بقدر آلمي على الرئيس وتعاطفي الشديد معه جراء ما لحق به من إساءات ومن تضحيات ومن تهديد ووعيد من قبل مراكز القوى النافذة في الدولة وفي القبيلة على امتداد ثلاث سنوات من حكمه، بقدر اعتزازي بموقفه الأخير الذي فاجأ به الداخل والخارج لحظة تقديمه الاستقالة من منصبه، وتفضيله البقاء خارج إطار لعبة لا يحتمل الوطن أو الشعب نتائجها أو تبعاتها الخطيرة. لقد قلبت هذه الاستقالة الأوضاع رأساً على عقب حين أوقف الرئيس سابقة خطيرة كانت ستؤسس لثقافة القوة في فرض الأمر الواقع على من يقع في قمة هرم الدولة من خلال تمرير القرارات الرئاسية التي تخدم الفئة الضاغطة على الزناد على حساب مصالح شعب ووطن وعلى حساب كرامة من تمرر عليه مثل هذه القرارات. لقد أخرس الرئيس من خلال استقالته كل الأبواق المسعورة التي كانت تنعق في اتجاه إظهاره بالمولع والعاشق حتى النخاع للسلطة حين دحض بفعله هذا كل التقولات وكل الاشاعات وكل الحملات المغرضة والمأجورة التي دأبت على إظهاره بمظهر المتشبث بالسلطة اللاهث وراء زيفها حتى لو كان لهفه هذا على حساب كرامته وعلى حساب كرامة شعب برمته. لقد استطاع الرئيس من خلال استقالته فرملة كل الأحداث وكل التطورات المتسارعة من خلال خلطه لمجمل الأوراق حيث فرض من خلال هذا الخلط المفاجئ على الداخل وعلى الخارج إعادة النظر في قواعد اللعبة السياسية في إطار المعادلة القائمة بين مختلف قوى الصراع في الساحة، هذا الخلط وهذا التغيير في قواعد اللعبة السياسية والعسكرية، هما من أفقد الكثير من اللاعبين في مرتع هذا الوطن المفتوح على مصراعيه توازنهم جراء استبعادهم لمثل هذه الخطوة التي اقدم عليها الرئيس طالما عودهم على إبداء أكبر قدر من المرونة تجاه كثير من المعضلات حتى لو كانت هذه المرونة الزائدة عن حدها على حساب صحته وعلى حساب نفسيته وعلى حساب هيبته ومكانته بل وعلى حساب تطلعات شعبه المطحون في عيشه وفي أمنه واستقراره. بعد هذا الفعل المبرر الذي اقدم عليه الرئيس في لحظة هي من أدق وأصعب اللحظات وفي منعطف هو من أصعب وأخطر المنعطفات التي مر بها الوطن منذ ثورتي سبتمبر وأكتوبر وحتى اللحظة...... السؤال هنا: ما هو دورنا كشعب بعد أن ألقى الرئيس بالكرة إلى ملعبنا سيما في ظل قناعتنا بعدم جدوى كل القوى المتصارعة في الساحة في أن تتحمل مسؤولية هذا الوطن والأخذ بيده إلى بر الأمان؟ هل سنظل نعلق على شماعة الرئيس كما هو فعل القوى المتصارعة خيبتنا وانهزاماتنا وانبطاحنا ودس رؤوسنا في الرمل كما تفعل النعامة دائماً؟ وهل سيظل بعضنا على غيه وعلى عمالته ومأجوريته لبعض القوى المتربصة بهذا البلد وأهله من خلال اصراره على تحميل الرئيس أوزار وأعباء ركام من الفساد والأخطاء هي نتاج تجميع لأكثر من ثلث قرن من الزمن. ألم يكفِ هؤلاء الناعقين في اتجاه تدمير ما تبقى للوطن وأهله من مقومات البقاء ما قدمه الرئيس من تضحيات حين سقط له أقرب المقربين في مذبحة مشفى العرضي على يد الإرهاب غير المكشوف وجهته ومن يقف وراءه حتى اليوم؟ ألم يكفِ هؤلاء تضحية الرئيس بأفراد من أسرته ومن أقربائه ومن شرفاء حراسته في غزوة سكنه بالستين في 19 يناير 2015م ممن كانوا يذودون عن كرامته التي هي في الأساس كرامة هذا الوطن ومن عليه. في كل المنعطفات التي مرت بها شعوب العالم كان العامل الشعبي هو حجر الزاوية في الحل وهو الفاعل في تحديد مصائر تلك الشعوب ومصائر أوطانها، فكثيرة هي الأمثلة على مواقف الشعوب تجاه أوطانها وتجاه رموزها السياسية والوطنية، منها على سبيل المثال لا الحصر: موقف الشعب الياباني من امبراطوره فور هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، وكذلك موقف الشعب الفانزويلي تجاه رئيسه شافيز حين تأمر عليه الغرب وعمل على اختطافه. في عام 1945م وبعد أن تعرضت مدن هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين للضربات الجوية الأميركية بالقنابل الذرية التي أودت بحياة مئات الآلاف من اليابانيين وجرح وإعاقة مئات الآلاف منهم، طلبت أميركا من الإمبراطور الياباني هيروهيتو التوجه إلى أحد الشواطئ اليابانية للإعلان عن هزيمته وهزيمة شعبه من على إحدى البارجات الأميركية المرابطة على ذلك الشاطئ في عملية إذلال وتركيع للشعب الياباني المشغول حينها بضحاياه وبلملمة جراحاته. لم يستسلم هذا الشعب لهذا الإذلال إذ خرج إلى شوارع طوكيو والمدن اليابانية بقضه وقضيضه رافضاً لهذا الإملاء المذل على إمبراطوره فحفظ بذلك لرمزه كرامته وحفظ لنفسه ولوطنه الكرامة أيضاً التي لولاها لما تبؤ مكانته بين شعوب الأرض ليصبح بعد كبوته هذه ثاني قوة اقتصادية في العالم. مثل آخر وهو اليوم الذي غيبت فيه الاستخبارات الأميركية الرئيس الفانزويللي شافيز بهدف الإنقلاب عليه وعلى نظامه التحرري من الهيمنة الرأسمالية التي راكمت الثروة في يد قلة من الفاسدين في مقابل إفقار الأغلبية الساحقة من شعبه، لقد خرج الشعب الفانزويللي عن بكرة أبيه إلى شوارع وأزقة العاصمة كاراكاس رافضاً مبارحة أمكنته ما لم يعد شافيز إلى قصر الرئاسة، مهدداً بتدمير كل مصالح القوى الرأسمالية في البلد في حال تعرض شافيز لأي مكروه..... لم يمر غير 48 ساعة حتى أضطرت المخابرات الأميركية إلى الإفراج عن شافيز ومن ثم عودته إلى كرسي الحكم ليكمل مشوار البناء في بلد كان يعمه الفقر والبطالة وهو البلد الغني والعضو في منظمة الأوبك المصدرة للبترول. الأمثلة كثيرة وكثيرة على مواقف الشعوب الحية تجاه رموزها وقادتها الوطنية، فهي من تصنع حاضرها، وهي من تؤسس لمستقبلها ومستقبل أجيالها من خلال صحوتها لاسيما حين تتعرض أوطانها لمؤامرات تضعها على مفترقات طرق تتهددها وتتهدد حاضرها ومستقبلها. لقد أدى الرئيس هادي ما عليه حين أوفى بتقديم استقالته لمجلسي النواب والشورى ليضع الجميع أمام مسؤولياته وليسحب من تحت أقدام المزايدين عليه البساط في مكاشفة أسُدل الستار من خلالها عن ثلاث سنوات من المزايدة ومن التعتيم على حقيقة المؤامرة على هذا البلد وأبنائه.... لقد أدى الرئيس ما عليه بحيث لم يبقى غير الدور المنتظر منا كشعب فماذا نحن فاعلون [email protected]