العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    كيف طوّر الحوثيون تكتيكاتهم القتالية في البحر الأحمر.. تقرير مصري يكشف خفايا وأسرار العمليات الحوثية ضد السفن    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    صور الاقمار الصناعية تكشف حجم الاضرار بعد ضربة إسرائيل على إيران "شاهد"    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    تظاهرات يمنية حاشدة تضامنا مع غزة وتنديدا بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن    شبوة.. جنود محتجون يمنعون مرور ناقلات المشتقات النفطية إلى محافظة مأرب    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حالة التسامح في اليمن.. تقرير عام 2008م
نشر في الوسط يوم 04 - 08 - 2009

الحلقة الأولى * أعده أ.قادري احمد حيدر - د.محمد المخلافي هذا العمل يأتي في سياق دراسة حالة التسامح في عدد من البلاد الغربية التي عانت وتعاني من الصراعات السياسية والحروب وضمن تقرير اقليمي خاص بهذه البلدان ، ويعد اول عمل على الصعيد العربي يناقش التسامح من منظور الديمقراطية وحقوق الانسان. المقدمة: إن مفردات التطرف والأصولية السياسية والدينية، بأنواعها، وكذلك ظواهر ومظاهر الكراهية، والتعصب، والعنف، والإرهاب، وحالة العنصرية المتصاعدة ضد الآخر، في الداخل والخارج سائدة في أكثر من حالة عربية، وواقع التهميش للفئات الضعيفة، والفقيرة، والحروب والعنف المتعدد الأشكال المنتشر داخل كل قطر عربي، فيما بينه البين ومع الآخر الخارجي، تجعل الحاجة ملحة وضرورية لنشر وتعميم ثقافة التسامح، ثقافة الاعتراف بالآخر، والقبول به، باتجاه تحويل قيم التعدد والتنوع، وحق الاختلاف إلى ممارسة أصيلة في حياة المجتمع والناس، وهو ما يستهدفه هذا التقرير بإبعاده ومستوياته المختلفة، باعتباره أول تقرير لدراسة حالة التسامح في اليمن، بعد أن أصبحت الحاجة الداخلية لنشر وتعميم ثقافة التسامح، واجباً سياسياً، وأخلاقياً، وقانونياً، وإنسانياً، نتيجة ما يشهده اليمن من انقسام حاد منذ حرب 1994، وما ترتب على ذلك من شعور مأزوم بتفوق المنتصر،وشعور مقابل بالتميز أيضاً والاحتقان السياسي والمواجهات العنفية الأمنية والعسكرية المتكررة في المحافظات الجنوبية والشرقية، وحرب صعدة المستمرة منذ عام 2004، ناهيك على الحروب القبلية الداخلية الصغيرة والكبيرة الممتدة في الساحة الجغرافية الوطنية للبلاد كلها، بما قد يهدد بالفعل وحدة النسيج الاجتماعي الوطني كله بل ووحدة البلاد. هذه المصاعب والمشاكل، والتوترات، وإن كانت حالة عربية بهذا القدر أو ذاك، غير أنها في اليمن شديدة الحساسية والخطورة، والخصوصية في ضوء وقائع وحقائق ما يجري منها منذ عدة سنوات، ومن هنا تأتي أهمية هذا التقرير التأسيسي لدراسة حالة التسامح في اليمن، وهي دراسة غير مسبوقة، عدا نشاطات عامة بدأت خلال عام 2008 من قبل المرصد اليمني لحقوق الإنسان ومنتدى جسور الثقافات لإشاعات فكرة التسامح على الصعيدين الداخلي والخارجي. يدخل في تحديد أو تعريف التسامح، المعنى الفلسفي، والفكري والثقافي، والسياسي، والديني، والاجتماعي والقانوني، وهو خلاصة هذه الأفكار والمفاهيم والمصطلحات، موزعة على مجالات دراستها أو بحثها (الديني، السياسي، الاجتماعي، الحقوقي) وبذلك فإن مفهوم التسامح أشمل وواسع، وأعمق من مفهوم الإخاء، والمساواة والتعاون، والتساهل، فهو بحسب هذا التقرير رؤية معرفية، حقوقية لا صلة له بمفهوم التسامح الصادر عن منهج القدماء حول التسامح، أي ثقافة العفو عند المقدرة، والتسامح مع الضعيف، والعاجز، ثقافة القوة في المجتمع التقليدي، أي مجتمع ما قبل الدولة المدنية الحديثة، حيث التسامح يحمل معنى الضعف، وقلة الكرامة والتنازل عن الحقوق أو التعالي والتفوق، وهي ثقافة المجتمع القبلي، والعسكري، والديني، والطائفي، والمذهبي، حيث التسامح حيلة العاجز، والضعيف، والفقير، أو مكرمة القوي والكريم، وهي ثقافة ومفهوم لا صلة لها بمنظومة حقوق الإنسان وحرياته، وبفكرة المواطنة، والفرد الحر، المستقل، وهي الثقافة السائدة في جميع أقطار المنطقة العربية بدرجات متفاوتة، ثقافة لا تعترف بالآخر، وحقوقه، ثقافة كراهية وإقصاء الآخر، ثقافة هي نقيض في الجوهر لمفهوم ثقافة التسامح الذي ينشده ويهدف التقرير للوصول إليه. إذن التسامح في هذا التقرير، هو الوفاق في ظل الاختلاف والإقرار بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية للآخر المختلف ودفاع المرء عن حقوقه وحقوق الآخر. هناك قاعدة كلية وعامة محددة لمعنى التسامح، وهي الاعتراف بالآخر، والقبول بالمختلف والمغاير، وامتلاك القناعة والرغبة الوجدانية والإنسانية للحياة معه، والعيش المشترك معه وبجواره، والتعايش معه كما هو، لا كما نحن نريد، وبصرف النظر عن عقيدته، وأيديولوجيته، وموقفه السياسي ومركزه الاجتماعي، ومن ثم يكون معنى التسامح غير منحصر في ديانة دون أخرى، ولا يقتصر على أثنية، أو لغة أو طبقة اجتماعية دون أخرى، بل يشمل جميع هذه المفردات، والمعاني والدلالات ويشمل جميع الديانات السماوية وغير السماوية، كما يشمل اللادينيين، والملحدين والتسامح بهذا المعنى رؤية إنسانية كلية شاملة لا تتجزأ. معنى التسامح اليوم، هو الخلاصة النهائية لمرحلة التجديد أو الإصلاح الديني، عصر الأنوار، وهو استكمال لتاريخ العقلانية الأوروبية، والتنوير (الحرية، الإخاء، المساواة)، هو المراكمة الإبداعية الخلاقة لتاريخ الفكر الإنساني الذي لم يتأخر في أن يعلن عن نفسه كثقافة إنسانية تقوم على معنى التسامح، وجاءت المواثيق الدولية لتؤكد في موادها ونصوصها المختلفة على مفهوم ومعنى التسامح وهي المواثيق العالمية المعاصرة التي كرست ورسخت معنى التسامح على قاعدة منظومة حقوق الإنسان منذ صدور ميثاق الأمم المتحدة 1945، إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية 1976، إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1976، حتى إعلان مبادئ بشأن التسامح، الذي أصدره المؤتمر العام لليونسكو في دورته الثامنة والعشرين في نوفمبر 1995. وجوهر التسامح طبقا لهذه الصكوك الدولية يكمن في الإقرار بحقوق الآخر والقبول بالتعددية السياسية والثقافية والدينية واحترام وكفال حرية الرأي والتعبير والفكر والمعتقد الديني وغير الديني. هناك صعوبة، بل استحالة في وضع محددات ثابتة، أو معايير كمحددات للتعصب والتسامح، كنموذج ثابت للتسامح والتعصب. من المهم إدراك أن التسامح والتعصب كمفهومين هما في حالة تطور مستمر وفي صيرورة، أي أن مفهومي التسامح والتعصب سيدا نفسيهما من خلال علاقتهما وتفاعلهما، بالواقع والتاريخ وحين نتحدث عن إطار مفاهيمي أو محددات فإن ذلكم الإطار المفاهيمي يخضع للشروط الواقعية المتغيرة والمتحولة، فيما يخص زوايا المقاربة سواء للتسامح والتعصب، أو لغيرهما من المفاهيم، والقضايا والإشكالات وتبقى هذه المقاربات سواء في حدودها وأطرها الجزئية والخاصة، أو في حدودها الكلية العامة، لما نسميه بالمحددات ذات طابع ذاتي، بدرجة كبيرة، خاضعة لزوايا نظر ومقاربة الباحث لها، أكثر منها حالة موضوعية، وهو ما يجب التنبه له فيما يخص مفهومنا أو تصورنا للمحددات، ومحدد الثقافة السياسية، محدد جوهري للتسامح أو التعصب، فالثقافة السياسية المفتوحة على الآخر، المؤمن بحرية الاختيار والاعتقاد والرأي والتفكير هي الأساس في خلق وتشكيل أساس سليم حر، والثقافة السياسية الواحدية الإطلاقية النصية، الحرفية هي مصدر للتعصب، والجمود، وهي مصدر للعنف، والكراهية، والحقد، وهي ثقافة لا ترى في التنوع والتعدد السياسي والاجتماعي والديني والمذهبي، سوى مصدر للخراب، والثقافة السائدة على هذه الخلفية أو القاعدة إنما تزيد التعصب واللاتسامح، ثقافة سياسية تنتج من بنية اجتماعية تقليدية واحدة شمولية، لا تقبل بالآخر، ولذلك نقول إن من أهم محددات التسامح أو التعصب السياسي، هو العنف أياً كان مصدره.. دينياً، أو سياسياً، أو اجتماعياً، أو عرقياً، فالعنف في درجة من درجات تطوره يمكن أن يتحول إلى حرب، وإلى صراعات دموية، ودائماً في أوقات التوتر السياسي، والاحتقانات السياسية التي تعود أسبابها إلى عوامل دينية، أو مذهبية أو اجتماعية أو سياسية (صراع على السلطة والثروة) نجد أن هناك حالة من الفرز الاجتماعي متخلفة تعود بالناس إلى كياناتهم الأولى: القبيلة العشيرة، الطائفة، المنطقة، الجهة، ما يؤدي بالفعل إلى ارتفاع معدلات التعصب وضد التسامح، وفقاً للشروط المتخلفة، وفي ذلك تهديد لكل الكيان السياسي المجتمعي، تزداد معه حدة التوتر السياسي، والتعصب حين يدخل التطرف الأيديولوجي الديني أو المذهبي، أو القبلي طرفاً مكوناً في هذا الصراع، وغالبية أسباب الصراعات في المنطقة العربية عائدة إلى هذا المحدد السياسي لا إلى غيره من المحددات التي لا تقلل منها، مثل: العمر، المكانة الاجتماعية، والموقع الطبقي، على أننا نرى في محدد التعليم محدداً هاماً يدخل في صلب عملية التخفيف، أو التشجيع والتوتير لمناخات التعصب أو التسامح، ومن المهم أن تشتمل مناهج التعليم بدءاً من الصفوف الدراسية الأولى، على تكريس المعاني والقيم الإنسانية الكبرى: الحرية، والعدل، والقبول بالآخر, وحقوق الإنسان، ومن المهم أن تتضمن مناهج التعليم التأكيد أولاً: على قيم الحرية الفردية الإنسانية، وثانياً رفض الظلم، والتأكيد على قيم التسامح وحب الآخر، وثالثاً التأكيد على ضمان: (العدل وعدم التحيز في التشريعات وفي إنفاذ القوانين، والإجراءات القضائية والإدارية) إذ تنص المادة (4) من مبادئ بشأن التسامح: (أن التعليم هو أنجع الوسائل لمنع اللاًتسامح، وأول خطوة في مجال التسامح هي تعليم الناس الحقوق والحريات التي يتشاركون فيها،...). * الفصل الأول: مدخل ثقافة التسامح/ ثقافة اللاّعنف: هل يمكننا اعتبار أن ثقافة التسامح هي ذاتها ثقافة اللاّعنف؟، للوهلة الأولى قد يبدو وكأن الأمرين شيء واحد، وأن ثقافة اللاّعنف هي ثقافة التسامح، بسبب حالة التقاطع فيما بينهما، وفي الحقيقة هناك وجوه تشابه واتفاق فيما بينهما، ولكن من الصعب المطابقة أو المماثلة بين المفهومين، والمعنيين، واعتبارهما شيئاً واحداً، ثقافة التسامح هي أولاً مفهوم أوسع وأعمق وأشمل من ثقافة اللاّعنف، فاللاّعنف مفردة من المفردات التي يناقشها مفهوم التسامح، وثانياً ثقافة التسامح تدل على رؤية، وفكرة, وثقافة اللاّعنف تشير مباشرة إلى معنى مادي محسوس بصورة أو بأخرى، وثالثاً مفهوم ثقافة التسامح يذهب إلى الأفكار والمفاهيم والمعتقدات، وتدخل فيه أدوات البحث المدني والفلسفي، وثقافة اللاّعنف تنتمي إلى القضايا والإشكالات الممارسة في الواقع والمجتمع، وتدخل مباشرة في تحليل وتفكيك الصراعات الاجتماعية. ثقافة اللاّعنف، تهتم بإعادة صياغة وبناء المجتمع، مكوناته، ومؤسساته المختلفة، على أنقاض ثقافة العنف السائدة، في البيت أو المدرسة، والجامعة، والأحزاب، باختصار ثقافة اللاّعنف موجهه بالأساس ضد العنف في المجتمع وضد النزعات العدوانية والبدائية والوحشية. إن ثقافة اللاّعنف اليوم هي المدخل العملي والسبيل الوحيد لتقديم معالجات وحلول جدية للعنف في المجتمع، على أن يشترك الجميع في ذلك، باتجاه التخفيف من تحويل القوة إلى قاعدة لحل المشكلات والتوترات والاحتقانات في المجتمع، وهي السبيل لتقليص تيار العنف والكراهية، والحقد، وغياب العدل بين الناس وفي المجتمع، ومنع انتهاكات حقوق الآخرين. ويمكننا اعتبار ثقافة اللاّعنف الوجه السياسي للتسامح أو هي التعبير السياسي للتسامح. من الصعب الحديث عن حقوق الإنسان مع غياب ثقافة التسامح، كما أن من غير المفهوم أن نتحدث عن ثقافة التسامح دون أن يكون ذلك على صلة وثيقة بالحديث عن منظومة حقوق الإنسان، فكل منهما يشير إلى الآخر ويقود إليه، ويكمله في وحدة لا انفصام فيما بينها، فإذا كان التسامح مفتاحاً لفهم حقوق الإنسان، فإن حقوق الإنسان، هي الإطار الهام الجامع الذي نقرأ ونفهم فيه ومن خلاله حالة التسامح، وثقافة التسامح في تجلياتها العملية والنظرية، فالعلاقة بين التسامح ومنظومة حقوق الإنسان علاقة جدلية, والمنطقة العربية قاطبة بحاجة ماسة وضرورية، لنشر وتعميم ثقافة التسامح، من خلال: أولاً: القبول بالآخر، والاعتراف بحقه في الحياة والوجود على كافة المستويات، دون نقصان، وثانياً: الإقرار بالنسبي في الحياة، والمعاملات، والأفكار، وإزاحة المطلق في التدخل في حياة الناس اليومية، صراعاتهم وتعارضاتهم. هذه في تصورنا هي المقدمة الجوهرية لتجاوز التعصب والإقصاء والإلغاء، والتهميش، والتطرف والعنف، والإرهاب ودونها يصبح الإقرار بحرية العمل السياسي، والحزبي، وحرية الفكر والمعتقد وحرية الرأي، والتعبير، والتداول السلمي للسلطة، إشكالات وقضايا خارج شرط الممارسة الواقعية، ومن المهم في البداية أن تتحول هذه القضايا والمسائل أو المفاهيم إلى إشكالات واعية مدركة، ومصدقة في العقل، والوعي، ليتم بعد ذلك
إحالتها عبر الممارسة الواعية والواقعية والتاريخية إلى وقائع وحقائق. لا نستطيع أن نتحدث اليوم عن الحرب والسلام والتطرف والعنف والعصبية والكراهية دون أن تكون قضية التسامح وثقافة التسامح في قلب ذلك الحوار، وليس في ذلك دعوة لرفض فكرة الاختلاف، والصراع، ولكن ليكون ذلك على قاعدة إدارة الاختلاف والصراع بالإقرار الواعي والمسبق بالتعدد والتنوع، احترام الآخر، وأن الصواب والخطأ أمران مشتركان بين البشر جميعاً، وفقاً للقاعدة التي أشار إليها الأمام الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب)، ففي ذلك يحق احترام وتقدير بحق الآخر بالاختلاف، وشرعية الاختلاف هو حق قانوني، وشرعية الاختلاف والإقرار بالتعدد والتنوع هو الأساس المتين لكل وحدة دائمة وعميقة، وغير قابلة للانكسار، ذلك أن الوحدة تعني القبول بشراكة الآخر, وحقه بالمشاركة في كل شيء, ولن يتحقق ذلك إلا على قاعدة القبول بالآخر والإقرار بالتعدد والتنوع, وحق الآخر بالاختلاف عنا, ومن هذه الخلفية والقاعدة تتكون وتتأسس ثقافة التسامح والتصالح, ثقافة الوحدة الحقيقية, وليس وحدة القوة, والإكراه, والعنف التي تقود أبدا إلى الكراهية في الثقافة, والى التفكك في المجتمع. ثقافة التسامح كرؤية كونية إنسانية هي قمة الموقف الذي يدفعنا للمشاركة مع الجميع دون استثناء في صناعة فضاء الحرية، والعدل، والمساواة، وثقافة التسامح تعنى الوقوف بجانب الحق، ومع الضعيف، والمهمش ورفض إقصاء المختلف، والآخر، والعمل لاسترداد حقه من القوي الظالم. ثقافة التسامح لا تعني بأي حال الخنوع للظلم، والسكوت عن الحق، والقبول بالتمييز على أي مستوى كان. إذ تنص المادة (1) فقرة (1-2) من إعلان مبادئ بشأن التسامح (أن التسامح... هو قبل كل شيء اتخاذ موقف ايجابي فيه إقرار بحق الآخرين في التمتع بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية المعترف بها عالمياً. ولا يجوز بأي حال الاحتجاج بالتسامح لتبرير المساس بهذه القيم الأساسية). ومن المهم اليوم السعي لجعل علاقة التسامح أفقية بين الناس، وليس علاقة رأسية (يحكمها المزاج والرغبة وكأنها قضية أخلاقية فردية صرفة) محكومة بسلوك هذا الفرد أو تلك الجماعة من الناس، دون غيرها من البشر، وبذلك تبقى علاقة التسامح أو حالة التسامح، حالة فردية مؤقتة بما يره، لا تحددها وتحكمها ضوابط عامة وقانونية تبقى وكأنها حالة سيكولوجية فردية، وليس تعبيراً عن حالة موضوعةً ونتاج لسلوك اجتماعي قصدي، تحكمه ضوابط قانونية موضوعية عامة، وضمن معايير وقوانين محددة وواضحة تضبط تصرفات وسلوك الناس، (أفراد، وجماعات) وعلى قاعدتها أو أساسها يتم الثواب والعقاب وحين تصبح حالة ثقافة التسامح قانونية ومنظمة على أساس من ذلك تتحول إلى قاعدة سلوكية (ثقافية، اجتماعية، سياسية) تنتظم حياة الناس والمجتمع...، ويقوم على فكرة القبول بالآخر، واحترام اختلافه عنا، مهما كان ذلك الآخر (جنسه، عرقه، دينه، مذهبه، قبيلته، طبقته، لونه، لغته) وغير مقبول أكراه الآخر على ما لا يريد ولا يرغب، ثقافة التسامح تمنع التمييز بين الناس على أي أساس كان، وتبقى ثقافة الآخر محفوظة عزيزة كريمة، مصونة ولا تمس تحت أي ظرف كان. مجالات التسامح: التسامح ليس رأياً أو وجهة نظر، بل رؤية إنسانية كونية معاصرة أخذت زمناً طويلاً- عدة قرون- حتى تتبلور وتظهر في صورتها المفهومية التي نتحدث حولها اليوم، ومجالات التسامح بهذا المعنى تشمل وتضم جميع تفاصيل وزوايا الحياة الإنسانية (الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية، والدينية، والقانونية الحقوقية، والفردية، والجماعية، الدولة والمجتمع) وبهذا المعنى فإن من الاستحالة الإلمام بحصر مجالات التسامح، وقد تعمدت ديباجة (إعلان مبادئ بشأن التسامح) الصادرة عن المؤتمر العام في الفترة 25 تشرين 7 أكتوبر تشرين ثاني نوفمبر 1995، إلى تقديم عملية جرد ورصد للمواثيق، والعهود، والاتفاقيات والإعلانات الدولية التي تشير إلى قضية التسامح، والحدية التي تعاطت بها المنظمات والمؤسسات والهيئات الدولية، التابعة للأمم المتحدة مع قضية التسامح، وثقافة التسامح، وإصرار المؤسسات الدولية على تحويلها إلى قضية إنسانية عامة، جامعة على طريق خلق حالة (الوئام في سياق الاختلاف) كما جاء في المادة الأولى من إعلان بشأن التسامح، وكأن الإعلان في ديباجته ونصوص مواده الست يحاول أن يقدم تتبعاً نظرياً وقانونياً لمسار أكثر من ستين عاما من تطور فكرة التسامح في شمولها لجميع مجالات حياة الإنسان في امتداد تطور الفكرة- التسامح- عبر التاريخ الإنساني. وهذا التقرير يتناول التسامح من خلال ثلاثة أبعاد أو مجالات: الأول: التسامح الديني، الثاني:التسامح السياسي، الثالث: التسامح الاجتماعي الاقتصادي.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.