في نهاية الحلقة الخامسة ، يضبط جمعان الحداد احد سكان الحي وهو يقفل باب جاره الجزار عياش ، وقد كان أهل الحي يشكون من ان شخصاً ما يلف مره أو مرتين في الاسبوع على بيوتهم ويقفلها من الخارج قبل ان تحين صلاة الفجر بحوالي ساعة وبذلك يمنع المؤذن بازقزوق من أذان الفجر ويمنع الرجال من أداء صلاة الفجر جماعة في مسجد الحي الصغير مسجد بايعشون. الحلقة السادسة المؤذن بازقزوق هند تشمئز من نظرات المؤذن بازقزوق الحيوانية نحوها فمنذ طفولتها كان لديها جسم متناسق جميل بخلاف وجهها الذكوري ونظراتها الشريرة . لقد تولد عندها شعور قوي بأن المؤذن رجل سيء لا يشبه المؤذن الذي تتخيله رجلاً وقوراً ملتحفاً بالبياض من رأسه حتى كاحليه . فهي لا تتوقع ان ترى مؤذناً تتدلى من فمه سيجارة كلما صادفته في بقالة الشارع ، علاوة على أنه مدمن قات بخلاف ابيها واصدقاء أبيها في عمره من أهل الحي الذين قد تخطوا الستين عاماً . بازقزوق يبتز اهل الحي بواسطة " المايكرفون" وبالذات يبتز اباها ، اغنى ساكن في الحي من بعد رحيل صالح بايعشون مع اسرته الى عدن تاركاً ابنته شمعه أم هند . وقد كان بايعشون رجل خير تاجر عسل مشهور وكان يهودياً هو الاخر فاسلم ومع اسلامه بنى مسجد الحي الذي عرف فيما بعد بمسجد بايعشون وبنى الى جواره منزلاً صغيراً خصصه للمؤذن وخادم المسجد ويرسل له من عدن مساعده في المناسبات عبر زوج ابنته الحاج مبارك أبو هند . فكلما اقترب الشهر من نهايته ، اي الاسبوع الاخير منه ، يقوم مهيوب بازقزوق بتحسيس اهل الحي بأنه محتاج الى مصاريف ، وذلك باستخدام المايكرفون حق المسجد قبل اذان الفجر ويقوم بتشغيل جهاز المسجل الذي اشتراه له الحاج مبارك مع بعض اشرطة القران الكريم ، بصوت عال لمده ساعة قبل صلاة الفجر حينها يعرف اهل الحي ان بازقزوق يرسل اليهم رسالة بأنه محتاج مصاريف ، فيتوجهون الى الحاج مبارك لحمايتهم من الازعاج الذي يفتعله المؤذن فيعطيه بعض المال حتى وان لم يكن الدور عليه ، فهناك جمعان الحداد وعياش الجزار الميسوران الوحيدان في الحي الى جانبه ، ويتناوب الثلاثة في اسكات مايكرفون المؤذن كلما شغل المسجل! هند ، بعكس اخواتها او البنات اللواتي في سنها ، كانت بنتاً فطنه وتدرك اموراً معيشيه اكثر من زميلاتها فكانت تدرك محنة ابيها ومحنة اهل الحي منذ ان تعين بازقزوق مؤذنا للحي –حي الشعب من قبل إدارة الاوقاف التي مكنته من البيت الصغير الملاصق للمسجد ليسكن مع امرأته الطيبة عائشة وتصغره بعشر سنوات على الاقل ويسكنه مجاناً فهو وقفْ من بايعشون ، أما فواتير الماء والكهرباء فتدفعها عنه الاوقاف وتدفع له راتباً شهرياً متواضعاً لا يزيد عن العشرة الف ريال مقابل خدمة المسجد والاذان . كانت الحجة عائشة محبوبة لدى جميع نساء الحي وكانت امرأة نشطة تنهض مع زوجها المؤذن فجراً وتشعل التنور / الموفى وهو عبارة عن فرن من طين في الحوش خلف بيتها الصغير تطبخ فيه الخبز البلدي المعروف ب" الدُهري" وتفرشه في سفرة دائرية متوسطة الحجم معموله من شجر الخيزران وتغطيه حتى يظل دافئاً الى ان تأتي نسوة الحي او اطفالهن لشراءه منها . وبذلك الدخل اليومي الضئيل كانت عائشة تساعد زوجها على تصريف امور معيشتهما فالراتب بالكاد يغطي مشترياته من السجائر والقات وفي احدى الليالي في الساعة الرابعة بعد منتصف ليله من ليالي اواخر شهر نيسان إبريل ، نزل بازقزوق من المأذنة بعد ان فتح صوت المقرئ الشيخ عبدالباسط عبدالصمد لتلاوة سورة "البقرة" ( لأذية الناس ) ودخل مسكنه واغلقه من الداخل واستلقى على فرشة لينال قسطاً من الراحة ؛ وفجأة توقف صوت الشيخ عبدالباسط فنهض ليعرف لماذا توقف ذلك الصوت فجأة ، وحاول الخروج من بيته إلا أنه كان مغلقاً من الخارج . وهو " يعارك" الباب ، صدح صوت ابو بكر سالم بلفقيه خارجاً من مسجل بازقزوق عبر مأذنة المسجد وبصوت أعلى من صوت المقرئ الشيخ. تجمدت يداه على مقبض الباب وهرعت زوجته عائشة لمساعدته ولكن دون جدوى فالباب من حديد ومغلقته الخارجية سميكة وطويله ولا يستطيع ان يصل اليها من الداخل ليسحبها فهي محكمة الاغلاق . فتح النافذه وبدأ يصرخ مستنجداً بجيرانه الذين كانت أبوابهم هم الاخرون مغلقه من الخارج . وتعالت أصوات الجيران مختلطة بأصوات وبكاء الاطفال المرتعبة من ذلك الصوت الجهور الذي يزيده سكون الليل ارتفاعاً وتزيده الأصوات المنبعثة من المزامير والدفوف والعود والطبول ازعاجاً وضجيجاً ورهُبه . الجيران من نوافذهم يصرخون ..... " لعنه الله عليك يابازقزوق يا منافق يا افاك ... ماذا فعلنا بك ، هل أنت سكران حتى تفتح اغاني وفي مكرفون المسجد يا كافر .... الخ من السباب والشتائم !! وفي تلك اللحظات يفقد بازقزوق صوابة ويبدأ بالبكاء صارخاً من نافذة بيته "اسعفوني أنا مش صاحب هذه المصيبة ..... الله يعلم من فعلها ...."