52% من الإسرائيليين يعارضون ترشح نتنياهو للانتخابات    الدعوة لرفع الجهوزية ومواصلة كل الأنشطة المساندة لغزة    تحرّكات عسكرية إماراتية مكثفة في الجزر اليمنية    الهلال يحسم كلاسيكو اتحاد جدة ويواصل الزحف نحو القمة    صلاح السقلدي: اتهامات شرفي الانتقالي ل"العليمي" إن لم تتبعها إجراءت ستتحول إلى تهريج    متحدث أممي: تعيين دبلوماسي فلسطيني للتفاوض بشأن إطلاق موظفين محتجزين في صنعاء    القبيلة والدولة والسياسة في اليمن: قراءة تحليلية لجدلية العلاقة في مؤلفات الدكتور الظاهري    الإرهاب السلفي الإخواني يقتل المسلمين في مساجد مصر    أبين.. اشتباكات دامية في سوق للقات بشقرة    قراءة تحليلية لنص "أمِّي تشكِّلُ وجدانَنَا الأول" ل"أحمد سيف حاشد"    قراءة تحليلية لنص "أمِّي تشكِّلُ وجدانَنَا الأول" ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: الهلال يحسم الكلاسيكو ضد الاتحاد بثنائية    من عدن كانت البداية.. وهكذا كانت قصة الحب الأول    فلاحين بسطاء في سجون الحقد الأعمى    مبادرة مجتمعية لإصلاح طريق طويل يربط مديرية الحداء بالعاصمة صنعاء    الجزائرية "كيليا نمور" تحصد ذهبية العالم في الجمباز    الآن حصحص الحق    عدن .. وفاة أربعة شبان في حادث مروري مروّع بالبريقة    نقيب الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين : النقابة جاهزة لتقديم كل طاقاتها لحماية عدن وبيئتها    بطء العدالة.. عندما يتحول ميزان الحق إلى سباق للصبر: دعوة لإصلاح هيكلي للقضاء    الذهب يرتفع وسط توترات جيوسياسية وترقب لبيانات التضخم الأمريكية.    عهد تحلم ب«نوماس» نجمة ميشلان    ترامب يعلن إنهاء جميع المحادثات التجارية مع كندا    وأخيرًا انكشف المستور.. إعلان خطير يفضح من يقف وراء الإرهاب في الجنوب    حلف القبائل بين النشأة الشريفة ووطنية بن حبريش المغشوشة    غدًا السبت.. انطلاق البطولة التأسيسية المفتوحة الأولى للدارتس – عدن    الإصابات تبعد 4 اتحاديين أمام الهلال    «فنجال».. تميمة دورة التضامن الإسلامي    الجنوب العربي بين الإرهاب والدعاية الأيديولوجية    عدن.. بين استهداف التحوّلات وإهمال المقومات    وطني "شقة" ومسقط رأسي "قضية"    العائدون والمصابون قبل كلاسيكو ريال مدريد وبرشلونة    أزمة القمح تطفو على السطح.. شركة تحذر من ازمة في السوق والوزارة تطمئن المواطنين    النائب العليمي يبحث مع سفيري فرنسا وكوريا تعزيز التعاون المشترك ودعم الإصلاحات في اليمن    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمم بايقاف التعامل مع شركة صرافة    احباط تهريب آثار يمنية عبر رحلة اممية بمطار صنعاء    لقاء موسع لفرسان ورائدات التنمية بمديرية التحرير في أمانة العاصمة    وزارة الاقتصاد : مخزون القمح يكفي لأشهر..    صنعاء .. اجتماع للجنة التصنيع لأدوية ومستلزمات مرضى الحروق    فريق التوجيه والرقابة الرئاسي يطلع على نشاط مكتب الزراعة بمحافظة المهرة    محافظ شبوة يثمن التجهيزات الإماراتية لمستشفى بن زايد في عتق    رسمياً.. افتتاح السفارة الهندية في العاصمة عدن    الأحرار يقفون على أرضية مشتركة    نقابة الصحفيين اليمنيين تنعى الإعلامي أحمد زين باحميد وتشيد بمناقبه    الأرصاد: منخفض جوي في بحر العرب وتوقّعات بأمطار رعدية على سقطرى والمياه الإقليمية المجاورة    دراسة: الإفطار الغني بالألياف يقلل الإصابة بسرطان القولون    المحكمة الجزائية بحضرموت تقضي بإعدام 6 إيرانيين أدينوا بتهريب المخدرات إلى اليمن    المجلس الاستشاري الأسري يقيم ندوة توعوية حول الصحة النفسية في اليمن    صوت من قلب الوجع: صرخة ابن المظلوم إلى عمّه القاضي    ترامب يعلن إلغاء لقائه مع بوتين في المجر    ريال مدريد يعتلي الصدارة بعد فوزه الثالث على التوالي في دوري الأبطال    شبوة.. حريق ضخم يتسبب بأضرار مادية باهضة في الممتلكات    السكوت عن مظلومية المحامي محمد لقمان عار على المهنة كلها    (نص + فيديو) كلمة قائد الثورة في استشهاد القائد الفريق "الغماري"    صنعاء تبدأ بترميم «قشلة كوكبان» التاريخية    على ضفاف السبعين.. رسالة من شاطئ العمر    الكشف عن عين إلكترونية تمكن فاقدي البصر من القراءة مجددا    شبابنا.. والتربية القرآنية..!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصافي عدن.. كنز السيادة العالق بين القرار والتنفيذ
نشر في الصحوة نت يوم 13 - 07 - 2025

في مدينة تغفو على أطلال المجد وتستيقظ على أزمات الوقود والانقطاعات المتكررة، تقف مصافي عدن كأكبر شاهدٍ صامت على الإهمال والتعطيل المتعمّد، بعد أن تحولت من منشأة كانت تضخ الحياة في شرايين اليمن، إلى جسد بلا روح.

لم تكن مصافي عدن مجرد أبنية قديمة أو آلاتٍ صدئة أنهكها الزمن، بل كانت رمزًا لعصرٍ كانت فيه عدن حاضرةً في قلب المشهد الإقليمي كمركز طاقة وازدهار، قبل أن تتوارى اليوم خلف عتمة المولدات وضجيج السوق السوداء وجشع السماسرة.


من ذاكرة المصفاة

تأسست مصافي عدن في خمسينيات القرن الماضي، وتحديدًا عام 1954، لتكون أول مصفاة نفطية في شبه الجزيرة العربية، ضمن مشروع بريطاني استراتيجي لتزويد السوق الإقليمية بالوقود وتكرير النفط الخام.

ومع بداية الستينيات، تحوّلت المصفاة إلى واحدة من أهم الأصول الاقتصادية للدولة، حيث لعبت دورًا محوريًا في دعم الميزانية العامة، وتوفير المشتقات النفطية للسوق المحلية، وتصدير جزء منها إلى دول الجوار، ما عزّز مكانة عدن كميناء إقليمي ومركز طاقة استراتيجي.

وقد شكّلت المصفاة، لعقود، القلب النابض لاقتصاد عدن، وعامودًا فقريًا للبنية التحتية في البلاد، وساهمت في بناء شبكة الكهرباء، وتوفير وظائف مباشرة وغير مباشرة لآلاف العاملين.

لكن مع اندلاع الحرب مؤخرا، وتراجع دور الدولة، أُهملت المصفاة تدريجيًا، حتى وصلت إلى مرحلة التوقف الكامل، لتُضاف إلى قائمة طويلة من المشاريع السيادية المعطلة، التي كان يمكن أن تكون اليوم سندًا للاقتصاد الوطني في لحظة الانهيار.

مؤشرات التحرك

ومع أولى مؤشرات التحرك الحكومي لإعادة تشغيل هذه المنشأة الحيوية، عاد الحلم يطرق أبواب الأمل، وارتفعت التطلعات بإحياء الشريان الصناعي الذي كان يمنح عدن نبضها السيادي، ويعيد لليمن موقعه على خارطة الطاقة الإقليمية والاقتصاد المستقر.

لكن الحقيقة المؤلمة، كما يراها كثيرون، أن تعطيل المصفاة لم يكن ناتجًا عن خلل فني أو عجز تقني، بل كان قرارًا سياسيًا متعمدًا، فتح أبواب الفساد، ومهّد الطريق أمام متنفذين وتجار السوق السوداء للعبث بالقطاع النفطي على حساب دولة تنهار وشعبٍ يرزح تحت وطأة المعاناة.

نزيف الطاقة..

توقف مصافي عدن لم يُسهم فقط في ضرب قطاع الطاقة، بل أطاح بمنظومة اقتصادية متكاملة، كانت تؤمّن الوقود، وتدعم الكهرباء، وتغذي خزينة الدولة بعوائد ضخمة. ومنذ توقفها، دخلت البلاد دوامة من الاعتماد الكلي على الاستيراد، ما جعل القرار الاقتصادي مرهونًا برغبة التجار ووسطاء السوق.

وأصبحت الحكومة مضطرة لاستيراد كامل احتياجات البلاد من المشتقات النفطية، ما تسبب في نزيف يومي للعملة الصعبة، وساهم في تآكل احتياطي النقد الأجنبي، وفتح الأبواب أمام تلاعب الشركات الوسيطة بالأسعار والمواصفات.

في المقابل، يتحمل المواطن العبء الأكبر؛ إذ يواجه ارتفاعًا مستمرًا في أسعار الوقود، وانقطاعات متكررة في التيار الكهربائي، وانهيارًا في مستوى الخدمات الأساسية المرتبطة بالطاقة. كل ذلك نتيجة مباشرة لتوقف المصفاة.

وتجاوزت الخسائر الجانب الاقتصادي، إذ فقدت الدولة واحدة من أهم أدوات سيادتها، بينما تمددت شبكات الفساد والتهريب، وتحولت سوق الطاقة إلى ساحة مفتوحة لعصابات تُديرها أيادٍ خفية بعيدًا عن الرقابة الرسمية.

وفي وقتٍ تتآكل فيه الموارد وتتراجع الإيرادات، تبقى المصفاة المغلقة شاهدًا على الفرص الضائعة، والقرارات المؤجلة، والعجز عن استثمار منشأةٍ كانت قادرة على توفير ملايين الدولارات شهريًا لو أُعيد تشغيلها.

رؤية اقتصادية

يرى المحلل الاقتصادي توفيق صالح أن إعادة تشغيل مصافي عدن ليست خطوة فنية فحسب، بل قرار استراتيجي سيكون له تأثير بالغ على الاقتصاد الوطني وإعادة ضبط سوق الطاقة.

وقال صالح، في تصريح خاص ل"الصحوة نت"، إن تشغيل المصفاة سيوفر احتياجات السوق المحلية من الوقود، ما سيقلص فاتورة الاستيراد بشكل كبير، ويخفف الضغط على احتياطي العملة الأجنبية، وبالتالي يحقق استقرارًا في سعر الصرف.

وأشار إلى أن إعادة تشغيل المصفاة ستخلق فرص عمل واسعة، وتُعيد توظيف الكوادر الفنية، وتُنعش القطاعات الخدمية المرتبطة بالمصفاة، مما يُسهم في تحريك عجلة الاقتصاد داخليًا، وتقليل الاعتماد على الخارج.

وأضاف: "بيع المشتقات النفطية مباشرة عبر الدولة، بعيدًا عن الوسطاء، سيوفر عوائد ضخمة للخزينة، ويغلق منافذ الفساد والتهريب التي لطالما استنزفت المال العام لصالح جيوب متنفذين في السوق".

وختم صالح تصريحه بالتأكيد على أن تشغيل مصافي عدن لم يعد حلمًا تقنيًا، بل ضرورة وطنية، تتطلب إرادة سياسية صادقة، والتفافًا شعبيًا، لاستعادة واحدة من أهم ركائز الاستقرار والسيادة الاقتصادية في البلاد.


عدن تنتظر القرار..

في ختام هذا المشهد، لا تبدو عودة مصافي عدن للعمل مجرد مسألة تشغيل منشأة معطلة، بل اختبارًا حقيقيًا لإرادة السياسيين والتزامهم تجاه شعب أنهكته الأزمات ويبحث عن بارقة أمل.

إن قرار إعادة تشغيل المصفاة هو قرار سيادي بامتياز، يحمل في طيّاته فرصة لإنقاذ الاقتصاد، واستعادة ثقة المواطنين، وتثبيت دعائم الدولة في زمن التراجع والانهيار.

وفي انتظار لحظة القرار، تبقى المصفاة رمزًا لعدن التي ما تزال تنتظر أن تستعيد نبضها، لا على وقع الوعود، بل عبر قرارات تعيد الحياة إلى كنوز السيادة المعلّقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.