أزقة المدينة القديمة * مشهد عام للمدينة * جدران المنازل القديمة مواضيع ذات صلة لا يمكن الكلام عن مدينة دلس الجزائرية (95 كلم شرقي العاصمة) دون الخوص في تفاصيل قصبتها الأثرية العتيقة المحافظة على تشامخها، وتمزج قصبة دلس بصدرها الصامد الصامت، بين نكهة الهندسة التركية وسحر الخليج الهادر لتستنطق موروثا من رماد الرومان والأتراك والأندلس والفرنسيين. الجزائر: في جولة قادت مندوب إيلاف إلى هذه "الجيثارة" الزاهية أبدا المنسابة عبر الأزقة، حضرت ذكرى محمّلة بصور وأسماء وأصوات وكلمات، على عتبات قصبة دلس، رحنا نتشمم عطورها الفريدة، ونطرح أسئلة من كواليس الماضي بلغة الحاضر. هذه المدينة القديمة المشيّدة في القرن السادس عشر والتي تبلغ مساحتها 17 هكتارا، تتموقع جغرافيا كمثلث غير متساوي الأضلاع، وتتمتع بجمال لا يزال ظله ماثلا، في صورة منارة بن قوت الشهيرة بمسمى "برج الفنار" وهو متحف بحري تاريخي من طراز رفيع يصارع عاديات الزمن، ويشد إليه الأنظار من كل الاتجاهات. وببياض ظاهر بنصاعة لون الجير، تتلألأ عذرية قصبة دلس وسط أسوار عالية مختمرة ذات فيء و"دويرات" موريسكية الطابع متعامدة الأقواس والأعمدة خلف بقايا حصون صنعت أمجادها وأضحت اليوم أطلالا. وتترأى المنارة كتاج يرصّع منطقة "البساتين" الفاتنة، وهي الأعلى والأكثر ولوجا في البحر، يحدها المرفئ شرقا والقلعة القديمة غربا، بيد أنّ هذه البناية البحرية الإسلامية المعمار، مهددة بخطر الانهيار جراء التصدعات الشديدة التي تعرضت لها، ما تسبّب في تآكل الدعائم التي أضحت آيلة للسقوط في أي وقت. تشير "ياسمينة شايد سعودي" المتخصصة في مرحلة ما قبل التاريخ، إلى أنّ قصبة دلس تشكّل نموذجا حضريا للمدائن القديمة في الجزائر، فضلا عن استجماعها أسوار الفينيقيين والرومان ورياض الأندلسيين وشرفات العثمانيين وباحات المتوسطيين وزخم الأمازيغيين. بدوره، يبرز العم أحسن أنّ هذا الصرح الراقي عمره 132 سنة، حيث جرى تشييده سنة 1881، وتحمل المنارة الرخامية اسم مصممها "بن قوت"، يبلغ علوها 25 مترا ويصل مدى أشعة مصباحها الضخم إلى زهاء 95 كيلومترا، ويمكن رؤية أنواره من مرتفعات تصل إلى حدود المائة كيلومتر، كما يبعث المصباح المذكور الذي يوجد ببرج المنارة بقوة 6000 واط، بسلسلة ومضات ضوئية إلى السفن البعيدة بدون انقطاع، كما يمتلك البرج عدسة شبكية عاكسة وجهاز تحديد اتجاهات الرياح وأخرى لحماية البرج من الصواعق. زلزال وتراجعات بألم عميق، يشير "محمد العلاق" رئيس جمعية "قصبة دلس" إلى معاناة الأخيرة قدرا غير قليل من الإهمال والنسيان، ما يفسّر استبدال أسقف المنازل القرميدية الصفراء بأكوام من الصفائح المتماوجة، إثر الذي حدث في زلزال 21 آيار(مايو) 2003 المدمّر، ما سلب قصبة دلس كثيرا من جمالها الأصلي، بفعل تضرر رموزها المعمارية الجوهرية التي ظلت مصنّفة كتراث وطني، إلى تدهور عصف بقيمة مباني ضاربة في عصور غابرة من التاريخ. كما يأسف العلاق للامبالاة المعنيين بآثار لا تقل أهمية مثل مساجد سيدي براهيم وسيدي مهدي وسيدي منصور و سيدي حرفي ولالة مطوبة، إضافة إلى الفرن الروماني والجدار الكبير. يشير "مجيد قادوش" أحد أصلاء دلس أنّ زوار قصبة دلس يتفاجئون اليوم بتحول معلم نفيس بهذه القيمة إلى مجرد أطلال، ولم تكن لخطط الترميم المتسارعة خلال العشر سنوات الأخيرة لتحول دون استمرار نزيف يهدد بتهشيم صرح ظلّ يُضرب به المثل في البهاء. كما باتت قصبة دلس ضحية لعمليات سرقة الحجارة و القرميد الأصلي ووكرا للمنحرفين بفعل تركها "ورشة مهملة"، ويستهجن أبناء قصبة دلس ما نعتوه "الاعتداء" جراء الترميم الذي لم يلق بالا لروح وخواص المكان، دونما تفعيل لمهارات الخبراء المعماريين والمؤرخين وعلماء الآثار، ما يستدعي إعادة الإعتبار.