التسامح خلق نبيل يدل على سمو النفوس وقدرتها على التغلب على آلامها وأوجاعها, وتجاوز إساءة الغير بالعفو والنسيان, والكرام يقابلون التسامح بالتقدير والاحترام, وعدم العودة لتكرار الخطأ والظلم, أما اللئام فينظرون إلى التسامح بأنه ضعف وخور, ويرون أن الإمعان في الإساءة هو الوضع الطبيعي لفرض هيبتهم وقوتهم وتجنب شرهم, " وشر الناس من أُكرم اتقاء شره "!! سنظل ندعو إلى التسامح وتقوية أواصر الإخاء والمحبة, والبعد عن الكراهية والرغبة في الثأر والانتقام, لأن التغافر يداوي الجراح, ويبني الأوطان, ويشيع الاطمئنان, ويشغل المجتمع بالتسابق على فعل الخير , ويدفع الناس للبناء والتخلص من التخلف والهوان والعوز والحاجة .. ومع كل ذلك فقد يكون الحزم والمحاسبة والزجر هو الأسلوب الصحيح في التعامل مع من يغريه التسامح بالمزيد من الأخطاء, أو مع أولئك الذين لا تهدأ نفوسهم ولا تهنأ إلا بعذاب الآخرين والتنكيد عليهم وأذيتهم !! في اليمن وفرت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية فرصة نادرة لجميع اليمنيين وقواهم السياسية لينطلقوا بروح الفريق الواحد نحو بناء المستقبل وتجاوز مآسي الماضي, ولهذا تم التوافق على رئيس انتخب بدون منافسة, وشكلت حكومة وفاق وطني جمعت المظلوم مع من ظلمه, وأُبقي على البرلمان ليكون توافقياً لتجاوز اختلال التوازن فيه, وماتزال المجالس المحلية تمثل طرفاً سياسياً واحداً في كل الجمهورية ماعدا محافظة الضالع, كما أن هياكل السلطة لمّا تزل من قمتها إلى أخمصها بيد المؤتمر الشعبي العام, وما تم حتى الآن ليس سوى تدوير وظيفي بين القيادات السابقة, وأما قوى الثورة فإنها باقية على وضعها تتحلى بالصبر وتنتظر الفرج, كل ذلك على أمل أن يمضي الجميع نحو التغيير وبناء دولة المؤسسات وتحقيق العدل والمساواة باعتبار أن الوطن سيتسع للجميع. مع كل ما سبق يبدو أن بعض من كانوا سبباً مباشراً في التخلف والفساد والظلم والإقصاء خلال العقود الماضية يسعون جادين لاستكمال مشروع التدمير الذي بدأوه, والواجب والحكمة والحزم يقضي الأخذ على أيديهم, إشفاقاً عليهم أولاً, ثم الحيلولة دون منحهم فرصة جديدة لمصادرة حلم اليمنيين في حياة حرة وكريمة!! لم يعد بالإمكان غض الطرف عن الذين يعتدون على أبراج الكهرباء, ومن السّفَه ترك الأشقياء يفجرون أنابيب النفط دون عقوبات رادعة, وليست حكمةٌ مداراة الذين يقطعون الطرقات ويخيفون السبيل, ومن المعيب السماح لأي كان ليقوم بتدمير المرافق العامة أو الاعتداء على الممتلكات الخاصة!! أليس من الغريب أن تتكدس القمامات في الشوارع, وتظل المجالس المحلية متفرجة وكأن الأمر لا يعنيها, مع أن النظافة العامة في لبّ اختصاصها, وهي تجبي رسوماً للنظافة وتحسين المدن, وبيدها أكثر من طريقة لحل الإشكال القائم, وكأن الحكومة قصرت عما فعلته حكومات ثلاثة عقود سابقة, ولهذا نتوقع من رئيس الجمهورية المشير عبدربه منصور هادي إذا استمر عجز المجالس والسلطات المحلية أن يدعو لانتخاب مجالس محلية جديدة تكون قادرة على تحمل المسؤولية, والشعب يزخر بالكفاءات, لأن الإبقاء على العاجزين في مواقع المسؤولية تضييع لحقوق المواطنين وتفريط في المصلحة العامة!! إن الاستمرار في وضع العراقيل في طريق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرارات مجلس الأمن لن يؤدي إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء, ولن يتمكن طرف أن يعيد التهديد بالفتنة والحرب, فقد قبل اليمنيون بالتسوية السياسية , وساعدهم في ذلك الأشقاء والأصدقاء, وأجمع المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي على أهمية الحفاظ على وحدة اليمن واستقراره, ولكن يجب أن تنتهي المجاملات وتوضع النقاط على الحروف ويشار بوضوح إلى كل من يسعى لإفشال الوفاق والوقوف في طريق التغيير, وهذه مسؤولية الأخ رئيس الجمهورية والحكومة ورعاة المبادرة.. الوقت لا يحتمل المزيد من المجاملات وقد رأينا أن الشعب الذي هبّ من أقصاه إلى أدناه مطالباً بالتغيير, وعندما يرى اليوم من يعمل لمصادرة أحلامه فربما لا يكون متسامحاً هذه المرة القادمة, لذلك فإن المتغيرات توجب أن لا يصبح التسامح سبباً في الضعف والانفلات والتدمير, فقليل من الجدية والحزم اليوم ستكفينا الكثير من التضحيات غداً... فقسا ليزدجروا, ومن يَكُ حازماً ... فليقسو أحياناً على من يرحم!! [email protected]