قال لي: يا أخي يختلفوا على قفانا، ويتصالحوا على قفانا!! أيش يعني استفدنا من خلافاتهم والا أتفاقاتهم! بالأخير محد يعرف عنا شيء! هم في قُصور وسيارات وطيارات وسفريات وكهرباء وماء وكل شيء عندهم، لكن إحنا مطحُونين طحن! من يعرف أن الشَّاقي (عامل البناء) يجلس بالجولة من صُبح ربي بين البرد ينتظر من يمُر ويطلب منه عمل، وأحياناً يجلس بالأيام بين البرد والشمس الحارقة ولا يجد حق حبتين خُبز وواحد زبادي يجيبها لأولاده اللي جالسين وبطونهم فارغة ينتظروا أبوهم (عنتر بن شداد) وهم بيَموتوا من الجوع! هم معاهم اللي يكفيهم ويكفي بلدان بحالها، أما نحن فما يدري بحالنا إلا الله! تصدق أن بعض الحرفيين والوسَاطية "البنائين" قدهم يشحتوا حق الأكل من شدة الجوع والفقر هذه الأيام! يعني أيش استفدنا لما تخاصموا، ماتوا أولادنا ببلاش! ولما تصالحوا أيش حصل، رفعوا علينا الأسعار! وفي كلا الحالتين نحن الخسرانين، وهُم ولا هُم هنا! بالله عليك من يعرف أيش تعمل المائة ريال للشاقي، والله أنه يفطر ويتعشي بها! لا تستغرب!! حبة خمير الصُّبح وقلص شاي أحمر، وحبة خبز بالليل، وأحياناً بلا حاجة يُبلِّع بها! أيش يعرفوا هم عن الجوع والفقر والحاجة، أنك تمشي مسافة 10 كيلو عشان تشتغل وترجع عشرة كيلو وصاحب العمل ما يعطيك مِشقايتك "حق شغلك" إلا نهاية الأسبوع، ومش عارف أن ورانا بطون ونفوس تنتظر اللقمة والسُترة! أيش عرفهم باللي يرقدوا خمسة أو ستة بغرفة واحدة عشان يوفروا حق الأيجار، ويسافروا من العيد للعيد يزورا أسرهم عشان ما معاهمش حق الطريق! أيش عرفهم بالقهر اللي نحسه لما نُروح للبلاد نشوف أطفالنا وما معانا إلا حق الطريق وهم متساهنين بأبسط الأشياء اللي تفرحهم! أيش عرفهم باللي يركبوا فوق سقوف السيارات ويمشوا عشرات الكيلومترات غير المعبدة "بفضلهم طبعاً" وهم ما بأيديهم إلا علاقي خُبز وربطة بَصل! أيش يعرفوا هم عن الحاجة للعلاج لما يرقد الواحد وفوق ضرسه فص ثوم عشان يهدي وجع الأسنان، والا لما يكتسر راسه وما يجد إلا شوية تراب أو بُن يسد به الجرح ويوقف النزيف! أيش يعرفوا عن الدين وصاحب البقالة لما يهينك كل شهر أمام الناس يشتي حق الراشان أو الصرفة، وإلا لما ماتجدش ماء تشرب، ولا جاز للفانوس تتضوي!! يا أخي أين يعيشوا هولاء الناس!! معقول لما تمر مواكبهم ما يتفرجوش علينا ونحنا مُرجّمين ومجدّلين بكل التقاطعات والشوارع وكأننا شحاتين! الله يرحم الحمدي عمل لنا قيمة والأن ماعاد باقي لنا قيمة وكأننا عالة عليهم! على الأقل لما يدخلوا قصورهم وفللهم يتذكرونا! إحنا اللي بنيناها بأيدينا هذه اللي يستحوا منها الأن، ومن غيرنا ما كانوا حصَّلوا أين يسنكوا! وفرحين أنهم تصالحوا! يتصالحوا والا يروحوا خلف الشمس، قدها هي ذيك "ديمة وخلفوا بابها"! وعادهم مكنونا سلام الله عليهم!! سلام الله علينا أحنا اللي صابرين عليهم! وقام ودمعته على وشك أن تفِر من عينه، ولم أجد ما أقوله سوى أن أنقل كلامه كما هو لمن أحب أن يتفكر! * عضو المجلس العالمي للصحافة