أحزاب حضرموت ومكوناتها ترفض تحويل المحافظة إلى ساحة صراعات    الإنذار المبكر يحذر من أمطار رعدية وسيول متوقعة في حضرموت خلال ال72 ساعة القادمة    ميسي يعود بقوة لإنتر ميامي ويتصدر هدافي الدوري الأميركي    الهيئة العليا للأدوية تعلن صدور قائمة التسعيرة الجديدة للأدوية لعدد 3085 صنفا    بعد توقف الدوري ..بطولة "بيسان" تعز ..2025 .. متنفس جماهيري لعودة الحياة - وزخمها الكروي وروحها التنافسي بعد (10) سنوات من الانقطاع    النصر السعودي يضم الفرنسي كومان رسميا من بايرن ميونخ    وزارة الخارجية: العدوان على محطة كهرباء حزيز تصعيد خطير    إعلان نتائج اختبارات المعاهد التقنية والمهنية للعام 1446ه    فعالية لقيادة المحور الشمالي بالحديدة بمناسبة المولد النبوي    رئاسة مجلس الشورى تناقش التحضيرات لفعالية المولد النبوي للعام 1447ه    مناقشة الخطة الأمنية لتامين فعاليات إحياء ذكرى المولد النبوي    23 لاعبًا يرحلون و7 صفقات تعيد بناء ميلان    رئيس هيئة الأوقاف يشيد بمستوى العمل وانضباط كوادر الهيئة بذمار    القبض على رئيس الجالية الإثيوبية بالمهرة بتهمة الاتجار بالبشر وقيادة شبكة تهريب    هيئة مكافحة الفساد تتسلم اقرار رئيس مؤسسة موانئ البحر الأحمر    الزراعة تعد استراتيجية وطنية لمواجهة تحديات الأمن الغذائي    حملة توعوية لانتقالي الضالع لنشر ثقافة الوسطية والاعتدال    اعتقال ناشط في مطار عدن الدولي    حكومة التغيير والبناء تحقق إنجازات اقتصادية وتنموية في عامها الأول    ترسيخ الطبقية والتمييز الاجتماعي: السلطة تحتكم لجرحى القبيلة وتتجاهل شهيد الطبقة المستضعفة    بيان السفارة الأمريكية في اليمن: إصلاحات عاجلة خلال 90 يومًا    عشر سنوات من الغرام، واليوم فجأة.. ورقة طلاق!    مطوع من مجرمي حزب الإصلاح يقتل شابين عدنيين في طريقهما للدراسة في الخارج    (100) مليون ريال يحصل عليها محافظ أبين يوميا من الجبايات    الشركة اليمنية تصدر قائمة أسعار جديدة للغاز المنزلي    مجلة أمريكية: مجاعة من صنع الإنسان.. هكذا تُجوّع إسرائيل غزة    طريقة بسيطة للوقاية من أمراض القلب    بهدفي كين ودياز.. بايرن يتوّج بالسوبر ال 11    قصف إسرائيلي يستهدف العاصمة صنعاء    الضالع .. جريمة قتل مروعة على خلفية خلاف عائلي    بين أمل البسطاء ومؤامرات الكبار    الأهلي يُعلن جاهزية عاشور    تقرير جديد يكشف عن هزيمة البحرية الأمريكية في البحر الأحمر    بايرن ميونخ بطلًا للسوبر الألماني بثنائية في شتوتجارت    العدو الصهيوني يكشف عن السلاح المستخدم في استهداف كهرباء حزيز    الأمن يضبط المتورطين في حادثة اختطاف طفلتين هزت ذمار    إسرائيل تقصف محطة الكهرباء في صنعاء من جديد    البرلماني بشر: هل أصبح القضاء لعبة بيد الغوغاء لإصدار الأحكام كمساعدة؟!    محكمة بريطانية تسجن يمني عقب اختراق آلاف المواقع وسرقة بيانات المستخدمين    البيضاء.. استشهاد فتاتين بانفجار لغم حوثي أثناء رعيهما الأغنام في مديرية نعمان    الأستاذ علي مقبل غثيم المناضل الأنسان    الصحة العالمية: اليمن يسجل عشرات الآلاف من الإصابات بالكوليرا وسط انهيار البنية الصحية    رسميًا | SPORTBACK GROUP توقع مع نجم التلال عادل عباس    أكاذيب المطوّع والقائد الثوري    من يومياتي في أمريكا .. أيام عشتها .. البحث عن مأوى    أفضل وأحسن ما في حلف حضرموت أن أنصاره اغبياء جدا(توثيق)    العميد جمال ديان آخر الرجال المهنيين والأوفياء    مصر تستعيد من هولندا آثارا مهربة    المؤرخ العدني بلال غلام يكتب عن جولة أضواء المدينة "جولة الفل"    الارصاد يتوقع امطار رعدية مصحوبة بحبات البرد على اجزاء من المحافظات الجبلية والساحلية    أبو بارعة: مسؤولون في حجة يحوّلون الأجهزة الطبية إلى غنيمة    الرئيس الزُبيدي يعزي العميد عادل الحالمي في وفاة والدته    وفاة 23 شخصا بتعاطي خمور مغشوشة في الكويت    الاشتراكي "ياسين سعيد نعمان" أكبر متزلج على دماء آلآف من شهداء الجنوب    فنانة خليجية شهيرة تدخل العناية المركزة بعد إصابتها بجلطة    ثمرة واحدة من الأفوكادو يوميا تغير حياتك.. وهذه النتيجة    بين القصيدة واللحن... صدفة بحجم العمر    توكل كرمان، من الثورة إلى الكفر بلباس الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فؤاد الحميري... حين تكون الكلمة وطناً
نشر في الصحوة نت يوم 28 - 06 - 2025

بعض الناس يمرّون في حياتنا مرور العابرين، وبعضهم يرسّخون حضورهم في القلب والفكر والذاكرة، لأنهم لا يعيشون لأنفسهم، بل يعيشون لفكرة، لقضية، لقيمة، الأخ الصديق والزميل المرحوم فؤاد الحميري كان من هؤلاء الذين إذا ذكرتهم، حضرت النخوة، وحضر النضال، وحضر الإبداع.

عرفته منذ سنوات في صنعاء، فكان أول ما أسرني في شخصيته ذاك الصوت الذي إذا خطب شدّك، وإذا أنشد أطربك، وإذا تحدث أوصل إليك المعنى بوضوح المبين وعمق الفيلسوف، كان خطيباً مفوّهاً، تتقافز الكلمات بين شفتيه كأنها جنود في ساحة المعركة، تعرف هدفها، وتدرك رسالتها، ثم عرفته عن قرب أكثر، فإذا بي أمام شاعر فصيح لا يكتب بالكلمات، بل يكتب بالأرواح، في قصائده كان الوطن نفساً، وكان الحرف طلقة، وكان الحنين ناراً لا تنطفئ، لم يكن الشعر عنده ترفاً لغويا، بل كان سلاحاً من أسلحة الوعي، وطريقا إلى نبض الجماهير.

يعرفه الناس خطيباً وشاعراً ولكنه أيضاً كان سياسياً بارعاً، لا يلهث وراء المناصب، بل يركض خلف المواقف، يقرأ المشهد بحدس المثقف، ويحاور بخبرة العارف، ويقف حيث ينبغي أن يقف، لا حيث يُطلب منه أن يصمت، فرض نفسه في قطار الإعلام، كناطق للمنسقية العليا لثورة فبراير، وتبوء منصب نائب وزير الإعلام في مرحلة هامة وحساسة، عقب ثورة الحادي عشر من فبراير 2011م التي كان أحد فرسانها، فقد كان في الإعلام مدرسة قائمة بذاتها، لا يكرر نفسه، ولا يعيد إنتاج ما يُقال، بل يبدع، ويطرح، ويفتح نوافذ الضوء في أزمنة الظلام، كان الإعلام عنده رسالة، والرسالة عهد لا ينتهي.

وإلى جانب ذلك كله، كان داعيةً ومربياً، يزرع في العقول بذور الفهم، وفي القلوب بذور الإيمان، وفي الأرواح بذور الثورة على الظلم والجهل والتبعية، كان يجمع بين العقل والقلب، بين الحكمة والشجاعة، بين الفكر والحركة.
كان له مع القرآن الكريم والسيرة النبوية والتاريخ وقفات طويلة وعميقة، تفسيراً وتعبيراً واستلهاماً واسترشادا، عندما كنا نجلس في حضرته مستمعين لتفسيره وشرحه، فلم يكن يقرأ القرآن كقارئ عابر، بل كان يغوص في معانيه، ويستخرج كنوزه، ويُلقيها على السامعين بأسلوب يجمع بين جمال البيان، وحرارة الإيمان، وعمق الإدراك، كان يجد في القرآن بوصلة الحياة، ومصدر الإلهام، ودليل الطريق، وكان يُحسن أن يجعل من آياته ضوءا للقلوب وظلا للعقول، ترافقنا في دروب الدعوة والإعلام والنضال، ولم أره يوماً إلا ثابتاً، واقفاً، باسقاً كالنخيل، لا تميله ريح، ولا تكسره عاصفة، كان شوكة الميزان عندما تختلف الآراء، لا يصرخ، بل يقنع، لا يخاصم، بل يصلح، لا يبحث عن ذاته، بل عن خلاص وطنه.

عملنا سوياً في طريق المقاومة، ومن خلال المجلس الأعلى للمقاومة الشعبية، برئاسة المناضل الشيخ حمود المخلافي وكوكبة من خيار القوم، حاولنا أن نرسم ملامح طريق واضح لإنقاذ وطننا من مستنقعات التشظي والتيه، واضعين نصب أعيننا اليمن الحر، الكريم، العادل، كان الفؤاد يرسخ فينا أن الكلمة مقاومة، وأن الموقف جبهة، وأن الوطن لا يُبنى بالصمت، بل بالصوت العالي والحكمة العميقة والنضال الصادق.

كان فؤاد صاحب طرفة ذكية ونكتة هادفة، يُلقيها بخفة روح وعفوية، فتجد القلوب تميل إليه، والوجوه تبتسم من حوله، كان يعرف كيف يُمرر الحقيقة في قالب من الدعابة، وكيف يُصلح المزاج دون أن يُفسد الموقف، كانت روحه المرحة جزءا أصيلاً من شخصيته، تزيده قربا ومحبة في القلوب، نضاله العام في رحب السياسية والأدب والمقاومة والدعوة، لم تجعله غافلًا عن مسؤولياته الخاصة، بل كان زوجا وفيا، وأبا حكيما، حريصا على تنشئة أبنائه على القيم التي آمن بها، ربّاهم على حب الوطن، والتضحية في سبيله وعلى الإحسان للناس، وأن يكونوا عوناً لغيرهم لا عبئاً على أحد، وقبل ذلك علّمهم أن يعتمدوا على أنفسهم وأن تكون لهم شخصيتهم وهويتهم المستقلة.
كان يرى في الأسرة نواة الوطن، وفي التربية مشروعاً وطنياً لا يقل شأناً عن أي منبر أو موقف، كان فؤاد الحميري محباً للناس، ساعياً في قضاء حوائجهم، متبنياً لقضاياهم ومشاكلهم دون أن يطلبوا، وكأنّ في قلبه متّسعا للجميع، شهدت بنفسي مواقف عدة في هذا المجال، لم يكن يرد أحداً خائبا، ولم يكن يسمع بمظلمة إلا حملها، ولا بحاجة إلا سعى فيها، كان يرى في ذلك واجباً لا منّة، وفضيلة لا فضلا، وكان حضوره في حياة الآخرين بلسما، وصوته سندا، وفعله أملا.
لم يكن فؤاد الحميري رجلاً عاديا، كان حالة... حالة من النقاء النضالي، من الصدق الإنساني، من التفوق المتعدد الوجوه، رحيله لا يعني الغياب، بل يعني أن نقرأه أكثر، أن نستحضره أكثر، أن نحمل رسالته ونواصل الطريق، لأن هناك أناسًا، حين يغيبون، يبدؤون بالولادة من جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.