كانت أم عمرو «رابعة العدوية» نموذجاً وقدوة للنساء المسلمات المتصوفات اللاتي زهدن في الحياة حباً في الله, ووهبن روحهن فناء في نور الله. كانت تسير يوماً, وقد انتزعت من قلبها عشق الوجود الإنساني, وفارقت المسرات الفانية, وغدت من أهل الطريق. كانت حالتها مزرية, والفقر والعوز يضربان في هيئتها وملابسها.. قابلها «سفيان الثوري» وكان من أهل الله, فقال: يا أم عمرو؛ أرى حالاً رثة؛ فلو أتيت جارك فلاناً لغير بعض ما أرى. فأجابته: «يا سفيان وما ترى من سوء حالي، ألست على الإسلام، فهو العز الذي لا ذل معه, والغنى الذي لا فقر معه, والأنس الذي لا وحشة معه, والله لأستحي أن أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها؟!». فقام سفيان وهو يقول: ما سمعت مثل هذا الكلام. ثم قالت لسفيان: «إنما أنت أيام معدودة؛ فإذا ذهب يوم ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل, وأنت تعلم؛ فاعمل». ومما قالته من شعر في الحب الإلهي, نورد هذه الأبيات: أحبك حبين, حب الهوى وحباً لأنك أهل لذاكا فأما الذي هو حب الهوى فشغلي بذكرك عما سواكا وأما الذي أنت أهل له فكشفك لي الحجب حتى أراكا فلا الحمد في ذا ولا ذاك لي ولكن لك الحمد في ذا وذاكا [email protected]