يريدون أن يصلوا بك إلى مرحلة تنطق فيها بلسان الحق لا بلسانك، كأن تنطق بقول أبي يزيد البسطامي:"سبحاني ما أعظم شأني"، أو أن تنطق بقول الحلاج: "أنا الحق"، أو بقوله: "ما في الجبة غير الله". وإن كانت النزعة لدى البسطامي والحلاج عرفانية. قد يقول أحدهم: أنت لن تقبل بذلك. صحيح، لكنك في الأول والأخير بشر، والبشر عرضة للخطأ والصواب، وتستحيل عنهم العصمة، وتكبر فيهم نزعة الفرعنة إن غذاها الناس. قبل أكثر من عام، ضمنت منشوراً بعض النظرات انتقاداً لمغامرات الفتى الثلاثيني، فدخل صديقي الأنصاري المثقف على الخاص وكتب "سبحان الله عليك، وهل يغلط السيد؟". حينها تجمدت العروق، ولم أستطع الرد، سوى بكتابة: "حاشا لله". وقبل أيام كتب عابد المهذري مقالاً بعنوان "عبد الملك الحوثي ....سيد الإنسانية"، حين قرأته لم أُصب بالدهشة السابقة ولم تتجمد العروق، لأن سنة كاملة تكفي للترويض، فخلالها قرأت وسمعت كثيراً من الصفات الخارقة للسيد الشاب. ولكن بما أن هذه اللغة أو هذا الخطاب بلغ حد الظاهرة، ويتصاعد بشكل لافت كل يوم، فلا بد من وضع حد له من قبل السيد نفسه، فإما أن يقول لنا أنه بشر، فنتعاطى مع بشريته التي تصيب وتخطئ، ونحاوره ونناقشه، وإما أن يقول لنا أنه نبي جديد ومعصوم، فنحتاط لأنفسنا في أثناء مخاطبته ونتأدب في حضرته. في مناسبة سيد الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم، يطل علينا الكاتب المهذري ويصف الشاب "بسيد الإنسانية". قد يؤول أحد الأنصار العنوان بدافع التبرير ورفع الحرج، على أنه يقصد سيد الإنسانية في العصر الحديث. لا إشكالية، انظروا معي كيف يقدم هذا الكاتب سيد الإنسانية الحديث، وهل هذه اللغة لغة خطاب بشري، أم لغة خطاب أرقى من البشر؟. يقول المهذري، وله حظ من اسمه: "إننا نخطئ عندما نتعاطى مع السيد عبد الملك كشخصية سياسية وزعيم جماعة دينية ". ويقول: "إن صورة السيد انطبعت في الذهنية العامة والرأي العام كمحارب شجاع وقائد عسكري شاب ذكي ومحنك .....وسياسي ناجح وماهر ..... مع أنه أكثر من ذلك وأكبر" . طيب، إذا كنا نخطئ بالتعاطي مع السيد على أنه شخصية سياسية أو زعيم جماعة دينية، فكيف إذن يجب أن نتعاطى معه، لا بد من التوضيح، هل نتعاطى معه على أنه نبي أم إنه ظل إله، أم ماذا، يجب أن تخبرنا؟. وفي المقابل، يا ترى من هو الأكثر والأكبر من الشجاع والقائد والذكي والمحنك والناجح والماهر؟. لا شيء أكبر وأكثر من ذلك إلا ما هو أرقى من البشر. اقرأوا معي هذه الصيغة التعبيرية أو هذا التوصيف للسيد في المقال نفسه: (إنه النقاء والأصالة وفضائل الأخلاق والنبل والشهامة والصدق والرحمة والتواضع والإيثار والطيبة والكرم والنباهة والعفو وبياض القلب). وأنه (السلام والتسامح والصفح). وأنه "حامل ثقافة القرآن وأخلاق الرسول الكريم". (السلام والرحيم) من أسماء الله، و(الصدق وفضائل الأخلاق) من صفات الرسول صلى الله عليه وسلم. ويستحيل أن تتوافر هذه الصفات في بشر، كما يستحيل أن يوجد بشر لا يخطئ، بل إن الأنبياء أنفسهم وقعوا في أخطاء وغفر الله لهم، فموسى عليه السلام قتل نفساً، والرسول محمد (ص) عاتبه الله في القرآن لإعراضه عن رجل أعمى. فيأتي المهذري بقاموس الإلوهية والنبوة ليلقيها مرة واحدة على شاب لم يبلغ سن الرشد، وهو سن الأربعين الذي يطمئن الله فيه على رسله فيبعثهم إلى عباده. إن هذه اللغة التقديسية لا تصلح مطلقا مع البشر، لأنهم مقصرون ومسيئون ومخطئون. وبكل تأكيد أن مأساة الأمة العربية والإسلامية تكمن في مبدأ التقديس، تقديس العلماء وتقديس الزعماء وتقديمهم في ثياب مطهرة، مع أنهم مصدر كل الكوارث والمصائب التي تضرب الأمة. لا شك في أن الأخ الشاب الطموح عبد الملك يرفض أن يقدمه أنصاره تحت يافطة أو شعار (ما في الجبة غير السيد). فهذا الشعار يقدمه للناس على أنه من المصطفين الأخيار، وإن أي نقد أو تعريض لشخصه، يعني قراءة الفاتحة وسورة الإخلاص على الناقد أو المعترض، لأنه تجرأ على مساس ذات هي فوق الذات البشرية. زد على ذلك، إن هذا الشعار يتخلى عن لغة الملاينة التي تقرب وتسدد وتعالج الاختلالات الفظيعة التي ترتكب، بل ويقود الحركة سريعاً إلى الجمود والتبلد والتكلس. عزيزي عبد الملك، مرات عديدة وأنا أخاطبك بالسيد، لكن في ظل شيوع التقديس، لن أخاطبك بعد اليوم إلا بالأخ والعزيز. فهل من نصيحة عزيزي لأنصارك حتى لا يولد بينهم سامري جديد؟!!.