مهما حدث كن أنت ، وكن يمنيا.. هكذا تخاطب اليمن أبنائها ، على اختلاف مشاربهم ومناطقهم ومذاهبهم ، سيما وقد أفسدت الأيام والسياسة حال بعضهم ، فهناك حوثي ومتحوث ، ومؤتمري ومتآمري ، واصلاحي ومتمصلحي ، وناصري ومتنيصر ، وثائر ومتثيور.. هناك دائماً نسخة مزورة تجيد التناوب ، وإقناعك أنها الأصل والفصل والموناليزا ودافنشي..! الانتماء لا يعني الارتماء ، والموافقة لا تعني المنافقة ، والسياسة ، بوصفها فن الممكن ، لا تبيح كل ممكنات القفز على الحواجز الأخلاقية في ماراثون الانتفاع المرن ، ولا تبرر إدمان الاتساخ في وحل (الغاية تبرر الوسيلة) ، فما جدوى أن يغسل أحدهم وجهه مرات في اليوم ، ولا يغسل قلبه مرة في السنة ، هذا إن لم نقل ، مرة كل خمسين سنة..! يبدل أحدهم قناعاته أكثر مما يفعل مع حذائه ، ويرتدي وجهه مرات حسب الطلب ، مقابل مأمول مال أو معمول منصب ، وبالمقابل يحشر الآخر ذاته ومواقفه في جوارب ايدولوجيا الجمود ، فيتموضع كالصنم العابد في زاوية الرؤية الواحدة ، وبين الأول والثاني يضحك العدم بوجه الحقيقة ، ويعبث الغباء بلحية الفضيلة.. كحشرات الليل ، يتهافت الأوغاد دوماً على مركز الضوء والثروة والسلطة ، يمسحون الجوخ لجمهورية هذا الرئيس ، وفي اليوم التالي ، ينشدون المعلقات في بهاء خدود ذاك الملك.. إن مارسوا السياسة عرضوا رخيص ضمائرهم في مزاد الأحزاب ، وإن امتهنوا الكتابة ، نثروا أحرفهم لمن يدفع أكثر ، تماماً كما تفعل بائعة الهوى ، مع فارق نزاهتها ، إذ لا تدعي شرف الدعارة المثقفة.. هم لصوص الدولة إن قعدت ، ولصوص الثورة إن قامت.. تطول لحاهم إن تمكن محراب الدين ، وتنحني جباههم إن هبت دنانير الدنيا ، أصواتهم في الداخل عالية ، وسقف قيمهم في الخارج منخفض.. أرضهم وسماؤهم الأنا ، يدورون حول الكراسي كجمل الساقية ، ويتبعون رائحة المناصب ككلاب الصيد الشرهة.. وجودهم يفسد الوجود من الداخل ، وزيفهم يحضر بقوة في أغلب المحافل.. هل ترونهم؟ فتشوا عنهم في الصفوف الأولى ! [email protected]