كتب/ شرف الويسي يوم تروى الارض من دمي ودمك يا اخي ، ويشبع الطير من لحمي ولحمك يا اخي كان هذا البيت الشعري يتردد ضمن انشودة وطنية حماسية من اذاعة صنعاء في الايام الاولى لقيام ثورة سبتمبر عام 1962م بصوت الفنان علي الآنسي ويبدو ان البيت قد قاله شاعر الانشودة في لحظة نزق وطني وحماس ثوري وهو ضمن قصيدة أغلب ابياتها تنذر بالشؤم ومطلعها باسم هذا التراب ، والفيافي الرحاب ، والجبال الصعاب سوف نثأر يا أخي وتتوعد اليمنيين بالموت وحرق المنازل ، وصراخ الأطفال ومن هذه الابيات . ان في الثورة موت و من الموت الحياة ، ان في الثورة نصر ، تسمع الدنيا صداه يوم تغدو النار في منزل اخي ، وصرخة الاطفال في لحمك يا أبي وكانت هذه الكلمات بمثابة تنبؤ بما ستأتي به الايام والشهور والسنين وكان القدر سريع الاجابة فلم يمر إلا يومان على قيام الثورة واذا بعشرات الجثث لمسئولي الحكم الامامي من مختلف المدن والمناطق والفئات وبعض الجنود ملقاة على ارض قريبة من مقبرة خزيمة بجنوب صنعاء، ظلينا حينها وكنت لاأزال صبيا نتردد لمشاهدتها عدة ايام والكلاب والطيور تنهشها وكانت هذه الوجبة الأولى مما بشر به الشاعر.. وفي مدينة تعز كما سمعنا كانت الصورة مشابهة لكن بأقل عدد مما جرى في صنعاء ، ومنذ تلك الايام استمر مسلسل قتل اليمنيين لبعضهم البعض ، وشاهدنا جثثا تعلق على باب اليمن ، وجثثا تسحل في شوارع صنعاء ، ولا يكاد يوم يمر إلا ونسمع المزيد من القتل الذي توسعت دائرته وتناثرت اللحوم البشرية هنا وهناك، وسيل الدماء يتدفق في مدن واماكن عديدة من التراب اليمني، شمالا وجنوبا ، شرقا وغربا ، فمثلما جرت اعدامات ومعارك سقط فيها الآلاف من اليمنيين ومعهم ايضا آلاف من المصريين في الشمال لمدة ثمان سنوات وتصفيات جسدية بين قادة الثورة واغتيالات وثارات وقتل تحت مبررات مختلفة جرى الشيء ذاته في الشطر الجنوبي خلال الاعوام التي تلت الاستقلال، واكد اليمنيون بذلك واحدية الصراعات والاقتتال وليس واحدية الثورة. وجاءت الوحدة وظن الناس انها نهاية دورات الدم والقتل لكن خاب ذلك الظن وعادت حليمة الى عادتها القديمة واستؤنفت تلك الدورات مع سبق الاصرار والتحدي للآمال التي كانت قد اطلت برأسها يوم 22 مايو 1990م، وها نحن قد طوينا سبعة واربعين عاما منذ قيام الثورة ولم تشبع الطير ولاتزال الأرض عطشى تطلب المزيد من الدماء وما حدث ويحدث الآن في بعض مناطق محافظتي صعدة وعمران وبعض مناطق الجنوب إلا حلقة من حلقات تلك الوجبات التي بشر بها شاعر الانشودة الوطنية وترجمة لتنبؤاته ويعلم الله هل سنصل يوما الى ان نسمع الأرض وهي تقول: كفى لقد ارتويت ، والطير تغادر سماءنا وهي تردد: لقد شبعت من لحمكم ايها اليمنيون ، أم ان المستقبل لايزال يخبئ لنا دورات أخرى من الاقتتال والحروب وصراخ الاطفال وحريق المنازل وبكاء الثكالى. و( تظل الطير عاكفة عليهم.. وتنتزع الحواجب والعيونا) كما قال شاعر آخر والله يستر