البنك المركزي يوجه بتجميد حسابات منظمات المجتمع المدني وإيقاف فتح حسابات جديدة    السيد القائد يوجه تحذير شديد للسعودية : لا تورطوا أنفسكم لحماية سفن العدو    الرئيس الزُبيدي ونائبه اللواء البحسني يلتقيان سفيري بريطانيا وفرنسا والقائم بأعمال السفير الأمريكي لدى بلادنا    الأرصاد: حالة عدم استقرار الأجواء ما تزال مستمرة وتوقعات بأمطار رعدية على أغلب المحافظات    استمرار نزوح الفلسطينيين هربا من القصف الإسرائيلي المتواصل على مدينة غزه    الوفد الحكومي برئاسة لملس يطلع على تجربة المدرسة الحزبية لبلدية شنغهاي الصينية    مقتل مسؤول محلي بمدينة تعز    العميد المحمدي يُعزّي في رحيل المناضل الكبير أديب العيسي    بتمويل إماراتي.. افتتاح مدرسة الحنك للبنات بمديرية نصاب    نائب وزير الإعلام يطّلع على أنشطة مكتبي السياحة والثقافة بالعاصمة عدن    تغييرات مفاجئة في تصنيف فيفا 2025    تعز.. احتجاجات لعمال النظافة للمطالبة بسرعة ضبط قاتل مديرة الصندوق    برغبة أمريكية.. الجولاني يتعاهد أمنيا مع اسرائيل    موت يا حمار    اغتيال مديرة صندوق النظافة والتحسين بتعز برصاص مسلحين    أمين عام الإصلاح يعزي الشيخ العيسي بوفاة نجل شقيقه ويشيد بدور الراحل في المقاومة    يامال يغيب اليوم أمام نيوكاسل    الجنوب بين شراكة فاشلة وواقع مرتقب    مفاجأة طوكيو.. نادر يخطف ذهبية 1500 متر    النصر يكرر التفوق ويكتسح استقلول بخماسية أنجيلو    شركة صهيونية :دفاعاتنا الجوية المتطورة مثقوبة أمام الصواريخ اليمنية والإيرانية    واشنطن تزود أوكرانيا بالباتريوت بتمويل الحلفاء    نتائج مباريات الأربعاء في أبطال أوروبا    أصبحت ملف مهمل.. الحرب المنسية في اليمن والجنوب العربي    دوري أبطال آسيا الثاني: النصر يدك شباك استقلال الطاجيكي بخماسية    رئيس هيئة النقل البري يعزي الزميل محمد أديب العيسي بوفاة والده    مواجهات مثيرة في نصف نهائي بطولة "بيسان الكروية 2025"    حياة بين فكي الموت    قيادي في الانتقالي: الشراكة فشلت في مجلس القيادة الرئاسي والضرورة تقتضي إعادة هيكلة المجلس    تعز.. وفاة صيادان وفقدان ثالث في انقلاب قارب    الامم المتحدة: تضرر آلاف اليمنيين جراء الفيضانات منذ أغسطس الماضي    واقعنا المُزري والمَرير    برنامج الغذاء العالمي: التصعيد الحوثي ضد عمل المنظمات أمر غير مقبول ولا يحتمل    حكومة صنعاء تعمم بشأن حالات التعاقد في الوظائف الدائمة    استنفاد الخطاب وتكرار المطالب    الأرصاد: استمرار حالة عدم استقرار الأجواء وتوقعات بأمطار رعدية غزيرة على مناطق واسعة    الذهب يتراجع هامشياً وترقب لقرار الفيدرالي الأميركي    مجلس وزارة الثقافة والسياحة يناقش عمل الوزارة للمرحلة المقبلة    اختتام دورة تدريبية بهيئة المواصفات في مجال أسس التصنيع الغذائي    التضخم في بريطانيا يسجل 3.8% في أغسطس الماضي    غياب الرقابة على أسواق شبوة.. ونوم مكتب الصناعة والتجارة في العسل    لملس يزور ميناء يانغشان في شنغهاي.. أول ميناء رقمي في العالم    وادي الملوك وصخرة السلاطين نواتي يافع    مصدر أمني: انتحار 12 فتاة في البيضاء خلال 2024    العرب أمة بلا روح العروبة: صناعة الحاكم الغريب    دوري ابطال اوروبا: ريال مدريد المنقوص يتخطى مارسيليا بثنائية    كأنما سلخ الالهة جلدي !    خواطر سرية..( الحبر الأحمر )    ترك المدرسة ووصم ب'الفاشل'.. ليصبح بعد ذلك شاعرا وأديبا معروفا.. عبدالغني المخلافي يحكي قصته    رئيس هيئة المدن التاريخية يطلع على الأضرار في المتحف الوطني    اكتشاف نقطة ضعف جديدة في الخلايا السرطانية    العصفور .. أنموذج الإخلاص يرتقي شهيدا    100 دجاجة لن تأكل بسه: قمة الدوحة بين الأمل بالنجاة أو فريسة لإسرائيل    في محراب النفس المترعة..    بدء أعمال المؤتمر الدولي الثالث للرسول الأعظم في صنعاء    العليمي وشرعية الأعمى في بيت من لحم    6 نصائح للنوم سريعاً ومقاومة الأرق    إغلاق صيدليات مخالفة بالمنصورة ونقل باعة القات بالمعلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طعم أسود رائحة سوداء لعلي المقري .. أخدام اليمن في رواية تحكي التهميش
نشر في التغيير يوم 12 - 01 - 2009

علي المقري شاعر وروائي يمني، يعمل منذ الثمانينات من القرن الماضي في الإشراف على الصفحات الثقافية في عدد من الصحف اليمنية، تعرض للتكفير بسبب قصيدته «تدليك»، وكتب دراسات حول الاسلام والخمر أحدثت سجالاً في الوسط الديني وهو الآن يطمح الى إبراز حضوره في كتابة الرواية العربية.
يكتب المقري عن قضايا شائكة لأنه يكتب بحرية كما يقول. أنجز ثلاث مجموعات شعرية والرابعة تُنشر قريباً. كذلك أنجز ثلاث روايات، نُشرت واحدة منها فحسب والثانية في عهدة الناشر. ولا يدري إن كان سيتوقف عن كتابة الشعر مستقبلاً. وهو بات ككثير من المثقفين العرب، يعيش بين حب الشعر وطموح الكتابة الروائية، ولم يكن سهلاً عليه اجتياز مطبات الرقابة الدينية والاجتماعية ففي خلال سنوات قليلة، أثيرت حوله أكثر من {زوبعة} رقابة ودينية، نسأله: هل أفادتك الأصوات التكفيرية التي هبّت ضدك؟ يجيب: كلا، بل تسببت لي بأضرارا مادية مباشرة، وأخرى نفسية صعبة جداً. الكهنوت الديني يصدر فتواه ضدّك، يدعو إلى جلدك ويحرّض عليك الغوغاء صباحاً ومساء، وعلى رغم هذا يظن أنه أفادك ومنحك الشهرة. كيف تستمتع بالشهرة والكهنوت الديني يقاسمك غرفة نومك، بل يرقد معك في سريرك نفسه».
في روايته الأولى «طعم أسود رائحة سوداء» التي لاقت نقاشاً واسعاً في الوسط الثقافي، يتطرق المقري الى عالم {الأخدام}، وهي الفئة المهمشة الأشد فقراً في اليمن، ومجتمعهم الخاص، و«الغيتو» الذي يعيشونه والتمرّد على القيم بممارسات جريئة.
لم تحدث رواية المقري سجالاً في الوسط الديني بل في الوسط الثقافي، وكتب عنها الكثير خصوصاً لأن الروائي اختار الأخدام موضوعاً لروايته. فالأخدام قضية منسية لا نعرف عنها إلا النذر اليسير، وقد تناول المقري أفرادها كما هم أو باعتبارهم قضية اجتماعية.
يعتبر المقري أن الأخدام يواجهون تمييزاً عنصرياً أشد قسوة من التمييز السابق في أفريقيا وأميركا، أو الهند. فالتمييز هناك تزامن مع الممارسات العبودية ضد السود والملونين، أمّا في اليمن فقد صاحبت التمييز العنصري بسبب اللون ممارسات اضطهادية وتهميشية، أسوأ من العبودية. وكذلك نُبذ الكثيرون بسبب مهنهم كالمزينين، والحلاّقين والحرفيين.
تحكي روايه المقري «طعم أسود...» قصة «أمبو» الذي هرب إثر علاقة حميمة مع فتاة من فئة المزينين المهمشين تدعى «الدعلو»، الى محوى الأخدام. وهناك حيث الحب يتجاوز حدود التفرقة كافة، تتكشف العلاقات، لتثار عشرات الأسئلة عن الوطن والهوية والتاريخ. لماذا لا يجد رباش سوى الخيانة، خيانة كل شيء: الدين والوطن والتاريخ؟ فيما سرور، الذي يرفض الدمج في المجتمع، ظل يهمّش «الأخدام» طويلاً، ويقترح أن يحنطوا نموذجاً منهم، ويضعوه في زجاج في المتحف، ثم يتركوا من تبقى منهم ينقرضون؟
أوبئة وموت
تدور أحداث رواية المقري بين عامي 1970 و1982، زمن تقسيم اليمن وقبل وحدته، في مدينة «تعز» قرب مستنقع «عصيفرة» حيث محوى من مجمعات عشش الأخدام المبنية من الكارتون والصفيح. يتعرف الراوي إلى الأخدام ليعرفنا إليهم بما تختزنه حياتهم من مرارة. يقول الراوي بلسان الشخصية الرئيسة «أمبو»: «ابن شموس مات بعد أن بقي يبوّل دماً لمدة أسبوعين، وكان في الثامنة من عمره تقريباً. كاذية بنت المسفوح في العشة المجاورة لعشة شموس كانت أكبر، ربما في العاشرة، ماتت بعد سعال دام لأشهر وقالو إنه السل. بدأت سنة حزينة كان الشتاء كعادته مليئاً بأخبار موت الأطفال المفزعة. الصيف جاء أيضاً ومعه البلهارسيا والملاريا».
أضاف: «لم يكونوا في العش يرهبون الموت حين يعلمون موت رجل أو امرأة بلغا الثلاثين أو أقل من ذلك ببضع سنوات. يعتقدون أنها كافية لعمر الخادم وأفضل له من بقائه وهو يتعذب من الأمراض التي تهاجمه طوال عمره، وتصبح صعبة الاحتمال بعد الخامسة والعشرين وأصعب بعد الثلاثين».
مثل أخر استهلّ به المقري الرواية: «في مدينة تعز أصدر الحكم على «رباش العبد» الذي تجرأ على أن يحب فتاة، فاتهم «بالخيانة وانتهاك حرمة إحدى الأسر الكريمة». والأخدام هؤلاء لا تسمح لهم المحكمة بدخولها، «حتى وإن كان لحضور جلسات تعقد لمحاكمة أهاليهم. يدخلونها فقط حين يقبلون كخدام فيها يكنسون القاعات والغرف من الأوراق التي يرمي بها الكتاب والمتقاضون وينظفون الأوساخ التي تتناثر من الأحذية والأفواه».
آراء
يورد المقري في الرواية آراء وأبحاثاً حول الأخدام وأصلهم. يتحوّل بعضهم الى مناصر لجماعات يسارية خاصة في عهد «سالمين» أو سالم ربيع علي. حصة هؤلاء المساكين من «التطور» اتخذت الشكل التالي: «زحف البيوت الإسمنتية نحو العشش يزيد من قلقنا. جرافات كثيرة سبقتها. لم يكونوا يستأذنون أحداً من الأخدام في هدم عششهم ومسح الأرض لتكون صالحة للبناء. قالوا إن تجاراً كباراً اشتروا الأرض من أصحابها الذين لم يعرفهم أحد...»
يصوّر المقري فن الأخدام وألعابهم وأغانيهم وعاداتهم ويبوح بشكاواهم. وينفي أن تكون روايته بحثاً اجتماعياً، مشيراً إلى أن ثمة مداخلات سردية حول جوانب اجتماعية وسياسية لم يستطع تجاوزها وهو يكتب عن الأخدام، ليس من منطلق تأكيدها أو توثيقها كهدف أو غاية، بل باعتبارها ضرورة سردية غير منفصلة عن البناء الكلي.
من الأسئلة التي تختصر أفكاراً كثيرة متوخاة في الرواية التي تدور أحداثها في سبعينات القرن العشرين المنصرم وثمانيناته، سؤال نقل من متنها إلى غلافها، وهو: «هل يمكن للطفل الأسود عبده عيشة أن يدخل المدرسة ويتعلم مع التلامذة، خصوصاً أن اللون الأسود في العلم يرمز إلى عهد الظلام البائد وإلى كل ما هو قبيح وبشع وسيئ...». يقول المقري في هذا الإطار: {للأسف ما زال الأخدام يعيشون في ظروف قهريّة ومستلبة لا مثيل لها فأغلب اليمنيين يتعاملون معهم من وجهة عنصرية بسبب سواد لونهم، يتفق بذلك السياسيون والمواطنون العاديون. إلى جانب ما يواجهه الأخدام من تهميش وفقر مدقع مصاحب للأوبئة والأمراض في التجمعات التي يمكثون فيها موقتاً على أطراف المدن، والتي تتعرض للإزالة والاستيلاء دائماً، فتصبح حياتهم في مهب الّريح».
هل قرأ بعض الأخدام روايتك؟ يجيب المقري: «نعم البعض قرأ الرواية، خصوصاً الشباب. الأخدام جميعهم من الشباب فهم لا يعمّرون كثيراً لأن الأمراض تفتك بهم وتميتهم قبل أن يصلوا إلى الثلاثين. الأخدام يعرفون أنني صديقهم. إذا كنت سأنسى الكثير من ذكريات حياتي، فلن أنسى أبداً، ذلك العناق الحميم الذي تلقيته من بعضهم قبل 16 عاماً، حين اطلع على الرواية في مسودتها الأولى، لقد شعر أنني جزء منهم، أمّا أنا فلم أشعر أبداً في يوم ما أنني بعيد عنهم».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.