لقد تكفل الله برزق كل دابة على وجه الأرض و لا شك ان ذلك يشمل رزق الإنسان من باب الأولى. واليمنيون هم من الناس و بالتالي فان الله قد تكفل برزقهم. لكن كيف ينسجم ذلك مع وقوع العديد من اليمنيين في فخ الفقر؟ سيحاول هذا المقال الإجابة على هذا السؤال. في البداية فانه لا بد من تحديد المقصود بفخ الفقر و سيتبع ذلك تحديد الأسباب التي تقف وراء ذلك و أخيرا سيتم عرض بعض المقترحات للخروج من هذا الفخ. فخ الفقر هو الحالة التي يكون فيها الفرد متمتعاً بصحته و قواه العقلية لكنه لا يستطيع بمفرده تلبية حاجاته الأساسية المعقولة أي بمستوى يقترب من مستويات تلبية الحاجات الأساسية لدى متوسط أفراد المجتمع. فكون هذا الفرد فقيراً واضح أنه يحتاج الى مساعدة الآخرين و في حال عدم توفر هذه المساعدة فانه سيعاني من عدم الاستقرار الصحي او النفسي نتيجة لذلك. أما كونه قد وقع في الفخ فان ذلك ينبع من حقيقة ان الله قد أعطى هذا الفرد القدرة على تلبية احتياجاته الأساسية بنفسه بل انه قد أعطاه القدرة على تلبية احتياجاته الأساسية لنفسه و لعدد ممن يعتمدون عليه مثل الأطفال و الشيوخ و الزوجة و العاجزين. صحيح ان الله خلق الموارد الطبيعية غير صالحة للاستخدام المباشر لتلبية الحاجات الأساسية للناس لكنه في نفس الوقت اوجد الطاقة الجسمية و العقلية الكافية في الإنسان الطبيعي الذي بلغ سن الرشد لتحويل هذه الموارد الى سلع و خدمات صالحة لتلبية الحاجات الأساسية للفرد و لغيره. فعلى سبيل المثال فان الطاقة الجسمية و العقلية في الفرد الطبيعي البالغ تمكنه من استخدام التربة و المناخ و المياه لإنتاج الغذاء الذي يكفيه و يكفي ما لا يقل عن عشرة أفراد آخرين. و كذلك فان هذه الطاقة قد تمكنه من بناء بيت يصلح للسكن خلال فترة معقولة من الزمن. و ايضا ان الإنسان يمكنه ان ينتج من الملابس ما يسد حاجته من هذه السلعة و يزيد. ففي حال تمكن العدد الكافي من استخدام الطاقة الجسمية و العقلية التي منحهم الله إياها فان هذا المجتمع لن يكون فقيرا. و في حالة عدم تمكن العدد الكافي من أفراد المجتمع من تحقيق ذلك فان هذا المجتمع يكون قد وقع في فخ الفقر. إذن الفقر للفرد و للمجتمع ليس قدراً محتوماً و إنما حالة اختارها الفرد أو المجتمع لنفسه. فالله قد زود أفراد المجتمع الطبيعيين و الراشدين بما يحتاجونه من طاقة لتحويل الموارد الكافية التي خلقها الله في الطبيعة لتلبية الحاجات الأساسية لكل أفراد المجتمع. فإذا كان الفقر حالة غير طبيعية فإن الوقوع فيه أي الوقوع في فخه هو الآخر حالة غير طبيعة أي ان له أسباباً معينة و بالتالي فان معالجة هذه الأسباب سيعمل على الخروج منه. و في هذا الإطار فان الوقوع في فخ الفقر يرجع من وجهة نظرنا الى ثلاثة أسباب أساسية هي الكسل و التبذير و انعدام الطموح. فنتيجة للكسل فان الفرد يهدر طاقته الجسمية في أنشطة غير مفيدة. و كما هو معروف من القواعد الأساسية للعلوم الفيزيائية ان الطاقة غير المستغلة تذهب أدراج الرياح. فقط تلك الطاقة التي تستغل وفقا للقوانين الطبيعية هي التي تحول الى شيء مفيد يكون استخدامه او ادخاره. فعلى سبيل المثال فان الفرد الذي لا يستغل طاقته لتحويل الموارد الطبيعية ( التربة و المناخ و المياه) الى غذاء يمكن الاستفادة منه او ادخاره لا يستطيع ان يستفيد من وقت فراغه و لا يستطيع بالتالي ان يدخره. و هكذا دواليك. فإنتاج الغذاء يحتاج الى تحويل الموارد الطبيعية بواسطة الطاقة البشرية الى سلع تكون صالحة لذلك. لكن تبذير هذه الطاقة من خلال التفكير غير المنضبط أي من خلال الأحلام و التخيلات لا ينتج سلعا تصلح للغذاء و لا لغيره. من الواضح ان التفكير غير المنضبط أسهل من التفكير المنظم و المهدف لأنه يتطلب طاقة اقل و لأنه لا يحتم بالضرورة اتباع ذلك ببذل الطاقة الجسمية و التي تعد أصعب من ذلك بكثير. التبذير يعني استخدام السلع و الخدمات التي تم إنتاجها من خلال تضافر الطاقة البشرية و الموارد الطبيعية في غير الاستخدامات التي أنتجت من اجلها. و ينتج ذلك من العجلة التي تصيب العديد من الأفراد. و لا شك انه يترتب على ذلك عدم تراكم الثروات من ناحية و عدم القدرة على التفرغ بهدف اكتشاف القوانين و العلاقات التي تمكن الطاقة البشرية و الموارد الطبيعية من إنتاج حجم اكبر من السلع و الخدمات. انه يترتب على التبذير انعدام الادخار سواء على مستوى الفرد او على مستوى المجتمع و كذلك زيادة الاستهلاك المرغوب عن الاستهلاك الممكن مما يؤدي الى تشجيع الظلم والتبذير ومن ثم الى تقلص حجم الإنتاج المتوقع و الامر الذي ينتج الفقر. التبذير عمل فوضوي يتنافى مع التخطيط و التنظيم. و في هذه الحالة فان بذل أقصى الجهود الممكنة من جميع أفراد المجتمع او غالبيتهم لا يؤدي الى وفائهم باحتياجاتهم الأساسية في الأوقات التي يحتاجونها. فمن المعروف ان هناك تواريخ معينة للاستفادة من السلع المختلفة لإشباع الحاجات الأساسية للبشر و يرجع ذلك الى طبيعة كل من السلع و البشر على حد سواء. فالعديد من السلع تفقد صلاحيتها للاستخدام بعد فترة معينة بل انها قد تكتسب خصائص معاكسة لخصائصها الأصلية. فبدلاً من ان تكون سلعة معينة قادرة على منع الجوع فانها قد تكون مسببة لألام اقوى من ألم الجوع أي ألم المرض وهكذا. و كذلك فان قدرة الإنسان على الأكل خلال فترة معينة محدودة فإذا ما تجاوز هذا الحد فان ذلك لن يؤخر احتياجه للطعام في المستقبل. فمهما أكل فانه سيشعر بالجوع بعد اقل من 8 ساعات. و من ثم فان مبالغته في الأكل لن يؤثر على ذلك بل انه قد يصيبه بمرض يسبب له الغثيان و التقيؤ او الاستفراغ الامر الذي يعني انه سيحتاج للأكل خلال وقت اقصر من ذلك بكثير. الطموح هو الرغبة في التحسن المستمر من خلال السعي الى إنتاج حجم اكبر من السلع و جودة أفضل. و لاشك ان ذلك يتطلب عملاً اكبر و تبذيراً اقل في الوقت الحاضر. و من الواضح ان ذلك لا يقدر عليه إلا القليل من أفراد المجتمع أي الموهوبون. و في حال قمع هؤلاء او تحجيمهم او تهميشهم فان قدرة المجتمع على التطور و التقدم و بالتالي الخروج من فخ الفقر تتلاشى بشكل كبير. من الواضح ان العديد من أفراد المجتمع اليمني يعانون من هذه الظواهر. فالعديد منهم يفضلون الكسل على العمل و التبذير على الادخار و العشوائية على التنظيم و الاكتفاء بما هو موجود على السعي الى الأفضل. و لأدراك حجم ذلك فما على الر اغبين في ذلك إلا ان يلاحظوا كم من الوقت ينفقون على أعمالهم. فعلى سبيل المثال فان الموظف حكومي او المدرس او الشرطي او غير هم لا ينفقون على أعمالهم إلا النزر اليسير من أوقاتهم. فان كان لا يرغب في تقييم نفسه فما عليه إلا ان يراقب الوقت الذي يبذله زملاءه في العمل أي عمل. فلا شك بان من يفعل ذلك سيصاب بصدمة كبيرة. أما فيما يخص التبذير فان المؤشرات على ذلك كثيرة جدا. انظر فقط الى حفلات الزفاف أو الموت أو الى العزائم و الضيافات فسيلاحظ ذلك بشكل كبير. و من يريد ان يدرك حجم العشوائية فما عليه إلاَّ ان يراقب كيف يتم التخطيط للمشاريع العامة و الخاصة و كم من الوقت يستغرق انجازها مقارنة بنفس المشاريع في الدول الاخرى. و بشكل عام فما على المتشكك في ذلك إلا ان يسال نفسه عن مقدار مدخراته الشهرية او السنوية او غير ذلك. ربما سيقول بان دخله منخفض. ان ذلك ربما يكون صحيحاً لكن ذلك لا يبرر عدم ادخاره. فعليه ان يدخر و لو مبلغاً بسيطاً لان من لا يدخر من دخله المتدني لن يدخر من دخله الكبير!! أما فيما يخص الطموح فذلك واضح كذلك. و من يشكك في ذلك فعليه ان يلاحظ أي تغير يحدث في معالجتنا للعديد من المشاكل الخاصة و العامة. و على الرغم من تذمرنا من العديد من الممارسات فإن العديد منا يكررها في اليوم الواحد اكثر من تكراره للصلاة. لذلك فان الخروج من فخ الفقر يتطلب على الفرد و المجتمع و الدولة ان تناقش المخاطر و الآثار السلبية المترتبة على مثل هذه الظواهر و ان تعمل على معالجة ذلك من خلال السعي لتحقيق العدل و زيادة الوعي و رفع مستوى الطموح. و لتشجيع الأفراد على ترك التفكير غير المنضبط وإنفاق الوقت على التفكير المنظم والعمل الجسماني فانه لا بد من منع الظلم و زيادة الوعي و المعرفة و تشجيع التعاون. و ذلك من خلال منع الظلم وزيادة مستوى الوعي و التشجيع على التعاون. و عندما يتم التقليل من الظلم فان الفرد سيدرك ان بذل جهده في عمل مفيد سيعود عليه بعائد مجز و سيتمكن من التصرف به وفق ما يريد و سيترتب على ذلك الجد في العمل و عدم التبذير في الإنفاق. و في حال زيادة الوعي و المعرفة ستتحسن إنتاجية العمل الجاد لأنهما ضروريان لمعرفة الأنشطة المنتجة من تلك العقيمة و بالتالي سيمكن من تقليل الطاقة الفاقدة في عملية التجربة و الخطأ. ان التعاون بين الناس سيمكن من تكامل الجهود بين أفراد المجتمع بحيث يمكن إنتاج السلع و الخدمات التي تتطلب طاقة بشرية تفوق الطاقة المتاحة للفرد الواحد.