كانت القبائل الآرية الماديون (الاكراد) والبارسيون (أي الفرس) وغيرها كانت قبائل متناحرة حتي قيام الدولة الإخمينية (حكم كورش الكبير ) عام خمسمائة قبل الميلاد بداية تاريخ حكم الإمبراطورية المعروفة بالفارسية . لم تكن فارس تسمى إيران بل فارس اسمها عبر التاريخ حتى عام 1935 عندما غيرها الشاه رضا بهلوي بحثاً عن العنصرية الآرية الهتلرية ( وصل هتلر السلطة عام 1933م معلناً التفوق العنصري للجنس الآري كأهم أساس للعقيدة النازية ). اذا فارس او الدولة الفارسية هو الاسم الطبيعي التاريخي للقبائل البارسية او الفارسية ،وعندما نتحدث عن الدولة الفارسية لا نقصد أي معنى سلبي بل هو الأمر الطبيعي ،بينما التسمية الإيرانية هو المسمى العنصري وهذا ما لايعرفه كثير من الناس. فارس تتكون من عرقيات كثيرة أهمها الفرس والأكراد والتركمان والعرب والبلوش والأرمن وغيرهم ،أما اللغات ففي فارس (110) لغة من أهمها الفارسية والعربية والبلوشية والأذرية. يبلغ عدد سكان مايعرف بإيران اليوم حوالي 75 مليون نسمة ومساحتها 1.648 مليون كلم مربع. ونتيجة للتعدد العرقي واللغوي لم تكن فارس يوما ما دولة متحدة مركزياً ،إلا في أيام الدول الصفوية بداية القرن السادس عشر كونت ما يعرف اليوم بإيران، وعلى مدار التاريخ كانت القومية الفارسية هي المسيطرة وهي صانعة القرار،وهي اليوم اشد نفوذا والقائد الوحيد للدولة الفارسية ،ولعل لقب الخميني الأول قائد الثورة الفارسية قد يكون نسبة للدولة الإخمينية وهو تعبير عن افتخاره بذلك وأيضا على خاميني المرشد الحالي . هذه مقدمة بسيطة لموضوعنا وهو الطموح الفارسي الذي نراه اليوم ولايخفيه الفرس مثلهم مثل أي قومية في العالم ،تمجد نفسها وتاريخها ولهذا رفضت تسمية الخليج العربي بالخليج الإسلامي كحل وسط بين العرب الداعيين للخليج العربي والفرس المتمسكين باسم الخليج الفارسي. القومية الفارسية قومية صغيرة جداً مقارنة بالقوميات الكبرى في العالم التي يصل بعضها قرابة نصف مليار ، فهي تشكل ربما ربع سكان دولة فارس وفي أعلى تقدير تعدادها قد يصل الى خمسة وثلاثين مليون وهو رقم صغير يعادل سكان بعض القبائل الإفريقية إلا أن الطموح القومي الفارسي كبير يتعدى قدرتها البشرية والمادية منفردة أو حتى مجتمعة مع القوميات التي تعيش في دولة فارس او إيران اليوم. ولهذا وجدت هذه القومية العنيدة من المذهب الشيعي المقدس للفرد والعنصر والعرق المتميز ضالتها كون نظرية الحاكم بأمر الإله او الحاكم الإله في الثقافة والتاريخ الفارسي هي النظرية التي تحل الإشكالية بين القدرة المحدودة والطموح اللامحدود للقومية الفارسية . تسخر اليوم القومية الفارسية مقدرات القوميات والشعوب التي تسكن مايعرف بإيران لتحقيق طموحها في إعادة مجد الإمبراطورية الفارسية ،وكون تلك القدرات محدودة كما أسلفنا سابقاً فان ركوب صهوة جواد التشيع في العالم الإسلامي يمثل الاستراتيجية الذكية التي اعتمدها قادة فارس بعد سقوط نظام الشاه. ان الطموح اللامحدود من خلال تمويل مشاريع التشيع في الوطن العربي والإسلامي في آسيا وإفريقيا جعل الحلم الفارسي يبدو ممكنا. لقد أظهرت القيادة الفارسية ذكاء منقطع النظير في جعل الفاطميين الجدد يحملون مشروعها بل يسوقونه ويملونه ويضحون في سبيله بكل الروابط الإسلامية الأخرى والثوابت الكبرى ومن المؤكد في النهاية ان القيادة الفارسية لن تكون أكثر إيثارا او ارحم بالفاطميين الجدد من العباسيين بالفاطميين القدماء عندما استخدم العباسيون بذكاء الفاطميين ثم انقلبوا عليهم . ان القيادة الفارسية ستظل تقوى نفوذها باستخدام حصان التشييع في المنطقة والعالم مادام هذا الحصان تحركه متى شاءت وتلجمه متى أرادت ،لكنها ستطلق عليه رصاصة الرحمة في اللحظة التي يجمح فيها ويسير سيراً لايخدم مشروعها او في اللحظة التي تصبح قوتها العسكرية تتجاوز فوائد قوة الفاطميين الجدد. نعم القيادة الفارسية قيادة محنكة طموحة ذكية استراتيجية التخطيط ملمسها ناعم وأفعالها غليظها جداً ،لا تنسى خصموها كعادة الفرس عبر التاريخ حتى أصبح مثلاُ (( لاتعادي فارسياً فانه لن يتركك حتى يؤذيك )). القيادة الفارسية ترى ان ورقة القوة والترسانة العسكرية الضمانة الوحيدة للسيطرة الدائمة في الداخل والتمدد نحو الخارج والمنافسة الكبيرة مع الكبار في العالم . لهذا تسابق الزمن في امتلاك ترسانة كبيرة من الأسلحة التقليدية الفاعلة كالصواريخ والتمديرية غير التقليدية المتمثلة بالأسلحة الذرية . مالذي يخشى على طموح القيادة الفارسية .؟ ان الطموح الكبير للإمبراطوريات والحكام عبر التاريخ كانت نهايتهم تأتي من جهة المأمن الذي صنعوه . القوة العسكرية والسلاح قاتل للإمبراطوريات عبر التاريخ، كلما كبر هذا الجانب زاد الشعور .بالأمان والغرور، بينما الحقيقة انه الورم الخبيث الذي كلما كبر هزل الجسم رويداً رويداً والنهاية السقوط لامحالة. صحيح ان اثر هذا الورم يعتمد على درجة قوة وحجم جسم الدولة المصابة بهوس القوة العسكرية وفارس اليوم وقعت في طعم ورم النمو العسكري الذي سيؤدي بها في النهاية من حيث كانت تأمل الأمان لطموحها . ان الذين يقودون فارس اليوم طبقة من الفقهاء والعسكريين الذي ينامون ويصحون على حلم فارس ،غاب عنهم عقل المفكر ، ثلاثيات خاميني- نجاد- الجعفري (المرشد – الرئيس –قائد الحرس ) أقصت المفكرين والآخر في دولة فارس. كان خاتمي رفسنجاني أكثر بعد نظر والأخطر استراتيجياً في تحقيق نمو القوة الفارسية بوسائل ناعمة برجماتية سياسية ،لكن كما يبدو ان الغلبة سوف تستمر بيد الفقهاء والعسكر ، شدة في إقصاء القوى في الداخل، وصراع أقوى مع الخارج ،والنتيجة أن ورم النمو العسكري سيتغلب على الطموح الكبير لفارس .