في كل قطر أزمة بل محنة . بهذه الكلمات القليلة يمكن تلخيص المشهد الإقليمي . إنها لعبة أمم يتعدد فيها اللاعبون مع تفاوت ملحوظ في الأحجام والقدرات والأدوار . لكأنما لاعبو العالم كله يتبارون ويتنافسون عندنا . من تراه يربح ومن تراه يخسر؟ ظاهر الحال يشير إلى أن الفرق اللاعبة تخسر والجمهور يربح . لكن اللعبة القديمة الجديدة مازالت في بداياتها، لذلك يصعب جداً القفز إلى استنتاجات الآن . ومع ذلك يمكن رصد كبريات المباريات الجارية في هذا القطر أو ذاك وإعطاء درجات تقييم للاعبين المتنافسين في لعبة تتكّون من جولات متعددة ومتكاثرة . ثمة ظاهرة في المشهد الإقليمي تكاد تحكم كل ما يجري فيه . إنها ظاهرة الفريق الأمريكي كقاسم مشترك، أو ك "جوكر"، في الملاعب جميعاً . أمريكا تلعب عند الجميع ومع الجميع . أين تراها تربح أو تخسر؟ اختارت أمريكا أن تفتتح موسم المباريات الإقليمية في العراق . حاصرته نحو 12 سنة، فأرهقت فريقه اللاعب وجمهوره في آن، ثم خرقت "قواعد اللعبة" فضربت اللاعبين العراقيين وجمهورهم سنة 2003 واحتلت ملعبهم وجاءت بلاعبين جدد مازالوا يحاولون ترميم الملعب وتهيئة جمهور جديد ليشاهد مباريات لا يتعارك فيها اللاعبون والمشاهدون . وإذ همّت أمريكا بمغادرة أرض الملعب، على كره منها، تفجّر قلبه والأطراف في توقيت مريب بعمليات دموية وحشية خلّفت مئات القتلى والجرحى . ترى، هل ما يجري من تفجيرات وفواجع من تدبيرها لحمل الجميع، لاعبين وجمهوراً، على مطالبتها بالبقاء ل "تحمي" الجميع منها بها؟ أم هو من تدبير لاعبين من الداخل، استبقوا خروجها المرتقب ليضعوا لاعبين آخرين أمام أمر واقع؟ اللعبة مستمرة . في لبنان، خرق لاعب من خارج الملعب " قواعد اللعبة" فقتل لاعباً مشهوراً في داخله ما استفز جمهور أنصاره إلى أبعد الحدود . استحضرت أمريكا لجنة دولية للتحقيق في ملابسات "المخالفة"، ثم أقامت، بقرار أممي، محكمة دولية لمحاكمة القتلة . قبل صدور قرار الاتهام بأكثر من سنتين، سرّبت مجلة ألمانية غير رياضية ("دير شبيغل" العام 2009) أخباراً من قلب المحكمة تشير إلى أنها ستتهم أفراداً من فريق حزب الله باغتيال اللاعب المشهور . وقد ورد في تقرير المجلة آنذاك عدد من الأسماء، بينهم اثنان من الأربعة الذين اتهمتهم المحكمة لاحقاً في قرارها الصادر في يوليو/ تموز الماضي . قبل أيام عادت المجلة إياها إلى تسريب أخبار طازجة عن امتلاك المحكمة معلومات عن تورط فريق الحرس الثوري الإيراني والاستخبارات السورية بجريمة اغتيال اللاعب المغدور إياه . ترى، هل لتسريب الأخبار الجديدة صلة بما يجري في الوقت الحاضر من مباريات دموية في الملعبين العراقي والسوري؟ اللعبة مستمرة . في سوريا، اندلعت انتفاضة شعبية تطالب بتغيير قواعد اللعبة من أجل أن تجري المباريات في ملاعب البلد جميعاً بشكل صحيح يراعي موجبات النزاهة والعدالة، لكن سرعان ما أقدم لاعبون من الخارج على افتعال مصادمات دموية في ملاعب حدودية نائية: درعا في أقصى الجنوب، تلكلخ في أقصى الغرب، جسر الشغور في أقصى الشمال، دير الزور في أقصى الشرق، ناهيك عن ملعبي حمص وحماة في قلب الوسط . لمصلحة من هذه المصادمات؟ هل لها صلة سببية ببرنامج المباريات الذي يستعد الفريق الأمريكي لتنظيمه والإشراف عليه في المستقبل المنظور في كلٍ من العراق ولبنان؟ اللعبة مستمرة . في فلسطين، نظّم الفريق الأمريكي، بالتعاون مع الفريق "الإسرائيلي"، برنامجاً طويلاً لمباريات متتابعة، أطلق عليها اسم "المفاوضات"، بدأت في "أوسلو" عام 1993 وجرت "مبارياتها" السنوية مع الفريق الفلسطيني منذ ذلك الحين لغاية أن توقفت في العام الماضي بعدما خرقها الفريق "الإسرائيلي" بمخالفات فاضحة متكررة . اليوم، يحاول الفريق الفلسطيني تنظيم مباراة خاصة في الأمم المتحدة يعتقد أنها ستمنحه شرعية وقوة جماهيرية في ملعبه الفلسطيني كما في سائر ملاعب المنطقة والعالم . لكن الفريق الأمريكي، بالتعاون مع الفريق "الإسرائيلي"، يحاول جاهداً تعطيل المباراة وحمل الفريق الفلسطيني على العودة إلى منازلة الفريق "الإسرائيلي" على ملعب "المفاوضات" تحت إشرافه ورقابته . اللعبة مستمرة . في مصر، ثار الجمهور على "كابتن" الفريق المحلي ولاعبيه . لم يحتمل أداءه ومخالفاته "الرياضية" وغير الرياضية، وهب هبة رجل واحد فأقصاه عن الملعب وعن قيادة الفريق . غير أن "كابتن" الفريق الأمريكي يحاول جاهداً المحافظة على أعضاء الفريق المصري بدعوى أن التضحية برئيسه كافية، لكن الجمهور يرفض أي تسوية في الموضوع . الجمهور هو الكابتن الحقيقي للفريق المصري الذي يعاد انتقاء أعضائه . لكن لاعبين داخليين متعددين يتدخلون في عملية الانتقاء والتشكيل، ما أدى إلى خلافات وتأخير في التوافق على أعضاء الفريق وعلى تأهيله . إلى ذلك، ثمة أضرار جمة لحقت بالملاعب المصرية تستوجب إصلاحات واسعة وجذرية، ويبدو أن الخلافات المستشرية على تشكيل الفريق وعلى رئاسته ستطيل الأزمة وستنعكس على اللاعبين والملاعب جميعاً . هل للفريق الأمريكي يد في كل ما يجري؟ وهل سيتمكن الجمهور المصري، مرة أخرى، من تصحيح أوضاع فريقه ولاعبيه وملاعبه؟ اللعبة مستمرة . من المفارقات اللافتة أن اليمن وليبيا وتونس تعاني أيضاً أزمات معقدة تتعلق بالفرق اللاعبة وباللاعبين وبالملاعب، كما تشكو أيضاً من تدخلات سافرة للفريق الأمريكي في ما هو من صلب حقوقها وشؤونها الخاصة . لذلك يبدو المشهد الإقليمي مرشحاً للعبة أمم طويلة ومعقدة ومكلفة ولها انعكاسات على أقطار أخرى داخل المنطقة وخارجها . لكن الكرة ما زالت في ملعب الجمهور . *الخليج الاماراتية