مضى أكثر من أسبوعين على الحرب في دمّاج والدولة لا تزال تراوح مكانها غير قادرة على حسم الموقف وإنهاء الصراع وممارسة دورها السيادي على جزء من أراضيها تسعى جماعة متمردة بما تملكه من سلاح الدولة المنهوب لفرض سلطانها عليه وإلحاقه بها ضمن سيناريو التوسع الذي تتبعه لا في صعده وحسب بل وفي حجه وعمران والجوف ومناطق أخرى وصولاً إلى العاصمة صنعاء التي باتت تشهد زحفاً مسلحا واختراق ديمغرافي طائفي يحاول تطويقها استعدادا لساعة الصفر. تقاعس الدولة كل هذا الوقت وعدم مسارعتها لبسط ظلها وسيادتها على منطقة النزاع واتخاذ التدابير الوقائية التي من شأنها حماية مواطنيها ورعاية مصالحهم وعدم السماح بتمدد الصراع واتساع رقعة المواجهات يبعث على التساؤل ويثير الشكوك ويضع السلطة على المحك. كما أن استمرار حصار دمّاج وقصفها من قبل جماعة الحوثي بمختلف الأسلحة الثقيلة وهدم منازلها فوق رؤوس ساكنيها, والإمعان في قهر أبنائها والتنكيل بهم على مرأى ومسمع من الدولة, وإفشال كل مساعي الصلح وجهود الوساطة وإحلال السلام, ينبئ بأن ثمة مخطط أعد بعناية لإشعال الفوضى وإطالة أمدّ الحرب استكمالاً لحروب صعده الست التي سلمت المحافظة في نهاية المطاف لجماعة متمردة لا تزال ترفض الاعتراف بالنظام الجمهوري وسلطة الشعب. ومشروعها الطائفي قائم بالأساس على العنف والإرهاب في مقابل السلام الذي ينشده اليمنيون, وعلى الفوضى والتمرد في مقابل الدولة المدنية التي خرج لأجلها الشعب في ثورته السلمية, وعلى الطائفية والسلالية في مقابل النظام الجمهوري الذي أرسته ثورة سبتمبر ونضالات اليمنيين. وثمة دلائل كثيرة على ما ذكرناه آنفا, أولها بزوغ الدويلة الحوثية في صعده من رحم العنف المنظم وفوضى السلاح, وتمالؤ أطراف في الداخل والخارج ما فتئت تستفيد من هذه الجماعة وتسخرها لمصالحها على حساب مصالح الشعب وأمنه واستقراره. تلك الدويلة المسخ كان ثمنها عشرة حروب مدمرة خاضها الحوثيون ضد اليمنيين على مدى أحد عشر عاما في صعده وعمران وحجه والجوف وغيرها, خلفت ورائها نحو (30) ألف قتيل وضعفهم من الجرحى, وشردت قرابة (800) ألف يمني من ديارهم, فضلا عن دمار وخسائر مادية كبيرة قدرت بأكثر من ملياري دولار بحسب المصادر الرسمية. وفي كل فعالياتهم يتعمد الحوثيون عدم رفع علم الجمهورية اليمنية كدلالة على عدم اعترافهم بها, في حين استبدلوا النشيد الوطني بالصرخة الإيرانية التي بدأت طهران نفسها بالتخلي عنها وعن شعاراتها المعادية لأمريكا كنتيجة مباشرة للتقارب الحاصل بين البلدين. كما باشر الحوثيون بتغيير المناهج التعليمية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم وأدخلوا عليها بعض التعديلات بما يلاءم أفكارهم, وهاهم اليوم يُلوحون بفصل بعض مناطق الشمال عن المركز أسوة بالحراك الانفصالي المسلح الذي ينادي صراحة بدولة جنوبية مستقلة, ليلتقي من ثمّ مشروعي الحوثي والحراك المسلحان على هدف تمزيق البلد وتفتيته وتقاسمه أشلاء, والعودة به إلى عهود التشطير والصراعات الدامية والنزاعات السياسية والطائفية والمناطقية. وبالتالي فنحن اليوم أمام خياران لا ثالث لهما, فإما الدولة الضامنة لحقوق المواطنة المتساوية كمشروع وطني جامع, وإما الفوضى التي تنسف استقرارنا وتحيل حلم الدولة اليمنية الحديثة إلى دويلات تتقاسمها المشاريع الصغيرة ذات الولاءات الضيقة والارتباطات الخارجية المشبوهة.