والمحبة عن أهل الله " الصوفية " لا تتجه نحو موضوع بعينه شخص ما أو شيء ما وإنما تتجه نحو كل الأشياء في العالم باعتبار أن المحبوب الأوحد لدى أهل الله " الصوفية" هو الحق سبحانه وتعالى الذي خلق كل شيء ويصبح كل ما في الكون موضوع محبة عند هم والمحبة عند أهل الله لا تتطلب أن يبحث المرء عن الآخر الذي يمكن أن يحبه كما لا تتطلب منه أن يعرف كيف يمكن أن يكون محبوباً من قِبل الآخرين وإنما تتطلب منه أن يعرف كيف يكون قادراً على المحبة كما أن المحبة عندهم قوامها العطاء الإلهي بشقيه القرب والمعرفة وهذا السمو الروحي جعلهم يتميزون عن بقية المؤمنين الصالحين , فالمؤمن الصالح يحب الله لكن هذا الحب تغلب عليه الصفة النفعية , فهو يطيع الله ليدخل الجنة ويسلم من النار أما الصوفية فقد جردوا الحب من هذه الصفة النفعية فجعلوه حبا خالصا لذات الله بغض النظر عن رجاء الثواب , والخوف من العقاب . وهذا ما أكده ابن عطاء الله السكندري في الحكم حين قال : " ليس المحب الذي يرجو من محبوبه عوضاً أو يطلب منه غرضاً , فإن المحب من يبذل لك ليس المحب من تبذل له " . فالمحبة تقتضي من المحب بذل كلياته وجزئياته في مرضاة محبوبه من غير طلب حظ يناله منه مع غاية السعادة و البخت قال أبو حفص عمر بن الفارض : مالي سوى روحي و باذل روحه .. في حب من يهواه ليس بمسرف فلئن رضيت بها فقد اسعفتني .. يا خيبة المسعى إذا لم تسعف و يربط أهل الله " الصوفية " بين المحبة والمعرفة على نحو يجعل كل منهما مرهوناً بحصول الآخر بحيث أنه إذا لوّح الصوفي بحبه لشخص ما أو شيء ما فإنه لا ينطلق عن تعلّقٍ بما يتميز به ذلك الشيء أو الشخص من صفات خاصة وإنما مما يشع به ذلك الشيء في تناغمه مع جوهر الجمال الكلي وهو معنى من معاني القيمة الكلية للوجود. وعند أهل الله المحبة تنتج المعرفة كما أن المعرفة تنتج المحبة بصرف النظر عن التقديم والتأخير فكلّما ازدادت المحبة ازدادت المعرفة والعكس كلّما ازدادت المعرفة ازدادت المحبة وبالتالي يمكن القول أنه لا معرفة بدون محبة ولا محبة بدون معرفة. ومن أحب غير الله تعالى لا من حيث نسبته إلى الله فذلك لجهله وقصوره عن معرفته فأما حب الرسول صلى الله عليه وسلم فذلك لا يكون إلا عن حب الله تعالى وكذلك حب العلماء والأتقياء الصالحين لأن محبوب المحبوب محبوب بل إن ما يفعل المحبوب محبوب ورسول المحبوب محبوب وكل ذلك يرجع إلى حب الأصل ولا محبوب في الحقيقة عند ذوي البصائر إلا الله تعالى ولا مستحق للمحبة سواه فإن الإنسان إذا عرف ربه عرف قطعًا أن وجوده ودوامه وكماله من الله وأنه الخالق له الموجد لذاته بعد أن كان عدمًا محضًا لولا فضل الله عليه بإيجاده وإذا عرف الإنسان حق المعرفة علم أن المحسن إليه هو الله سبحانه وتعالى فقط وقال الثوري لرابعة العدوية : ما حقيقة إيمانك؟ قالت : ما عبدته خوفًا من ناره ولا حبًا لجنته فأكون كالأجير السوء . بل عبدته حبًا له وشوقًا إليه. وأنشدت رضي الله عنها في معنى المحبة : أحبك حبين حب الهوى*** وحبًا لأنك أهل لذاكا فأما الذي هو حب الهوى*** فشغلي بذكرك عمن سواكا وأما الذي أنت أهل له*** فكشفك لي الحجب حتى أراكا فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي*** ولكن لك الحمد في ذا وذاكا فإن من أراد معرفة الله فليعرفه في جميع المواطن وليلجأ إليه في جميع المواقف فليس يوجد من هو أحنّ على العبد منه ولا يوجد من هو أرحم بالخلق منه ولا يوجد من هو أكرم عليك منه فيا عجباً ممّن يقولون: "الله أكبر" ويشهدون في قلوبهم سواه ويا عجباً ممّن يرددون دوماً "لا إله إلا الله" وهم عنه معرضون وهم له منكرون. *دعاء .. دعاء رزقنا الله وأخواننا وأحبابنا أنوار المحبة وجعلنا مّن يتّبعون ولا يبتدعون وأكرمنا بالسير على سبيل الموافقة وأعظم قدره في قلوبنا وجعلنا ممّن لا يعرفون سواه في حاضرهم ومغيبهم في ظاهرهم وباطنهم في سرائهم وضرّائهم وفي كلّ أحوالهم وأنفاسهم. صحيفة الثورة "