محمد الغباري - عدا الزيارة التي قام بها الشيخ عبد الله بن زايد وزير خارجية دولة الإمارات إلى صنعاء بعد ساعات من انتهاء أعمال قمة مجلس التعاون الخليجي فإن الفيتو الرسمي الخليجي لا يزال يشكل حائط الصد الأول أمام الطموحات اليمنية لتغطية اللون المغاير الذي يغطي الجزء الجنوبي الغربي من خارطة الجزيرة العربية. وإذا كانت تصريحات الوزير الإماراتي لم تشكل مفاجأة للمتابعين من حيث الموقف الإيجابي لدولة الإمارات من عضوية اليمن في هذا التجمع الإقليمي، إلا أن الخبر الذي نشرته صحيفة الحياة اللندنية عن رفض كويتي لمناقشة موضوع دخول اليمن مجلس التعاون قد استحضر أجواء حرب الخليج الثانية. وزاد من قوته أن النفي الكويتي جاء ليعيد تأكيد المؤكد، فقال إن بلاده لم ترفض المقترح لأن الأمر لم يطرح للنقاش ولم يكن في جدول الأعمال، وبيّن أن موقف الكويت من هذا الأمر مرتبط بالإجماع الخليجي. عند قبول عضوية اليمن في أربعة منظمات خليجية غير سياسية أو اقتصادية؛ كان لدولة الإمارات وسلطنة عمان وقطر الدور الفاعل في انتزاع مثل هذا القرار في قمة مسقط بضغط أمريكي واضح، غير أن السعودية التي تعتبر اللاعب الفعلي في قرارات المجلس تجنبت إبداء أي موقف معارض أو مؤيد، وتركت للبحرين مهمة الدخول على خط الرفض، وشن مسؤولون فيها انتقادات حادة للقرار الخليجي وصل حد الاستهزاء باليمن وبإمكاناتها وما ستقدمه.. اليوم وقد تبين أن الولايات المتحدة قد لعبت دوراً فاعلاً في التقارب اليمني الخليجي، والذي توج بمؤتمر لندن للمانحين، وخطة تأهيل اقتصاد اليمن بغرض "إدماجه" في اقتصاديات مجلس التعاون؛ فإن العامل الأمني قد فرض نفسه كمحدد للعلاقات بين دول المنطقة، استناداً إلى قاعدة أن مساعدة اليمن اقتصادياً والحفاظ على تماسك بنيته الداخلية هو أقل تكلفة من تحمل أعباء انهيار دولته بفعل الأزمات الاقتصادية الطاحنة، أو ظهور بؤر للصراع الداخلي المسلح فيه. إلى ما بعد انتهاء أعمال القمة الخليجية، كان الملاحظ هو الاندفاع الإماراتي نحو اليمن، وحين نشر خبر اعتراض الكويت على مقترح زعيم خليجي لم يسمّ لمناقشة أمر انضمام اليمن إلى عضوية المجلس، كانت الأوساط السياسية في الحكم أو حتى المعارضة تبدي حالة من الرضا تجاه البيان الختامي للقمة الذي أكد استمرار دعم هذه الدول لتأهيل اليمن.. وحين أشار الخبر الذي لا شك في أن مصدره القيادة السعودية بأن أمن واستقرار المنطقة لن يكتمل إلا بمشاركة اليمن، ومن ثم العراق وإيران، فإن ذلك يشير إلى متغير أساسي في نظرة قادة الخليج لأمن المنطقة الذي ارتبط لعقود عدة بالمصالح الأمريكية فقط. المملكة المتحدة التي أوكلت لها مهمة الإشراف على برنامج تأهيل اليمن اقتصادياً، لإدماجها في اقتصاديات دول المنطقة باعتبار ذلك غاية أوروبية لإنجاز اتفاقية السوق المشتركة مع دول مجلس التعاون، حملت أيضاً ملف التأهيل السياسي والأمني، لأن تحقيق الاستقرار السياسي في اليمن وإيجاد سيطرة أمنية كاملة لأجهزة الدولة، كل هذه المساحة الكبيرة من الأرض والبحر يقي المنطقة والعالم مخاطر أي تهديد لأهم مصدر من مصادر النفط في العالم باعتبار ذلك هدفاً أمريكياً بامتياز. وإذا كانت لندن قد تمكنت من جمع نحو خمسة مليارات من الدولارات لدعم الاندماج الاقتصادي بين اليمن وجيرانها؛ فإن إقرار قمة دول مجلس التعاون في العام الماضي منح صنعاء مهلة عشر سنوات لإنجاز هذا الدمج كان يتطلب الانتظار إلى حين انتهاء المهلة لإعادة طرح مسألة الدخول في عضوية المجلس من عدمه.. ولأنه لا توجد معلومات رسمية عن حقيقة ما دار في القمة الخليجية التي احتضنتها الدوحة التي تعد واحدة من أكثر الأنظمة تحالفاً مع حكم الرئيس علي عبد الله صالح، فإن الأجواء التي سبقت القمة كانت تعكس حالة من الفتور بين صنعاء وعدد من العواصم الخليجية التي اُتهمت بدون إعلان رسمي بدعم حركة الاحتجاجات التي شهدتها عدد من المحافظات الجنوبية والشرقية، إذ كان حيدر العطاس أول رئيس وزراء في حكومة الوحدة يهاجم حكم الرئيس صالح من مقر إقامته في جدة، كما أن مدناً إماراتية احتضنت أنشطة معارضين يبثون دعوات انفصالية وفق ما صرح بذلك مسؤولون يمنيون، في حين اتهمت الكويت بتمويل أنشطة المعارضين في الخارج، وتبنت الدعوة لعقد لقاءات لقيادات تطرح مشروعاً انفصالياً داخل أراضيها وخارجها. وإذا ما أخذت في الاعتبار الطبيعة الأمنية لمعظم أنظمة الحكم في دول الخليج، وصرامة الإجراءات المفروضة على الأنشطة السياسية، فإن ما ساقته السلطات اليمنية من اتهامات تعكس موقف غير ودي من هذه العواصم تجاه حكم الرئيس صالح، الذي يبذل جهوداً مضنية لامتصاص موجة الاحتقانات التي قادتها جمعيات المتقاعدين العسكريين قبل أن ترتدي اللباس السياسي ويتغير اسمها إلى الانتفاضة السلمية للجنوب. واتكاءً على النفوذ المتعاظم للملكة العربية السعودية في اليمن؛ فإنها تبدو أهم اللاعبين الأساسيين في أوضاعه الداخلية، كما هو الحال في قدرتها داخل المنظومة الخليجية، كما أن المواقف الإيجابية لكل من أبوظبي ومسقط والدوحة، يجعل من الرياض أهم المنافذ إلى هذا التجمع، لا بغرض إيجاد فرص للعمالة اليمنية في تلك البلدان، بل لأن فائض الطفرة النفطية الأخيرة قادر على تحقيق نهوض اقتصادي كبير داخل اليمن إذا ما رفع الفيتو السياسي على قدوم تلك الاستثمارات إليه. وإذا ما أحسن الحكم في اليمن إدارة علاقاته مع السعودية، وإنهاء حالة غياب الثقة القائمة الآن خصوصاً فيما يتصل بالجانب الأمني وإغلاق الحدود أمام تهريب الأسلحة والمخدرات؛ فإن ذلك سيساعد الجانب الأمريكي على النجاح في مهمته لتحقيق أعلى مستويات التقارب بين اليمن وجيرانها في الخليج. منذ ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، اكتشفت واشنطن حجم الكارثة التي خلقها تجاهلها لغياب الدولة المركزية القوية في الصومال وفي أفغانستان، ومنذ إقدامها على احتلال العراق وتفكيك بنية الدولة الصارمة التي كانت قائمة فيه مروراً بالأوضاع الملتهبة في أفغانستان وشمال باكستان؛ أدركت إدارة الرئيس الأمريكي أن بقاء اليمن تحديداً دولة غير قوية يمثل خطراً محدقاً على مصالحها، ومعها أدركت بعض بلدان الخليج هذه الحالة، وأهمية جعل اليمن يغادر وضع الدولة شبه الفاشلة، لكنها لم تنتقل على الجانب الإجرائي، وكما هو معلوم فإن اليمن إلى ما بعد أحداث سبتمبر كانت تصنف كأهم مأوى لتنظيم القاعدة بعد أفغانستان، وحين دخلت الولايات المتحدة في تحالف أمني وعسكري معه في مواجهة القاعدة تراجع مستوى هذا التقدير، وخلال العمليات التي نفذت في المملكة العربية السعودية ظهر أن هناك ارتباط وثيق بين أعضاء القاعدة في اليمن والمملكة.. ومع تدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن، والتراجع المخيف في عائدات النفط والتي قاربت على نصف الإنتاج، وتأزم الأوضاع السياسية جراء أخطاء الحكم؛ يظهر أن صناع القرار في واشنطن ولندن ومعهم جزء كبير من قادة الخليج باتوا يدركون أهمية الإسراع في معالجة هذه الأوضاع، لأن الانتظار حتى عام 2015 لن يكون في صالح أي طرف. إلا أن ما بات معلوماً في الأمر هو أن قرار دخول اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي لم يحسم بعد، وأن جهداً أمريكياً يمكنه أن يؤدي نفعه في الدورة القادمة. *نيوز يمن