التغيير سنة الله في الحياة؛ الصغير يكبر، والكبير يهرم، والبرعم يُزهر، والشجر يثمر، والجديد يبلىٰ، وثقافة اليوم تختلف عن ثقافة الأمس، ولكل زمن دولة ورجال. الشعوب الحية تمضي نحو التغيير بأقل كلفة ممكنة، لا تصادم السنن، ولا تنكر حقائق الوقائع، تتجدد ولا تتجمد، ترمم ولا تدمر، تصلح ما فسد من دون تحامل، أما الإصرار على تكريس أخطاء الماضي فلا يقود إلا إلى الاحتقان ثم الانفجار، تلك طبيعة الحياة التي تؤيدها تجارب البشر قديماً وحديثاً. حين نستعرض أحداث مائة عام مضت سنلحظ بأن اليمنيين لم يخرجوا عن سنن التغيير المعهودة، فمحاولات الإصلاح والتغيير ظلت عنواناً لنضالهم وثوراتهم التي كانت تفلح تارة وتتعثر تارة أخرى، وثورة فبراير2011م لم تكن سوى محصلة طبيعية لانسداد أفق التغيير، والإصرار على إعادة إنتاج نظام الحكم بالتمديد والتوريث، وظهر جلياً بأن أهداف الثورة اليمنية بدأت بالتلاشي، وصارت العدالة والمساواة بعيدة المنال، مع سوء الأحوال الاقتصادية وتوسع دائرة الفساد، ولعل التقويم الذي قاله الدكتور يحي الشعيبي - عضو اللجنة العامة للمؤتمر الشعبي - عن أداء حزبه أول مصارحة مسؤولة تحاول الخروج من دائرة إنكار الحقائق وتتجه نحو المشاركة في بناء المستقبل برؤية تؤمن بسنن التغيير. إن ما تم التوصل إليه بين القوى السياسية في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، جاء على قاعدة التغيير لا الجمود، وبأقل كلفة ممكنة، ومن دون إقصاء للطرف الذي خرجت الثورة عليه، ولم تأتِ الحلول عجلىٰ ولا متهورة، بل ربطت مشروع التغيير بالحوار الشامل الذي خرج بوثيقة وطنية نادرة تهيأت لها فرص غير مسبوقة، ويجب السير بعزيمة لتنفيذها، باعتبارها الطريق الأقل مخاطر، والأكثر توافقاً، والأبعد نظراً، وما يجعلها أقرب للموضوعية أنها لم تحقق الرغبات الكاملة لأي طرف، لكن الجميع يجدون أنفسهم في مخرجاتها لأنهم اشتركوا معاً في صياغتها. التغيير يعني إتاحة فرصة الشراكة لمن تم إقصاؤهم خلال العقود الماضية، وهذا سيكون في مواقع ظلت محتكرة حصرياً على حزب المؤتمر وأنصاره، بمعنى أن يكون الجميع سواسية في الحقوق والفرص، والمنطق يقضي استيعاب هذه المعادلة والقبول بها، أما الإصرار على مقاومة التغيير، وجعل التدوير الوظيفي محصوراً بين من وصلوا إلى مواقع القرار وحدهم، فالوزير والوكيل والمدير العام ورئيس المصلحة أو المؤسسة... يظلون في مواقعهم حتى الوفاة، هذا يتنافى مع التغيير والشراكة والعدل، وهناك حملة غير منصفة تتهم المشترك بالإقصاء، وتسعى للإبقاء على الأوضاع كما كانت ومن دون تغيير، وهي بهذا تدفع نحو ثورة جديدة ربما تتبنى الإقصاء الذي لا نريده بعد أن وصلنا إلى واحة يتفيأ ظلالها كل اليمنيين. التعامل بواقعية أمر لا بد منه، والدعايات والتحريض لا يمكن أن يغير الحقائق، فالتغيير يسير ببطء شديد، وما يزال إخوتنا في المؤتمر الشعبي العام يسيطرون على جميع مؤسسات الدولة ابتداءً بمؤسسة الرئاسة ومجلسي النواب والشورىٰ، ونصف مجلس الوزراء، ونواب الوزراء والمجالس المحلية، والعاملون في الخارجية بجميع سفرائها، ثم المؤسسات والمصالح المختلفة، أما إذا حصرنا وظائف المحافظين والوكلاء ومديري العموم ومديري الإدارات، سنجد أن ما لا يقل عن 90% ممن يشغلون هذه المواقع من قيادات المؤتمر الشعبي العام، فهل يريدون أن تظل هذه الوظائف حكراً عليهم، ولا يجوز لأي كفاءات أخري أن تشارك في شغلها!!؟ التعيينات المحدودة التي تتم في الوزارات التي يشغلها ممثلو المجلس الوطني ( المشترك وشركاؤه ) لم تستثنِ كفاءات المؤتمر الشعبي، ونادراً ما نجد تعاملاً مقابلاً من ممثلي حزب المؤتمر وحلفائه! الحملة الإعلامية عن الإقصاء ودعوىٰ الأخونة ليست سوى محاولة للتخويف من التغيير الذي لا بد منه ولامفر من أن يمضي، مع التأكيد على الالتزام بمعايير الكفاءة والمؤهل والاستفادة من كل الطاقات لاسيما من تم إقصاؤهم سابقاً. [email protected]