استدرجوه من الضالع لسرقة سيارته .. مقتل مواطن على يد عصابة ورمي جثته في صنعاء    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    نقطة أمنية في عاصمة شبوة تعلن ضبط 60 كيلو حشيش    مركز الإنذار المبكر يحذر من استمرار تأثير المنخفض الجوي    مليار دولار التكلفة الأمريكية لإحباط هجمات الحوثيين في البحر الأحمر    إنهم يسيئون لأنفسم ويخذلون شعبهم    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    الحكومة تطالب بتحرك دولي لوقف تجنيد الحوثي للأطفال تحت غطاء المراكز الصيفية    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    الدوري الاوروبي ... ميلان وليفربول يودعان البطولة    الدوري السعودي ... الشباب يكتسح ابها بخماسية    "لا حل إلا بالحسم العسكري"..مقرب من الرئيس الراحل "علي صالح" يحذر من مخيمات الحوثيين الصيفية ويدعو للحسم    "طاووس الجنان" و"خادمة صاحب الزمان"...دعوة زفاف لعائلة حوثية تُثير الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مافيها(صورة)    "ابتزاز سياسي واقتصادي للشرعية"...خبير اقتصادي يكشف سبب طباعة الحوثيين للعملات المزيفة    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    إصابة 3 أطفال بانفجار مقذوف شمالي الضالع    انطلاق أعمال الدورة ال33 للمؤتمر الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لأفريقيا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    لجنة الطوارئ بمأرب تباشر مهامها الميدانية لمواجهة مخاطر المنخفض الجوي    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 33.970    مصرع وجرح عدد من العناصر الإرهابية على يد القوات الجنوبية بوادي عومران    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    سقوط 9 مدنيين في الحديدة بسبب الألغام ومخلفات الحرب خلال مارس الماضي مميز    الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    إسقاط طائرة تجسس حوثية في شقرة بمحافظة أبين    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    أضرار مادية وخسائر بشرية بسبب الفيضانات شرقي اليمن وإغلاق مدينة بالكامل    ركلات الترجيح تحمل ريال مدريد لنصف نهائي الأبطال على حساب السيتي    ليلة للتاريخ من لونين.. وخيبة أمل كبيرة لهالاند    أهلي جدة: قرار رابطة الدوري السعودي تعسفي    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    اليمن: الكوارث الطبيعية تُصبح ظاهرة دورية في بعض المحافظات الساحلية، ووزير سابق يدعو لإنشاء صندوق طوارئ    مأساة إنسانية: صاعقة رعدية تُفجع عائلتين في تعز    على رأسهم مهدي المشاط ...ناشطة حوثية تدعو إلى كسر الصمت حول قضية السموم الزراعية في اليمن    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأغنية الوطنية وأثرها في مسيرة الثورة اليمنية
الكلمة واللحن سلاح فتاك
نشر في الجمهورية يوم 14 - 10 - 2013

«يا ظالم ليه الظلم دا كله.... أخي كبلوني.... انظر إلى بيتي، سلام ألفين، يا شاكي السلاح، برع يا استعمار، بلادي وإن سال فيك الدم، طفي النار، قال أبو زيد، الدهر كله عماره، قال بن سعد، با يذوق البرد من ضيع دفاه، دمتيا سبتمبر التحرير، رددي أيتها الدنيا نشيدي، والله إنه قرب دورك يا ابن الجنوب، كالقذيفة، يا قافلة، بلادي إلى المجد، الوصية، بوس التراب، غني يا صنعاء يا بلادي، ثورة الشعب، مزهري الحزين».
ليست كل تلك الأسماء روايات كثيفة العبارات ، بل هي تغاريد وطنية، كروانية الصوت، يمانية الكلمة شكلت تفاصيل الهوية والانتماء إلى اليمن ، ووحدت مشاعر ووجدان الإنسان اليمني في مرحلة من أصعب مراحل مسيرة الكفاح والنضال في تاريخ الوطن اليمني، وكانت للمثقف اليمني رؤيته الوطنية وللأحزاب السياسية بعدها الوطني في النضال، كل من زاويته.. فعندما نقف أمام مناسبة وطنية أو أعياد الثورة اليمنية فإنها تدوي بأسماعنا ووجداننا تلك هي الأغاني الوطنية والأناشيد الحماسية،. ليعبر موكب الثورة التي قاد قافيتها الحزينة الشاعر لطفي جعفر أمان بكلماته وليصدح بها عميد الأغنية الوطنية المرشدي بصوته : (( أخي كبلوني - وغل لساني واتهموني - بأني تعاليت في عفتي ووزعت روحي على تربتي - فتخنق أنفاسهم قبضتي - لأني أقدس حريتي - لذا كبلوني - وغل لساني .. واتهموني)) واحتج سبيت واسكندر ثابت ب “يا ظالم ليه الظلم دا كله” و يهتف العطروش قائلاً “برع يا استعمار: وبعد النصر والاستقلال احتفل أحمد قاسم بأغنية “من كل قلبي أحبك يا بلادي” ليعلن ديمومة الثورة رجاء باسودان« ياثورة الشعب دومي منارا» وهي من كلمات حسين عبدالباري وألحان الفنان أحمد محمد محسن المحسني. ” .، قبل أيام قلائل احتفلنا وسائر أبناء شعبنا اليمني العظيم بثورة 26 سبتمبر المجيدة ضد حكم الإمامة وهانحن نحتفل بمناسبة أخرى عظيمة وهي ثورة 14 أكتوبر ضد الاستعمار الأجنبي، وكان للفنانين اليمنيين دور رائع ومشرف في دعم الثورة وإذكاء لهيبها وانتصارها، حيث ساهمت الأغنية الوطنية ولعبت دوراً كبيراً في إحياء الروح الفنية إلى جانب الروح القتالية لدحر الغزاة والمستبدين والدفاع عن الثورة التي أججت حماس الجماهير وهذبت غليانهم الشعبي ضد سياسة الاستعمار البريطاني، فعبرت الكلمة والأغنية عن مشاعر الثورة والشعب، لتظل ملحمة «موكب الثورة» أو «المزهر الحزين »التي كتب كلماتها الشاعر الوطني لطفي جعفر أمان وأداها بلحنه الموسيقار أحمد بن أحمد قاسم، أو الأغاني الوطنية التي قدمها العديد من الفنانين تشكل تفاصيل الهوية والانتماء إلى اليمن، وتوحد مشاعر ووجدان الإنسان اليمني .. لنتعرف أكثر عن مراحل ومكنونات الأنشودة الوطنية كان لا بد أن نستقي هذا الاستطلاع من أحرف كاتبيها، وقوافي شعرائها، ونحلق في تلاحين ملحنيه ونرتشف جمرة السكر من أكواب منشديها.
تاريخ الأغنية اليمنية الوطنية
«لم تكن الأغنية اليمنية الوطنية طوال تاريخها بعيدة عن محيطها اليمني، فقد ارتبطت بتاريخ الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962م و 14 أكتوبر 1963م وقيام الوحدة اليمنية المباركة 1990م وهذه الأحداث التاريخية أعطتها إيقاعات البحر والشواطئ الذهبية وخضرة مدرجات البن اليمني المميز وحضارة اليمن السعيد والزخم للإنسان اليمني».. عن دور البيئة المساعدة لتكوين الأغنية الوطنية تتحدث زينب حزام في كتابتها حول الاغنية الوطنية اليمنية فتقول: د.زينب حزام التي وصفت في التماسها :لمسنا هنا في مجال السرد التاريخي لتلك الأغاني الوطنية أو الموسيقى الشعبية بل نحن في مجال التعرف على آخر المستجدات التي طرأت على الأغنية اليمنية الوطنية والموسيقى الشعبية سواء كانت تأثراً أو تأثيراً وتلك المستجدات وإن كانت قد جاءت بقصد مسايرة التطور الحضاري الذي شهدته نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين فإنها كانت في الوقت ذاته تضاهي ما هو مطروح بالساحة الفنية على مستوى اليمن بشكل عام.
أما عن بدايات الأغنية الوطنية والموسيقى الشعبية الحديثة والتي لم تأت من فراغ بحسب حديثها فتواصل : «كانت هناك عوامل عدة ساعدت على ظهورها في محيط الأداء الشعبي البسيط والصياغة اللحنية الجادة التي تحمل معاناة الشعب اليمني من ظلم واستبداد الاستعمار البريطاني والجهل والفقر الذي نشره حكم الإمامة في شمال الوطن، ولقد تطورت الأغنية الوطنية والموسيقى الشعبية بعد قيام ثورة 26 سبتمبر وثورة 14 أكتوبر وتخطت مراحل التأسيس لأهم فروعها الأساسية البارزة والتي من أهمها رعاية الأغنية الوطنية والشعبية وتطويرهما وتطوير الآلات الموسيقية والمحافظة على التراث الموسيقى اليمنية ،أما الدور الذي لعبه الفنان اليمني في تطوير الأغنية الوطنية والموسيقى الشعبية مع الرجوع الى أصول الفنون اليمنية الحديثة في اليمن لنرى من خلالها نوع وسمة الحداثة بها وقبل ذلك فيجدر بنا قبل كل شيء معرفة مدى هذه التأثيرات في الفن اليمني وما هي النظريات التي تؤثر على أصول الفنون اليمنية».
وعن تأثر الأغنية الوطنية عللت د. زينب حزام في شرحها «لقد تأثرت الأغنية اليمنية الوطنية بالأغنية الوطنية المصرية والجزائرية في عهد الثورة العربية ضد الاستعمار البريطاني والعدوان الاسرائيلي والاستعمار الفرنسي في الجزائر،وكانت الأغنية الوطنية في اليمن تحمل هموم المواطن اليمني وتدعوه الى المقاومة ضد الاستعمار البريطاني وتوطيد الوحدة اليمنية والعربية بشكل عام ..وظهرت العديد من الأغاني الوطنية في فترة الستينيات الى السبعينيات تقريباً وكان من أهم العوامل وأقواها تأثراً هو تشجيع الدولة اليمنية بعد الاستقلال في عدن 1967م بدعم الفنانين اليمنيين وتأهيلهم بالعلوم الاكاديمية الموسيقية وإنشاء مركز لرعاية الفنون الشعبية وبناء معهد للفنون الجميلة بعدن من أجل تأهيل الكادر الموسيقي والمسرحي والفنون التشكيلية وقامت الإذاعة اليمنية والتلفزيون اليمني في صنعاء وعدن ومختلف محافظات الجمهورية اليمنية بتقديم أجمل الأغاني الوطنية وتشجيع الفنانين اليمنيين وتوثيق الأغاني الوطنية والموسيقى الشعبية وتشكيل الفرق الموسيقية الوطنية وتزويدها بأرقى الآلات الموسيقية من أجل الإبداع الغنائي حريصاً كل الحرص على أصالة الأغنية وأساسيات وضعها سواء كان من الناحية اللحنية، لأن دور الفنان اليمني لا ينحصر في تطوير وتقديم الأغنية الوطنية ولكنه يحمل الرسالة الانسانية بشكل صادق والبناء الذي وضعه كان أساساً قوياً للأغنية اليمنية الحديثة».
وهناك العديد من المحاولات الجادة في رفع مستوى الأغنية اليمنية فكان دور الفنان الحديث بارزاً في كيفية المعالجة الفنية لتلك الأعمال.. لكي نصل الى مفهوم واضح حول هذه المعالجات لابد لنا أن نحلل بعض الأعمال الفنية اليمنية التي كانت في السابق شعبية الأصل ثم خرجت من تحت هذا المصطلح عندما تدخل الفنان اليمني وحاول معالجتها فنياً بصيغة الحاضر المتجدد، فلو أخذنا على سبيل المثال غنائية الصيادين للفنان يوسف أحمد سالم وأغنية حقول البن للفنان الراحل أحمد بن أحمد قاسم.. وفي السنوات الأخيرة عمل الفنان اليمني الحديث الشديد الحماس للإرتقاء بمستوى الأغنية الشعبية من مستوى الأداء الشعبي البسيط الى مستوى الأداء العالي إلاّ أنه كان حريصاً كل الحرص على أصالة الأغنية وأساسيات وضعها سواء كان من الناحية اللحنية أو الناحية الايقاعية كما قام بمعالجتها وتجميلها موسيقياً بحيث أظهرها لنا بالتالي في ثوب جديد يليق بمستوى الأغنية الوطنية الحديثة مع المحافظة على التراث الموسيقي المستخدم في الأغنية القديمة وتطبيقه على الأغنية الحديثة، لقد كانت الأغنية القديمة تعتمد على نوعية الشعر المغنى، أما اليوم فاعتمد الفنان الحديث على الأغنية التي تلائم المستمع اليوم وحاول إثراء الناحية الموسيقية وعمل على تحسين الأداء الغنائي بشكل عام للأغنية الوطنية والعاطفية معاً .
إننا إذا حاولنا تقييم الأغنية الوطنية والموسيقى الشعبية وتقييم المستوى الفني لتلك الأغنية حيث يتبين لنا مدى أصالتها وعمقها الفني علماً بأن هناك الكثير من النماذج تبين لنا مدى جهود الفنانين اليمنيين في تطوير الأغنية اليمنية الى المستوى الذي يتناسب مع التطور الحضاري للإنسان الحديث.
بطل الأناشيد الوطنية
كان للدور المعرفي النضالي الذي لعبه الفنان اليمني تجلياته وإسهاماته الوطنية الفاعلة والمؤثرة المحرضة للخلاص من عبودية وبراثن كل أشكال الاحتلال الاستعماري بصوره المتعددة والمختلفة، فنحن لا نستطيع أن نتحدث عن مرحلة الكفاح المسلح دون أن «نعرج على الدور النضالي الذي لعبته الأغنية الوطنية» ومفعولها القوي المؤثر في إلهاب وإشعال حماس وهمم الشعب اليمني بكل فئاته وشرائحه الاجتماعية لتقوده وتدفعه وتحرضه لحمل السلاح ضد العدو الغاشم ابتغاءً للخلاص منه ونيل الحرية.
فمَنْ منا لا يتذكر الأعمال والأغنيات الوطنية التي ارتبطت بمحطات نضالية غاية في الأهمية في حياة شعبنا لترصد “بحرفية فنية رائعة” عجلة دوران الزمان والتاريخ وتستوقفه بلحظة إبداعية حملت عمقاً وبعداً له مضامين ودلالات إنسانية وتاريخية متعددة، فإذا تحدثنا عن فترة الكفاح المسلح وحكم الإمامة وما حدث بعدها من تداعيات ستأتي إلى مسامعنا تلك الأناشيد والأغنيات الخالدة التي نتذكر منها على سبيل المثال هذه الأعمال العظيمة.
فمن بين خاصرة الابداع اللحجي ومن على قافلة الحرف الوطني وقبل حوالى57عاماً وتحديداً في عام 1956م كانت أولى ألحانه ليبدأ معها مسيرته الفنية التي نجدها اليوم مطرزة بالكثير من العطاءات والابداعات الغنائية واللحنية سواء في مجال الأغنية العاطفية، أم الأناشيد الوطنية التي اشتهرت ونالت إعجاب الجمهور وحبهم لفنه الراقي.. أكثر من نصف قرن حياة حافلة بالعطاء ليس فنياً فقط بل وتربوياً فقد كان مربياً فاضلاً ومعلماً ناجحاً تتلمذ على يديه العديد من الكوادر والأجيال الذين غرس فيهم روح الوطنية والانتماء للوطن والتشبث بالأرض والتمسك بالعزة والكرامة والحرية.. مناضل وطني ساهم في مختلف مراحل الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني بصوته شادياً بأروع الأناشيد الثورية التي أشعلت روح الحماس في جماهير الشعب اليمني من أجل التحرر والاستقلال.. إنه الفنان الكبير حسن عطا.. بطل الأناشيد ومقارع الاحتلال، فنجد الأستاذ حسن عطا من الذين يمثلون صفوة المجتمع أفضل تمثيل ابتداءً بالأمير أحمد فضل القمندان وعبدالله هادي سبيت والفنان فضل محمد اللحجي وانتهاءً ببطل الأناشيد والمربي الفاضل المبدع حسن عطا «حسن محمد إبراهيم عطا الله» ومن بينهم كوكبة من المبدعين والعلماء ورجال الفكر والسياسة الذين أنجبتهم اليمن.
وتشير المعلومات في كتاب «نهر العطاء الدائم» الى أن الفنان حسن عطا كانت بدايته الفنية في سن مبكرة وعمره 17 عاماً عندما بدأ يلحن الأناشيد العربية والمحلية، ومن تلك الأناشيد التي قدمها مع طلابه في المدرسة المحسنية بحوطة لحج عام 1945م نشيد كشفي مأخوذ من أحد الكتب السورية التي وصلت الى المدرسة المحسنية بواسطة البعثة التربوية المصرية وكان زميله المعلم عبدالله عبدالقيوم، هو من اختارها لحسن عطا وتقول الأبيات:
كشاف ياوجه العلا وخفقة العلم
كن للبلاد الأمل والسيف والقلم
في حالكات النوب لا تهب.. لا تهب
واهتف بلاد العرب للعرب.. للعرب
وفي عام 1955م قام بتلحين عدد من الأناشيد المدرسية الشبابية، مثل:
إلى الجهاد زحفنا أسد العروبة جمعنا
الله حقق نصرنا فلتخضع الدنيا لنا
فلتخضع الدنيا لنا
وكان المد القومي العربي قد بدأ يصل إلى اليمن وخصوصاً عدن ولحج كغيرها من المناطق اليمنية التي بدأت تستشعر بالميل العربي والحب لثورة 23 يوليو 1952م وظهرت تباشير الوعي الوطني توجه دفة المشاعر نحو التحرر والعزة والكرامة، وقد لحن الفنان حسن عطا أنشودة أخرى في عام 1955م، أيضاً من كلمات المربي الفاضل محمد حسن أفندي بعنوان «نشيد الجهاد» تقول في مطلعها:
أنا رمز للجدود أنا شبل للأسود
عشت من أجل بلادي هي قصدي ومرادي
وبعد هذه التجربة مع عالم الألحان والعمل مع تلاميذ المدرسة المحسنية، اكتسب خبرة كبيرة أهلته للانضمام الى ندوة الجنوب الموسيقية والتي جاءت منذ تأسيسها لدعم الثورة الجزائرية، حيث أقامت عدة حفلات فنية في عدن ولحج، كان ريعها لدعم الثورة من جهة ومن جهة أخرى خلق وعي وطني يعمل على تعبئة الجماهير بأفكار الحرية وتطهير الوطن من الاستعمار.
اعتقال حسن عطا
وفي الحفل الذي أحيته الندوة في مدينة عدن الصغرى - البريقة بمناسبة العيد السادس لانتصار ثورة 23 يوليو وبمناسبة تأسيس النقابات الست التي كان يرأسها النقابي عبدالله علي عبيد، قدم الفنان حسن عطا أنشودة «أيها العمال هيا» وهي من كلمات الشاعر صالح نصيب وتقول أبياتها:
أيها العمال هيا
هيا يا رجال
هذه الأرض تنادي والجبال
هيا يا رجال أتبعوا جمال
أيها العمال يا عرب الجنوب
إن نصر الله من نصر الشعوب
فانصروه اليوم ينصركم غداً
حين تخلو الأرض من ظلم العدا
عندما قدم الفنان حسن عطا هذه الأغنية على مسرح «شركة B.P» مصافي عدن، هاجت الجماهير مرددة النشيد وقررت السلطات الاستعمارية في تلك الأثناء اعتقال الفنان حسن عطا، ولكن الجماهير الحاضرة في الحفل منعت اعتقاله وحالت دون تنفيذ أمر الاعتقال وقامت بتهريبه من عدن الى لحج.. وكان حسن عطا «رحمه الله» قبل هذه الانشودة والواقعة الشهيرة، قد قدم أغنية « أخي في الجزائر يا عربي» وهي أيضاً من كلمات الشاعر صالح نصيب وألحان الامير محسن بن أحمد مهدي وقدمها في حفلات دعم ثورة الجزائر في مدينة عدن والحوطة ودار سعد سنة 1956م، وتقول كلماتها:
أخي في الجزائر ياعربي
تحدى فرنسا ولا تهب
فأنت الشجاع وأنت الأبي
عهدناك في الشرق والمغرب
فيا ابن الجزائر إنًّا هنا
سنفدي العروبة بدمنا
فأرض الجزائر من أرضنا
وجيش الجزائر من جيشنا
فرنسا فويل لك من رجال
أرادوا يعيشوا كعيشة جمال
بحرية حقه لا خيال
فهم يا فرنسا أسود القتال
وقدم كذلك أنشودة «ثورة» من كلمات الشاعر صالح نصيب وألحان حسن عطا تقول بعض أبياتها:
باسم هذا التراب والفيافي الرحاب
والجبال الصعاب
سوف نثأر يا أخي
إن في الثورات موتاً
ومن الموت حياة
إن في الثورات نصراً
تسمع الدنيا صداه
إنها ليست خيال
فأسالوا عنها جمال
فهو قهار المحال
وفتى قوميتي
وغنى من قصائد الشاعر صالح نصيب أغنية «من أجل الكرامة قامت ثورتي» وغيرها من القصائد الوطنية والعاطفية والتي حفظها جيل الثورة، أغنية «ثرنا على الرجعية ثرنا.. ثرنا على الخائنين»
ثرنا على الاقطاع .. واصحاب الملايين
هذه الاغنية في الحقيقة من كلمات فناننا القدير حسن عطا، إضافة الى أغنية « يا مستعمر لا زم ترحل» و«أعلنا الجمهورية» و«فلتحيا الثورة اليمنية».. كما غنى للوحدة اليمنية عام 1958م بعنوان «الوحدة» كلمات وألحان الشاعر عبدالله هادي سبيت وفي هذه الاناشيد والاغاني الوطنية «أعلنا الجمهورية» و«ثرنا على الرجعية» و«فلتحيا الثورة اليمنية» تذكر بعض المعلومات أنها أرسلت في عام انتصار ثورة 26سبتمبر 1962م الى إذاعة صنعاء.وحملت الاغاني العاطفية التي قدمها ولحنها حسن عطا ايضاً شيئاً من هموم العاشق الوطني والانسان المكبل بقيود الظلم والحرمان..في صور وجدانية عاطفية، تحمل رسالة الوطن ومنها أغنية «حالتي ترحم» من كلمات الشاعر علي عوض المغلس يقول في مطلعها:
حالتي ترحم ونا مقدر على شيء يأذنوبه
والهوى طاغي على أهل الهوى شاعل حروبه
وين من يرحم من ينصف معذب جحجحوا به
وفي تصريح خص به صحيفة «الجمهورية»عام 2007م أجرته مندوبة ملحق «فنون» قال فيه: صحيح أن الأغنية شبه مجمدة لكن يجب على الفنانين أن يثابروا، نحن أتينا في فترة وكنا نقدم الاغاني ونحن في حالة صعبة وبالتالي فإن الفنانين والشعراء والملحنين هم المسئولون عن حال الأغنية اليمنية. أيضاً وزارة الثقافة والجهات المعنية عليهم أن يدفعوا بهؤلاء الفنانين ومساندتهم من أجل بقائهم على الساحة الفنية.فنحن في الخمسينيات كان لدينا تراث كبير وغني وضعه لنا القمندان.. ونحن أتينا امتداداً لهذا الرجل..وهو ما أعطانا دفعة قوية لأن نقدم الأغنية الجميلة وأيضاً الجهات المسئولة يجب أن تحافظ على هذا التراث الذي كانت الكلمة واللحن والأداء بسيطاً في زمن الفن الأصيل مايسمى السهل الممتنع ، كما أن الندوات الفنية التي كنا نجتمع فيها كان يجتمع فيها الشاعر والملحن والفنان والمشجع والمستمع كل واحد منهم يعطي دافعاً للآخر، فعندما كنت استمع لأحمد ناصر، فضل ناصر، فضل محمد اللحجي، فيصل علوي أو أي فنان يأتي بلحن كان يهزني هذا اللحن ويدفعني لأقدم أغنية على هذا اللحن، وأيضاً التآلف الموجود بيننا والذي أصبح اليوم معدوماً، كنا لا نفكر بالشهرة أو المال ،نفكر فقط كيف نقدم الأغنية شعراً ولحناً وأداءً حباً للفن والغناء الصادق، أما الشهرة فجاءت لوحدها نتيجة لعمل ناجح وأغان لاتزال تغنى ومزروعة في الأذهان حتى الآن.
عميد الأنشودة الوطنية
لم تكن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة حدثاً استثنائياً ولكنها انطلاقة تجسد رؤية تنوير صوب التغيير والبناء تتمثل في أهداف ستة في خلق ثقافة الثورة في تطلعات إبداعية في خيالات الشاعر والفنان, ونظمت القصائد تشدو بروائع أغنيات انتصار الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر التي نظمها شعراء مبدعون، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر من أمثال الراحل البردوني والمرحومين عبدالله عبدالوهاب نعمان, وإبراهيم الحضراني وعلي صبرة والمقالح والراحل إبراهيم صادق صاحب الأغنية الوطنية المشهورة (أنا يمني) ولا شك أنه كان للأغنية الوطنية دورها الفعال والمؤثر في شحذ ورفع الروح المعنوية لدى الثوار والثائرين على الظلم والظلام والطغيان والاستبداد والجبروت الإمامي والاستعماري في شمال الوطن وجنوبه, حيث كان للأغنية الوطنية تأثيرها الإيجابي الكبير في مضاعفة حماس الثوار وفي الوقت ذاته كانت كالصاعقة المدوية على النظامين البائدين الكهنوتي والاستعماري، الأمر الذي مهد لانتصار الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر وتحرير الوطن من براثن الطغيان والاستبداد. فالأغنية الوطنية أسهمت في دعم ثورة 14 أكتوبر وانتصارها ... وما كان الفنان محمد مرشد ناجي إلا أبرز من أعطى للأغنية الوطنية مكانتها، إذ كان السباق -قبل زملائه الآخرين - الذين اتخذوا من سلاح الكلمة والحرف والأغنية وقوداً لتزويد وتمويل الشعور الوطني آنذاك، فهومن عباقرة الفن ومجدديه ابن مدينة الشيخ عثمان، ذلك العمق المكتظ ذي العبق الخاص في مدينة عدن الغنية والخصبة دوما بالإبداع الذي عاش فيه أجمل سنوات طفولته ودراسته الإبتدائية ويعد المرشدي واحدا من أهم دعائم وركائز “الغناء التجديدي الحديث”، ولا يغفل أحد دوره البارز والمؤثر في تقديم الموروث والفلكلور فقد أدى وببراعة جميع ألوان الأغنية« الحضرمية, اللحجية, اليافعية, وهو أولى من غنى الأغنية التهامية». كما أن بصمته الفنية تتجاوز التجديد في الغناء والتلحين الى التأليف أيضا ورصد الحركة الفنية وتاريخها ضمن مراحلها المختلفة على مر السنوات فله العديد من المؤلفات: «الغناء اليمني ومشاهيره»,«أغنيات شعبية», «أغنيات وحكايات» و« صفحات من الذكريات ونذكر هنا القصيدة المشهورة المغناة «أخي كبلوني» عام 1954م من كلمات لطفي جعفر أمان والتي قيلت عندما قامت قوات الاستعمار بالقبض على المناضل الفقيد عبدالله عبدالرزاق باذيب ومحاكمته وقد قوبل هذا التصرف بسخط وشجب بالغ من قبل الشعب ،الأغنية من تلحين وأداء الفنان محمد مرشد ناجي:
أخي كبلوني وغل لساني
واتهموني
بأني تعاليت في عفتي
ووزعت روحي على تربتي
فتخنق أنفاسهم قبضتي
لأني أقدس حريتي
كما كان له صدح آخر من قاهرة المعز، حيث نظم الشاعر سعيد الشيباني قصيدته المشهورة (بالله عليك ياطير يا رمادي) والتي قام بتلحينها وأدائها الفنان الكبير محمد مرشد ناجي والتي يقول فيها:
بالله عليك يا طير يارمادي
تفرش جناح وتردني بلادي
أنا فدا السلال فدا بلادي
من الحسن والبدر حرر بلادي
أنا فدا صنعاء فدا بلادي
فدا حقول البن في كل وادي
والأغنية طويلة وتحتاج إلى شرح وتفصيل لمعانيها الإنسانية ومقارنة لما كان عليه الوضع قبل الثورة وبعدها وفي نفس الوقت نظم الشاعر نفسه قصيدة للفنان فرسان خليفة بعنوان (حي نصر الشعب) والتي يقول فيها:
حي نصر الشعب في اليمن السعيد
عاد بلقيس عهدك من جديد
وهي طويلة وشيقة تبعث في الروح الأماني والآمال الكبيرة ،حيث كان للأغنيتين أثر كبير في نفوس المهاجرين الهاربين من جحيم الظلم والظلام الإمامي والذين بمجرد سماعهم لمثل هذه الأناشيد الوطنية حزموا حقائبهم وقرروا العودة إلى أرض الوطن مباشرة وعلى الفور.. وعن تجربته في الغناء لإذاعة صوت العرب صرح في إحدى مقابلاته مع الزميلة لبنى الخطيب لموقع «المصدر أون لاين» غنيت في إذاعة صوت العرب.
بجهود شخصية وظروف تسجيلها كنت في القاهرة ذات يوم زرت السيد قحطان الشعبي رحمة الله عليه قبل إعلان استقلال جنوب اليمن من الاستعمار البريطاني وتنصيبه أول رئيس لجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، كان من القاهرة يمارس نشاطه السياسي، اقترح علي تسجيل أغنية من أغنياتي الوطنية لإذاعة صوت العرب الملهمة للشعوب العربية في النضال والتحرر من الاستعمار، ذهبنا معاً لمقر الإذاعة قدمنا طلباً لمديرها الأخ سعد غزال أول ما شاهدنا وبصحبتي قحطان الشعبي وافق على طول، والصدفة خدمتني أيضاً كنت تعرفت عليه في صنعاء للاحتفال بانتصار ثورة 26 سبتمبر 1962م دعيت للمشاركة ونزلت في دار الضيافة مع عدد من الوفود، لم يكن هناك فنادق وعدد من الوزراء فتحوا منازلهم أيضا لاستقبال كبار الضيوف المدعوين، ولإذاعة صوت العرب سجلت ست أغان مقابل مبلغ سددته، عكس زمننا اليوم الفنان يطرح شروطه والمبلغ المطلوب لتسجيل أغانيه. وعن أغنية «نشوان» عادت من جديد؟ فقد وصف السياسة للأسف تحمل الخبث، وجدت كلمات الشاعر سلطان الصريمي منشورة في أحد أعداد مجلة «الحكمة اليمانية» أعجبتنا وكنت سأقدمها 1977م بالذكرى العاشرة لاستقلالنا الوطني، لكن القيادة السياسية رفضتها آنذاك، وفي 1979م بدأت مناوشات على حدود شطري اليمن واستمرت في التصاعد، دعتني القيادة السياسية حينها وقالوا سمعنا لديك أغنية اسمها «نشوان» نود سماعها وأجازوها وتم تسجيلها على العود عصر اليوم التالي، وظلت إذاعة عدن تذيع إعلاناً بين وقت وآخر، ذلك اليوم تلفت انتباه المستمعين لإذاعة الأغنية الجديدة «نشوان» في الساعة الخامسة مساءً، سمع الصريمي الإعلان وكان يقيم في الحديدة بشمال اليمن، واحتار لحظتها هل سيغني المرشدي أغنيتي أو الأغنية الأخرى القريبة للملحمة والأوبريت للشاعر عبدالله سلام ناجي الذي كان ساكناً عندكم في التواهي وكتبها قبل فترة وأسماه «نشوان»، وأذيعت في موعدها «نشوان» الصريمي وما إن انتهت الأغنية إلا باب بيت سلطان الصريمي يدقوه العسكر وضربوه ضرب، لأن الجهات المختصة حست بالخطورة وأعماها الغضب، فلم تتفحص مضمون القصيدة ولا زمن كتابتها فداهمت الشاعر وسجنوه، وتوسط للإفراج عنه الشاعران الكبيران عبدالعزيز المقالح وعمر الجاوي اللذان وضحا للقيادة في الشمال آنذاك متى كتبت القصيدة فأفرج عنه، وأغنية «نشوان» خدمت كثيراً الصريمي وانتقل للعيش في عدن.
رائد الأغنية الوطنية
لأن الفن أداة من أدوات التنوير إذا احتوى قيماً نبيلة ومضامين سامية بأشكاله المختلفة والاغنية أسرعها وصولها وأشدها تأثيراً على الوجدان العام والتفكير الجمعي في مرحلة كتلك، تخلف فيها أثر شكل فني آخر فإن فنانينا الرواد والكبار بما أحدثوه من نهوض فني تجديدي يعدون من ضمن رواد حركة التنوير ومن بينهم الفنان الكبير الراحل رائد الأغنية الوطنية اسكندر ثابت وقد أسهم بدور هام في مجابهة المستعمر بأغانيه الوطنية المعبرة والتي كانت تذاع من خلال إذاعة صوت العرب ومنها هذه الأغنية:
سلام ألفين للشجعان في الاشعاب والبندر
وعلى صوت العرب قاموا من أجلك
يا شعب الجنوب النصر يهنا لك
حلفت ايمان بالقرآن والخنجر..
وفي ندوة نظمها قبل سنوات قليلة منتدى (الباهيصمي) الثقافي بعدن عن اسكندر ثابت قال الفنان المسرحي القدير الأستاذ احمد محمد الشميري: (إن أبناء جيل اسكندر ثابت لم يعرفوا الطفولة فحملوا هموم الحياة وهم بعد في أول مراحل العمر وكان عليهم أن يجتهدوا ليضمنوا درجات التفوق في المواد المقررة عليهم من قبل مدرستهم.. وأضاف(كان اسكندر ثابت منذ مرحلة طفولته مثالاً حياً لأبناء جيله الذي ولد في قلب الألم وكان عليه أن يفكرو هو بعد في مرحلة الطفولة تدعمه رعاية جده لوالدته «الشيخ صالح حسن تركي» الذي حرص على تشجيعه وحثه على المثابرة والاعتماد على التفكير السليم) وُلد الفنان الكبير اسكندر ثابت في 29 أغسطس 1919م بمدينة الشيخ عثمان بمحافظة عدن وتوفي- يرحمه الله- بتاريخ 1661996م بمدينة جدة ودفن فيها وتلقى تعليمه الأول في كتّاب جده الشيخ صالح حسن تركي – يرحمه الله- وهو الكتّاب الذي درس فيه عدد غير قليل من الأطفال صاروا فيما بعد من أبرز مفكري ومثقفي وأدباء وشعراء وفناني عدن ،وكان الشيخ صالح حسن تركي مُلماً بالغناء والعزف على العود وكان لذلك –دون شك- أثر في شغف ليواصل... أحمد محمد الشميري حديثة عن الطفل اسكندر ثابت بالموسيقى والغناء.
تحصل اسكندر ثابت على تعليمه الابتدائي في مدرسة «الميشين التبشيرية» وهي مدرسة إرسالية مسيحية في الشيخ عثمان وتحول مبناها فيما بعد إلى مستشفى عفارة وهو اليوم دار المحكمة الابتدائية لمدينة الشيخ عثمان وضواحيها وفي هذه المدرسة التبشيرية المسيحية درس عدد غير قليل من مثقفي عدن ومع ذلك لم يؤثر ذلك على عقيدتهم وظلوا متمسكين بإسلامهم بتأثير قوي وراسخ من الأسرة والمجتمع.. تعلم اسكندر ثابت العزف على آلة العود على يد أخيه سعيد ثابت يرحمه الله والد الفنان القدير نجيب سعيد ثابت وفي العام 1937م سافر إلى القاهرة وفي جامعتها حصل على البكالوريوس في الأدب الانجليزي وخلال سنوات دراسته استغل وقت فراغه في المساء لدراسة الموسيقى وحصل فيها على شهادة البكالوريوس، وفي القاهرة كان عضواً في الاتحاد اليمني الذي كان يرأسه الأديب والشاعر الشهيد محمد محمود الزبيري وقد طاب له المقام في قاهرة المعز ولم يعد إلى عدن إلا في مطلع الستينيات لكنه وخلال أكثر من عشرين عاماً قضاها في القاهرة لم يكن بمعزل عن هموم ومعاناة وطنه الكبير «اليمني» شماله وجنوبه وشارك في النضال الوطني بالكلمة الشعرية القوية والأغاني الوطنية الحماسية المحرضة على الثورة والكفاح منذ مطلع الخمسينيات بعد قيام ثورة يوليو 1952م في مصر، وذلك من خلال إذاعة صوت العرب وكان اسكندر ثابت هو المطرب العربي الوحيد - كما قيل لي –الذي يسمح له للمشاركة في الاحتفالات التي كانت تقام سنوياً في أعياد ثورة يوليو، وفي هذه الحفلات منذ العام 1954م كان يغني الأغاني الوطنية الحماسية التي كانت تلهب حماس الشعب اليمني للثورة وتدعوه للتحرير وفي واحدة من تلك الحفلات عام 1954م - إن لم تخني الذاكرة - ألقى اسكندر ثابت كلمة قبل أن يقدم أغنيته الوطنية الرائعة «يا ظالم ليش الظلم ذا كله» ومن كلمات الشاعر والملحن الكبير عبدالله هادي سبيت، وكانت الكلمة التي ألقاها كلمة تحريضية مباشرة وقوية ضد حكم الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين في شمال الوطن “سابقاً” و قد أغضبت كلمته الوطنية الصادقة والداعية للثورة الإمام أحمد فأصدر حكماً غيابياً عليه بالإعدام، مطالباً القاهرة تسليمه الفنان اسكندر ثابت، ورفض عبدالناصر طلب النظام الإمامي الكهنوتي المستبد.
مطلع الستينيات عاد اسكندر ثابت إلى عدن، وحصل على وظيفة مشرف إداري في شركة مصافي عدن، وفي مطلع الثمانينيات عين بمرسوم رئاسي مستشاراً لوزير الثقافة والإعلام في جنوب الوطن سابقاً، كما كان رئيساً للجنة النصوص في إذاعة عدن إلى ماقبل قيام الوحدة اليمنية.
وعن اسكندر ثابت الإنسان يقول الأستاذ أحمد الشميري : « هو الفنان المثقف الموهوب، الأديب الصادق والإنسان الوفي الساعي لفعل الخير.. الإنسان الرافض لكل ألوان القهر والذل والهوان.. الصابر عزيز النفس القنوع»، وفي مطلع شبابه كان اسكندر ثابت ممثلاً مسرحياً، إلى جانب شغفه بالغناء والموسيقى الذي تعدى لديه كل شغف فني آخر، وإلى جانب ذلك كان يكتب النص الغنائي، وفي نصوصه دلالة على شاعرية غلبها الشغف بالموسيقى.
وإذا كان من الهين اختصار السيرة الذاتية لأي مبدع، فإنه من الصعب اختصار سيرته الفنية بكل ما فيها من عطاء فني زاحر بالجمال والحيوية والحياة فما بالكم بفنان كبير بحجم اسكندر ثابت، له ألحانه “الاسكندرية” التي تلامس الروح وتطرب الوجدان، وتشنف الآذان، ويبقى أثرها الحلو والمريح في النفس لفترة بعد الانتهاء من سماعها.
عملاق الأغنية الوطنية
كبير حبك يا وطني فعندما أجيت يا ليل كان الحلم يرتل في ألحانك الله اكبر فأصبح قلبي يتبادل تقاسيم على العود ودقت ساعات صدفة وأصبحت كلما تخطر ببالي أكون خايف من الأيام ترجع وتتحداني تهجر وتنساني .
ليتجسد حب الوطن في ألحاني وصوتي عندما غنيت الوحدة اليمنية ، ويتعملق ذلك الحب في يامزهر الحزن ويبقى حبي لك يا قحطان يا حبيب الكل .
لقد كان فعلاً عملاق الأغنية الوطنية الفنان أحمد بن احمد قاسم تلك القامة الفنية الكبيرة التي ظهرت في عدن في بداية الخمسينيات من القرن العشرين الماضي ، و اختط لنفسه لونا من الغناء ميزه عن آخرين في الساحة الفنية الغنائية في عدن ولحج وبشهادات الكثيرين ، وإرثه الموسيقي يشهد عليه معجبيه ، وهو من تغنى بكلمات صاغها عدد من الشعراء ومنهم « لطفي جعفر أمان،سعيد الشيباني، أحمد شريف الرفاعي محمد سعيد جرادة، فريد بركات، عبدالله عبدالكريم، القرشي عبدالرحيم سلام، نزار قباني، أحمد الجابري، د. محمد عبده غانم ، أحمد رامي، علي عبدالله أمان، مصطفى خضر ، محمد عبدالله بامطرف ، سعيد نايف ،جعفر عبده ميسري ،علي لقمان و حسين محمد البار»، و وفق احمد قاسم تلحيناً و أدءاً لتلك الكلمات ، واصطبغت الأغاني بعبق الفلكلور الموسيقي من اللون العدني واليمني وبلهجاته المختلفة ، وبعضها ممزوجاً بالنكهة الغنائية المصرية ، وتفرده مداعباً أوتار عوده الحبيب بأصابعه الذهبية و كثيراً ما تجرحت و«أدمت حتى التقيح» حامله الحب للحبيبة واليمن ولعدن منها (صيرة وساحل أبين و أمواجه والبحر والرملة ....لتبقى الملحمة البطولية مزهري الحزين “موكب الثورة”، تلك “الملحمة البطولية” التي تحكي تاريخ الاحتلال البريطاني وانتفاضة الشعب في جنوب الوطن؛ ابتغاءً للاستقلال والحرية.. هذا العمل الفني الوطني الرائع والخالد يعد وثيقة تاريخية أبدعها شعراً العظيم لطفي جعفر أمان، وترجمها غناء دراميا تعبيرا موسيقيا الموسيقار أحمد بن أحمد قاسم. لأحمد قاسم عمل غنائي (ملحمي) في منتهى القوة والجمال, وهو عمل وطني يعد من أفضل وأجود وأكثر حيوية ورشاقة من العملين المشهورين لمحمد عبدالوهاب (الجيل الصاعد) و(الوطن الأكبر), هذا العمل العظيم قدمه أحمد قاسم أواخر سبعينيات القرن الماضي, من كلمات لطفي جعفر أمان(باللغة العربية الفصحى) ومدته في التسجيل القديم نحو عشرين دقيقة, الجمال الشعري والموسيقي في هذا العمل يؤهله اليوم ليتحول إلى أوبريت أو مسرحية غنائية أو عرض لوحات, أو أوبريت ميداني أفضل ألف مرة مما شاهدناه حتى اليوم، هذا العمل العظيم المشهور بعنوان(يامزهري الحزين) يلخص فيه الشاعر الكبير لطفي والموسيقار أحمد قاسم قصة الثورة اليمنية, منذ أيام عهد الإمامة الكهنوتي المظلم وعهد الاستعمار البريطاني إلى مابعد قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين والاستقلال الوطني 1967م, هذا العمل الفني العظيم, تم حجبه عن القنوات الاعلامية الرسمية منذ أكثر من عشر سنوات, ومن الطريف أني سمعت أن العلاقات اليمنية البريطانية الحميدة والطيبة هي السبب, لأن لطفي يقول في هذا العمل الفني العظيم:
في ليلة مسعورة الظلماء
وفدت إلى شواطئ قوافل الأعداء
يقودها القبطان(هنس)
انجليزي حقير
فبدر القلاقل وفرق القبائل
مدعياً أن جدودي هاجموا سفائنه
ونهبوا خزائنه
وإننا بكلمةٍ غريبةٍ
قراصنة
فلكأنه كان يرتجي للحياة ان تزهر وتمتطي حقل السعادة
حين بدأ تلك الملحمة :
يا مزهري الحزين
من يرعش الحنين؟
الى ملاعب الصبا.. وحبنا الدفين؟
هناك.. حيث رفرفت
على جناح لهونا
اعذب ساعات السنين...
يا مزهري الحزين
الذكريات.. الذكريات
تعيدني في موكب الاحلام للحياة
لنشوة الضياء في مواسم الزهور
يستل من شفاهها الرحيق والعطور
باكورة الأغنية الوطنية
الفنان أيوب طارش علم من أعلام الفن اليمني الذي أسهم بشكل كبير بانتشار الاغنية التراثية ومما يميز أيوب عن غيره هو أن أغانيه سواءً الوطنية أو العاطفية أو الاغاني المرتبطة بالزراعة والحصاد والمناسبات الاجتماعية، تظل خالدة في قلوب الناس وعالقة في أذهانهم ومرسومة في خيالهم، كما أنها تتجدد في كل وقت ،لأن لها وقعها الخاص ونكهتها الفريدة وموسيقاها الشعبية وايقاعاتها المحلية،ولا يشعر المستمع لها بأي ملل حتى وإن ظل يسمعها أكثر من مرة،والشيء الذي جعله مخلصا لفنه محترما لنفسه وجماهيره، هو شعوره الجميل تجاه الموسيقى وحبه وولعه لها، وقبل ذلك شعوره بأنه يؤدي رسالة فنية، وليس كونه مؤديا فقط، وهو في الوقت نفسه أحد الفنانين القلائل الذي يتفاعل مع كلمات الاغنية ومعانيها لدرجة أنه يستطيع أن يغير ملامح وجهه ونبرات صوته ، بل إنه يتعمق كثيرا في أجواء القصيدة ،ولذلك اطمئن أكثر الشعراء ابداعاً لقصائدهم وهي تترجم عبر احساس وأنفاس أيوب طارش.وكان لإنطلاقته من عدن المدينة الذي اطلق عليها مدينة «الحب والفن والعشق والطرب» أثر جميل وأضافت له الكثير خاصة وانه شارك في حفلات كثيرة مع فنانين سبقوه في الشهرة والانتشار مثل الفنان محمد مرشد ناجي والفنان محمد سعد عبدالله والفنان احمد قاسم وغيرهم من الفنانين الذي اعتبر ايوب أنهم شكلوا مدارس يمنية موسيقية متنوعة..وفي هذه الاجواء الموسيقية الجديدة عليه، وفي ظل وجود عدد كبير من الفنانين اليمنيين المشهورين، قرر أيوب في قرارة نفسه ان يكون واحدا منهم وأن يشكل لنفسه مدرسة متفردة، وهو فعلا ماتحقق له فيما بعد واصبح أداؤه ولونه الموسيقي مؤثرا في كثير من جيل الشباب الذي مازال متأثراً بأيوب حتى اليوم.وعندما نسمع اليوم أغاني مثل «عليل الهوى.. وازخم» نجد قدرته الفائقة على الغناء باللهجة العامية،ورؤيته للبئية التي ينتمي لها وكيف يوصل هذا التعبير الى كل انسان حتى وإن كان أمياً، فالموسيقى لدى ايوب طارش طقوس للمزارعين والفلاحين والنساء اللاتي يقمن بالفلاحة والزراعة، ولم يقتصر غناؤه على هذه الشريحة من الناس البسطاء بل ذهب الى أبعد منذلك حيث عاش مرارة الاغتراب وأحس بما يعانيه الانسان اليمني فيمهجره ومواقع اغترابه،عاش أيوب حياة المعاناة مع أبناء الوطن في المهجر.وقدم أجمل أسغانيه في هذا المجال وإن لم تكن رائعة الشاعر عبدالكريم مريد هي الوحيدة التي شدا بها ايوب في وقت مبكر وهي اغنية «ارجع لحولك كم دعاك تسقي، ورد الربيع من له سواك يجني» هذه وغيرها من الاغاني أثارت الأشجان والاشواق والآهات والحنين وأحيت ذكريات جميلة عن الوطن والاهل والقرية، غنى ايوب الكثير، ومن تعمق في اداء أيوب طارش سوف تعرف ان أيوب طارش غنى لكل شيء جميل في الوجود، تفوق بإبداع وتميزعن غيره، ليس بالغناء عن المرأة الفلاحة ولا عن المزارع الحافظ لأرضه، ولا عن الوطن الذي كثيرا ماغنى له، ولكن ايوب ايضا أنشد وغنى بفرح لليمن والوحدة،فكان بصوته الجميل يدب الحماس في نفوس الجماهير، لم يكن يغني فقط .ولكن كان يرسم الكلمات ويمزجها بالموسيقى، ساعده في رسم اجمل القصائد الشاعر والصحفي عبدالله عبدالوهاب نعمان« الفضول » اللذين عانقا الابداع وامتزجت قدراتهما ببعض، فخرجت اعمالهما للمستمع اليمني بأجمل ما صوره الخيال، وكما كان مع الفضول متألقا كان ايوب طارش مجسداً لروائع كثيرة كتبها عدد من الشعراء منهم الديلمي وصبره واحمد الجابري، ومن جمال ماكتبوا في مجال القصيدة الوطنية «مواكب التحرير وعودة السندباد ولمن كل هذه القناديل».وغيرها من الأغاني والأناشيد الوطنية والتي منها النشيد الوطني «رددي أيتها الدنيا نشيدي»، وفي واحدة من أجمل القصائد الوطنية التي قدمها بصوته، يقول: يابسالات الفداء، اننا شعب فداء، احلامنا نبتت فوق قبور الشهداء، ياجلالات العطاء إننا شعب نداء، أيامنا لم تلد غير نفوس الكرماء، يارسالات السماء، إننا شعب هدى، اسلافنا أزهرت فيهم اماني الأنبياء، وطني الحبيب، ليس في أيام بعدي عنك الا حسراتي، إنها تأتي يتيمات كأيام وفاتي، وبها وحشة قبري ولها صمت رفاتي..أما على الجانب الآخر فقد قدم أيوب طارش كوكبة من الأغاني العاطفية منها :« هيمان، عليل الهوى، زارع الحب، صدفة من الصبح، بالله عليك ومسافر، خذني معك، هات لي قلبك،سامحني وانا باتوب، العمر محسوب، عروسنا، زرع الشجرة، دق القاع،الحب والبن، شن المطر،لمن كل هذه القناديل، صدفة من الصبح، الله من قلبك، عليل الهوى، صبر أيوب، دان دانه، مهلنيش، جوال،الصبايا»، ومئات من الأغاني التي مازالت حتى اليوم تردد من قبل الجمهور اليمني، ومعظم الألحان كانت من ألحانه..الفنان أيوب طارش عبسي له اسم يلمع في الساحه اليمنية وله أغان كثيرة، غنى للأرض وللحب وللوطن والثوره والغربة.. ومن أحسن أغانيه « ارجع لحولك» التي أحدثت ضجة في قلوب المغتربين اليمنين فجعلهم يشعرون بالغربة والوحدة وأغان أخرى منها : النشيد الوطني للجمهورية اليمنية « رددي أيتها الدنيا نشيدي» والأغنيه التي تنبأ بها بتحقيق الوحده اليمنيه « وعادت عدن لمن لمن لأجل اليمن »..الفنان أيوب طارش عبسي ظاهرة غنائية يمنية فريدة اجتمعت فيها سمات الانسان اليمني ومكوناته الثقافية والاجتماعية والتقت على أنغامها مشاعر الحب والحنين للأرض والانسان..هكذا عرفنا الفنان أيوب طارش عبسي منذ بدأ وعينا يرسم خيالات المستقبل وينشد لحظات الحب والجمال، فكانت أغاني الفنان أيوب طارش هي ملاذنا..فمن خلالها أرسلت أشواقنا للأرض وللمعشوق وللغائب عنا وللحقول والوديان المتناثرة على أرض الوطن ،وغردت الطيور والعصافير مع ألحانه المنسابة علىالشعاب والوديان والحقول كسيمفونية جميلة أشعلت قلوب المحبين وارتوت على أنغامها قلوب الحيارى والمعذبين..كانت- ومازالت- أغاني الفنان أيوب طارش تغذي آمالنا وتشنّف أسماعنا بزغردة طيور الفجر وهديل الحمام وخرير الغيول وحفيف الرياح حين تراقص الزرع في الحقول..فتسكنها قلوبنا وأرواحنا فتنعش فيها مشاعر الفرح والشموخ وتنمي فيها العاطفة الانسانية والانتماء للأرض والوطن.
نظم وقوافي ثورية
قام الراحل المناضل الشريف إبراهيم صادق بنظم قصيدته المشهورة (أنا يمني) والتي قام بأدائها الفنان الراحل إبراهيم طاهر والتي يقول فيها:
أنا يمني وأسأل التاريخ عني أنا يمني
أنا كونت معيناً وسبأ
أنا من شيّد غمدان ومارب
أنا لولا أمي والإباء
صنعاء صنعاء مناراً للأجانب
كانت الدنيا ظلاماً ..كانت الدنيا جحيم
لم تر فيها سلاماً أو نبياً عظيم
وسأبني موطناً وسأبني من جديد
وسأمضي صارخاً يا أيها التاريخ سجل
وهي إجمالاً تعني افتخار الإنسان بحضارته القديمة والعريضة وأصله وفصله وأجداده الميامين الذين شيدوا القصور والسدود ،مؤكداً أنه قادر على صنع المستحيل مهما كانت الظروف عصيبة ومظلمة ومنطلقاً من تاريخ أجداده القدماء.. ومن أرض الكنانة ومن إذاعة صوت العرب طلت علينا الفنانة القديرة فايدة كامل بأغنيتها الوطنية الثورية الحماسية وبصوتها العذب والصارخ على الظلم والتخلف والتي هي بعنوان (بإلارادة والعزيمة والجهاد) والتي تقول في مطلعها:
بالإرادة والعزيمة والجهاد
اليمن أشعلها ثورة على الفساد
وللأمانة أن هذه الأغنية ظلت وما تزال محتفظة بقوتها وروعتها رغم مرور أكثر من 46 عاماً على إنتاجها ، ولا أعتقد أن أحداً ينكر ذلك.. ناهيك عن أثرها ودورها الفاعل في نفس كل وطني غيور على وطنه, حيث كانت حينها تهز المشاعر وتطرب الألباب وترفع من معنوية أبناء اليمن الذين هبوا لنجدة الثورة من كل سهل وواد.. من الجبال والمدن والقرى لدرجة أن البعض عندما كان يسمعها يزداد فخراً واعتزازاً، معتقداً أن الثورة اليمنية تتفوق على ثورات العالم الثالث, وهناك العديد من الأغاني الثورية والوطنية التي كانت لا تقل في دورها عن القذائف والصاروخية لا يتسع الحديث لذكرها، وسوف نذكر بعضاً منها مثل أغاني الراحل علي الآنسي لا تقول إنه انهزم.. وفي ظل راية ثورتي أعلنت جمهوريتي، وهي من كلمات الراحل أحمد العماري وأغنية الفنان أحمد السنيدار (عشت يا ردفان) والتي يقول فيها: كالقذيفة كالبراكين العنيفة ثورة الشعب الشريفة.
ومما لا ريب فيه أن الشعر والفن لعب دوراً لا يستهان به في دعم الثورة بكل مراحلها، بل وبشّر بانتصاراتها قبل نجاحها ببصيرة محكمة النفاذ، وذلك أمر استذكرت فيه قول أمير الشعراء أحمد شوقي:
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق
والأغنية الوطنية قامت بفعلها التحريضي والتعبوي في نضالات شعبنا في شمال الوطن وجنوبه وأشعلت فتيل الهمم وأذكت لهيب الثورة والكفاح المسلح ضد الحكم الإمامي والاستعمار البريطاني المحتل، حيث كان لها تأثير في توجيه الضربات البطولية التي أقضّت مضاجع جنود الاحتلال وعجّلت بسرعة الخلاص من الاستعمار، فمن أغانينا الوطنية:
سلام ألفين للثورة وللعسكر، إلى يا شاكي السلاح، باسم هذا التراب، والله إنه قرب دورك يا ابن الجنوب، يا ظالم ليه الظلم دا كله، قال أبو زيد، طفي النار، بلادي وإن سال فيك الدم، قال بن سعد، هات يدك.... إلخ.
والحق أقول: إن هؤلاء الفنانين الذين أعطوا لليمن كل الحب وناضلوا بالكلمة المقاتلة الأشد فتكا من ضربات الرصاص والقنابل أصبحوا اليوم في دائرة الظل والنسيان، ونجدها فرصة بهذه المناسبة العظيمة ،أعياد الوطن اليمني احتفاءً بثورة 26سبتمبر وثورة 14 أكتوبر المجيدة، لحث ومطالبة الجهات المسؤولة بأهمية العناية بالفنانين والمبدعين بفتح الأبواب الموصدة سنين من الدهر في وجوههم لتسجيل وتوثيق أعمالهم الفنية تباعا وإعطاء الثقة لإذاعة البرنامج الثاني والقناة الفضائية (يمانية) في عدن، بدفع المبالغ المستحقة للتسجيل شعراً ولحناً وغناءً وعزفاً لتسهيل الأمور الإبداعية، إضافة إلى الاهتمام والرعاية بالفنانين الكبار الذين أثروا الوطن بالأناشيد الوطنية والغنائية العاطفية، وهم الذين قصمت ظهورهم اليوم عيشة لم تكن في الحسبان.
الأغاني والأناشيد الوطنية قذائف الغليان
أرعبت الأئمة والمستعمرين
كان لظلم والمشانق والاغلال -وهي تطوق أيدي وأعناق الأحرار- أثرها في وجدان الجماهير اليمنية التي رأت بأن طغيان الأئمة من بيت حميد الدين قد تجاوز المدى ولابد من إيقافه، وبالمثل ايضاً لم يكن الاستعمار أقل قسوة في تعامله مع أبناء شعبنا اليمني الحر والأبي في المناطق والمحافظات التي خضعت لسيطرته ونفوذه.
ففي تلك الظروف القاهرة والاوضاع المتردية التي عاشها شعبنا وما قابلها من تسلسل للأحداث الرافضة للظلم والاستغلال وتصاعد للمواجهات بين المناضلين والثوار الأحرار من جهة والطغاة والمستعمرين من الجهة الاخرى .. أتى الدور الخلاق للأناشيد والأغاني الوطنية لتستنهض همم الجماهير وتلهب حماسها، وظهرت نماذج كثيرة من الشعر الوطني ردد مقاطعها الثائرون الفنانون في عقد الخمسينيات من القرن الماضي، وكان لها صدى واسع في أوساط الجماهير. ومن هذه القصائد الوطنية المعبرة عن سخط الشعب وغليانه وتمرده ضد النظام الكهنوتي في شمال الوطن والوجود الاستعماري في جنوبه مبشرة بالثورة التي بدأت ملامحها تظهر في وجدان الجماهير على طول وعرض الساحة اليمنية. تلك القصيدة الوطنية الغنائية للشاعر صالح نصيب بعنوان« ثورة» والتي لحنها وقدمها الاستاذ حسن عطا كما غناها الفنان الكبير علي بن علي الآنسي ونختار منها المقاطع التالية:
باسم هذا التراب
والفيافي والرحاب
والجبال الصعاب
سوف نثأر يا أخي
الى أن تقول أبياتها العظيمة الدلالات:
إن في الثورات موتاً
ومن الموت الحياة
إن في الثورات نصراً
تسمع الدنيا صداه
كما يستشهد الشاعر صالح نصيب برمز الثورة العربية جمال عبدالناصر ويقول:
إنها ليست خيال
فأسالوا عنها جمال
فهو قهار المحال
وفتى .. قوميتي
وهاهو الأستاذ علي عبدالعزيز نصر يجسد قوة الشعب وارادته التي لا تقهر في قصيدته الغنائية الوطنية التي لحنها وغنى بها الفنان الكبير محمد مرشد ناجي وتقول مقاطعها:
أنا الشعب زلزلة عاتية
ستخمد نيرانهم غضبتي
ستخرص أصواتهم صيحتي
أنا الشعب عاصفة الطاغية
ومن النماذج التي تستنهض الهمم وتدعو الشعب لحمل السلاح ومقاومة ظالميه ومحتليه القصيدة الوطنية الغنائية «ياشاكي السلاح» وهي للشاعر الاستاذ عبدالله هادي سبيت وقد حملت أبياتها الثورية والحماسية الكثير من الصور والمعاني الوطنية العظيمة ،كما كان لكلماتها القوية ونبراتها الهادرة الأثر الكبير في نفوس الشباب الذين ازدادوا حماساً وشوقاً للالتحاق بصفوف المناضلين والثوار والقصيدة من ألحان كاتبها وصدح بها الفنان أحمد يوسف الزبيدي وتقول:
ياشاكي السلاح شوف الفجر لاح
حط يدك على المدفع زمان الذل راح
ياشاكي السلاح
أرضي والنبي ويل الأجنبي
ديني ومذهبي يأمرني ان أحمل السلاح
إلى أن يكملها الشاعر بقوله:
يا الله ياشباب آن الاكتتاب
أرضك ملك لك والمغتصب حتماً يزاح
ياشاكي السلاح
نكتفي بهذه النماذج التي اخترناها من بين عشرات القصائد الوطنية الغنائية التي قيلت خلال مرحلة الخمسينيات وهي المرحلة التي يقول عنها أحمد سيف ثابت في دراسة نشرتها مجلة الثقافة في عدد سابق إن مرحلة الخمسينيات وماقدمه شعراؤنا وفنانونا هيأت شعبنا اليمني للثورة التي أصبحت كقاب قوسين او أدنى.
ومع تصاعد وتيرة الأحداث على مستوى الساحة الوطنية والعربية يتجلى دور شعرنا الوطني الغنائي للتعبير عن ذلك وتجسيده بين اوساط الجماهير.. وهاهي قصيدة الشاعر مطهر الارياني « بلادي» تعبر عن قيام ثورة سبتمبر وتصور مشاهد من فجرها الجميل. وقد قام بتلحينها وتقديمها للجماهير التي استقبلتها بحماس منقطع النظير الفنان عمر غلاب..
يقول الشاعر مطهر الارياني في قصيدة « بلادي»:
كان ايلول وكان الليل داجي
قاتم الجدران مضروب السياج
فأتينا صارخين
ياجدارالليل إنا قادمون
كما يصور الشاعر تلك الساعات التي تعالى فيها دوي الرشاشات ومدافع الدبابات المصوبة على قصر البشائر بقوله:
وعلى طلقات رشاش ومدفع
أجفل الليل على ذعر وأقلع
واستفاق النائمون
يشهدون الليل صبحاً مستبينا.
إلى أن يقول:
إنها الثورة وانداحت عواصف
ورعود وبراكين قواصف
وأطاح الثائرون
بطواغيت العتاة الظالمينا
وتستمر هتافات الاناشيد وصدحات الأغنية الوطنية بعد قيام ثورة سبتمبر المجيدة لتعبر عن الفرحة والبهجة بانتصار الثورة وانبلاج فجرها الساطع، كما يواصل الفن الغنائي الوطني دوره الذي لايقل أهمية عن البندقية والمدفع في الدفاع عن الثورة وتثبيت اركانها بالاضافة الى نشر أهدافها المباركة والتبشير بملامح المستقبل الوضاء والتخلص من مخلفات العهد الإمامي البائد، وهاهو الفنان فرسان خليفة يشدو باغنية وطنية يقول مطلعها:
عاد يابلقيس عهدك من جديد
حي نصر الشعب في اليمن السعيد
ويغني الفنان أيوب طارش للشاعر مطهر الارياني أغنيته الجميلة « حارس البن» والتي يحذر فيها أعداء الثورة من العواقب الوخيمة التي ستنالهم اذا ماحاولوا الاقتراب من وهج الثورة او اعتراض مسيرتها الوطنية المتقدمة حيث تقول كلماتها:
حارس البن في وادي سبأ
شعب كامل
شعب لكن بشعبين
شعب كادح مكافح مقاتل
شعب يقضي به الدين
من يعادي اليمن يبشر بكسر المفاصل
ويذوق الامرين
الوطن والكرامة يفتديها المواطن
بالقلوب ذي يدقين
ثورة الشعب
ويشدو الفنان أحمد السنيدار بقصيدة وطنية من الحانه وكلمات الشاعر اسماعيل الكبسي وتعتبر أحد نماذج الشعر الوطني الغنائي المعبر عن الانطلاقة الجبارة ثورة سبتمبر واكتوبر وهي بعنوان« ثورة الشعب» ومن هدير كلماتها نورد المقطع التالي:
كالقذيفة كالبراكين العنيفة
ثورة الشعب الشريفة
عشت ياردفان يامشعلاً ثائر
ويقدم الاستاذ عبدالله هادي سبيت قصيدة « هنا ردفان» والتي تجسد انطلاق ثورة اكتوبر المجيدة وارتباطها الوثيق بالثورة الأم في صنعاء.. وقد غرد بها ولحنها الفنان محمد مرشدناجي وجاء في أحد مقاطعها:
هنا ردفان من فم كل ثائر
ومن روح القبائل والعشائر
الى أن تقول:
هنا صنعاء العتيدة
هنا عدن المجيدة
هنا الأحرار تصنع مجد غابر
قبل الأخير
الأغنية الوطنية وحَّدت أحلام الشعب: الفنان اسكندر ثابت.. أول من أقض مضاجع الإمامة من (صوت العرب) وأرعب المستعمر.. إن كان لابد من الحديث عن الدور الوطني للأغنية اليمنية، فلا بد من الحديث عن الفنان والشاعر اليمني الذي تقدم صفوف الثوار وألهب حماس الجماهير.. وهو المثقف والمفكر الذي هيأ لقيام لثورة وأيقظ الوعي الجماهيري- الشعبي- وترجم أحاسيس الناس وأجج مشاعرهم، لمقارعة رموز الظلم والاستبداد ومحاربة قوى التخلف والظلام.
وفي الفترة التي كان فيها شعبنا اليمني يعاني من جبروت الحكم الإمامي في شمال الوطن ويعيش في ظل احتلال استعماري غاصب لأرضه في الجنوب، كان الفنان والشاعر اليمني- نخبة المجتمع- يقف باستبسال ويحارب بالكلمة والنغم مع نخبة المجتمع من الاحرار والوطنيين، ضد مطرقة المستعمر وسندان الحكم الإمامي، وكان المبدع الحقيقي والفنان الصادق الصوت المعبر عن رؤى وتطلعات الشعب اليمني.. يوم الخلاص والانعتاق من كل أشكال الظلم والقهر الذي كان يعيشه قبل انتصار الثورة اليمنية.
ليظل الغضب الشعبي بركاناً هادراً وغضباً لا يقف عند حد عاصفة طاغية، عبقرية القصيدة تأتي من الأفعال لا الكلمات، الشعب يتفجر زلزلةً وغضباً في حدود المكان الأرضي، غضبةً تخمد نيران الطغاة وصيحةً تخرس أصواتهم.....وقد تهدأ العاصفة قليلاً ثم تبرد لتتأمل في حدود الزمان وأقاليمه (الماضي والحاضر والمستقبل) بلفتة كونية انسانية تصل الشعب ليتعرف الشاعر او الشعب من جديد على ذاته في الماضي ووجوده في الحاضر ثم المستقبل الزاحف لهذه الذات.
بعبارة أخرى، يعرِّف الشاعر نفسه في حدود الزمان والمكان كذات فردية ثم ينطلق من الفردية الإنسانية الى المجموع الشعبي (أنا الشعب) يتحرك في حدود المكان(الأرض) وفي حدود الزمان (الماضي والحاضر والمستقبل).
في الماضي (يرى مصرع آلامه) وفي الحاضر ( يعيش الحُلم، حُلم الحاضر الجديد) ثم يزحف بحلمه هذا نحو المستقبل يضمه حركة الكون والأرض (المكان) ..ويصل كل هذه الأقانيم بناموس كوني الهي ازلي (انا الشعبُ قضاءُ الله)..
قبل الأخير:
أنا الشعبُ زلزلة ٌعاتية
ستخمد نيرانَهمْ غضبتي
ستخرس أصواتهمْ صيحتي
أنا الشعبُ عاصفةٌ طاغية
***
أنا الشعبُ قضاءُ اللهِ في أرضي
أنا الشعب
على قبضةِ إصراري
سيفنى كلُّ جباري
ولن يقهر تياري
أنا النصرُ لأحراري
غداة الحشرِ في أرضي
أنا الشعب
***
أنا الماضي ... تيقظتُ أرى مصرع آلامي
أنا الحاضر، أحلامي على مفرق أيامي
أنا المستقبلُ الزاحفُ في أرضي
أنا الشعب.
فدعيني في أخر هذه السطور يا أمي اليمن
دعيني أُعانق فيك الأمل وأشدو بِأُغنيةِ الانتصار
و أُرسل فرحةَ عمري قبل لتلثم في وجنتيك النهار
و أُهديك قلباً يُحِبُ الجمال ويفديك من عاديات الزمن
فأنتِ الجواب وأنتِ السؤال وأنت منى القلب يا من على شاطئ الذكريات التقينا لنحكي حكايات شعب مجيد
فاصبحَ كُل الذي قد حكينا عهوداً على صدر عهداً جديد
وتلك الطيور التي غادرت ديار الأماني بهذا الوطن
تعودُ لصنعاء مشتاقةً وتحضن قلب المنى في عدن ..هنا في بلادي أرى وحدةً على نورِها يهتدي السائرون
لتجعلَ من حاضري جنةً على أرضِها يُسعَدُ الكادِحون
و ترُسمَ في مبسمي فرحةً بها ينتشي كل قلب حنون فإن بادروني بهذا السئوال لمن قد وهبت الحياة لمن
لقلت بصوت يهز الجبال لها القلب والروح أرضي اليمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.