(نبض وياسمين) مازال هناك بشرى سارة، بإذن الله، وخاصة إذا سمعنا بهذه البشرى من رئيس الوزراء وهو ما يبعث الفرحة في نفوسنا، ويؤكد أن شيئاً ما قد يتغير في حياتنا، على الأقل نشعر أن هذه الحكومة التوافقية قد توفقت في أي شيء، حتى لو كان على سبيل الطرفة فقط، مع أن الدموع التي يذرفها رئيس الحكومة لا تبشر بشيء، وربما كانت هذه بشرى أخروية، أعني أن الدنيا بالنسبة لحكومتنا باتت دار ابتلاء لنا ومقراً لهم، ففي الوقت الذي كنا ننتظر إعلان رئيس الوزراء عن منحة مالية، ولو على سبيل الصدقة، كإعانة لمن لم يتم توظيفهم.. أعلن لنا، بفرحة وتفاؤل، عن قرار المقابر.. أي أن رئيس وزرائنا بشرنا بعمل مقبرتين بكل محافظة، كنوع من أنواع الترفيه، أو لإحساسه بأن صلاحيتنا قد انتهت، فيجب أن تجهز لنا المقابر بدلاً من الجامعات والمشاريع والطرقات والمستشفيات، فكم هو مبشر بالخير، وكم نُنصف في بلادنا أحياءً وأمواتاً، لكني أظن أن الحكومة لعجزها عن توفير احتياجاتنا في الحياة، اختارت لنا الدار الآخرة، فمن المؤكد أنها ستجهز هذه المقابر على احدث مستوى، وستوظف من سيموت وستصرف له راتباً شهرياً، وستوفر له التلفزيون المسطح وإيجار القبر، وأثاثاً فخماً وماء وكهرباء ومواصلات، فكل المشاريع التي عجزت الحكومة عن تحقيقها لنا، ستحققها بطريقة مبتكرة وادخارية بعد موتنا.. حقيقة من هول المفاجأة يشعر الواحد منا بتفاؤل كبير، وهذا دليل على الذكاء الذي تتمتع به حكوماتنا سابقاً ولاحقاً ومستقبلاً، فعندما هربنا من الحكومة السابقة كان هروبنا الأول من الفساد، وإذ بنا اليوم نعاني منه بأكثر مما كنا عليه بمليون مرة، فهل نصمت وهل نصفق لرئيس وزرائنا على هذا الانجاز العظيم؟!! البلاد تنهار، ويتفشى الفساد في كل شبر من الوطن، حتى في المساجد، فالنهب والسلب متغلغل في وزارة الأوقاف والعدل وحتى وزارة المالية والتعليم العالي، وكل من كان يشكو الفساد ويلعن الفاسدين، تحول بعد تعيينه وزيراً أو رئيس مصلحة إلى بروفيسور في الفساد، وبكل خبث وقسوة وجحود.. إذاً ماذا فعلنا، وما الذي أنجزناه؟ ربما لأن رئيس الوزراء يبكي كثيراً، فلم يفكر ليروح عنا وعنه بأكثر من تجهيز أكفاننا وقبورنا، متناسياً حال البلاد الذي توقف في كل شيء، كنا نتمنى أن يشعر أننا بتنا متأكدين أننا أموات، لكننا نمشي على الأرض، وكل شبر في هذا الوطن بات قبراً مفتوحاً لاستقبال أبنائه، حتى الأطفال الذين يذهبون إلى مدارسهم، فقدوا الرغبة في التعليم، وهم يرون بأم أعينهم الفساد الذي يبدأ بالإدارة وينتهي بأكبر اسم في وزارة التعليم. والأكثر إيلاماً هو وضع الشباب الذين يتكدسون بشهاداتهم، والذين يضطرون للعمل في القطاعات الخاصة التي تنهبهم فكرياً وعقلياً وجسدياً بثمن بخس وبعد استهلاكهم يتم الاستغناء عنهم ورميهم إلى شارع البطالة والفقر والعوز، هذا بغض النظر عن إصابتهم بأمراض نفسية وعصبية، وهو ما يجعل الإنسان يموت واقفاً من الألم والحسرة والقهر ليأتي رئيس الوزراء ويصرف للوزراء في العيد ملايين كعيدية ليسافروا مع زوجاتهم لقضاء إجازاتهم المفتوحة في دول الخليج وأوروبا، لأنهم وحدهم من يستحقون الحياة، ونحن فقط من نستحق المقابر والموت، أتمنى أن لا يجهد نفسه، فقد متنا منذ زمن بعيد، ونعيش في قبورنا، ونمشي بأكفاننا.. أدام الله عزه ووسع له قبره.. * "المنتصف"