الحرب. . هذه المفردة التي لا تعني في مفهومها البنيوي إلا التفكك والدمار ، وفي مفهومها الاجتماعي إلا التشرّد والضياع وتلاشي روابط الاجتماع وأواصر القربى ، وفي معناها الأخلاقي سوى السقوط في وحل الجريمة ، سقوط القيم والمبادئ والولاءات... وأيّ سقوط أكبر من السقوط في الحرب...؟! وفي معناها الاقتصادي ، على الفرد والأسرة – وكفى بهما هذا المعنى- سوى البطالة والموت جوعًا والافتقار. . افتقار الرضيع لحليب أمّه أو لحفنة من بودرة مصنّعة ، وافتقار غيره لما يسدّ الرمق... وفي معناها السياسي إلا الكذب والاحتيال واختلاق أسباب الصراع من أجل الذات وأطماعها والنفس وأهوائها ، وإن أدّت بملايين البشر إلى ذلك كلّه... أولئك الذين ليس لهم من جريرة سوى أنهم في كل زمان يطبقون يدًا وفمًا على الظلم والطغيان منذ ابتدائه ، إلى أن يتمادى الطغيان ويتعاظم ؛ فيصبحوا حطبًا لهذه المحرقة الكبيرة التي اسمُها من ثلاثة أحرف وملايين الوجع (الحرب). . الحرب... وماذا تعني في تأريخها إلا التوثيق لذلك السقوط كله ؛ ليصبح أحداثًا وصورًا شاهدةً على قبح من أشعلها وأجّج نارها ، فتلعنه الأرواح التي تزهق ظلمًا ، والدماءُ التي تسفك بلا ذنب ، وتصيب روحَه دعوات النساء الثكالى والأطفال اليتامى والجوعى والمشرّدون. .تلعنه الأجيال كما لعنت من قبله من الجبابرة والطغاة والظالمين. .ويلعنه التاريخ. ما أيسر على فرد أو حزب أو جماعة أو طائفة ، ائمتنتها أمّة على دمائها وأرواحها و وطنها ، أن تهدم – في لحظة لهوى في نفسها – كل مظاهر حياتها ، وأن تدمّر بغباء وغرور ، ساعة غضب لشيطانها ، حضارتها التي ظلت تبنيها من لبنات عَرقها ، وتنسج ثوب رقيّها من حرير فكرها وبدنها عقودًا من الزمن ، بل قرونًا من التاريخ. أيّها اليمنيون... كلّ كلمة في هذه السطور بمقالة ، وكلّ مقالة بسفر من المحبة. . فلتعودوا لمحبتكم ، وأعيدوا بناء أنفسكم ووطنكم بالحب والابتسامة... فالحرب كما قيل: أوّلُها كلامُ... الحرب تدمّر كلّ شيء... تُسيل دموع ودماء كلّ شيء... والمعارض لطرف منكم لن يدوم في معارضته ، والمؤيد لهوى الآخر لن يستمر في تأييده ؛ فدوام الحال ، كما علّمنا التاريخ والوقائع ، من المحال. فامسحوا الدموع عن المحزونين ، وطبّبوا جراح المجروحين ، وترحّموا على من فاضت أرواحُهم بسبب هذه الحرب التي أشعلتموها وأجّجتم نارها... وانهضوا من كبوتكم من جديد جسدًا واحدًا ، ولكن بقلوبٍ محبّة وأرواح متآلفة... تعايشوا كما تعايش آباؤكم وأجدادُكم عقودًا من الحب ، بل قرونًا من الحياة. . وإلا... وإلا... فلنمت جميعًا بكراهية...