حضت منظمة العفو الدولية سلطات المملكة العربية السعودية على فتح تحقيق فيما ورد عن مقتل سبعة مدنيين نتيجة غارة جوية شنتها الطائرات السعودية في إقليم صعدة اليمني ، في حين حظت اليمن على التحقيق في عمليات التعذيب على أراضيه . " حيث ألقت طائرات سلاح الجو السعودي ثلاث قنابل على منزل لعائلة تسكن في محيط مذاب يوم الإثنين، فيما يحتمل أن يكون هجوماً متعمداً. ومن غير الواضح ما إذا كان هناك مقاتلون مسلحون في المنزل أو في جواره في وقت الهجوم. ولقي ثلاثة أطفال وأربع نساء من عائلة عامر حتفهم، حسبما ذُكر، جراء القصف، الذي أصيب نتيجته ما لا يقل عن تسعة مدنيين آخرين بجروح. وكان القتال الدائر بين الحكومة اليمنية وأنصار الإمام الشيعي الراحل حسين الحوثي قد امتد إلى أراضي المملكة العربية السعودية في نوفمبر/تشرين الثاني، ما أدى إلى انخراط القوات المسلحة السعودية على نحو مباشر في الأعمال القتالية ضد المتمردين اليمنيين. وتعليقاً على مقتل المدنيين، قال مالكوم سمارت، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: "يبدو أن منزل عائلة عامر قد استهدف بصورة متعمدة من جانب سلاح الجو السعودي، حيث جرى قصفه ثلاث مرات متتالية خلال فترة وجيزة. "وفي غياب المعلومات التي تشير إلى أن متمردين حوثيين مسلحين كانوا في المنزل أو في محيطه، فإن لدى منظمة العفو الدولية بواعث قلق خطيرة من أن المدنيين يمكن أن يكونوا قد استهدفوا على نحو مباشر." وحضت منظمة العفو الدولية وزير الدفاع السعودي، الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود، على اتخاذ جميع الخطوات الممكنة لضمان حماية المدنيين الذي وقعوا في شراك النزاع المسلح في صعدة. وقال مالكوم سمارت: "لقد طلبنا من حكومة المملكة العربية السعودية إبلاغنا بالخطوات التي تتخذها سواء للتحقيق في ما نقلته الأنباء عن هذه الحادثة، أو بصورة عامة لضمان توفير كل حماية ممكنة للمدنيين الذين وجدوا أنفسهم في أتون النزاع المسلح في المنطقة، سواء داخل الأراضي اليمنية أو على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية". أما الأطفال الثلاثة الذين قتلوا في الهجوم، حسبما ورد، فهم حسين عامر منذر عامر، وأمين مثنى عامر، وحسين هادي عبد الله عامر. وبالإضافة إلى الأطفال الثلاثة، لقيت أربع نساء من العائلة نفسها – هن نشرة هادي زايد، وفاطمة مثنى عامر ، ورامية علي مثنى عامر ، وهندة مثنى عامر – مصرعهن جراء الانفجارات الثلاثة الناجمة عن قصف المنزل في مديرية العمّار في صعدة. وقد اندلع النزاع المسلح في إقليم صعدة اليمني ابتداء في 2004 واستمر على نحو متقطع منذ ذلك الوقت. واشتد وطيسه على نطاق واسع منذ أغسطس/آب الماضي، ما أدى إلى التهجير القسري لآلاف الأشخاص من سكان الإقليم ذي الأغلبية الشيعية، بينما لقي عشرات، وربما مئات، الأشخاص حتفهم جراء احتدام المواجهات. كما حضت المنظمة الدولية الحكومة اليمنية على أن تعلن على الملأ التزامها بتنفيذ التوصيات الصادرة في الأسبوع الماضي عن لجنة الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب، وذلك في أعقاب عدم ظهورها في وقت سابق من الشهر الحالي أمام اللجنة، التي تفحصت سجل اليمن في مضمار التعذيب ووصفت ما يحدث في اليمن بأنه "ممارسة للتعذيب والمعاملة السيئة على نطاق واسع". وقد أصدرت لجنة مناهضة التعذيب في 20 نوفمبر/تشرين الثاني استخلاصاتها وتوصياتها المؤقتة بشأن التقرير الدوري الثاني لليمن والمتعلق بتنفيذ "اتفاقية الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة". وكانت قد انتهت من تفحص التقرير في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، ولكن الحكومة اليمنية، وفي تطور غير عادي، لم تحضر الجلسة. ولدى السلطات اليمنية الآن فرصة للرد على الاستخلاصات والتوصيات قبل أن تعقد اللجنة دورتها التالية في أبريل/نيسان ومايو/أيار 2010 المقبلين. وتدعو منظمة العفو الدولية السلطات اليمنية ليس فحسب إلى حضور الاجتماع المقبل وإنما إلى تنفيذ التوصيات المهمة الصادرة عن اللجنة، والداعية إلى أن "تعلن سياسة تلتزم باستئصال شأفة التعذيب وسوء المعاملة". فمن شأن ذلك أن يساعد على تبيان أن لدى السلطات نية – تحوم حولها الشكوك في الوقت الراهن – بأن تتعامل مع أحد المجالات الأكثر إثارة لبواعث القلق بشأن حقوق الإنسان في البلاد. وقد بات من المعروف أن التعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة ممارسة متفشية في اليمن على نطاق واسع، وترتكب عموماً، دون أن يلقى مرتكبوها العقاب، ضد المعتقلين ممن يحتجزون على خلفية سياسية أو يشاركون في أعمال احتجاجية، وكذلك ضد من يشتبه في أنهم قد ارتكبوا جرائم عادية. وتشمل أساليب التعذيب، حسبما ورد، الضرب على جميع أنحاء الجسم بالعصي وبأعقاب البنادق، واللكم والركل والتعليق لفترات طويلة من المعصمين والكاحلين، والحرق بالسجائر، والتعرية الكاملة، والحرمان من الطعام ومن تلقي المساعدة الطبية، وكذلك التهديد بالإساءة الجنسية. وكثيراً ما يستخدم التعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة كوسيلة لانتزاع "الاعترافات" أثناء التحقيق. وتقبل المحاكم مثل هذه "الاعترافات" دون إجراء تحقيق كاف في مدى صدقيتها، هذا إن كان هناك تحقيق. ويتم هذا خلافاً للضمانات والأحكام التي ينص عليها قانون الإجراءات الجزائية، الذي يحظر قبول مثل هذه الأدلة. ويمارس التعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة في معظم الأحوال في الفترة الأولى من الاحتجاز لدى قوات الأمن، حيث يمنع المعتقلون في العادة من الاتصال بمحام أو بعائلاتهم. وبحسب ما لاحظته اللجنة بقلق، ما برحت العقوبات الجزائية التي تنتهك الحظر المطلق المفروض على التعذيب وعلى غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، "كالجلد والضرب، وحتى بتر الأطراف، تصدر عن المحاكم كعقوبات بموجب القانون وتمارس عملياً" في اليمن. وفضلاً عن ذلك، ما انفكت منظمة العفو الدولية تتلقى تقارير تفيد بأن سلطات السجون تلجأ إلى التعذيب وإلى غيره من صنوف سوء المعاملة كشكل من أشكال العقوبة غير القضائية ضد المعتقلين السياسيين. فقد تعرض عشرات المعتقلين ممن قبض عليهم في مايو/أيار 2009 في أعقاب الاحتجاجات السلمية الداعية إلى الإفراج عن سجناء سياسيين أودعوا السجن لصلتهم "بالحراك الجنوبي"، وهو ائتلاف من الجماعات السياسية ترى الحكومة اليمنية فيه دعوة إلى استقلال جنوباليمن، للتعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة منذ احتجازهم في سجن المكلا المركزي، في جنوب شرق اليمن. إذ تعرض سبعة رجال اشتبه في أنهم قد قادوا مظاهرات الاحتجاج، بمن فيهم سالم علي باشويه، لتكبيل أيديهم وتقييدهم من كواحلهم بالسلاسل وتعليقهم بقضبان مثبتة في سقف وجدران الزنازين غير لساعات. وعُرِّض آخرون للغازات المسيلة للدموع، حسبما ذُكر، وأخضعوا من ثم للضرب بالعصي وللكم والركل بغرض إيقافهم عن إطلاق هتافات تطالب باستقلال جنوب البلاد، وبفك أسرهم من السجن. وكما جاء في توصيف لجنة مناهضة التعذيب، فإن مما يسهِّل التعذيب وغيره من صنوف سوء المعاملة ما تحدثت عنه من "ممارسة واسعة النطاق للاعتقالات الجماعية دون مذكرات توقيف والاعتقال التعسفي والمطول دون توجيه الاتهام للمحتجزين أو التقيد بأية إجراءات قضائية". وبحسب خبرة منظمة العفو الدولية، لا يسمح للمعتقلين في العادة بإخطار الأقارب أو محام بمكان الاعتقال، رغم أن قانون الإجراءات الجزائية ينص على منحهم هذا الحق "فوراً". وفي بعض الحالات، تنكر السلطات لأسابيع احتجازها للمعتقلين في ردها على طلبات عائلاتهم إعطاءها معلومات عن أماكن وجودهم. ومثل هذه الحالات تشكل عمليات إخفاء قسري. وقد وثَّقت منظمة العفو الدولية العشرات من مثل هذه الحالات على مدار السنوات الأخيرة؛ وشمل العديد منها أفراداً اعتقلوا بالعلاقة مع النزاع المسلح ما بين الجيش وأتباع الإمام الشيعي حسين الحوثي من الزيديين في إقليم صعدة شمالي اليمن، الذي شهد اندلاع مواجهات مسلحة متقطعة منذ 2004؛ أو بالعلاقة مع المظاهرات المناهضة للحكومة التي خرجت في الآونة الأخيرة في جنوباليمن للاحتجاج على ما يرون فيه تمييزاً من جانب السلطات ضد أهالي الإقليم. وأحد الأشخاص الذين ما زالوا مختفين محمد المقالح، وهو صحفي وعضو في الحزب الاشتراكي اليمني، حيث اختطف من الشارع في العاصمة، صنعاء، في 17 سبتمبر/أيلول على أيدي مجموعة من الرجال كانوا يستقلون باصاً صغيراً أبيض اللون لا يحمل أية علامات خاصة. ولم ترد أية أخبار عن محمد المقالح منذ ذلك الوقت. ويشتبه في أنه قد اعتقل بسبب انتقاداته العلنية لقتل الجيش المدنيين في صعدة. واعتقد في بداية الأمر أن محمد المقالح معتقل في الجهاز المركزي للأمن السياسي في صنعاء. بيد أن النائب العام أبلغ عائلته في أكتوبر/تشرين الأول أن الجهاز المركزي للأمن السياسي ينكر أنه محتجز لديه. ويعتقد أن محمد المقالح معتقل في الوقت الراهن في سجن القلعة في صنعاء. وقد كتبت منظمة العفو الدولية إلى وزير الدفاع اليمني في 21 أكتوبر/تشرين الأول لسؤاله عن مكن اعتقاله وللإعراب عن بواعث قلقها من أن يكون عرضة للتعذيب ولغيره من ضروب المعاملة السيئة، ولكنها لم تتلق منه أي رد حتى الآن. إن على الحكومة اليمنية، حتى تكافح مثل هذه الممارسات، أن تعلن "سياسة لاستئصال شأفة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة" عن طريق التنفيذ الفوري بلا إبطاء للتوصية المهمة للجنة مناهضة التعذيب "باتخاذ خطوات فورية لمنع أعمال التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة في كافة أرجاء البلاد". وكما أوصت اللجنة، ينبغي عليها على وجه الخصوص "ضمان توفير جميع الضمانات القانونية الأساسية لجميع المعتقلين، في الممارسة العملية، فور احتجازهم. وتشمل هذه، بصورة خاصة، الحق في الاتصال بمحام وبفحص طبي مستقل على وجه السرعة، وفي إشعار الأقارب، وفي أن يبلَّغ المعتقل بحقوقه حال احتجازه، ولا سيما بشأن التهم الموجهة إليه، وكذلك في أن يمثل أمام قاض خلال الفترة الزمنية التي حددتها المعايير الدولية". كما ينبغي عليها "إقامة نظام وطني لمراقبة وتفتيش جميع أماكن الاعتقال، ومتابعة حصيلة ما تتوصل إليه عمليات المراقبة هذه". خلفية لجنة الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب هي هيئة الخبراء التي أُنشئت بمقتضى "اتفاقية الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة" لمراقبة مدى تقيد الدول بأحكام المعاهدة. وتتألف اللجنة من 10 أعضاء مستقلين ومحايدين تنتخبهم الدول الأطراف في المعاهدة. ويتعين على الدول أن تقدم تقارير دورية إلى اللجنة، التي تدرسها وتعلن بعد ذلك توصياتها إلى الدولة الطرف بشأن سبل الارتقاء بأوجه تنفيذها لأحكام المعاهدة ".