تتشابه التجربتان اليمنية واللبنانية في تداعيات مسارات الحفظ والسلام مع فارق التوقيت وبعض التفاصيل الأخرى، إذ أن نشوب الأزمة اللبنانية مطلع سبعينيات القرن المنصرم كانت نتاج تباين الموقف في الصف الوطني بين تيارين سياسيين يتكئ كلٌّ من هما على خلفية دينية ومذهبية.. وهو الأمر الذي ساهم إلى حد كبير في تسلّل قوى إقليمية بدعم هذا الفريق أو ذاك، الأمر الذي أدى إلى إطالة أمد الحرب وكلفتها الباهظة، بل إن الصراع الذي تأجّج منذ اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري مطلع الألفية الجديدة قد أفرز صراعاً مذهبياً حاداً أدى إلى سيطرة حزب الله المدعوم إيرانياً على مقاليد السلطة. ولا يبدو أن ثمة اختلافاً جوهرياً في إحداثيات سباق الحرب والسلام بين الأطراف المعنية في اليمن منذ العام 2011م، خاصة وأن كل طرف استقوى بقوى إقليمية لم يعد المرء بحاجة إلى تحديدها.. وهو ما أدى إلى وصول هذه الأطراف للاحتكام إلى السلاح عوضاً عن التسلّح بقيمة الحوار. وثمة تفاصيل في ما يجري اليوم على الأرض تؤكد أن السباق قد حُسم لصالح الخيار العسكري الذي لا يأمل الجميع أن يتحوّل على المدى القريب إلى حرب أهلية أسوة بالتجربة اللبنانية التي أهدر فيها اللبنانيون وقتاً طويلاً في إشعالها قبل أن تخفت وتعود القوى اللبنانية مجدداً إلى طاولة الحوار.. لقد بدأ الوهن يصيب الجسم المؤسسي في اليمن تماماً كما أصاب المؤسسة اللبنانية خلال فترة الصراع والاحتراب .. تدخلت قوى إقليمية في المعادلة اليمنية مثلما تدخلت في الحالة اللبنانية قبل ذلك.. إن الخشية من أن يستحضر المعنيون بالأزمة والحرب في اليمن مشاهد الدمار في العراق وسورية وليبيا ويتناسون استحضار الحلول السلمية، الأمر الذي سيُلحق أفدح الضرر بالمواطن والوطن، خاصة وأن المقدرات والإمكانات اليمنية لا تسمح بتحمّل كلفة إطالة أمد الحرب، حيث ستبدو الصورة إذا ما استمرت هذه التداعيات مأساوية أكثر من الحالة الصومالية. والخلاصة فإن قراءة جوانب مشهد الاحتراب الراهن، سواءً من خلال القصف الخارجي، أو الاقتتال الداخلي هي أنه لا يختلف كثيراً في أدواته ومسبّباته وأبعاده وتحالفاته عما جرى قبل ذلك بكثير – ولا يزال – في التجربة اللبنانية، فما أشبه الليلة بالبارحه.! "الجمهورية"