وحدهم دراكولات هذا الزمن المتعطشون للدماء وللتلذذ برؤيتها وهي تراق على مذبح الوطن وباستمراء رشف كاساتها كنخب لنجاحاتهم في زج أبناء الوطن الواحد في أتون جحيم لا تخمد جمراته وجذواته؛ طالما أوقد لها هؤلاء المتآمرون دوماً على الوطن وأبناءه ممن يُعرفون بسفلة الداخل والخارج... دون هؤلاء المتربصون بالوطن وأهله لا احد تستهويه الحروب أو الدماء في ظل مكون اجتماعي لا هم له غير البحث اليومي عن لقمة عيشه وعن دروب سالكة وآمنة تُفضي به إلى أماكن رزقه وإلى حيثما يأوي إليه وأولاده بعد كل نهار شاق ومضنٍ لا يخلو من الألام ومن الأوجاع بشقيها الجسدية والنفسية. مَنْ مِنّا في هذا البلد لا ينشد السلم والأمن والاستقرار بعد خمسة عقود زمنية قضاها معظمنا في أسفار لم تتوقف غير في محطة استراحة قصيرة هي محطة الشهيد الحمدي التي استرد فيها المجهدون سفراً بعض أنفاسهم ليواصلوا بعدها السير في شعاب وفي دروب كلها وعرة وخطرة ومتعرجة لا تخلو في كل منعطف منها من الوحوش البشرية ومن اللصوص والقتلة ومن المشدودين إلى عصور ما قبل التحضر؟. مَنْ مِنّا لا ينزع إلى السلم وإلى إفشاء السلام والمحبة في بلد يجثم على فوهة بركان وعلى ركام هائل من المواد القابلة للاشتعال؟ مَنْ مِنّا لا يقبل بأنصاف الحلول كبديل لعذابات وأهواء لم يعد أحد منّا حملٌ لها بعد أن وصل البلد ومن عليه إلى حالة من الترنح بفعل المجاعات وسوء التغذية وانعدام فرص العمل وتفشي حالة الفقر والفوضى والعبث في كل شبر من مساحة هذا الوطن وتراجع مستوى الوعي والصحة والتعليم؟ مَنْ مِنّا ينزع للخوف وللرعب وللتشرد وللاقتتال بدلاً عن التسليم بلغة العقل وبأهون الأضرار وأقلها معاناة؟. الكلُ في انتظار الفرج معلقين الآمال على حكمة الرئيس هادي وعلى اتساع صدره وأفق حلمه وعلى عقلانية السيد الحوثي في قراءة المشهد الراهن قراءة دقيقة ومتمعنة ليقف عند قراءته هذه على حقيقة لا لبس فيها وهي أن ما وصل إليه اليوم من ظهور هو بفعل صبر الرئيس وبفعل الفرص التي أتاحها له ولجماعته تجنباً لأية صدامات أهلية لا تحمد عقباها... أي تهور وأي فهم خاطئ لموقف الرئيس هذا انا على يقين من أن المشهد الراهن سينقلب في غير صالح السيد وجماعته في ظل تفهم الشارع مؤخراً لما أبداه الرئيس من مرونة ولما قدمه من تنازلات ومن صبر حيال الأحداث الأخيرة في صنعاء وصل إلى حد صبر أيوب. لا شك أن لجماعة أنصار الله الفضل في تحريك الأحداث وفي تحريك المياه الراكدة وفي إيصال الرسالة للقوى المستأثرة بالسلطة وبالثروة بأن مرحلة الاستقواء على الشعب وبمقدرات البلد أمر بات في حكم الماضي، إذ لابد من وضع النقاط على الحروف التي من أهمها وضع حدٍ للفساد ومحاسبة الفاسدين. مما لاشك فيه أن جماعة انصار الله أضحت رقماً لا يستهان به في المعادلة الوطنية إذا ما توقفت عند هذا المنعطف وعند الحلول التي سيقبل بها الرئيس بناء على مطلب بات متماهياً في الشارع الشعبي كحلول وسط.... تجاوز هذه الجماعة لهذا المنعطف وركوب عقلها بغية تحقيق مكاسب أكثر مما حققته حتى اللحظة، أُجزم بأنه يمثل خطراً عليها طالما سيفقدها كثيراً مما حققته خلال فعاليات نشاطها في العاصمة وما حولها. كل الأنظار في الداخل وفي الخارج مصوبة اليوم نحو موقع صنع القرار في هذا البلد، وكل الآذان في الداخل وفي الخارج مشرعة في انتظار اللحظة التي يُعْلن فيها خبر انفراج الأزمة بين الدولة وبين المحتجين على ارتفاع أسعار المشتقات النفطية الذين يحيطون بالعاصمة منذ ثلاثة أسابيع ومن ثلاثة مداخل رئيسية ويقيمون صلاة الجمعة من كل اسبوع في الطريق المؤدي إلى مطار صنعاء الدولي، فيما يقومون بمظاهرات في قلب العاصمة ما بين يوم وآخر والتي ربما أخرها المظاهرة التي اقتربت من رئاسة الوزراء والإذاعة والتي انتهت بصدام مسلح أودى بحياة عديد من المتظاهرين وجرح العشرات منهم... هذه الأحداث الدامية ربما كانت جرس إنذار لجماعة انصار الله وللدولة دفعت بكل منهما إلى الاعتكاف بغية الوصول إلى حلولٍ تسمح للبلد في النفاذ من هذا الشرك ومن هذا النفق المخيف. ما يجب التركيز عليه من قبل جماعة أنصار الله بعد القبول بأنصاف الحلول هو على آفة الفساد طالما الكل في هذا البلد بات يتأذى من رائحة هذه الآفة الكريهة المنبعثة من كل شبر من مساحة هذا الوطن ومما تخلفه هذه الروائح النتنة المزكمة للأنوف من أمراض لم يعد فتكها يقتصر على الإنسان فحسب، وإنما تجاوزته إلى الفتك بالأرض وما في باطنها من ثروات، هذا الداء العضال وعلى الرغم من خطورته والتعرف عليه من قبل كل مواطن بالعين المجردة وبملامسة اخطاره اليومية إلا أن حجمه وتجذره في عمق الأرض ومسافات انبعاثه في الأجواء لم يتكشف للناس غير في محطتين ثوريتين هما:ثورة فبراير 2011م التي منيت بالتعثر ولربما بالفشل بينما المحطة الثانية خلال الثورة الحالية في مناهضة الجرعة والفساد المستشري في كل مكان. كيف تكشف للناس ذلك؟ من خلال تحالف الفاسدين ممن انقسموا إلى فريقين بعد جمعة الكرامة الدامية، ومن خلال تقاربهم والتحول في مواقفهم؛ بغية إفشال هذه الثورة الحالية، حيث تجسد ذلك مؤخراً في محاولة الدفع بالرئيس وبالجيش من قبل شركاء السلطة والثروة في الماضي وفي الحاضر إلى المواجهة المسلحة مع جماعة أنصار الله لإفشال أي تحول يفضي إلى وضع حد للفساد واستئثار الاحزاب على مختلف مسمياتها وأيدلوجياتها بالسلطة والثروة وبليّ ذراع الرئيس هادي بغية حرف قراراته إلى مسارات خاطئة. لقد فهم الرئيس لعبة هذه الأحزاب الفاسدة وهذا المخطط السيء عن ظهر قلب، ففوت على هؤلاء المتسببين في مراوحة هذا البلد في مكانه فرصتهم مغلباً مصلحة الوطن وأبناءه على مصالح هؤلاء الاقزام واللصوص من خلال تقديمه تنازلات ليست لجماعة أنصار الله وإنما للوطن وأهله؛ بغية تجنيب الجميع كثير من الأهوال والكوارث المحتملة التي لم تعد تنقص أحد في هذا البلد المجروح والمكلوم على امتداد أكثر من خمسة عقود من الزمن. [email protected]