" الأقاليم ومركزية الأحزاب " عند الحديث عن الدولة الاتحادية الفيدرالية القادمة يبرز سؤال: الدستور الاتحادي القادم لا شك سينهي مركزية الدولة فهل سينهي معها مركزية الأحزاب وهي أساس كل مصيبة ؟. الدستور الاتحادي القادم سيؤسس لنا دولة اتحادية فيدرالية بمؤسسات وتشريعات وحُكم رشيد.. فهل سيحميها من أحزاب المركز التقليدية وهيمنتها القبلية السلطوية .. وهل يتفق النقيضان ؟. الحديث عن إنهاء مركزية الدولة بات أمر محسوم وتحصيل حاصل ، وهل عرفنا يوماً أن في اليمن دولة ؟. الدولة بكل أركانها تخلت عن سيادتها ووطنها ومواطنيها وسلمتهم طوعاً للثالوث التقليدي السلطوي الاستبدادي من (العائلة والشيخ والقبيلة) ، وما تركت الدولة شيء إلاَ وفعلته حتى تحولت القبيلة من مكون مجتمعي مسالم إلى ثالوث سياسي حاكم سلطوي ومستقوى بالقوة والسلاح. السلطة المركزية (القبلية) بشكلها الحالي لا شك منتهية في دستور الدولة الاتحادية القادم ، ولكن ما مصير (أحزاب السلطة المركزية) التي كانت أداة فاعلة (لقبيلة الدولة) وما تركت احزاب السلطة المركزية شيء إلاَ وفعلته حتى تحولت القبيلة من مكون مجتمعي مسالم إلى ثالوث سياسي حاكم سلطوي ومستقوى بالقوة والسلاح. فأحزاب السلطة المركزية (مؤتمرها) و (الإصلاح) امتلكوا الدولة وتقاسموها بكل أركانها ومؤسساتها وسلطاتها النيابية والقضائية والتنفيذية والجيش والأمن فما عرفنا في اليمن سلطة إلاَ وهي مقترنة باسم عائلي واحد أو انتماء قبلي واحد. أحزاب السلطة المركزية (مؤتمرها) و (الإصلاح) حكموا اليمن بمنظومة حُكم فاسدة ليس على أساس دولة وطنية مدنية بتشريعات ومؤسسات ونظام وقانون وحريات وحقوق وحكم رشيد وإنما على قاعدة (أنت رئيسي وأنا شيخك) وفيها تسليم الدولة نفسها للعائلة وللشيخ والقبيلة وما أباحوا لأنفسهم من الهيمنة والقوة والنفوذ والسطو والنهب والسلطان والمُلك الذي لا يبلى. (أنت رئيسي وأنا شيخك) هكذا قالها كبيرهم فكان له ما أراد وزيادة : صار الشيخ فيهم يولد شيخاً متسلطاً على رقاب الناس مثل نمرود الذي قال " أنا أُحيي وأُميت ". وصار العسكري فيهم يولد عقيداً بالزي العسكري والراتب العالي والبدلات والمزايا والهدايا والعطايا وما يوعدون وهو لا يزال عند الناس رضيعاً. والتاجر فيهم يولد تاجراً وله مئات من الشركات والوكالات معفية من الضرائب والجمارك وما يؤشر إليه من خيرات تهامة و حضرموت و عدن. (أنت رئيسي وأنا شيخك) هكذا قالها كبيرهم فكان له ما قال وزيادة ، وما تركت أحزاب السلطة القبلية شيء إلاَ وفعلته حتى تحولت القبيلة من مكون مجتمعي مسالم إلى ثالوث سياسي حاكم سلطوي استبدادي ومستقوى بالقوة والسلاح.
الشعب اليمني كان صابراً صبورا.. سنوات وأعمار ضاعت ، جاع فيها فقراً من جاع ، ومات فيها قهراً من مات ، وشاخ فيها حسرة من شاخ ، وضاع شباب وديست حريات وسُلبت حقوق وامتهنت كرامات ، وما عاد الناس عندهم إلاَ نعوت وأصناف: فهذا شيخ وهذا قبيلي هذا من نسل الأنصار هذا من بيت قحطان هذا من بيت فلان وهذا من بيت علان .. ولا أحد منهم ينتمي لوطن. هذا محافظ إصلاحي وهذا وزير مؤتمري وهذا نائب قبلي .. ولا أحد منهم ينتمي لوطن. هذا رعوي هذا برغلي هذا لغلغي هذا من العبيد وهذا من الأخدام .. ولا أحد منهم ينتمي لوطن. وما أحوجنا اليوم لأقاليم اتحادية فيدرالية تعيد لنا كلمة (وطن) و (إنسان).
التغيير إن شاء الله قادم وميلاد جديد لوطن جديد إن شاء الله قادم ولو كان (إقليماً فيدرالياً).. أما ترى أن الدول الفيدرالية الاتحادية هي أكثر الدول أمناً واستقراراً ورخاء. فلا حاجة للناس لأحزاب عائلية قبلية تقليدية حولت القبيلة من مكون مجتمعي مسالم إلى ثالوث سياسي حاكم متسلط ومستبد ومستقوى بالقوة والسلاح نهبوا الأخضر واليابس وأوصلوا البلاد إلى أعلى المراتب فساداً وجوعاً وفقراً وبطالة وتخلُف. . ولا حاجة للناس لأحزاب عائلية تقليدية مرتبطة بماضي مؤلم وعهد مُظلم وثقافة بائدة لم تعد مقبولة في غير بيئتهم ولا في زمان غير زمانهم. الدستور الاتحادي القادم لا شك سينهي مركزية الدولة فهل سينهي معها مركزية الأحزاب وهي أساس كل مصيبة ؟. وما جدوى أن يكون لنا عهد جديد وأقاليم اتحادية دون تحصينها دستورياً من الارتداد بفعل تسلُط ونفوذ وهيمنة وتدخلات أحزاب المركز القبلية ونعود مرة أُخرى إلى عهد (أنت رئيسي وأنا شيخك) .. ولكن هذه المرة على مستوى أقاليم. يا سادة أعطوا فرصة حقيقية للأقاليم لتحكم نفسها بدون تدخلات وتأثيرات ونفوذ (الأحزاب المركزية) ، يا سادة أعطوا فرصة حقيقية للأقاليم لتؤكد على ولائها (للإقليم وللوطن الفيدرالي) وليس (للعائلة والشيخ والقبيلة).. لقد آن الأوان للقبيلة أن تعود إلى خلقتها مكون مجتمعي مسالم تساهم في بناء المجتمعات الإقليمية في دولة مدنية وما وسعت من الحريات والحقوق والعدالة والمساواة والبناء والتنمية والالتزام بالنظام والقانون والحُكم الرشيد وعلى قاعدة إن صلح الفرد صلح المجتمع وإن صلُح الإقليم صلُحت الدولة الاتحادية.