تدعي الأمم الديمقراطية الحديثة أن العالم الإنساني مدين لها بحقين هما الحرية والمساواة ،فذهب الانجليز إلى أنهم أعرق شعوب العالم في هذا المضمار ، وزعم الفرنسيون أن هذه الاتجاهات كانت وليدة ثورتهم ، وأنكرت أُممٌ أخرى عليهما معاً هذا الفضل وادعته لنفسها ، والحق أن الإسلام هو أول من قرر المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان في أكمل صورةٍ وأوسع نطاق ، فما هذه التغيرات حدثت في أوروبا إلا نتاج على أضواء الثقافة الإسلامية في العصور الوسطى. فقد جاء في الأقوال المأثورة للإمام ابن تيمية رحمه الله "يقيم الله الدولة العادلة وان كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة" ، وقد وضع ديننا الإسلامي أسس الحكم الرشيد، فساوى بين الناس ودعا للعف عن الأموال العامة، وأسس للتعاقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكومين وطبق الشورى وأشرك العامة في أمر السلطة، وقد استرشد الغرب في نهوضه بتلك المفاهيم في الحكم الرشيد حتى بدا أقرب للرشد من عالمنا العربي والإسلامي، ولذلك تبقى نهضتنا بطيئة طالما قيم النزاهة معطلة والطاقات مهدرة وتصرف في غير نصابها ومآلها. وحتى عهد قريب وربما قبيل صدور تقارير الأممالمتحدة الإنمائية، كان المقصود بالتنمية هو النمو الاقتصادي، وأستبدل التركيز من النمو الاقتصادي، إلى التركيز على التنمية البشرية ، والى التنمية المستدامة فيما بعد، أي الانتقال من الرأسمال البشري إلى الرأسمال الاجتماعي وصولاً إلى التنمية الإنسانية ببعدها الشامل، أي الترابط بكل مستويات النشاط السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والثقافي، والبيئي، بالاستناد إلى نهج متكامل يعتمد على مبدأ المشاركة والتخطيط الطويل الأمد في حقول التعليم والتربية والثقافة والإسكان والصحة والبيئة وغيرها، ويتوخى قدراً من العدالة والمساءلة والشرعية والتمثيل. فالعلاقة بين الدولة والمجتمع المدني عن طريق الديمقراطية تعبر عن الفعاليات الثقافية والاجتماعية،والسياسية التي تركز على تحسين القدرات على مستوى الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وعلى مستوى الحكم المحلى ، وذلك لاعتبار الديمقراطية القاعدة الأساسية للتنمية والضامن لتحويل النمو الاقتصادي إلى تنمية إنسانية مستدامة ،ومع ذلك فقد ظل الحكم الرشيد بحاجة إلى تأصيل وتوضيح خصوصاً في المنطقة العربية التي تعاني من ضعف المشاركة السياسية ، ومركزية الدولة وعدم إعطائها الدور الكافي للانتقال نحو الحكم الرشيد الذي حثت عليه مبادئ ومنهاج الاسلام الوسطية ، مما تسبب ذلك في تهميش مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص من المشاركة لعدم توّفر بيئة صالحة سياسية وفكرية واقتصادية واجتماعية . ولذلك جاءت ثورات الشعوب العربية فى 2011 معلنه تلك الثورات السلمية ضد الظلم والجهل والاستبداد حتى تعيد للأجيال المسلمة حقها الذي كفله لها منهج الاسلام فى تحقيق الحكم الرشيد وبناء الدولة على اساس المشاركة والشفافية والشورى التى جاء بها ديننا الحنيف، وليس غريبا ان نجد من يمجدون قوانين الغرب ومبادئ الاممالمتحدة ونسوا ان اولئك استفادوا من كتب المسلمين وقرانهم ولكن وفق تسميات جديدة ينسبونها اليهم ، فالحق والعدل والحقوق كلها حث عليها الاسلام وأمر عباده بتطبيقها فى حلهم وترحالهم.