ومن الوقفات المتميزة في كتاب حقيقة الحج، الوقفة التي خصصها المؤلف لحجة الوداع، فقد كان لهذه الحجة أهمية خاصة من نواحي متعددة، ولذلك أطلق الناس عليها أسماء متعددة،مثل حجة الوداع وحجة الإسلام وحجة البلاغ وحجة الكمال وحجة التمام. وفي هذه الحجة اجتمع نحو مائة ألف من المسلمين، وجمع لم تألفه جزيرة العرب من قبل. ويذكر المؤلف تفاصيل رحلة حجة الوداع من المدينة إلى مكة، وما أحاط بهذه الرحلة من مهابة ومعاني عظيمة، ويصل إلى خطبة الوداع، ويلخص هذه الخطبة بكلمة واحدة» إنها إعلان عظمة الله ومساواة البشر، وكان أحدهما بلال الحبشي الذي يمسك بخطام ناقته، وكان الآخر أسامة ابن زيد يمسك بقطعة قماش تقي النبي من الحر. ويقف المؤلف أمام خطبة أخرى في حجة الوداع هي الخطبة التي خطبها النبي عليه الصلاة والسلام في أواسط أيام التشريق، والبعض يخلط بين كلمات هذه الخطبة وكلمات خطبة عرفة، وباستعراض رواية خطبة التشريق يتضح الفرق، ونكتفي هنا بإيراد نص الخطبة كما وردت عن صاحب الرسالة في مسند أحمد فهي غنية عن التعليق مليئة بالدروس والعبر.عن أبي حرة الرقاشي عن عمه قال-كنت آخذ بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس فقال: يا أيها الناس أتدرون في أي شهر أنتم وفي أي يوم أنتم وفي أي بلد أنتم قالوا: في يوم حرام وشهر حرام وبلد حرام قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه ثم قال: اسمعوا مني تعيشوا ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه ألا وإن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة وإن أول دم يوضع دم ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بني ليث فقتله هذيل ألا وإن كل ربا كان في الجاهلية موضوع وإن الله عز وجل قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ألا وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ثم قرأ: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم} ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ولكنه في التحريش بينكم فاتقوا الله عز وجل في النساء فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا وإن لهن عليكم ولكم عليهن حقا أن لا يوطئن فرشكم أحدا غيركم ولا يأذن في بيوتكم لأحد تكرهونه فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف وإنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله عز وجل ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها وبسط يديه فقال: ألا هل بلغت ألا هل بلغت ألا هل بلغت ثم قال: ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أسعد من سامع قال حميد: قال الحسن: حين بلغ هذه الكلمة قد والله بلغوا أقواما كانوا أسعد به»». وخلاصة هذه الخطبة» ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا»» دعوة إلى إغلاق كافة أبواب الظلم،وإنتصار لثقافة الحقوق والحريات، حقوق المستضعفين من الرجال والنساء والولدان. @@@@@@@@