يعلم الحوثي والمخلوع وبيئتهما ، مدى تمسك ابناء المحافظات التي يشنون حربهم عليها بالدولة وانتماءهم لها ، حتى وان كانت من الضعف الذي بدت عليه منذ العام 62 والى اليوم –باستثنأ فترة حكم الشهيد الحمدي رحمه الله. لاترجع هذه الحاجة لضعف الناس – كما قد يظن البعض- وبحثهم بالمقابل عن من يحميهم ، قدر ماهي نتاج لثقافة وطنية ومدنية، ووعي عام بضرورة وجودها بما تمثله في حياة المجتمع – اي مجتمع –من قوانين وانظمة ومواطنة ، وبما يقود في النهاية الى تنظيم علاقاته ومصالحه،صلب وظيفتها ومبرر وجودها . تصطدم هذه الحاجة مع موقف البيئة القبلية التي لاترى في حضور الدولة اكثر من اعاقة لطريقة تفكيرها ، وطبيعة ومضمون حياتها القائم على النهب والفيد وسرقة المال العام والعيش على جهد وعرق الغير. عقب رحيل الاتراك من اليمن العام 1918 ، بدء" ال حميد الدين" الذين تربعوا على كرسي الحكم والتجهيل بارسال الحملات العسكرية ، او ماعرفت بحملات الاخضاع الى مناطق تهامة وتعز واب ، تماهيا مع ثقافة الاستقواء والاستعلاء واستضعاف الغير المناطقي والمذهبي، بدلا عن البدء بصياغة اسس الدولة اليمنية الجديدة بأفاقها الوطنية. هذا بالضبط مايقوم به الحوثيين والمخلوع مع ذات المحافظات،بقيامهم بارسال حملات الاخضاع من خلال"مليشيات البراني" برغم وجود الجيش النظامي فيها ، مضافا اليها هذه المره محافظات الجنوب التي وجدت نفسها في مأزق وحدة اقصاء وضم الى محافظات "الشقاة" . حين خاض التحالف " الصالحوثي" عدوانه الطائفي والمناطقي على " الشقاة" كامتدادا لتاريخ طويل من عنجهية واستكبار حكام صنعاء ، لم يكونوا يتوقعوا – كما اشرت في مقالات سابقة – هذه البطولات التي اربكتهم وفاجأتهم في ان برغم فارق التسليح والتدريب ، مع الاخذ بالاعتبار ان الكلفة الكبيرة التي تدفعها هذه المحافظات هو ثمن لنتيجتان مهمتان : الاولى وصول المعتدي الى قناعة ان الجميع يجيد حمل السلاح وبالتالي لاداعي مستقبلا للرهان على مثل هذه " الهبالات" ، اما ثانيا فان جل هذه التضحيات يجب ان تقود الى فرض معادلات جديدة على انقاض ماساد طويلا من الظلم والتحقير المنطلق من ذهنية الغلبة التاريخية ، من خلال اعادة الاصطفاف على النحو الذي لايسمح باستمرار او اعادة انتاج هذا الواقع مرة اخرى . كأي امراض ، علينا اولا ان نعترف بحقيقة امراضنا كي يسهل العلاج ، خاصة بعد ان جرب الجميع جل مشاريعهم واستخدموا مختلف قواهم واساليبهم بما فيها غير المحترمة ، وضرورة وصولهم نتيجة لذلك الى قناعة واحدة ونتيجة مشتركة بحقيقة استحالة حكم البلاد بشكل منفرد ضمن اي دافع او مبرر ، وفي مقدمتها ادعاء الحق الالهي في الحكم الذي يقوده مايسمى ب" الهاشميين" . من هذا المنطلق يمكن تلخيص امراضنا ببساطة بالاتي: 1- وجود جيش غير وطني. 2- استمرار صنعاء عاصمة للبلاد . 3- المعمل التقليدي لانتاج الرؤساء. 4- استماتة البعض من اجل تجذير واقع " جمل يعصر وجمل يأكل عصار" ، كخلاصة لما سبق . بالنسبة للمرض الاول ، فقد جرى علاجه من خلال " روشتة" الفريق الطبي بمؤتمر الحوار الوطني، والذي اكد على ضرورة بناء جيش وطني من جميع محافظات الجمهورية ، وبحسب التعداد السكاني لكل منها. اما مايتعلقبصنعاء، فهذه المدينة وبما لايخفى على الجميع لم تعد صالحة لان تبقى عاصمة ، كونها محاطة بثقافة ماقبل الدولة ، بالجهل والقبائل المسلحة التي تعودت العيش على النهب والفيد والتقطع والفوضى واللادولة . عاصمة منتجة للنخيط وثقافة الشاص والجعبة والبندق والمرافقة والاستعلاء ، معمل لانتاجالغدر والفساد ونهب المال العاموتصدير الحروب، في مقابل محافظات " الشقاة" المنتجة للعلم والمعرفة والثقافة والانتماء للمهنة ودولة المواطنة. على هذا الاساس ، نحمل الرئيس هادي وحكومتة والاحزاب السياسية مسؤلية بقاء صنعاء عاصمة للبلاد ، حتى لانجد انفسنا مضطرين لبناء دولة بلا " ازال" .