: المضحكات المبكيات واللا معقول في السياسة والأمن! مقال الكاتب المصري الشهير فهمي هويدي (اللامعقول في اليمن) في صحيفة الشروق المصرية هو من نوعية: (وكم ذا بمصر من مضحكات.. ولكنه ضحك كالبكا!) وإن دار الحديث عن اليمن ومضحكاتها المبكية، وهو دليل جديد على واحدية الثورة المضادة، والمخرج الممول لها في البلدين الشقيقين، وربما تطابق المصير الذي ستؤول إليه أوضاعهما عاجلا أو آجلا! فكرة المقال انتقاد قوي يدل على متابعة دقيقة لتطورات الوضع اليمني (والذي يقرأ تعليقات القراء المصريين على المقال سوف يكتشف أيضا دقة في فهم ما يحدث في بلادنا!)، وانزعاج مخلص من حالة اللامعقولية السياسية التي حدثت بسقوط عشرة محافظات في قبضة أقلية؛ بل أقلية داخل أقلية (حد وصف المقال).. ولأهمية الفقرة الرئيسية فالأفضل نقلها هنا: [ أصبح اليمن بلد اللامعقول السياسي. صحيح أن الحاصل في أقطار عربية عدة يندرج تحت نفس العنوان إلا أن الحاصل في اليمن يحتل رأس القائمة. فهذا بلد من أعرق دول المنطقة يعيش فصول مهزلة سياسية لا أعرف أي دولة عربية مرت بها. إذ لا يصدق المرء أن مجموعة تمثل أقلية، بل هي أقلية ضمن الأقلية، لا هي حزب سياسي ولا هي تشكيل عسكري ولا هي سلطة إدارة، تزحف على العاصمة صنعاء ثم تستولى عليها بسهولة مذهلة. وبعد ذلك تشرع في التمدد حتى تستولى خلال بضعة أسابيع على عشر محافظات، أي نصف البلد تقريبا. يحدث ذلك في بلد يملك جيشا وشرطة، وله رئيس وحكومة وأجهزة أمنية. والجيش والشرطة متفرجون والرئيس والحكومة ذاهلون. والذين يدافعون عن حياتهم ويحاولون صد الغزاة هم القبليون المسلحون، وإذ انهارت السلطة وتحولت إلى شبح مكتوف الأيدي ومنزوع القدرة، فإن الحوثيين الذين ادعوا أنهم يقومون بثورة وأنهم يريدون تحرير البلاد من النفوذ الأجنبي هدموا مؤسسات الدولة وأطاحوا بالقانون، وفرضوا أنفسهم على رئيس الجمهورية وهددوا بعزله، وعينوا نفرا منهم في قيادة الجيش، بعدما نقلوا نصف أسلحته إلى معقلهم في الشمال. وأقالوا محافظين وعينوا آخرين يمثلونهم، وشكلوا ما سموه لجانا شعبية بدعوى المحافظة على النظام في المحافظات التي استولوا عليها. ذلك كله تم بالقوة وبالهواتف النقالة]. وما خفي كان أعظم! الأستاذ فهمي هويدي سوف يندهش أكثر إن سمع أيضا أخبارا أخرى؛ مثل البيان الأخير الذي أصدرته اللجنة الأمنية العليا في اليمن، وهددت فيه مواطنين يمنيين هاجموا كتيبة عسكرية (الراجح الآن أنها كانت قرابة لواء!) كانت متجهة في مهمة غريبة في طريق يسيطر عليه الحوثيون، والنتيجة المؤكدة في ظل اللامعقول السياسي اليمني كانت ستكون سقوطها في قبضتهم! اللامعقول يبدو أكثر إضحاكا عندما يتذكر الناس أن نصف الجيش اليمني على الأقل صار في قبضة الحوثيين، بما فيه الأسلحة الثقيلة وأخطر المعسكرات والمناطق العسكرية والأمنية، وخاصة بعد أن صارت قيادة الجيش والأمن العليا تحت سيطرتهم الفعلية أو تحت تحكمهم ومشاركتهم القسرية .. ولا يمكن أن تصدر قرارات لا تعجبهم ولا تشركهم مناصفة في غنائمها! ومع كل ذلك فإن اللجنة الامنية العليا لم تر في عمليات مهاجمة الجيش إلا تلك الكتيبة ذات المهمة الغريبة أما الاستيلاء على معظم الجيش اليمني وترحيل أسلحته الثقيلة جهارا نهارا إلى قلاع الحوثيين فأمر فيه نظر، ومسألة خلافية، ولا يستحق بيانا ولا تصريحا فضلا عن تهديد ووعيد! (هويدي) أيضا سيضحك حتى يستلقي على ظهره ؛وهو يضرب كفيه ببعضهما؛ عندما يعلم أن المسلحين الحوثيين يستوقفون سيارات الجيش والأمن وعليها ضباط وجنود لتفتيشها، وأن رجال المرور في اليمن ما يزالون يسجلون مخالفات السير على سيارات المواطنين في الوقت الذي تمر فيه أمامهم سيارات المليشيات الحوثية بدون أرقام، ويتكدس فوقها مراهقون وأطفال مسلحون! والأكثر هزلية أن الحوثيين فرضوا سيطرتهم على أبرز وسائل الإعلام الرسمية في العاصمة صنعاء ويتخذونها منابر للتنديد بالخروج عن اتفاق الشراكة والسلم.. ويدعون من خلالها لحرب الإرهابيين والقتلة وهم الذين يفجرون المساجد والمنازل، ويعتقلون او يقتلون المواطنين خارج نطاق القانون! ولا ننسى الصراخ الحوثي المتصل عن السلم والحفاظ على الأمن والذي بسببه غرقت محافظات عدة في حروب أهلية، نزح مئات الآلاف من اليمنيين من منازلهم وقراهم، ويعيشون في مخيمات على صدقات الأجانب! مصر واليمن: الحال من بعضه! على سوء الوضع العام في مصر إلا أن المعارضين الرافضين لسلطة الانقلاب العسكري يواجهون دولة؛ وإن كانت مجرمة، وظالمة، وفاسدة، وفرعونية.. لكنها دولة في المحصلة الأخيرة.. أما شعب السعيدة فلم يحظ بهذه النعمة، وها هو يواجه حالة سياسية شاذة وليس فقط لا معقولة: فالسلطة الحاكمة مهلنيش تأكل رز بلبن -أو معصوبة أو سلتة بحسب المنطقة- مع الملائكة كما يصف المصريون الغارقين في سابع نومة! وعندما يستنجد الناس بمؤسساتها الأمنية يقال لهم: لا نستطيع عمل شيء لكم، دبروا حالكم ونحن ندعو لكم من قلوبنا.. والذي يحكم حقا هي فئة كما وصفها هويدي: لا هي حزب سياسي، ولا تشكيل عسكري، ولا سلطة إدارية، وقانونها ما هو موجود في رؤوس مسلحيها! زمان كان المصرون والسودانيون المتحمسون لوحدة بلديهما في إطار وادي النيل يهتفون في المسيرات والمهرجانات الوحدوية: مصر والسودان حتة وحدة! وكنا في الثمانينيات نمزح مع بعض المصريين العاملين في اليمن هاتفين: مصر واليمن حتة وحدة.. توصيفا للمشاكل والمظاهر السيئة المتطابقة بين البلدين! ومع أفضلية الوضع المصري على اليمني بدرجة إلا أن الوضع المصري لم يسلم هو الآخر من الغرائب السياسية كما يحدث مثلا في المحاكمات الهزلية التي تنظمها بانتظام تحسد عليه سلطة الانقلاب العسكري! في العام الماضي أصدر قاض مصري أحكاما بالإعدام على قرابة 800 معارض في جلسة واحدة مدتها عشرون دقيقة، وبدون تحقيقات ولا سماع مرافعات الدفاع! وهذه الأيام يحاكم الرئيس الشرعي المنتخب (محمد مرسي) بتهمة الاعتداء على متظاهرين حاصروا قصر الاتحادية الرئاسي حيث يكان يعمل، وأثاروا الشغب، وهجموا محاولين اقتحام بوابته الرئيسية، وحاولوا اقتلاعها بواسطة رافعة ثقيلة (أو شيول باليمني) أحضروها معهم! وقذفوا القصر بالألعاب النارية، واضطر الرئيس للخروج تهريبا بحماية الأمن.. وعندما حضر مؤيدو الرئيس للتضامن معه اشتبك معهم المحاصرون للرئيس وقتلوا 8 منهم.. ورغم كل ذلك أفرجت عنهم النيابة بعد أيام قليلة! اقرأوا هذه القصة المضحكة: اليوم أيضا في مصر تجري دون توقف محاكمات ناشطين مصريين (بعضهم ليبراليون) بسبب تظاهرهم سلميا أمام قصر الاتحادية الذي يحكم السيسي مصر منه! والتهم هي: خرق قانون التظاهر، إثارة الشغب، وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة، حيازة أسلحة ومفرقعات ومواد حارقة، ومقاومة السلطات والتعدي على قوات الأمن! وقالك المتنبي كان غلطان على سكان مصر! المهزلة المصرية اليمنية.. ما تزال مستمرة! في الناحية الدينية هناك أيضا مهازل مشتركة بين أم الدنيا والسعيدة؛ فاحتفال المولد النبوي في حكم الحوثيين صار فرقانا بين الكفر والإيمان.. وفريضة دينية مثل الزكاة لا بد أن يدفع اليمنيون أموالا إجبارا للاحتفال بمولد الرحمة وإلا كان جزاؤهم الويل والثبور.. وفي مصر بلغت المهزلة في الجانب الديني أن السيسي يطلب بالاسم من واحدة أديبة اسمهما فاطمة ناعوت القيام مع الأدباء بنشر صحيح الدين الإسلامي في مصر.. لا غريب في الغيرة الدعوية إلا أن فاطمة ناعوت هذه أحيلت للقضاء بتهمة الإساءة للإسلام وإزدراء الأديان بعدما سخرت من شعيرة الأضاحي في عيد الإضحى المبارك.. أو على حد قولها قبيل أيام من العيد: [ بعد برهة تُساق ملايين الكائنات البريئة لأهول مذبحة يرتكبها الإنسان منذ عشرة قرون ونصف ويكررها كل عام وهو يبتسم.. مذبحة سنوية تتكرر بسبب كابوس باغت أحد الصالحين بشأن ولده الصالح!]. وعلى هذا يمكن نفهم سر اختيار السيسي لناعوت لنشر الإسلام الصحيح؛ فهو وجد في كلام المرأة فتحا جديدا في الأديان، وتأثرا بفضيلة القديسة دعا في خطاب بذكرى المولد النبوي قبل أيام إلى ثورة دينية لتصحيح نصوص مقدسة بحجة أن تحرض مليار ونصف مليار مسلم على العنف، وتجعلهم يريدون قتل 7 مليارات من سكان العالم! ولكيلا يقول شخص إن السيسي يقصد آلاف المتطرفين (الذين يقال دائما عنهم إنهم قلية) وليس كل المتطرفين؛ لاحظوا فقط الرقم الذي اتهمه بأنه يريد قتل سكان الأرض.. مليار ونصف مليار.. أي كل المسلمين في العالم بمن فيهم طبعا: حكام دول الجامعة العربية والمؤتمر الإسلامي.. وكل الذين يطبلون للحرب ضد الإرهاب الإسلامي ممن يحملون أسماء إسلامية، وبعضهم جماعات إسلامية تخوض هي الاخرى حربا مقدسة بالاشتراك مع النصارى واليهود ضد الدواعش والتكفيريين المسلمين! ناشطون أذكياء نشروا في شبكة الإنترنت ادلة على صدق كلام السيسي: صورا لمذابح المسلمين في نيجيريا وأفريقيا الوسطى، وبورما، والبوسنة والهرسك، وغزة وفلسطين على أيدي اليهود والنصارى والوثنيين.. وكما هو ثابت فهؤلاء القتلة لم يقرأوا النصوص الإسلامية المقدسة التي تحث على قتل الآخرين الت يحذر السيسي منها، ودعا إلى ثورة كاملة ضدها وليس انقلابا فقط!