخار احد اهم محركات التنمية المستدامة. فالادخار هو ذلك الجزء من الانتاج الذي لم يتم استهلاكه و انما تم تحويله الى تمويل للاستثمار. وبذلك فانه ينبغي التفرقة بين هذا النوع من الادخار و النوع الآخر منه و الذي يتم اكتنازه. فهذا النوع و ان كان يتشابه مع الادخار من حيث انه لا يستهلك مباشرة و لكنه يختلف عنه من يحث انه لا يحول الى تمويل. ان الاكتناز يمثل عقبة كبرى امام انطلاق اي عملية تنمية مستدامة. و من اجل تحقيق التنمية المستدامة فان على المجتمع ان يغير من اسلوبه في التبذير و الاكتناز و ان يسعى الى الادخار وتحويله الى تمويل.
يقوم بعملية الادخار كل من الفرد او الاسرة على المستوى الجزء والحكومة على المستوى القومي. فالادخار ضروري لعملية التنمية المستدامة لان الذين يشاركون في العملية الانتاجية اي القادرون على بذل الجهد جزء من السكان اي الذين تقع اعمارهم بين 16 سنة و 65 سنة.
فالأطفال يستهلكون و لا ينتجون و كبار السن و العاجزون هم كذلك. فاذا استهلك كل فرد عامل ما انتجه فمن اين سيتم توفير الاجتياحات الاساسية لهؤلاء؟ وفي هذه الحالة فان الحياة لن تكون مستقرة و لا آمنة و من ثم فان ذلك لا يوفر المناخ المناسب لتحقيق التنمية المستدامة.
و كذلك فان الادخار مهم لأنه يوفر الاحتياجات الاساسية لمن ينشغلون في البحث و التعلم بهدف توفير طرق اكثر كفاءة و انتاجا لإنتاج السلع و الخدمات في المستقبل. فاذا ما انشغل كل فرد من أفراد المجتمع في انتاج السلع الاستهلاكية فان قدرة المجتمع الانتاجية تتجمد مما لا يسمح في تحقيق التنمية المستدامة اي الزيادة المستمرة في الانتاج.
و لنفس السبب فان الادخار مهم لأنه يوفر الاحتياجات الاساسية للعاملين في المشاريع الجديدة و التي لن تدخل مرحلة الانتاج السلعي الاستهلاكي او الاستثماري الا بعد فترة من الزمن. فمن الواضح ان اقامة مثل هذه المشاريع مهمة لزيادة الانتاج في المستقبل و بالتالي فانه لا يمكن ان تتم اذا قام جزء كبير من فراد المجتمع العاملين في انتاج السلع الاستهلاكية بعملية الادخار.
التبذير عمل فوضوي يتنافى مع التخطيط و التنظيم. و في هذه الحالة فان بذل أقصى الجهود الممكنة من جميع أفراد المجتمع او غالبيتهم لا يؤدي الى وفائهم باحتياجهم الأساسية في الأوقات التي يحتاجونها. فمن المعروف ان هناك تواريخ معينة للاستفادة من السلع المختلفة لإشباع الحاجات الأساسية للبشر و يرجع ذلك الى طبيعة كل من السلع و البشر على حد سواء. فالعديد من السلع تفقد صلاحيتها للاستخدام بعد فترة معينة بل إنها قد تكتسب خصائص معاكسة لخصائصها الأصلية. فبدلا من ان تكون سلعة معينة قادرة على منع الجوع فإنها قد تكون مسببة لآلام اقوى من ألم الجوع أي ألم المرض و هكذا.
و كذلك فان قدرة الإنسان على الأكل خلال فترة معينة محدودة فإذا ما تجاوز هذا الحد فان ذلك لن يؤخر احتياجه للطعام في المستقبل. فمهما أكل فانه سيشعر بالجوع بعد اقل من 8 ساعات. و من ثم فان مبالغته في الأكل لن تؤثر على ذلك بل قد تصيبه بمرض يسبب له الغثيان و التقيؤ او الاستفراغ الامر الذي يعني انه سيحتاج للأكل خلال وقت اقصر من ذلك بكثير.
و من الواضح ان هذه الاسباب هي التي وقفت وراء اختراع النقود. فان من اهم وظائفها تخزين القوة الشرائية اي تخفيض تكاليف الادخار الى اقل قدر ممكن. و من ثم فانه لا يمكن ان تتطور عملية الادخار الا في ظل اقتصاد نقدي و في ظل النقود المستقرة.. فاذا ما تحقق هذا الشرط فانه سيسمح بتطوير النظام البنكي الذي سيعمل على القيام بالوساطة المالية و التي هي في جوهرها تسهيل تحويل المدخرات لاستثمار مفيد. و اذا ما تحقق ذلك فانه يمكن تطوير سوق المال و وسائل التمويل الضرورية لتسهيل عملية التنمية المستدامة.
فبدون ذلك لا يمكن ان يكون الادخار في حدوده الممكنة. و لا شك ان ذلك يؤدي الى عدم الانضباط من خلال السلوك غير المنضبط لكل من الادخار العام و الخاص و الاستثمار العام و الخاص. و بشكل عام كل من الادخار و الاستثمار القومي منخفض.
فمن الواضح ان مسئولية تحقيق الانضباط تقع على كل من الأسرة و الدولة و ربما المؤسسات الدينية و المدنية. فعدم الانضباط يؤثر على الأداء الاقتصادي. التبذير يعني استخدام السلع و الخدمات التي تم إنتاجها من خلال تضافر الطاقة البشرية و الموارد الطبيعية في غير الاستخدامات التي أنتجت من اجلها. و ينتج ذلك من العجلة التي تصيب العديد من الأفراد. و لا شك انه يترتب على ذلك عدم تراكم الثروات من ناحية و عدم القدرة على التفرغ بهدف اكتشاف القوانين والعلاقات التي تمكن الطاقة البشرية و الموارد الطبيعية من إنتاج حجم اكبر من السلع والخدمات.
انه يترتب على التبذير انعدام الادخار سواء على مستوى الفرد او على مستوى المجتمع و كذلك زيادة الاستهلاك المرغوب عن الاستهلاك الممكن مما يؤدي الى تشجيع الظلم و التبذير و من ثم تقلص حجم الإنتاج المتوقع و الامر الذي ينتج الفقر.
الاستثمار: اقتناص الفرص
المقصود بالاستثمار و اقتناص الفرص في اطار عملية تحقيق التنمية المستدامة معناه الواسع و هو الربط بين الاستثمار بمعناه المالي و الاستثمار بمعناه الحقيقي. و في هذا الاطار فانه يمكن القول انه لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة الا من خلال الاستغلال الامثل لكل الموارد المتاحة و في مقدمة ذلك الموارد المالية.
لقد اتاحت التطورات التكنولوجية الحديثة المرتبطة بالحاسب الآلي و نظام الاتصالات الحديثة اي الانترنت و الجوال المحمول و غيرها من وسائل الاتصالات الاخرى السريعة و الرخيص ان اصبح العالم فيما يخص الاستثمار المالي قرية واحدة. و من ثم فانه قد اصبح بالإمكان ان تنتقل رؤوس الاموال النقدية من اقصى العالم الى اقصاه في دقائق معدودة.
ان هذه التطورات الحديثة قد غيرت الكثير من المفاهيم حول الاستثمار. و لعل من اهم ذلك التفرقة بين الاستثمارات المالية و الاستثمارات الحقيقية. فقد كان في السابق من الضروري ان تتحد الجهة التي تقوم بالاستثمارات المالية والاستثمارات الحقيقية. فصاحب المشروع الاقتصادي او المصنع هو الذي يجب عليه توفير على الاقل الجزء الاكبر من رأس المال بنفسه. فقط يمكن ان يحصل على نسبة صغيرة من البنوك لهذا الغرض. اما في الوقت الحاضر فان معظم المشاريع الاقتصادية قد تمول بالكامل من اشخاص لا علاقة لهم مباشرة بمن اقام المشروع الاقتصادي او من يتولى ادارته من خلال اصدار الاسهم و السندات و من خلال حرية تبادل هذه الاسهم و السندات في الاسواق المالية.. و لقد ترتب على ذلك العمل على التنسيق بين الاستثمارات المالية التي تتحرك بسرعة بين الاستثمارات الحقيقية التي تحتاج الى وقت كبير اقامتها. و على هذا الاساس فان مشكلة جذب الاستثمارات المالية تتطلب وجود استثمارات حقيقية على الارض سابقة عليها. و من ثم فان مشكلة التوفيق بين الاستثمارين اصبح اصعب وتقع على عاتق الحكومات و المؤسسات الاقتصادية.. هذا من ناحية و من ناحية الاخرى فان التقدم في التكنولوجيا قد عمل على تقليل حجم الاستثمارات الحقيقية الثابتة و بالتالي فان ذلك قد اثر و بشكل كبير على حجم المشروع الاقتصادي. فقد اصبح بالإمكان تقاسم عمليات الانتاج بين عدد كبير من المشاريع الاقتصادية الصغيرة و التي كانت في الماضي تحتم ان تتم في مكان واحد و بالتالي ضرورة توفر رؤوس. اموال مالية و خبرات فنية كبيرة. و لا شك ان هذه الظاهرة قد ساعدت الدول المتخلفة على التغلب على مشاكل الاستثمار و التراكم الرأسمالي الكبير الضروري لإطلاق عملية التنمية المستدامة.
اذ انه يمكن القول بان التنمية المستدامة لا يمكن ان تتحقق الا في مجتمع طموح. و يتجسد هذا الطموح من خلال الرغبة و الاصرار على اغتنام اي فرص متاحة. فالطموح هو الرغبة في التحسن المستمر من خلال السعي الى إنتاج حجم اكبر من السلع و جودة أفضل. و لاشك ان ذلك يتطلب عملاً اكبر و تبذيرا اقل في الوقت الحاضر. و من الواضح ان ذلك لا يقدر عليه إلا القليل من أفراد المجتمع أي الموهوبون. و في حال قمع هؤلاء او تحجيمهم او تهمشهم فان قدرة المجتمع على التطور و التقدم و بالتالي الخروج من فخ الفقر تتلاشى بشكل كبير.
و حتى في حالة التناسق بين قوة العمل و رأس المال فان عملية النمو الاقتصادي تتطلب تحسين كفاءة كل منهما. و هنا فانه يمكن اعتبار القواعد و الأعراف التي تنظم ذلك عوامل تساعد على زيادة النشاط الاقتصادي. ذلك ان لها تكاليف وعائداً وبالتالي فان عائدها لا بد و ان يفوق تكلفتها كي تكون مفيدة من الناحية الاقتصادية. و في حال عدم توفر ذلك فقد يكون التناسق عند مستوى متدن من الكفاءة و الذي ينعكس على مستوى المعيشة للناس الذين يكونون هذا الاقتصاد.
الجناح السياسي للتنمية المستدامة
التنمية المستدامة تعني التغيير المستمر. و بالتالي فان التغيير لا بد و ان يكون شاملا حتى يحقق التنمية المستدامة. و لهذا السبب فان التنمية المستدامة لا تعتمد على التغييرات الاقتصادية فقط و بل انه يجب ان تتحقق التغيير السياسية المناسبة لذلك.
في البداية ينبغي التفرقة بين ما هو اقتصادي و بين ما هو سياسي فيما يخص التنمية المستدامة. فالاقتصادي يتعلق بخلق الثورة و ما يتطلب ذلك من انتاج و استهلاك و ادخار و استثمار و يتم ادارة ذلك في الاساس وفقا للاس الاقتصادية أي من خلال آليات السوق أي الطلب و العرض و الاسعار و الاجور وغيرها من الادوات.
اما ما هو سياسي فيما يتعلق بالتنمية المستدامة هو كل ما يتم التعامل معه وقفا للآليات السياسية سواء كان ذلك له تبعات سياسية بحتة او تبعات سياسية و اقتصادية و اجتماعية و ثقافية. اما ما يميز الآليات السياسية هو التوافق بين المكونات السياسية للمجتمع.
و على هذا الاساس فحتى تكون التغييرات المصاحبة للتنمية المستدامة مؤثرة فانه لا بد و ان يتم توافق حولها من قبل فئات المجتمع كله. و لا شك ان تحقيق هذا التوافق هو عملية سياسية بامتياز.
صحيح ان التاريخ البشري يقرر ان هناك طريقين اساسين للتوافق السياسي و هما الاكراه و التفاوض. فالإكراه هنا هو ارغام قلة من فئات المجتمع بقية افراده على تبني آرائه و مواقفه. و قد يظهر للمراقب او بحسب اداء هذه الفئة ان هناك اجماعاً على ذلك و توافق هذه الفئات على ذلك بشكل سلبي. و لكن في الواقع لا يوجد أي توافق. و بطبيعة الحال فان بقاء هذا التوافق يعتمد على القوة و التضليل و الكذب. و بما ان القوة تتغير و التضليل و الكذب لا يدوم طويلا فان هذا التوافق يسقط بشكل مفاجئ و مريع. و على هذا الاساس فانه لا يمكن ان تنطلق أي عملية تنمية مستدامة في ظل اوضاع سياسية كهذه.
اما التوافق الحر فيتم من خلال اشراك كل القوى السياسية الفاعلة في الوصول اليه. و على الرغم من صعوبة ذلك الا ان العديد من التجارب البشرية في العصر الحديث قد برهنت على امكانية تحقيق ذلك.
و تكمن صعوبة تحقيق ذلك في صعوبة تحويل الآراء و المواقف المتناقضة الى آراء و مواقف منسجمة. و يتحقق ذلك من خلال الاتفاق المبدئي على ان التنمية المستدامة لا تتطلب اجماع المجتمع حول متطلباتها و تكاليف تحقيقها و توزيع نتائجها. و في المقابل فانه يجب الاتفاق على حقيقة انه لا يمكن تحقيقها بدون التوافق على بعض من ذلك.
و من اجل توضيح ذلك فانه من الممكن القول بان فشل عملية التنمية المستدامة في العديد من الدول و المجتمعات يرجع الى تبني هذه المجتمعات او غالبية افرادها لاحد الخيارين السالفين أي اما لخيار ضرورة الاتفاق على كل شيء او الاصرار على الاختلاف على كل شيء. و في هذه الحالة فان خيارات التوافق تكون محدودة او منعدمة.
لكن اذا تم الانطلاق الى التوافق من خلال التمييز بين الموضوعات التي يجب الاتفاق عليها و تلك التي يجب السماح للاختلاف حولها فان خيارات التوافق تكون متعددة و من ثم يسهل الوصول الى اتفاق حولها يمكن من اطلاق عملية التنمية المستدامة.. لا يقتصر الامر فقط على الاتفاق على عملية التغيير بل ان نجاح عملية التنمية المستدامة يتطلب وجود آلية فعالة للاتفاق على نوع التغييرات في المستقبل و تحديد مسارها. فعملية التنمية المستدامة ليست جامدة او تتحقق من خلال عملية انطلاق اولية و انما هي عملية مستمرة و ديناميكية مستمرة. فالموجة الاولى من التغييرات لا بد و ان يتبعها موجات اخرى قد تكون بنفس اتجاهات التغييرات السباقة او مختلفة عنها. و لا شك ان ذلك يتطلب وجود آليات سياسية مرنة تستجيب لمثل هذه التغييرات و تتعامل معها بالمرونة و الكفاءة المطلوبة.
فعلى سبيل المثال فانه لا بد و ان يكون جدل واسع حول التغييرات المطلوبة لتحقيق التنمية المستدامة انطلاقا من المصالح التي قد تبدو متعارضة في البداية وكذلك انطلاقا من التصورات المتعددة حول نتائج هذه التغييرات في المستقبل. و من أجل الاتفاق فانه لا بد و ان يكون هناك قبول بالحد الادنى من هذه التصورات. و في مستقبل قد يكتشف البعض ان ما اصروا عليه من موافق لم تكن صحيحة مما يتطلب تغييرها. و في هذه الحالة فانه لا بد من اطلاق عملية توافق جديدة و هكذا.
و من اجل تلافي تكاليف عمليات التوافق المستمرة فانه لا بد من ارساء قواعد مؤسسية للتعامل مع ذلك. المقصود هنا بالعمل المؤسسي هو الاتفاق على القواعد و الخطوات المرجعيات التي يجب اللجوء اليها عند عملية أي مراجعة والقبول بنتائجها حتى يتم تغييرها. فبدون ذلك يكون المجتمع كالتي كنت تغزل في النهار و تعمل في الليل على نكث كل ما غزلت. فعلى الرغم من الجهد الشاق فانه لا ينتج أي شيء خلال حياتها كلها و من ثم فانها لا يمكن ان تتطور و تنمو.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.