يحدث في اليمن، إذا ما انتقدت حزب الإصلاح، أن تصطدم بمفسبك، أو مغرد جاهل، وحتى اكاديمي، منتم لهذا الحزب، يصنفك "مؤتمرياً"، نسبة إلى حزب المؤتمر الشعبي العام. وهكذا، ستظل محاصراً بين فكي الحزبين دواليك. إذا ما أنتقدتهما، فأنت في نظر أحدهم تنتمي للآخر، مصكوكاً ب"خيانة الوطن"، أباً عن جد. لكن ماذا لو أنتقدت كليهما، فالطبع، أنت "حوثياً"، إن لم تكن رافضياً، أو طابوراً خامساً؟! وأحياناً، تصل بهم الصفاقة إلى إتهامك بالعمالة لجهات أجنبية، وليس هناك أفظع ترويعاً، من اتهامك بالإرتباط ب"الموساد" الاسرائيلي، في واحدة من عجائب التهم المثيرة للفكاهة، والمحزنة في آن. هذا هو اليمن، الذي لايزال بقبضة ثلاثة مراكز قوى زيدية، تمكنت بامكانات شعب، من تحجيم لأدوار القوى الوطنية، والتي كل ماجاهرت برفضها الاستبداد، في محاولة منها لإنقاذ البلد، سبقتها قوى الانتهازية الزيدية؛ إلى الساحات بشعارات حرصها على الوطن، ومستقبله. ولنا في الماضي القريب، عبرة، عندما خرج الثوار السلميون، إلى الساحات، في العام 2011، ركب حزب الإصلاح، بحناحيه العسكري، والقبلي، الموجه، بداعي حمايتهم من بطش النظام السابق، وحرَّف الثورة عن مسارها، وأصبح مذاك، يقدم نفسه "حامي الحمى" لثورة لم تحقق أي انتصار سوى إسقاط المخلوع علي عبدالله صالح ( عفاش) وترحيله إلى مزبلة التاريخ. يقول الكاتب والصحافي اليساري اليمني، عبدالسميع شريح "الصراع ليس بين الشعب - شمالاً وجنوباً - كما يحاول تصويره بعض السفلة العبيد. بل بين الشعب، شماله وجنوبه من جهة، وقوى الاستبداد والاستكبار القبلي السلالي الطائفي في الهضبة، وجماعات الإرهاب الديني التابعة لها : سنة وشيعة". هذه القوى، بعينها، لاتزال تحاصرنا قتلاً وتدميراً، بعد أن فشلت في إنقاذ الوطن من كوارث متلاحقة، هي من جلبتها لليمن أصلاً، وهي من تخوض اليوم، منذ أربع سنوات حروباً، ضد نفسها، بنفسها، وقد تصدمون من مواقفها المعادية للشرعية، جملة وتفصيلا. إذا ما عدنا لماضي المخلوع صالح، الأسود، فهو من فتح الباب على مصراعيه للإنقلاب على اليمن الجمهوري، منذ صعوده كرسي السلطة، فتحالف مع الإخوان المسلمين، الذين باركوا صعوده كرسي السلطة، تحالف اختزل بعبارة شهيرة، "أنت رئيسي وأنا شيخك"، أطلقها رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، وشيخ مشائخ اليمن، الراحل عبدالله بن حسين الأحمر . مايؤكد زيف إدعاء الحزب، انتصاره للوطن، الخالي تاريخه، من أي تنازلات وطنية، أسوة بالأحزاب الدينية العربية، والتي رغم ماتحمله من مساوىء كثيرة، إلاَّ أنَّها ناضلت بصدق الإنتماء للعمل الحزبي. "إخوان مصر" لم يكونوا يوماً منسجمين مع النظام، ولم يساوموا على مواقفهم المبدئية، رغم الظروف والملاحقات التي طالتهم، من قبل أنظمة الحكم المصرية، على مدى ستة عقود، أو يزيد. لكن "إخوان اليمن" فتَّحنا عيوننا وهم في عقر دار ( الحاكم)، فتقاسموا معه السلطة، والثروة، وحاربوا معه في الجنوب، والشمال، والوسط، وناضلوا من أجل أن يبقى علي عبد الله صالح، رئيساً مدى الحياة، وهلم جراً من هذه الفضائح، لحزبين ظلا يمثلان رأس هرمي نظام عفاشي، لم يعد خافياً ممارسات أجهزته القذرة، تفريخها لأكثر من حزب، وخصوصاً "أحزاب اليسار"- إلا حزب الإصلاح- إذ ظل، ولايزال، متربعاً على خيرات البلد. تقول عبارة لمجهول "ولد الإصلاح من ضلع صالح الأعوج"، فهل الإصلاح الإخواني، ضلعاً عفاشياً؟ أجل. ولو لم يكن نظاماً سابقاً، لما قال الجنرال العجوز علي محسن الأحمر، نائب رئيس الجمهورية، ذات حوار صحافي شهير في العام2012، "كنت الرجل الأول في عهد صالح وليس الثاني". مايُعزز هذا الاعتراف، بأن حزبه كان الجناح الآخر للسلطة، بالفعل، هذا فضلاً عن أن "الأحمر" وبقية قيادات حزبه العليا، ظلت أدوات للمملكة السعودية، في اليمن، تتآمر على مكتسبات الحركات الوطنية، ولاتزال عدواً للتغيير، إلى هذه اللحظة. وليس مستبعداً إشهار براءتها يوماً، من 11 فبراير العظيم. "مغفل أصلاً"، من يعتقد بأن هناك حرباً ندِّية، إذ أن الحقيقة تتجلى في ثلاثة مراكز قوى زيدية، هي من تشن الحرب على البلد، انتقاماً من القوى الوطنية، التي آمنت بالتغيير، وب"ثورة ربيع 2011". لايمكننا أن نعتبر سقوط المئات من محاربي الإصلاح، دليلاً على وطنيته، وانتمائه لتراب الوطن، بل لإيهام الشعب بأنه يقاوم طرفي الانقلاب ( الحوثي/ أجنحة عفاش). هذه الدماء والأرواح، والتي لايمكن في هذا السياق، أن نصادر عنها صفة ال"شهداء"، باتت القيادات الإخوانية الهرمية للحزب، تستثمر تضحياتها، عبر تقديم نفسها إلى الرأي العام اليمني، والعالمي، طرفاً مقاوماً لجماعة الحوثي الانقلابية، فتخدع الأطراف الممولة للحرب، بالدفع بالمئات من مقاتليها، وقوداً لحرب عبثية، على نحو يخدم مصالحها الشيطانية، وليس الوطن، كما تتوهم أغلب قواعد وأعضاء حزب الإصلاح، ومناصريه، المرتهنون لهذه القوى الظلامية. نتحدى كافة قواعد وأعضاء حزبي المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح، المنتمية جغرافياً إلى محافظة تعز، وبقية المحافظات، أن تثبت بالدليل القاطع، إقامتها لنشاطات حزبية، وتنظيم مظاهرات، وماشابه ذلك، من دون موافقة القيادات العليا للحزبين. المنطق يقول إنه خلال 29 عاماً، ظلا حزبي المؤتمر الشعبي العام، والتجمع اليمني للإصلاح، يتحكمان في السلطة والثروة، والوظيفة العامة، ولم يقدمان للوطن أي تنازلات، في سبيل الإرتقاء به، في إطار برامج حزبي، قائم على التنافس الديمقراطي، المعمول به، في بقية الدول المنفتحة على الحريات الحزبية الحقيقية. وبالتالي، كيف يمكن للشعب اليمني، أن يطمئن لحزبا المؤتمر، والإصلاح، في العلو بالبلد مستقبلاً، وهما لم يخلصان له، طوال مسيرتهما الماضية؟.