من بوابة الملف الأمني.. إخوان اليمن يحاولون إعادة الصراع إلى شبوة    النعي المهيب..    الذهب يهبط إلى أدنى مستوى في 4 أسابيع    الشيخ الزنداني يروي قصة أول تنظيم إسلامي بعد ثورة 26سبتمبر وجهوده العجيبة، وكيف تم حظره بقرار روسي؟!    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    متهم بجريمة قتل يسلم نفسه للأجهزة الأمنية جنوبي اليمن    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    رسالة تهديد حوثية صريحة للسعودية .. وتلويح بفشل المفاوضات    هربت من اليمن وفحصت في فرنسا.. بيع قطعة أثرية يمنية نادرة في الخارج وسط تجاهل حكومي    توحيد إدارة البنك المركزي في صنعاء وعدن.. خبير مصرفي يكشف عن حل مناسب لإنهاء الأزمة النقدية في اليمن    الذكرى 51 لجريمة قتل الدبلوماسيين الجنوبيين بتفجير طائرتهم في حضرموت    زيود الهضبة يعملون على التوطين في مأرب وسط ويحابون كوادرها المحلية    برفقة حفيد أسطورة الملاكمة "محمد علي كلاي".. "لورين ماك" يعتنق الإسلام ويؤدي مناسك العمرة ويطلق دوري الرابطة في السعودية    وزير الدفاع يؤكد رفع مستوى التنسيق والتعاون بين مختلف الوحدات والتشكيلات العسكرية لهزيمة الحوثيين    جماعة الحوثي تفاجأ سكان صنعاء بهذا القرار الغير مسبوق والصادم !    التعادل يحسم قمة البايرن ضد الريال فى دورى أبطال أوروبا    حزامٌ ذهبيٌّ يُثيرُ جنونَ لصٍّ: شرطةُ سيئون تُلقي القبضَ عليهِ بتهمةِ السرقةِ!    نجل الزنداني يوجه رسالة شكر لهؤلاء عقب أيام من وفاة والده    روما يسعى لتمديد إعارة لوكاكو    الحوثيون يتلقون ضربة موجعة بعد رسالة قوية من الحكومة اليمنية والقضاء    السفير السعودي يبحث مع بعثة الاتحاد الأوروبي "خارطة الطريق" ومستجدات الأزمة اليمنية    "لا تلبي تطلعات الشعب الجنوبي"...قيادي بالانتقالي يعلق على رفض مخرجات لقاء الأحزاب    شاهد...عمار العزكي يُبهر جمهوره بأغنية "العدني المليح"    انقلاب مفاجئ.. الانتقالي يوجه ضربة قوية للشرعية ويهدد بالحرب بعد يوم تاريخي في عدن.. ماذا يحدث؟    أول تحرك يقوم به أبو زرعة في عدن بعد وصول العليمي مأرب    كأس خادم الحرمين الشريفين ... الهلال المنقوص يتخطى الاتحاد في معركة نارية    دوري ابطال اوروبا: الريال يتجاوز جحيم الاليانز ارينا ويفرض التعادل امام البايرن    توجيهات واحصائية".. اكثر من 40 ألف إصابة بالسرطان في اليمن و7 محافظات الاكثر تضررا    وزير المالية يصدر عدة قرارات تعيين لمدراء الإدارات المالية والحسابات بالمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي    الوزير الزعوري يهنئ العمال بعيدهم العالمي الأول من مايو    بالفيديو.. عالم آثار مصري: لم نعثر على أي دليل علمي يشير إلى تواجد الأنبياء موسى وإبراهيم ويوسف في مصر    برشلونة يستعيد التوازن ويتقدم للمركز الثاني بفوزه على فالنسيا برباعية    تراجع أسعار الذهب إلى 2320.54 دولار للأوقية    اختتام برنامج إعداد الخطة التشغيلية للقيادات الادارية في «كاك بنك»    بيان الرياض يدعو الى اتخاذ خطوات ملموسة لحل الدولتين وإيقاف فوري لإطلاق النار في غزة    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    البكري يجتمع ب "اللجنة الوزارية" المكلفة بحل مشكلة أندية عدن واتحاد القدم    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    ماذا لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد قادة إسرائيل؟    يجب طردهم من ألمانيا إلى بلدانهم الإسلامية لإقامة دولة خلافتهم    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    استشهاد وإصابة أكثر من 100 فلسطيني بمجازر جديدة للاحتلال وسط غزة    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    بنوك هائل سعيد والكريمي والتجاري يرفضون الانتقال من صنعاء إلى عدن    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هويّتنا المقتولة
نشر في التغيير يوم 30 - 01 - 2017

لم تعد تعز تعزاً ولا حلب حلباً، لقد تغيّر شكل المدينتين. الموصل كذلك لم تعد تلك التي نعرفها ونعشقها. بن غازي هي الأخرى تبدّل وجهها وتوارى رونقها. الشام ما عادت شاماً واليمن لم يعد يمناً. تلك الحُلّة القديمة تلاشت تحت أفواه البنادق وبين الدخان، وولد شكلاً مخيفاً من الخراب، الذي بدوره سينجب نمطاً آخر من المعمار والحياة. فمعمارنا الذي يمثّلُ تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، قارب على الاندثار، وهنا تكمن المصيبة والمشكلة. إذ إنه لو لم يكن للحروب والصراعات سوى هذه الفاجعة؛ لحقّت عليها اللعنة الأبدية بكل اللغات.
بأي وجه ستبدو تعز يا ترى، وكيف سيصبح وجه حلب الجديد، إذا ما افترضنا انتهاء الحرب وتصالح الأخوة الأعداء؟ حتماً ستظهران بحلّة جديدة لا تشبهنا، كما حصل مع بيروت، تلك المدينة العتيقة، التي دمّرتها الحرب الأهلية على امتداد خمسة عشر عاماً، لتظهر اليوم ك عرائس "الباربي" جسداً بلا روح. لقد اغتالت الحرب روحها ورونقها، فمهما بدت اليوم أنيقة، إلا أنها لم تعد تلك الحُلّة الساحرة.
حينما يُتيّم المرء بتراثه وحضارته، فإنه بلا شك يكون بارّاً بمن سبقوه وتركوا له الإرث. وما أجمل أن نعشق تلك الأبواب الخشبية، النوافذ الصغيرة، الدهاليز المستطيلة،الخزانات في كبد الغرف، السلالم المرصّعة بمطرقة الخِبرة، تزاحم الجدران، الأضواء، الشمسيات، والأمكنة! تلك العتبات التي تبدو ك"تيجان العرائس"، نرى من خلالها ضحكة الفجر، وابتسامة البدر. تلك الأحجار المتراصّة والمترابطة كصلات وروابط من بنوها وشيّدوا أركانها، كل شيء فيها ينبئنا بأن الإنسان القديم لم يكن مجرّد إنسان عابر، بل أسطورة شيّد الجمال والخيال، وجعله واقعاً مُعاشاً، أو بالأحرى عمَّر الأرض كما أراد الله.
ذلك المعمار الزاخر في صنعاء القديمة، في القدس، في حلب الشهباء، في بعلبك، في بغداد، في دمشق، في محمد خليلي، في غدامس، وفي غيرها من المدن التاريخية. ترى في كل حجرٍ فيه نبوءة، وتشاهد الف معجزة، كأنك تعيش في مدينة مقدّسة، ينزل عليها الوحي كل مساء، وتهبط فيها الملائكة.
أيُّ لعنةٍ هذه التي ستجعلنا نعيش عُراة بين الزجاج ووسط المرايا، بدلاً من الدفء والسكينة خلف حجر المرمر والرخام أو الطين الحضرمي؟ أيُّ حظٍ عاثرٍ هذا الذي سيرفعنا سريعاً بمصعدٍ كهربائي، ليعيدنا بنفس السرعة إلى نفس المطرح ونفس الرقعة، لنظلّ كما نحن بلا ارتقاء،بلا علوٍ، بلا سمو، وإنما صعوداً وهبوطاً كأسعار البورصة في "ناسداك"!
ذلك الإنسان القديم، كانت عيناه تتحسسان جمال الفن المعماري، تخاطبان الحجر، تتذوقان لذة رؤية الشمس وهي تتمايل بين الجدران والشرفات، وتتواصلان مع الظلال المنسدلة على واجهات المباني. حينما يستهلّ صباحه، يبدأه بكلمات فلكلورية مدهشة، يخاطب الحجر، ويعانق الأرض، ويمتزج مع النقوش؛ وكأنه خُلق هو والحجر من رحمٍ واحدة.
لم يكن مجرّد معمار مغمور بفن العمارة، ولا مهندس مهووس بتفاصيل البناء وجودة التصميم. لم يكن تقليدياً أو كلاسيكياً قابعاً في جوف خزانة خرافية، ولا هاوي بنايات أو ناطحات سحب، لقد كان طيراً يُحلّق من علوٍّ مرتفع، ليصف لنا، من خلال إبداعه وتصاميمه، ما لا نستطيع أن نراه أو نشاهده في نظرتنا القاصرة.
إن القيمة الجمالية التي صاحبت الإنسان القديم، هي في جمال روحه قبل أن تكون في جمال معماره. فكلّما كانت روحه جميلة وإيجابية بدا تراثه أجمل وأروع، ما جعلنا نرى هذا التراث بعين الرغبة والمحبة والتفاخر والرضى، لكن الأرواح الناشئة على هلع الحداثة، وطمع اللحظة، لا ترى هذا التراث الكلاسيكي، ولا تستمتع بروعته مهما كان فاتناً، لذلك نراها لا تأبه بهذا الخراب، ولا تستشعر خطورته على تكويننا وشخصيّتنا العربية.
أما القيمة التاريخية فهي مصدر الذاكرة الجماعية، ولُحمة المجتمعات. إنها جليّة وواضحة، ويمكننا رؤيتها بصورتها رباعية الأبعاد، كلّ ما علينا فقط أن نزور الأماكن العتيقة، لنشعرَ بالألفة والوئام، في حين تتجلّى القيمة المعمارية بتواصلنا مع المكنونات الحسية واللا حسية للمعمار، وتفاعلنا عاطفياً مع ما نحمل من مشاعر تجاه بعضنا. إنها علاقة الإنسان بالمكان، التي لا يمحوها الزمان، وإنما تلغيها الثقافات المعمارية المستوردة، التي تجعلنا نعيش غرباء مع ذواتنا.
للمعمار أيضاً قيمة اجتماعية مرتبطة بمسألة الجماعة التي تسكن هذا الجزء التاريخي أو ذاك، فعلاقة الإنسان بسكنه علاقة حميمية ترتبط بالذاكرة، لأننا لا نبني لنشاهد ما نبني، وإنما لنعيش فيه، لذلك تربطنا هذه العلاقة الحميمة. وتبقى القيمة الرمزية قيمة انتماء، قيمة هوية، قيمة تعلّق بالأمكنة، وقيمة تميّز، في حين تظل القيمة الاقتصادية واردة ولكن بنسبة دنيا. أمّا القيمة التعليمية فهي حاضرة بكل قوّة في قرانا ومدننا، وينبغي أن تكون مصدر إلهامنا.
أتذكّر، وأنا طفل، حينما كان السيّاح الأجانب يأتون إلى قريتنا "بيت الأشول" كيف كانوا يشعرون بالتصالح مع أنفسهم ومع بعضهم، وكأنّهم وجدوا ضالتهم بعد طول عناء. كانوا يلتقطون الصور مع الأحجار والأسوار والأقمشة، كانوا يصافحون الشيوخ ويعتبرونهم ملائكة. كانوا يصفونهم بنجوم السماء، كل ذلك لأنهم كانوا يشعرون بتناغم البشر مع الحجر، حتى الوجوه والواجهات، كان لها بريق متشابه حينما كانت العلاقة متينة بين المِعمار والعمَّار.
لا أخفيكم بأن "دار الرجبات"، أحد دور قريتنا القديمة، يلتفت إليَّ مُبتسماً كلّما نظرتُ إليه، وكأنه يختزل بين ثنايا أحجاره كنزاً من الصفات الحميدة التي توارثها ممّن سكنوه. أما حين أنظر إليه نظرة مودّع وأنا مغادرٌ القرية، أستشعر عظمة نظرته وقوّتها، وكأنه يقول لي: "كن أينما أنت كما أنت هنا وكما عهدناك، فأنت سفيرنا في الغياب"، وعندما أعود، أراه من بعيد شامخاً فينتابني الفخر به، وهو بي يفتخر، ويستقبلني كالفاتحين.
نقلا عن صحيفة "النهار"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.