التغيير الناس علي محمد الصراري : بعد فشل محاولات اغتياله وآخرها محاولة في دمشق وثانية في القاهرة تقف الجهات نفسها وراء حملة الإساءات والتشهير ضد الرئيس علي ناصر محمد , ولم يعد خافيا من هي هذه الجهات , إذ أسفرت عن وجهها بدون مواربة بصور عديدة , شعراً ونثرا وخطابة .. كان المتوقع أن تقوم هذه الجهات بنفي مسؤوليتها عن محاولتي الاغتيال الموجهة للنيل من حياة الرئيس علي ناصر محمد , بعد أن أشارت إليها أصابع الاتهام من أكثر من جهة , وعلى اقل تقدير كان بمقدورها أن تواصل الصمت حتى تتلاشى الحكاية , ويلفها النسيان , لكن المذنب كاد أن يقول : خذوني , فقد فضحوا أنفسهم بأنفسهم بسذاجة مذهلة .. على أن فشل محاولات اغتياله لم تثنهم عن البحث عن وسيلة أخرى لتدميره , إذ ا ن حملات الإساءات والتشهير وأخيرا التهديد ضد الرئيس علي ناصر محمد تدخل كلها في إطار التدمير النفسي والمعنوي , لعل ذلك يحد من تأثيره على الأحداث الجارية على الساحة الجنوبية , علاوة على التخلص مما يمثله كرمز هتفت له حشود المعتصمين في الحركة الاحتجاجية , إلى جانب زعماء وطنيين آخرين مشردين في الخارج .. وتعتقد الجهات التي تقف وراء هذه الحملات أنها لم تلحق الأذى بعلي ناصر بما يكفي , ولم تطلق حملات تشهيرية كافية لتشويه صورته , ولهذا استثنته من دعوة العودة إلى ارض الوطن , على العكس من الأستاذ علي سالم البيض , والمهندس حيدر العطاس , اللذان ظلا ولثلاثة عشر سنة مضت منذ نهاية حرب 94م موضوعا دائما للحملات الدعائية الرسمية التشهيرية , مطمئنة إلى أن صورتيهما قد نالتا حظا وافرا من التشويه والتلطيخ , ولن تؤثر دعوتهما للعودة ووصفهما بالرموز الوطنية في إدخال تحسينات كبيرة على صورتيهما بعد كل هذه السنوات من الدعاية التشهيرية المبتذلة المكرسة ضدهما . على هذا النحو تقريبا تقيم السلطة آثار حملاتها الدعائية التشهيرية, كوسيلة لا تمتلك غيرها في إعادة رسم صورة التاريخ السياسي الوطني , الذي لعبت هذه الرموز الكبيرة دورا محوريا في صناعته , إذ تهدف هذه الحملات إلى إنتاج تاريخ سياسي آخر , لا يكون هؤلاء الرموز الوطنيين جزءا من مكوناته , الأهم من ذلك أن دعوة المناضل علي سالم البيض والمناضل حيدر العطاس للعودة , واستثناء الرئيس على ناصر محمد منها, لا يمثل تحولا ايجابيا في موقف السلطة من الأول والثاني وتحولا سلبيا في موقفها من الثالث فهي أي السلطة لا تزال تلتزم بنفس الموقف التصفوي الانتقامي من الجميع , غير أن هذا التمييز جاء مجسدا لنهجها التكتيكي في مواجهة حركة الاعتصامات الاحتجاجية المتصاعدة في المحافظات الجنوبية , وهو النهج القائم على بث الفرقة والانقسامات الماضية , وتشتيت الصفوف عن طريق إحياء الثارات واستعادة الأحقاد والضغائن , وإشغال الجميع بالاختلاف والصراع مع الجميع . لقد فطن المهندس حيدر العطاس إلى مرامي هذا النهج التكتيكي , ملاحظا في لقاء أجرته معه صحيفة الحياة اقتران الدعوة في خطاب الرئيس الأخير الذي تضمنها , بالتفرقة والوعيد , مما يعني خلو الدعوة من المصداقية, وهكذا فان طعم الدعوة لم يبتلعه المستهدفون بعملية الخداع , إذ أن السلطة بدعوتها هذه ليست جادة , وليست صادقة , والاهم من ذلك فاشلة في تحقيق الفرقة والانقسام كأساس لمراميها غير الوطنية. والحال أن اشتعال وسائل الدعاية الرسمية على الدعوة كنموذج لفضيلة العفو والتسامح التي تزعم تحلي السلطة بها , تحول إلى اشتغال عبثي في تسويق الأوهام الخادعة , فالرئيس في الخطاب الذي وجه فيه الدعوة اظهر قدرا هائلا من عدم التسامح , واغفل كلية القضايا, التي تطرحها حركة الاعتصامات الاحتجاجية, وبدون الاستجابة لهذه القضايا وتغيير السياسات التدميرية , التي نفذتها السلطة في المحافظات الجنوبية منذ نهاية حرب 94م ,فان دعوة الرموز الوطنية من شركاء الوحدة لا معنى لها , إلا بقدر ما تكون جزءا من الديكور السياسي الذي يمنح صفة التسامح لسلطة غير متسامحة . عدم التسامح هذا , مكون جوهري من مكونات النهج التكتيكي للسلطة في مواجهة حركة الاعتصامات الاحتجاجية في المحافظات الجنوبية, إذ لا يمكن أن يكون هنالك تسامح, ما دامت الملفات تفتح لأغراض غير نزيهة, وما دام الخطاب الرسمي يحرض على الثارات, ويركز على نكء الجراح وتأجيج مشاعر الحقد والكراهية, وكان خطاب الرئيس في أبين نموذجاً صارخا لهذا النوع من التحريض الهادف إلى إحياء المواجع , واستعادة أجواء الصراعات العنيفة , التي نبذه الجميع باستثناء السلطة الحاكمة بطبيعة الحال . ويشتغل هذا النهج التكتيكي للسلطة على استخدام الانقسامات الكبيرة التي شهدتها الساحة الجنوبية منذ الاستقلال وما قبل الاستخدام حتى الآن, وفي هذا السياق جاء انعقاد الندوة التي أقامتها دائرة التوجيه المعنوي في عدن متزامنة مع الذكرى الأربعين لثلاثين نوفمبر 67, ومن خلالها يتضح الهدف في إحياء الانقسام الكبير الأول بين الجبهة القومية وجبهة التحرير, وهما معا مستهدفان بالطمس والإدانة, ولكنه انقسام مطلوب أحياؤه الآن لخدمة مآرب راهنة, وتقوم دوائر السلطة ورموزها القيادية بحركة ناشطة وسط طرفي الانقسام الداخلي في 13 يناير 86, وعلى هذا المستوى تحرض جناح الزمرة ضد جناح الطغمة, وتحرض جناح الطغمة ضد جناح الزمرة, وهي على استعداد لان تمد الجناحين بأدوات العنف المتبادل, إذا ما وقعا في شرك الفتنة, كما أنها لا تنسى استخدام أحداث سالمين وقبله قحطان الشعبي, وتحرض الجنوبيين ضد الشماليين كما تحرض الشماليين ضد الجنوبيين, ويتحدد الهدف في الأخير في إثارة كل أنواع الخلافات والانقسامات, ومن خلالها يكون من السهل السيطرة على بلد تمزقه الصراعات لصالح فئة ضئيلة من النافذين الفاسدين الذين لا يحملون مشروعا وطنيا, وإنما مشروعات خاصة معادية للوطن . وإجمالا يمثل هذا التكتيك بما فيه تهديد على ناصر محمد, ودعوة علي سالم البيض وحيدر العطاس نموذجا صارخا للمدى الذي وصل إليه الانحطاط الأخلاقي والإفلاس السياسي لسلطة لا تتمتع بمقومات البقاء .