عنجهية العليمي آن لها ان توقف    إقالة رشاد العليمي وبن مبارك مطلب شعبي جنوبي    إستشهاد جندي جنوبي برصاص قناص إرهابي بأبين    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    تربوي: بعد ثلاثة عقود من العمل أبلغوني بتصفير راتبي ان لم استكمل النقص في ملفي الوظيفي    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    دولة الأونلاين    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    احتجاجات في لحج تندد بتدهور الخدمات وانهيار العملة    جمعية التاريخ والتراث بكلية التربية تقيم رحلة علمية إلى مدينة شبام التاريخية    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    الهند تقرر إغلاق مجالها الجوي أمام باكستان    13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع بناء المحطة العلمية القمرية الدولية    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انتهاكات تهدد بفقدان القيمة المعمارية لصنعاء القديمة
نشر في الوطن يوم 22 - 10 - 2010

مرشد العجي- محمد الجوفي - تشكل مدينة صنعاء بمخططها الحضري وما تحمله من قيم وعناصر ومفردات تراثية بديعة وغنية ومتنوعة في فنون البناء والتشييد والزخرفة مصدر فخر واعتزاز لليمنيين، الى جانب أنها تمثل شواهد مادية على هوية ثقافية وتاريخية عريقة لبلد صنع واحدة من أرقى الحضارات الانسانية.
وشهد بناء أولى المدن في التاريخ الانساني ومثل مدينة صنعاء التي أطلق عليها في غابر الأزمان مدينة «سام» نسبة الى ابن النبي نوح عليه السلام، العشرات والمئات من المآثر والمعالم ومكونات القرى والمدن التي انتجها ماضِ في هذا البلد التليد، وباتت اليمن تعرف من خلالها وتؤهلها لتكون ضمن بلدان الصدارة في قائمة التراث العالمي، وفي مقدمة البلدان الجاذبة للسياحة الثقافية والتاريخية في العالم.
وخشية من أن يتحول هذا التراث المعماري الذي يعكس خصوصية مجتمعنا وهويته الوطنية والحضارية، ويميز اليمن عن سائر البلدان الى مجرد أطلال مهترئة أو بقايا مدن مهجورة ومعالم مندثرة نتيجة للأخطار الناجمة عن ضغوطات الحداثة، أو بسبب احتياجات النمو السكاني وتقادم الزمن وما يقابله من إهمال للمباني القديمة وقصور في مستوى الوعي المجتمعي بأهمية التراث الثقافي الحضري وضروة الحفاظ عليه، أنشأت الدولة هيئة مختصة بالحفاظ على المدن التاريخية.
كما شهدت اليمن قبل ذلك أي في مطلع الثمانينات من القرن الماضي أول حملة وطنية ودولية للحفاظ على مدينة صنعاء القديمة اطلقتها منظمة اليونسكو وحظيت برعاية واهتمام شخصي من قبل فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية.. وعلى اثر هذه الحملة الناجحة ادخلت مدينة صنعاء القديمة ضمن سجل التراث العالمي أي ملك للبشرية جمعاء.
نلفت في البداية الى أن مدينة صنعاء القديمة من المدن التاريخية الحية.. أي المدن التي مازالت مبانيها ومساجدها ومتنفساتها وحماماتها وشوارعها وساحاتها وأسواقها التقليدية عامرة بالحياة، كما أنها مدينة تحتفظ بمقومات استمرارها سواء من حيث مخططها الحضري الذي يلبي حاجة السكان الاجتماعية والاقتصادية وينسجم مع طبيعة عاداته وتقاليده أو من حيث خصائص وأنماط وتصاميم عمارتها التي تتكيف من الداخل والخارج مع البيئة المحيطة وتؤدي في نفس الوقت وظيفتها المعيشية على أكمل وجه.
وعادة ما يبنى البيت الصنعاني من بلوكات الحجر البازلت المنحوت بعمق 0.50 متر من سطح الارض ومتر فوق سطح الارض، وتتكون الحوائط الخارجية لكل من الطابقين الارضي والأول من الحجر الجيري مع وجود بعض الأحجار السوداء في أركان المبنى، ويسوى السطح الخارجي للحجر أو الفراغات الداخلية للحوائط بخلطة من الطين وكسر الحجارة، أما الطوابق من الثالث وحتى السادس فتبنى من الطوب الطيني المحروق، ويتفاوت ارتفاع المبنى في مدينة صنعاء القديمة، حيث توجد منازل من طابقين ومن ثلاثة طوابق ويصل أحياناً ارتفاعها الى ثمانية طوابق، الحديث عن النسيج الحضري والخصائص المعمارية المتميزة لهذه المدينة حديث طويل فكل مفردة وعنصر في المبنى الصنعاني له قيمته الوظيفية حتى الاسلوب المتبع في زخرفة المبنى وتزيينه لا يخلو إضافة إلى دلالاته الجمالية من الفوائد المتعددة.
وما يهمنا هنا هل المدينة اليوم مازالت محافظة على هذه القيم والعناصر والتصاميم المعمارية التي استطاعت ان تحقق بجدارة نوعاً من الانسجام والتوازن بين الاحتياجات المعيشية للسكان والمنظر الجمالي للمدينة التاريخية والظروف المناخية والبيئة المحيطة.
*استثمارات عشوائية
وللأجابة على هذا السؤال قمنا بجولة حرة لبعض الاحياء والحارات في مدينة صنعاء القديمة لنكتشف مع الأسف مع أول خطواتنا في حدود المدينة القديمة من اتجاه باب السباح أن الكثير من المباني بدأت تتخلى عن مفردات تراثها وهويتها المعمارية المميزة.
فعلى سبيل المثال في الطريق الذي سلكناه من باب السباح حتى حارة الأبهر سجلت عدسة كاميرتنا آثار العديد من التشوهات والمخالفات التي لحقت بالمباني السكنية وأضرت بمكوناتها وخصائصها المعمارية.. كما أسأت للمخطط الحضري للمدينة التاريخية التي حافظت عليه الاجيال السابقة علي مدى قرون طويلة.. أبواب خشبية استبدلت بأبواب حديد، ونوافذ مزخرفة من الخشب حلت محلها نوافذ ألمنيوم.. أجزاء مختلفة من المبنى التاريخي تشوهها من الواجهة الأمامية أو الجانبية أعمال الترميمات المخالفة للتقنيات والمواد المحلية المستخدمة في العمارة الصنعانية،.
كما أثار استغرابنا مبنى شيد حديثاً بمواصفات وتصماميم عصرية يقع على مشارف المدينة القديمة وتحديداً في منطقة سوق عنقاد حيث تظهر واجهة هذا المبنى الزجاجية بشكل شاذ وغريب عن البيئة المحيطة الغنية بتعبيراتها المعنوية والمادية. كما تبدو في الصورة التي التقطتها عدسة أمرأة أيطالية لواجهة هذا المبنى وبعثت بها إلى المركز المعماري للتراث العالمي التابع لليونسكو معتبرة ذلك انتهاك صارخ لروح المكان وخصوصيته وجرس انذار يحذر من زحف المباني الجديدة في اتجاه حدود المدينة القديمة.
والمؤسف ان غزو المباني الحديثة في هذا الجزء الذي يقع غربي السائلة ويمتد حتى شارع علي عبدالمغني ويعتبر ضمن حدود المدينة القديمة وليس خارجها كما يدعي البعض سيفاقم من ظاهرة استخدام مادة الاسمنت بدلاً من الجص، والبلوك الأحمر الصناعي بدلاً من الطوب الطيني المحروق - الياجور الاحمر البلدي - الملاحظ اليوم في العديد من المباني بداخل المدينة، كما يحز في النفس ظاهرة التوصيلات العشوائية للكابلات الكهربائية ووجود الكتابات والخربشات الطلائية بكثرة على جدران المعالم التاريخ حتى تكاد تحجب وتشوه من حسن وروعة العمارة التقليدية للمدينة وما تختزنه من آصالة وزخم حضاري، ناهيك عن تجاوزات تتعلق بانتهاك حرمات الطرق العامة واستقطاع وضم أجزاء منها الى المباني المستحدثة والأحواش والمحلات التجارية الخاصة.
وخلال جولتنا التي استمرت على الاقدام من حارة بروم حتى حارة الحسوسة رصدنا مخالفات كثيرة لا تقل في خطورتها عن سابقتها.. منها مباني قديمة انهارت بعد أن عجز سكانها من ذوي الدخل المحدود على ترميمها بل وحتى ازالة ما خلفته من ركام، ومباني مازالت قائمة بكافة مكوناتها التراثية لكنها مهجورة وتنقصها الصيانة الدورية، لكون ملاكها يعتبرون ورثة واشراكهم جميعاً في عملية الصيانة يتعذر تحقيقة لصعوبة جمعهم حتى وإن كانوا من ذوي الحال الميسور. كذلك من المفاجات غير المتوقعة هدم منزل ليحل مكانه مبنى تجاري وتحول مبنى لسمسرة قديمة تقع عند مشارف سوق النظارة إلى مركز تجاري مبنى بالحجر الوقيص يشغل دوره الأول محلات والدور الثاني صالة للأفراح!؟
ويفترض حسب ماهو معروف في المخطط الحضري القديم للمدينة ان هناك اسواقاً تقليدية مخصصة لممارسة النشاط التجاري تقع بعيداً عن الاحياء السكنية التي تتحفظ بخصوصيتها وهدوئها وبعدها عن الضوضاء.
*النمو السكاني
ومما يستحق الذكر هنا أن مساحة مدينة صنعاء القديمة تبلغ 751 هكتاراً وعدد منازلها 0057 منزل وطبقاً للتعداد السكاني عام 0791م كان عدد السكان لا يتجاوز 000.02 ألف وتعداد عام 0002م «000.56» والآن ربما أكثر من 000.001ألف وهذه مؤشرات تؤكد أن المدينة تعاني من الانفجار السكاني نتيجة للمعدلات العالية في النمو السكاني يقابله تطور في إنماط ووسائل المعيشة، كل ذلك انتج عددا من المشاكل التي تهدد النسيج الحضري والاجتماعي للمدينة.
وتؤكد دراسة اعدها المهندس عبدالملك عزان - موظف سابق في الهيئة - حول الاستثمارات العشوائية في المدينة القديمة ان هناك عوامل عدة تهدد بتحويل مدينة صنعاء القديمة الى مركز تجاري وبالتالي تفقدها مقوماتها التراثية كمدينة تاريخية متكاملة بكافة عناصرها، وهذه العوامل، كما اوضحتها الدراسة تتمثل في الآتي:
- عوامل عمرانية: عدم وجود مخطط للحفاظ على المدن التاريخية، وإمكانية إحداث التغيير الوظيفي في المبنى الصنعاني بسهولة وتحويل المخازن وغرف الحيوانات في الأدوار السفلية الى محلات تجارية، وتفضيل الأهالي الاستفادة من المباني لأغراض تجارية.
- عوامل اجتماعية: وتتركز في الزيادة السكانية ومشاكل الإرث ونزوح عدد من السكان الأصليين الى مناطق جديدة، وقلة الوعي بقيمة المدينة التاريخية، والنظرة القاصرة للتراث العمراني.
- عوامل اقتصادية: قلة وشحة الإمكانات المالية سواء لدى الجهة المعنية بالحفاظ أو على مستوى المواطن الذي لا يسمح له دخله المتواضع من ترميم وصيانه المبنى بالمواد التقليدية.
-
وتوضح الدراسة بأن تلك العوامل والإهمال وعدم وجود سياسات استراتيجية وقوانين للحفاظ على المدن التاريخية تشجع اصحاب الاستثمارات العشوائية وتغري اصحاب الاملاك للتنازل والبيع لممتلكاتهم وهذا أدى الى زحف المناطق التجارية الى المناطقة السكنية وتحويل المنازل ذات القيمة التاريخية الى مراكز تجارية وفنادق ومطاعم سياحية بطريقة غير مدروسة ومخالفة لشروط ومعايير الاستخدام والتوظيف الصحيح للمعالم التاريخية
.
كما توصي الدراسة بضرورة رسم آفاق عمل لمعالجة القضية السكانية والتخفيف من حدتها من خلال خفض معدلات النمو السكاني المتسارع والسيطرة والتوجيه للنشاط الاقتصادي والاستثماري في المدينة القديمة.
*رأي المختصين
بعد تلك الجولة السريعة لبعض احياء واسواق المدينة القديمة لم نواصل اطلالتنا على بقية الاحياء التي لن تمنحنا سوى مزيد من الحسرة والاساء لما آل اليه الوضع في هذه المدينة التي تفقد كل يوم جزءاً من ملامحها الاصيلة دون أن يحرك أحداً ساكنا.
لماذا.. وهي صنعاء «عاصمة الروح» التي كلما مررنا على مشارفها منحتنا بسخاء لاحدود له رشفات من ينبوع مناظرها الخلابة وسحر فنها المعماري وجمال تراثها الحضري النابع من امتداد التاريخ.وها نحن نقف بعد هذه الجولة أمام احد القصور القديمة للمدينة والذي تم تحويله إلى مقر للهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية وهناك أكد لنا الاخ سعيد الشامي مدير ادارة التراخيص في الهيئة بأن عدد المخالفات التي سجلتها الإدارة في المدينة القديمة يصل إلى (300 مخالفة) ما بين خفيفة ومتوسطة وجسيمة منها البروز الخرساني واستحداث الفتحات في المباني السكنية والبناء في المقاشم والفراغات واستخدام البلوك والطوب الاحمر بدلاً من مواد البناء المحلية المستخدمة في المدينة ولها اثر كبير في معالجة الظروف المناخية والبيئة المحيطة في فصل الصيف والشتاء والتي ايضاً تقلل من عوامل التفسخ والانهيار
.
وأوضح بأن الهيئة هي الجهة الوحيدة المخولة بمنح التصاريح لكن للأسف الكثيرون يشرعون في هدم المنازل والشروع في البناء دون العودة إلى الهيئة والحصول على الترخيص، ولايوجد ايضاً تنسيق فاعل مع الجهات التنفيذية في المدينة والسلطة المحلية والجهات الأمنية المختصة بضبط مثل هذه المخالفات. كما أن الهيئة لا تمتلك الامكانات المادية وحتى المعنوية لضبط هذه الحالات المخالفة الا اليسير منها!؟
*خلية بلا نحل
وفي مركز التدريب والتأهيل المعماري المجاور لمبنى الهيئة والذي انشئ حديثاً لغرض الاهتمام بالمدينة واعداد الدراسات وورش العمل التدريبية وجدنا خلية ينقصها النحل. كادر هجر مقره لتحسين مستوى دخله في مكان آخر..في هذا المبنى توجد إدارة للتعويضات تُعنى بالمنازل القديمة التي بحاجة إلى ترميم وصيانة، وأوضح لنا مدير الإدارة يحيى الإبي بأن الادارة قامت بحصر المباني والحالات التي بحاجة إلى صيانة وترميم، وبلغت عددها 180 منزلاً بحاجة إلى ترميم وبعضها حالات مستعجلة وخطيرة.
وأضاف يحيى «نحن في إدارة التعويضات مهمتنا ترميم المنازل والحفاظ عليها حسب الامكانات المتواضعة المتاحة لدينا. والمبلغ المحدد للترميم لا يتجاوز من 200 -300 ألف ريال لكل منزل بينما الميزانية المخصصة للترميم خفضت هذا العام من 10 ملايين ريال سنوياً إلى 5 ملايين ريال ومع ذلك نحاول التعامل مع هذه الظروف التقشفية وقمنا خلال هذا العام بترميم اولي لعدد 46 منزلاً من خلال التركيز فقط على اساسات المنزل والسقوف علماً بأن الهيئة في ظروفها الحالية لاتستطيع مواجهة الحالات المستعجلة والخطيرة كما أن البند الخاص بمواجهة الحالات الطارئة ألغي من قبل وزارة المالية منذ عامين.
*مخطط الحفاظ
كما التقينا في مركز التدريب المهندس عادل حميد مدير عام التخطيط العمراني والذي بدوره أوضح بأن مخطط الحفاظ للمدينة القديمة لايزال قيد الاعداد ولم ينجز منه سوى المرحلة الاولى المتمثلة في المسح الميداني لجميع المباني القديمة في المدينة بما في ذلك الساحات والاحواش والبساتين ولم تستكمل المرحلة الثانية لمخطط الحفاظ كونها تكلف مبالغ كبيرة ولا توجد لدى الهيئة ميزانية مخصصة لذلك ومن دون وجود هذا المخطط يصعب علينا الحفاظ على منظر المدينة العام وعلى نسيجها الحضاري القديم والسيطرة على الاستحداثات والحفاظ على المساحات الخضراء التي تمثل المتنفس والرئة لصنعاء القديمة.
كما تستطيع الهيئة وفق هذا المخطط منح التراخيص بصورة قانونية تنسجم ومخطط الحفاظ حيث يمكن لبعض المباني الارتفاع لدور أو دورين دون أن تؤثر على ماهو محيط بها على مستوى الحارة والجوار والبعض لايمكن اضافة غرفة أو دور إلى البنى كونه سيؤثر سلباً على المحيط والمنظر العام للمدينة وكل هذا لايحدده الا مخطط الحفاظ وايضاً اصدار القانون، وجميعها تصب لمصلحة المدينة والحفاظ عليها.
*دور غائب
ما شاهدناه وسمعناه ليس كافياً لتفسير ما يجري اليوم من انتهاكات متعددة وتجاوزات مختلفة وإهمال وهدم وإعادة بناء وتوظيف معماري مخالف لخصائص المباني القديمة يتم في وضح النهار أو في جنح الظلام.
فما سجلناه في هذا التحقيق ووثقته عدسة الكاميرا يثير الكثير من الاستفسارات والتساؤلات حول الوضع الخطير الذي بات يهدد بفقدان المدينة لقيمتها التراثية والتاريخية، ومن هذه الاسئلة التي مازالت تدور في أذهاننا وبحاجة الى إجابة.. لماذا فرط أبناء صنعاء ولاسيما الميسورين منهم بدرر وجواهر هذه المدينة الاستثنائية؟
والسؤال الآخر لماذا عجزت الهيئة عن أداء دورها الفني والإداري المطلوب للحفاظ على هذه المدينة التاريخية وهي الواقعة في قلبها، وحماية كنوزها من صلب مهامها واختصاصاتها الرئيسية..نترك الإجابة على السؤال الأول للحاج مهدي حسين الكوكباني الذي حلت أسرته في صنعاء منذ ثلاثة أجيال ويمتلك اليوم سمسرة في مدخل سوق النظارة القديم قال بلهجة حزينة: كانت صنعاء تضم أكثر من 50 سمسرة واستراحة للمسافرين ورحالهم القادمة من أنحاء اليمن، فلابد من صنعاء ولو طال السفر.
ويضيف الكوكباني: للأسف الكثير من سمسارات المدينة ومعالمها القديمة صارت ضحية للطمع والجشع الذي أصاب الناس، ونسمع دائماً من أعيان المدينة وتجارها بأنهم حريصون على الحفاظ عليها،، لكنهم في الواقع لا يعرفون كيف يحولون هذه الالفاظ الى عمل يصب في مصلحة المدينة وليس في مصلحتهم الخاصة.
لم نستغرب لرد الحاج الكوكباني أو لمظهره الذي بدأ حزيناً وواجماً، فكيف تطمئن نفسه، وهو الذي عرف صنعاء في السابق واعتاد على مشاهدها، التي تذيب القلوب وتأسر الأرواح، بينما اليوم تدفع المدينة ثمناً بعد ثمن، ثم تبدأ الاشياء فيها تفقد قيمتها وهذا الحال لا يسر أحداً.
أما الإجابة على السؤال الثاني فقد تركناه للدكتور المهندس عبدالله زيد عيسى- رئيس الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية- الذي أجاب هو الآخر بحسرة وألم قائلاً : لا أخفيك سراً أن الهيئة بدأت تفقد سيطرتها على المدينة ووقف التدهور المستمر في نسيجها المعماري والعمراني التي يصعب تعويضها إذا ما تم هدمها أو تشويهها.
صحيح أن الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية التي جاء قرار إنشائها في عام 1991م لتحل محل المكتب التنفيذي لحماية صنعاء القديمة وتضمن قرار إنشائها توسيع مهامها ومسؤولياتها لتكون المسؤولة عن حماية المدن التاريخية والمحافظة عليها في اليمن الموحد.
لكن هذا التحول شكل أول أسباب ضعف الهيئة والأساس لبداية التداعيات في الوضع المالي والفني والإداري لها..فبدلاً من أن تحظى الهيئة بوضع أقوى واهتماماً ودعماً أكبر نظراً لاتساع مهامها ومسؤولياتها حصل العكس وفقدت الوضع الخاص والمميز الذي كان يتمتع به المكتب التنفيذي لحماية صنعاء القديمة، الذي كان مرتبطاً مباشرة بمجلس أمناء مكون من وزراء الجهات ذات العلاقة وكبار الشخصيات المهتمة بالمدينة والحفاظ عليها وبرئاسة رئيس مجلس الوزراء، الأمر الذي جعل المكتب يحظى بوضع خاص حقق له الدعم المعنوي والمادي والذي كان له الأثر الكبير في نجاح برنامجه التنفيذي ميدانياً..كما أن المكتب تميز باستقلال مالي وإداري مع دعم دولي مباشر إضافة الى أن كادره الفني والإداري يتم اختيارهم بعناية وبمخصصات مالية تتناسب مع المهام المطلوبة..
*التحديات الماثلة
واضاف الدكتور عيسى ان الهيئة تواجه الكثير من الصعوبات والتحديات منذ قرار انشائها ولا تستطيع القيام بدورها في عملية الحفاظ، وهذه الصعوبات والتحديات تتمثل في إنجاز مهام ملحة وضرورية إضافة الى ضرورة معالجة العديد من الاختلالات والإشكاليات التي ساهمت كثيراً ومازلات فيما حدث ويحدث من تدهور مستمر في حالة الحفاظ علي مدينة صنعاء القديمة.
وحدد الدكتور عبدالله هذه الاختلالات والاشكاليات التي تشكل عقبة أمام الهيئة ودورها المطلوب في الحفاظ على المدينة على النحو التالي:
- ضعف الوضع المالي والإداري للهيئة كجهة اختصاص إدارية وفنية مهمتها الحفاظ على المدن التاريخية الحية (باشكالياتها الكثيرة والمعقدة».
- غياب مخطط الحفاظ الخاص بالمدينة اضافة الى عدم توفر الامكانات المادية اللازمة لإنجازه.
- غياب الأساس القانوني لعمل الهيئة وتنفيذ مهامها ميدانياً حيث أن قانون الحفاظ على المدن التاريخية لم يصدر حتى الآن.
- صعوبة تفعيل التعاون والتنسيق بين الهيئة والجهات التنفيذية الأخرى ذات العلاقة في المدينة لأسباب إدارية وتنظيمية، الأمر الذي يؤدي الى ظهور العديد من السلبيات والإشكاليات أثناء العمل التنفيذي الميداني، وبالتالي تؤدي الى اختلال في دور كل جهة من هذه الجهات «إدارة الأمن - السلطة المحلية - وزارتي الثقافة والسياحة»
.
- غياب الدور الفاعل لوزارة الأوقاف والارشاد في عملية الحفاظ.
- الاهمال الكبير للمنازل والمباني العامة والخدمية إضافة الى التوسعات الرأسية والأفقية العشوائية في ظل وجود إشكاليات تساهم في تعقيد الوضع حولها اهمها الزيادة السكانية المستمرة ومحدودية الارض داخل المدينة وحماها.
- الوضع السيئ والخطير لشبكة الصرف الصحي في المدينة لأسباب تتعلق بتدني وغياب خدمات الصيانة الدورية لها وانتهاء عمرها الافتراضي.
- الجهل بأهمية هذا الموروث الثقافي المعماري والعمراني وقيمته التاريخية، إضافة الى الفهم الخاطئ لأسلوب وطريقة التعامل معه والحفاظ عليه وعلى مكوناته وعناصره المعمارية المتنوعة وقيمتها التاريخية.
وقال: إن البعض يستغل هذه الصعوبات ونقاط الضعف التي تعاني منها الهيئة ليقوم بمخالفات وتجاوزات وفرض الأمر الواقع، وهو ما يستدعي بصورة عاجلة إعادة النظر في وضع الهيئة ومخصصاتها المادية وكادرها الفني حتى نستطيع القيام بدورها وهو الحفاظ على المدن التاريخية الثلاث المسجلة في قائمة التراث العالمي وعلى رأسها مدينة صنعاء القديمة..
*الحلول المقترحة
مؤكداً بأن الحلول المقترحة لتفعيل دور الهيئة وتحسين حالة مدينة صنعاء القديمة تتمثل بالآتي:
- إنشاء مجلس أعلى للمحافظة على المدن التاريخية وفي مقدمتها مدينة صنعاء القديمة.
- تقييم الوضع المؤسسي للهيئة وإعادة النظر فيه وذلك بما يتناسب وأهمية دورها في إءارة عملية الحفاظ على المدن التاريخية اليمنية، وفي مقدمتها مدينة صنعاء التاريخية.
- ضرورة الإسراع في إصدار قانون الحفاظ على المدن والمواقع والمعالم التاريخية وذلك لأهمية توفير الغطاء القانوني لعمل الهيئة والجهات المعنية.
- ضرورة تكاتف كل الجهود في المدينة في عملية الحفاظ والتعاون مع جهات الاختصاص للقيام بمهامها ومساعدتها ودعمها عند الحاجة.
- ضرورة وجود قضاء ونيابة خاصة بالمحافظة على المدن التاريخية.
- ضرورة الإسراع في توفير الدعم والتمويل اللازم لاستكمال إعداد مخطط الحفاظ لمدينة صنعاء القديمة (المرحلة الثانية.
توفير الدعم المالي اللازم والكافي وذلك برفع موازنة الهيئة، وخاصة الموازنة التشغيلية، وبالشكل الذي يسمح لها بالقيام بواجباتها وتغطية التزاماتها تجاه كادرها الفني والإداري.
- إنشاء صندوق للحفاظ خاص بمدينة صنعاء القديمة كمصدر ضروري وهام لتحسين موارد الهيئة الخاصة بصنعاء القديمة.
- إنشاء وحدة مستقلة خاصة بالتوعية والإعلام، توضح أهمية الحفاظ على المدينة ضمن برنامج مكثف يستهدف سكان المدينة وكل من يتعامل معها.
- ضرورة إعداد الدراسة الفنية الخاصة بتقييم وتأهيل شبكة الصرف الصحي للمدينة وإعداد وثائق المناقصة للتنفيذ بحيث يتم الانتهاء منها خلال هذا العام.
- ضرورة إنشاء وحدة خاصة بصيانة البنية التحتية لمدينة صنعاء القديمة (شبكة الصرف الصحي، شبكة تغذية المياه، شبكة الكهرباء.
- ضرورة تخفيف النشاط التجاري الذي يتوسع يومياً وأصبح له تأثيرات سلبية على المدينة ومبانيها وشوارعها وحاراتها وحركة المركبات فيها.
- ضرورة الإسراع في تفعيل خطة المرور الخاصة بالمدينة.
- السعي لإطلاق حملة وطنية ودولية جديدة للمحافظة على مدينة صنعاء القديمة بمفاهيم حفاظ واضحة تتناسب مع المستجدت في الواقع الحالي للمدينة وما تعانيه.
- تعويض الهيئة بكادر فني وإداري جديد بديلاً عن الكادر المسحوب أو المتسرب عليها.
- ضرورة توفير الموازنة المناسبة لتنفيذ برامج تدريب وتأهيل إدارية وفنية متعلقة بالحفاظ (داخلياً وخارجياً) وذلك لرفع المستوى العلمي والعملي للكادر وجعله قادراً على القيام بمهامه في عملية الحفاظ بكفاءة واقتدار
.
- ضرورة تفعيل دور وزارة الأوقاف والإرشاد في ادارة وحماية جميع ممتلكاتها والحفاظ عليها بما يدعم ويحقق عملية الحفاظ.
- استكمال مشروع إزالة المخالفات القائمة وتصنيفها والعمل على إزالتها أو معالجتها، كما كان مخطط له في اللجنة العليا لحماية صنعاء القديمة.
- ضرورة أن يعمل الجميع كفريق واحد كلاً من موقعه وحسب اختصاصه، ضمن بناء إداري ومؤسسي يحقق الهدف المنشود وهو الحفاظ على مدينة صنعاء التاريخية.
*من المحرر:
لا يسعنا بعد هذا كله إلا أن نقول بأن مدينة صنعاء التاريخية - المدينة القديمة- بدأت تدخل في منعطف خطير، ولابد أن يبدأ العمل اليوم قبل الغد لإنقاذ هذه الجوهرة وعدم تركها لذلك المصير المجهول، وتفعيل دور الهيئة للحفاظ على هذه الشواهد والمآثر التي تعكس هويتنا التاريخية والحضارية.
وقبل الختام الا تستحق مدينة صنعاء أن نضعها في حدقات أعيننا.. ومتى سندرك أن هذا الكم الهائل من المعالم والمدن التاريخية إذا لم نتعامل معها بوعي ونعرف كيف نحافظ عليها ونستوعب قيمتها التراثية التي لا تقدر بثمن، ستفقد أهميتها وتصبح مجرد ركام من الأحجار والأطلال المتهالكة وهذا لا يشرف أحداً.. كما أن هذه الثروة الغنية والمتنوعة من مفردات التراث الثقافي الحضري إذا ما حافظنا عليها واستغليناها بشكل صحيح سيكون لها مردود اقتصادي كبير يسهم في ازدهار الوطن وتحسين مستوى دخل أبنائه، حيث سيتوافد السياح من كل حدب وصوب ليروا عجائب الفن المعماري البديع في اليمن وبالتالي سنضمن للأجيال القادمة ثروة قومية لا تنضب ولا تجف موارده
*26 سبتمبر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.