شكلت وقادت المملكة العربية السعودية تحالفا عربيا ، تدخل عسكريا في اليمن ، ضد مليشيات الحوثيين الانقلابية وحليفها المخلوع صالح ، وأعلن عن أهداف يرمي الوصول إليها ، أبرزها عودة السلطة الشرعية ؛ لممارسة مهامها ، وبسط سيطرتها على جميع الأراضي اليمنية ، وتسليم المليشيات الأسلحة المنهوبة ، والقضاء على القدرات العسكرية للانقلابيين ، التي تهدد بها السعودية ، وتمثل هذه الأهداف بانعكاساتها على الساحة اليمنية ، إذا ما تمكن التحالف من تحقيقها ، الشروط المناسبة التمهيدية ؛ لصنع استقرار مؤقت في اليمن على المدى القريب ، فاستمرار الحرب لما يقارب من أحد عشر شهرا ، وما أفرزته من آثار ، على المستوى العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي ، وتعقيدات الأوضاع الداخلية اليمنية ، يستوجب حاجة السعودية ؛ باعتبارها اللاعب الرئيس في المشهد اليمني ، سلبا أو إيجابا منذ فترة طويلة ، وقائدة التحالف العربي على الصعيد العسكري والسياسي ، أن تعيد تقييم الحرب ، بما يتسق مع أهداف التحالف في الاحتفاظ باليمن كبلد عربي ، ليس لإيران وأدواتها موطئ قدم فيه ، وطموحات اليمنيين في عودة الاستقرار لبلدهم المكلوم. أمام دول التحالف العربي في اليمن ، لاسيما السعودية ، جملة من القضايا غاية في الأهمية ، في مقدمتها إعادة بناء الدولة اليمنية ، بمؤسساتها الوطنية ، القادرة على الانطلاق باليمنيين نحو التنمية والأمن والاستقرار ، فاليمن شهد ربيعا عربيا لم يكتمل ، لكنه تمخض عن حوار وطني يمني خالص ، استمر من 18 مارس 2013م حتى 25 يناير 2014 م ، اتفق فيه اليمنيون على قضايا بناء الدولة الحديثة ، وأسس الحكم الرشيد ، وبناء الجيش والأمن بناء وطنيا ، وقدموا فيه معالجات لكل قضايا الصراع ، ذات البعد الوطني كقضية الجنوب وقضية صعدة ، لكنهم افتقروا للآليات والقدرات ، التي تنفذ على الأرض ما اتفقوا عليه ، إضافة إلى أن أطرافا شاركت في الحوار الوطني ، بأدوات ورؤى الماضي ، غير مؤمنة به ولامقتنعة بمخرجاته ، أغراها سوء إدارة السلطة الانتقالية ، واكتسابها شرعية تمثيلها في الحوار الوطني ، واحتفاظها بمراكز قواها ، على الانقلاب على المسار السياسي ، واغتصاب السلطة بقوة السلاح ، ومن ثم فإن رعاية وإشراف دول التحالف وبالدرجة الأولى السعودية ، على أي مسار سياسي قادم ، بعد أن تضع الحرب أوزارها ، سيكن أمامه تصورات وتفاهمات يمنية مسبقة ، إزاء كل مشكلات اليمن الداخلية ، يضاف إليها بعض الملفات ، الناجمة من تداعيات المواجهات العسكرية كإعادة الإعمار . ستبقى مخرجات الحوار الوطني حبرا على ورق ، ولن تجد طريقها للنور ، مالم يتوفر لها الحماية ، التي هي من مهام الجيش والأمن اليمني ، وهذا يضع التحالف أمام مهمة عاجلة وضرورية ، هي إعادة تشكيل قوات الجيش والأمن اليمنية ، بولاء وطني محض ، وغرس العقيدة العسكرية فيها ؛ لتتمحور حول الوطن والدولة ، وليس حول الأشخاص أو العصبوية القبلية أو المناطقية ، وهذا يدفع بالتحالف ، للقيام بمهمة عصرنة وتحديث مؤسسة الدفاع والأمن باحتراف ومهنية عالية ، يصاحب ذلك آليات وأدوات إشراف ومراقبة محكمة ودقيقة لسنوات طويلة ؛ لضمان عدم وجود قيادات أو وحدات دفاعية أو أمنية ، لاتلتزم بالعمل العسكري أو الأمني المنضبط بالدستور القانون . يلعب العامل الاقتصادي في اليمن ، دورا أساسيا في مشكلاته المختلفة والمتداخلة ، مما يحتم على التحالف العربي ، أن يقود في اليمن مشروع نهوض اقتصادي ، بمعية المشروع الوطني للدولة اليمنية ، وهو ما يعني القضاء على شبكات الفساد الناهبة للمال العام ، المسيطرة على الموارد العامة ، كمصدر من مصادر قوتها في صراعها مع الآخر ، واضعة لها في خدمة الفرد أو الحزب أو القبيلة ، ولن يتأتى ذلك إلا بإصلاح إداري ومالي ، يهيكل مؤسسات الدولة على أسس علمية ووطنية سليمة ، وبتفعيل دور القضاء وأجهزة الرقابة والمحاسبة ؛ لتقم بمحاسبة المقصرين ، والحد من استغلال الوظيفة العامة للكسب الغير المشروع . تتسم حرب التحالف العربي في اليمن ، باختلافها عن أي حرب إقليمية أخرى ، من حيث الأسباب والغايات ومسرح العمليات ، مما يستدعي اختلافا في معايير النصر والهزيمة لهذه الحرب ، ويجعل الوصول للنصر ، محاطا بجملة من المنحدرات والعقبات بالغة التعقيد، والذي إن تحقق سيواجه تحديات جمة ، أقلها استغلال استمرار التدهور الاقتصادي والأمني ، في تعبئة الرأي العام اليمني ضد السعودية ، وحلفائها في الداخل اليمني ، وسيجعل جل البائسين والمسحوقين من اليمنيين ، في خدمة أجندة حلفاء طهران في اليمن ، مما قد يؤدي مستقبلا لجولة صراع أخرى مع الرياض ، وإذا كان انضمام اليمن لمجلس التعاون الخليجي حلما يراود كثيرا من اليمنيين ، فهو في الوقت الراهن هدف جيواستراتيجي ، وثيق الصلة بالأمن القومي الخليجي بل والعربي ، حيث سيؤدي تأهيل اليمن اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا ، كدولة حديثة ضمن الكيان الخليجي ، إلى انتزاعه من دائرة النفوذ الإيراني ، وإلى انخراط اليمنيين في مشروع البناء والتنمية ، بدلا من استخدامهم وقودا للمشروع الإيراني في المنطقة ، لا لشيء سوى أن إخوانهم الخليجيين أداروا لهم ظهورهم .