إن استعادة الهوية الوطنية، وحرية الوطن وسيادته بجوهرها العميق ممارسة يومية تطال جميع مناحي الحياة، وهي اسلوب للتفكير والسلوك والتعامل، وليست فقط اشكالا مفرغة الروح أو مجرد مظاهر. وهي بهذا المعنى ليست شكلا قانونيا فقط، وليست حالة مؤقتة، أو هبة أو منحة من أحد، وإنما هي حقوق أساسية لا غنى عنها، ولا تفريط فيها البتة، وهي دائمة ومستمرة. ضمن هذا السياق والفهم كان اختيار موضوعات هذا المقال: بداية القول: لقد أظهر التقرير الموسوم ب(باصرة - هلال) النهب والسلب والهيمنة على الممتلكات العامة، الذي مارسه المتنفذون في النظام السابق على أرض الجنوب وممتلكات أهله ودولته بعد أن تم إسقاطها بقوة السلاح وفي غفلة من الزمن وبمشاركة أبنائها - ويا للأسف الأسيف - وهم الذين أصدر شعب الجنوب قراره بإدانتهم.. نقول هذا بعد أن ظهرت نتائج التقرير الى العلن وبأسماء اللصوص والنهابين؟، فما رأي من يريد منا الاستمرار تحت مظلة دولة الوحدة وقيادة هؤلاء اللصوص، وهم وحدويون مدعون ليس إلا.. فكيف لنا أن نغامر أو نستمر في أخطاء قاتلة، أضف إلى ذلك أن عدد ثمانية أشخاص، من بين هؤلاء هم أعضاء في مؤتمر الحوار الوطني وفي موقع الصدارة منه. على القيادة السياسية الحالية في نظام صنعاء أن تجيب فهي وحدها المنوط بها الرد هذا أولاً. وثانياً: على رعاة المبادرة الخليجيه أن يدلوا برأيهم ويُشعروا شعب الجنوب ماذا هم فاعلون حيال ذلك؟.. وهل سيساق هؤلاء المدانين الى المحكمة الجنائية في لاهاي؟.. إنا لمنتظرون مع شعبنا في الجنوب رد السيد جمال بن عمر - مندوب الأمين العام والناطق الرسمي باسم الشرعية الدولية: ثالثا: إن التصريحات المتزايدة، واللقاءات الصحفية المفسرة لدور المجتمع اٍلدولي والأقليمي في حل الصراع اليمني وفقا للمبادرة الخليجية وقرارات الشرعية الدولية، والذي يتطلب أستقرار اليمن بالدرجة الأولى ووحدته الوطنية. لا علاقة له بوحدة أقيمت بين دولتين ثم أنهت أحداها هذه الوحدة بقوة السلاح لكنهم (أشقاؤنا في صنعاء) يفسرونها وفقاً لمبتغاهم بأن المساس بالوحدة دونه خطوط حمراء لن يسمح بها المجتمع الدولي، وكذا الأقليمي على الإطلاق، وبالنسبة لإخواننا في الجنوب( هكذايقولون ) إذا كانت لهم مطالب أو حقوق إذا .. يتقدموا بما يثبت ذلك ليحصلوا على حقوقهم. بهذا المعنى هم مجمعون (أحزابا وساسة مستقلين، مثقفين وأكاديمين، فهذه - بقرة حلوب - لا يمكن التفريط فيها البتة، ولهذا وبناء عليه نقول للجميع: إن صاحب الأرض والدولة والثروة واحد فقط دون سواه ألا وهو شعب الجنوب، وقد قالها في مليونياته المتكررة، فاسمع بها من كان به صمم إن زمن الوحدات البسماركية قد انتهى وولى، ولأن الوحدة بمعنى الضم والإلحاق، لم تعد ممكنة الآن في ظل ظهور الحقائق التاريخية ووثائق الإثبات، ومعاهدات الترسيم الدولية بدءاً من العام 1882م، مروراً بالعام 1914م وحتى 30 /نوفمبر / 1967م في جنيف وجميعها مودعة في خزائن المنظمات الدولية، وكذا العربية منها، والإسلامية، فلم يعد الادعاء بواحدية الأرض والإنسان، والثورة يجدي، ولا العواطف الجياشة التي تملأ حنايانا لها في الواقع مكان، كما أن الوحدة لا تعني فائدة لطرف، وضررا لطرف آخر، وبخاصة الطرف الصغير. إن الفروق بين الدولتين دولة الجنوب، واليمن، والتي تجتاحه موجة المراجعة والتغيير، فإننا نلاحظ أن الجنوب له خصوصية ذات تميز واضح عن دولة اليمن في أوضاعه، وخصوصيته، ومنها: 1- التباين الكبير بين الكيانين، في الناتج القومي من الثروة. 2- البون الشاسع في الجانب الديمغرافي بين الكيانين. 3- التباعد الزمني الموغل في القدم حضارياً، وبخاصة أرض الأحقاف - بلاد حضرموت -. إن هذا التباين بين الكيانين يبلغ الاختلاف، والتناقض بينهما حداً يتعذر معه إمكانية التفاعل الحقيقي والاندماج معاً دونما تمايز، وتباين في الهوية. إن الفروق من العمق بحيث تنعكس على جميع مناحي الحياة، وهكذا كان في الماضي الموغل في القدم، وفي الحاضر وسيبقى كذلك في المستقبل، ومن ثم، فإن من أولويات هذا الحوار إيجاد مخرج للأزمة الطاحنة، فالوحدة الاندماجية كانت خطًأ تاريخيًا ارتكبت في حق شعب الجنوب، وأرضه، ولكنها - الآن - أصبحت في ذمة التاريخ غير مأسوف عليها، ولا يمكن لشعب الجنوب القبول بها، بل ولا ينبغي أن تكون فرضاً، فالأهداف العظيمة للأمة يجب أن تتكافأ أساليبها شرفا مع غاياتها. ومن ثم، فإن القسر بأية وسيلة من الوسائل عمل مضاد لرغبات الشعب، أنه ليس عملاً غير أخلاقي فحسب، وإنما هو خطر على أية وحدة بين كيانين، فلنبتعد عن العنتريات التي أدت إلى تدمير وطننا والسطو والنهب على ما تبقى من أرضه وثروته الخاصة والعامة بحسب ما ورد في التقرير المذكور في أعلاه ومن.. من، يا للمفارقة العجيبة.. إنهم من يدعون الوحدة ويصرون على استمرارنا تحت سقفها دونما خجل أو ندم. إننا ندعوكم يا أشقاءنا في اليمن السعيد مرة، ومرات الاحتكام للعقل ومنطق التاريخ، الذي هو الفيصل والحكم بيننا، وكذا الاتفاقات وترسيم الحدود بحسب الرؤى الدولية بدءاً من عام 1914م وما بعدها ولا تنساقوا وراء أضغاث أحلام، أفيقوا، واتركوا عنكم الأوهام التي ترددونها في واحدية الثورة، وواحدية الأرض والإنسان، ويرددها مثقفوكم صانعو الأحلام، عيشوا التاريخ، ومنطق العصر، واقرؤوا ما وراء السطور. إن مواجهة النفس تعني، وبنفس القدر مواجهة الآخر، لكن بأدوات موضوعية وصارمة، وحين نصل إلى هذه المواجهة نكون قد بدأنا، خاصة وأن البداية الصحيحة، مهما كانت متواضعة لابد أن تؤدي إلى تراكم صحيح وصحي، والتراكم يؤدي إلى خلق إنسان جنوبي مواطن، مدرك، وشجاع يعرف ما له وما عليه تجاه وطنه، ومواطنيه، وهذا النوع من المواطن وحده القادر على خلق المستقبل ومواجهة الآخرين في التمسك والدفاع عن حقه الشرعي والمشروع على تراب وطنه الغالي. إن فهم ما حصل وما زال يحصل على وطن يجعلنا نفهم واقعنا ومحيطنا الذي نعيش فيه بشكل أفضل مما كان، وأن لا نحلق في الفضاء من حولنا بدون حسابات، أو تمحيص، في فهم خفايا، ونوايا، ما قد يغيب عن الانظار (وما يطبخ للقضية الجنوبية على نار هادئة، وهو ما سوف نتعرض له تفصيلاً في مقالنا القادم بإذن الله)، فتأريخ هذه الرقعة الجغرافية من البلاد قد لا يغيب فهمها عن كل ذي بصر وبصيرة، فأقرأوا التاريخ، وتمعنوا في عبره، فالتاريخ - كما يقول ( كروتشه) - هو بأجمعه تأريخ معاصر، أي أن التاريخ يتألف بصورة أساسية من رؤية الماضي، من خلال عيون الحاضر وعلى ضوء مشاكله، وإن العمل الأساسي للمؤرخ ليس فقط التدوين وإنما، بالدرجة الاولى التقويم. وإلى بني وطني وقومي أقول فقط للتذكير: حين أصبح نابليون منفياً ولا أمل له بالعودة، إلى الوطن والأهل والديار، فقد قال كلمته المشهورة: "لا أحد سواي مسؤول عن نكبتي، فقد كنت وحدي ألد عدو لنفسي، والمسبب لمصيري" . ويبدو أن أكثرنا خاصة بعد اتفاقية الوحدة الأندماجية، العجيبة، الغريبة، الفريدة، الوحيدة في التاريخ، وبدون رقيب ولا حسيب، الكل يقولون لأنفسهم ما قاله نابليون لنفسه، إن لم يكن جهراً، فسِراً. وفقنا الله لما فيه الخير، وسدد على طريق الحق والعدل خطانا.. إنه نعم المولى ونعم المصير. أ . د. مبارك قاسم البطاطي المكلا ، 14 / 04 / 2013 مِ ِ