زيارة بن مبارك إلى المكلا لإقتسام أراضي الخور والطريق الدائري الجديد    معهد دولي أمريكي: أربعة سيناريوهات في اليمن أحدها إقامة دولة جنوبية    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    انتشال جثتي طفلتين من أحد السدود بمحافظة صنعاء وسط مطالبات بتوفير وسائل الحماية الأزمة    تحذير حوثي من هجرة رؤوس الأموال والتجار من اليمن نتيجة لسياسية النهب    ما وراء امتناع شركات الصرافة بصنعاء عن تداول العملة النقدية الجديدة !    حكم الجمع في الصيام بين نية القضاء وصيام ست من شوال    "إيران تسببت في تدمير التعاطف الدولي تجاه غزة"..كاتب صحفي يكشف عن حبل سري يربط بين اسرائيل وايران    هل ستطيح أمريكا بالنظام الإيراني كما أطاحت بنظام "صدام حسين" وأعدمته بعدما قصف اسرائيل؟    اليمن يطرح مجزرة الحوثيين بتفجير منازل رداع على رؤوس ساكنيها في جلسة لمجلس الأمن الدولي    ماذا يحدث بصنعاء وصعدة؟؟.. حزب الله يطيح بقيادات حوثية بارزة بينها محمد علي الحوثي وعبدالملك يضحي برجالاته!    لا داعي لدعم الحوثيين: خبير اقتصادي يكسف فوائد استيراد القات الهرري    فيرونا يعود من بعيد ويفرض التعادل على اتالانتا في الدوري الايطالي    حضرموت تستعد للاحتفال بالذكرى الثامنة لتحرير ساحلها من الإرهاب    مصرع جنديين وإصابة 4 في حادث انقلاب طقم عسكري بأبين والكشف عن حوادث السير خلال 24 ساعة    "قد لا يكون عسكريا"...صحيفة امريكية تكشف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران    - ماهي الكارثة الاليمة المتوقع حدوثها في شهر شوال أو مايو القادمين في اليمن ؟    القوات الأمنية في عدن تلقي القبض على متهم برمي قنبلة يدوية وإصابة 3 مواطنين    الليغا .... فالنسيا يفوز على اوساسونا بهدف قاتل    نونيز: كلوب ساعدني في التطور    الحكومة: استعادة مؤسسات الدولة منتهى أي هدف لعملية سلام    مسلسل تطفيش التجار مستمر.. اضراب في مراكز الرقابة الجمركية    شيخ مشائخ قبائل العلوي بردفان والضالع يُعزَّي المناضل ناصر الهيج بوفاة زوجته    المبعوث الأممي يحذر من عواقب إهمال العملية السياسية في اليمن ومواصلة مسار التصعيد مميز    الوزير الزعوري يشيد بمستوى الإنضباط الوظيفي بعد إجازة عيد الفطر المبارك    إصدار أول تأشيرة لحجاج اليمن للموسم 1445 وتسهيلات من وزارة الحج والعمرة السعودية    خلال إجازة العيد.. مستشفيات مأرب تستقبل قرابة 8 آلاف حالة    إنتر ميلان المتصدر يتعادل مع كالياري بهدفين لمثلهما    "العمالقة الجنوبية" تسقط طائرة مسيرة حوثية على حدود شبوة مأرب    كيف نتحرك في ظل هذه المعطيات؟    جريمة قتل في خورة شبوة: شقيق المقتول يعفوا عن قاتل أخيه فوق القبر    البنك الدولي.. سنوات الصراع حولت اليمن إلى أكثر البلدان فقراً في العالم مميز    مجلس الامن يدعو للتهدئة وضبط النفس والتراجع عن حافة الهاوية بالشرق الأوسط مميز    إسرائيل خسرت 1.5 مليار دولار في ليلة واحدة لصد هجوم إيران    العوذلي: البلاد ذاهبة للضياع والسلفيين مشغولين بقصّات شعر الشباب    12 دوري في 11 موسما.. نجم البايرن الخاسر الأكبر من تتويج ليفركوزن    زواج الأصدقاء من بنات أفكار عبدالمجيد الزنداني    الوحدة التنفيذية : وفاة وإصابة 99 نازحاً بمأرب في حوادث حريق منذ العام 2020    هل يعيد التاريخ نفسه؟ شبح انزلاقة جيرارد يحلق في سماء البريميرليج    جماعة الحوثي ترفض التراجع عن هذا القرار المثير للسخط الشعبي بصنعاء    هل صيام الست من شوال كل إثنين وخميس له نفس ثواب صومها متتابعة؟    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    فضيحة جديدة تهز قناة عدن المستقلة التابعة للانتقالي الجنوبي (صورة)    الخميس استئناف مباريات بطولة كرة السلة الرمضانية لأندية ساحل حضرموت    ليفربول يصطدم بكريستال بالاس ويبتعد عن صدارة الدوري الانجليزي    البنك الدولي يضع اليمن ضمن أكثر البلدان فقراً في العالم    رئيس الوزراء يعود الى عدن بعد أيام من زيارته لمحافظة حضرموت    حلقة رقص شعبي يمني بوسط القاهرة تثير ردود أفعال متباينة ونخب مصرية ترفض الإساءة لليمنيين - فيديو    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    أهالي تعز يُحذرون من انتشار فيروس ومخاوف من تفشي مرض خطير    حتى لا يُتركُ الجنوبُ لبقايا شرعيةٍ مهترئةٍ وفاسدةٍ.    نزول ثلث الليل الأخير.. وتحديد أوقات لإجابة الدعاء.. خرافة    موجة جديدة من الكوليرا تُعكر صفو عيد الفطر في اليمن    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    يستقبلونه ثم تلاحقه لعناتهم: الحضارم يسلقون بن مبارك بألسنة حداد!!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    سديم    بين الإستقبال والوداع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الراكب والمركوب والكامخ بينهما: فقه نظرية المؤامرة
نشر في نشوان نيوز يوم 05 - 11 - 2013

(في كبرنا نكتب بقلم رصاص لاننا تعلمنا ان الكتابة بالحبر ليس سهلا محوها)
حكمة من يريد تجنب الخطأ
في العام الثالث لبدء الانتفاضة العربية مازال هناك من يقول انها ثورات قامت بها الجماهير لكن القوى الاستعمارية والمشبوهة ركبت موجتها وحرفتها عن وطنيتها ومبدأيتها ونقاوتها!!؟؟ رغم ان كل الشواهد تؤكد بالقطع بان ما حصل كان عبارة عن قيام المخابرات الأمريكية ومن تعاون معها باستغلال الغضب الجماهيري المتراكم والمتفاقم ضد الانظمة الفاشية والمستبدة والفاسدة وتسخيره لاسقاط الانظمة وتدشين مرحلة الفوضى الهلاكة بدل اقامة بدائل وطنية تقدمية تنهي معاناة واستغلال الجماهير! السؤال الاجباري هو: هل ما حصل ثورة ام اجهاض مشروع الثورة الاصلي؟
بما ان من خطط وقاد وسير هو المخابرات الأمريكية فان الحصيلة الفعلية والواقعية ل(الثورات العربية) العتيدة هو الاجهاض المتعمد والمخطط لمشاريع الثورات العربية الاصيلة والجذرية والتي تختمر منذ عقود فجاءت امريكا ونغولها لتجهضها وتولد لنا مخلوقا متوحشا وهجينا تارة يسمونه (التكفيري) وتارة اخرى (الشبيح) اخذ يدمر كل ما بنته الامة خلال قرن من الزمان تحت اسم وغطاء مزور هو الثورة، وهي بهذا الواقع احداث لا صلة لها لا بالثورة ولا بالاصلاح.
ما نراه اليوم فوضى هلاكة ضربتنا ومازالت تضربنا في الصميم وتدمر مجتمعاتنا ودولنا وبنانا التحتية والفوقية، ومنها روابطنا الاجتماعية، ولم تبقِ شيئا لم تنوشه بالخراب والتشويه، وهذا ما نراه الان بلا غموض في مصر وتونس واليمن وسوريا ولبنان والعراق وغيره! فهل نحن بإزاء حالة التحدث بلغات مختلفة ويجهل كل مثقف وسياسي لغة الاخر فلا نتفق ولا نلتقي حتى على بديهيات التفكير والفهم؟ ام اننا بأزاء (عناد) محسوب عاطفيا او لاسباب اخرى يجعل البعض يتعمد عدم رؤية الواقع كما هو فيتخيله كما يرغب؟
ما جعلني اكتب هذا التحليل تحديدا هو الشعور العميق الذي يترسخ لدي بان عددا من المثقفين والساسة تغربوا بلغتهم ونمط تفكيرهم وطلقوا اي صلة لهم بالواقع وبالامة، وتلك من اكبر كوارث الثقافة والمثقفين لان هؤلاء في كل العالم وفي كل الازمان هم مشاعل التنوير التي تجعل، بما تكتبه او تقوله او تمارسه، الجماهير في حالة توحد قوي نتيجة فهم هذه الطليعة الصحيح لما يجري فتبعد الجماهير عن الفهم الخاطئ الذي يؤدي الى تمزيق صفوف الجماهير بين هذا وذاك نتيجة غموض الوضع المترتب على تحليل المثقف او السياسي.
اما منذ تضاعفت كوارثنا في عام 2011 فان البعض من مثقفينا وساستنا يلعبون دورا لا يمكن بأي حال من الاحوال ان يكون دور مثقف ثوري، او حتى مثقف عادي، لانه دور ابتعد كثيرا عن الواقع وصوره بغير حالته الفعلية وادى ذلك عمليا وبغض النظر عن الدوافع الى زيادة تمزيق صفوف الحركة الوطنية العربية وسمح بخلق ثغرات استغلها العدو لمواصلة تأمره تحت غطاء ان كشف خططه مجرد هاجس من هواجس نظرية المؤامرة وليس حقيقة عيانية، وهذا ما يروج له البعض من المثقفين الوطنيين!
وهذه الحقيقة المثيرة لاشد انواع الاسى والاستغراب تفرض طرح اسئلة لم يعد ممكنا التهرب منها: هل ما نواجهه ثورات حقيقية شعبية نقية ولكنها حرفت؟ ام انها خطط نفذت وجرّت الجماهير والنخب الوطنية اليها جراً بقوة العواطف وضياع بوصلة الوعي؟ كل ما نراه الان، وبعد اكثر من عامين ونصف، يكفي للقول بلا تردد اننا نعيش فعلا وبلا مبالغة افظع كوابيسنا واخطر مراحل حياة العرب منذ الاف السنين، لاننا نذبح انفسنا بيدنا وندمر مابنيناه بايدينا ومالنا، ونهدم كل صروح القيم الاخلاقية والدينية التي تبلورت عبر الاف السنين، ونقطع كل اواصرنا بطلقات بنادق صنعناها لتوجه الى اسرائيل وامريكا وايران، لكنها استدارت فجأة واخذت تطلق النار علينا، على فلذات اكبادنا، شبابنا ونساءنا واطفالنا! نرى الرؤوس تتطاير نتيجة استخدام مناشير كهربائية او فؤس لا ترحم!
فماذا يجري ايها السادة؟ هل هذا هو هو الربيع الموعود؟ هل هذه هي الثورة التي تحرر الشعب من ظلم الانظمة لنقع في ظلم متعدد الاطراف واول طرف يظلمنا نخب معينة ركبت رأسها وهي تقول: ارقصوا وغنوا فهذا هو الربيع المنتظر رغم انها ترى تلال الجثث يوميا وجنبها جبال الركامات التي كانت تسمى بالامس مساكننا وقرانا ومدننا واحياءنا ومعاملنا ومدراسنا وملاعبنا؟ لم نعرف حالة ثورة كهذه ابدا، الثورة لا تتقاتل فيها الملايين من نفس الناس ونفس الطبقات، الثورة يتقاتل فيها ابناء الشعب مع نظام مستغل او محتل، ولم يحصل ان تقاتلت الملايين مع ملايين من الشعب ووصفت بانها ثورة، بل وصفت احداث مثل هذه باتفاق الكل بانها حرب اهلية، فهل مانراه في مصر منذ عام 2011 ثورة؟ ام حرب اهلية بين ملايين تؤيد هذا الفريق وملايين اخرى تؤيد الطرف الاخر؟ هل كارثة فلسطين بكل مأسيها ولوعتها شيء سوى جزء يسير مما يطحننا الان فنقدم في يوم واحد شهداء او ضحايا بقدر شهداءنا في كل حرب مع اسرائيل؟
الحق مع من: هل مع من تدعمه ملايين؟ ام مع الاخر المناقض الذي تدعمه ملايين اخرى ايضا؟ هل نراقب موقف امريكا؟ الحقيقة التي يراها حتى الاعمى هي ان امريكا تشجع وتدعم الطرفين في كل قطر عربي على مواصلة القتال وعلى الحسم وبلا مساومات، امريكا الان تقود (جبهة) رفض كل الحلول الوسط حتى تلك التي تقترحها هي لاخفاء دورها وتشجع الطرفين على رفض كل حل وسط لانهاء الصراع خصوصا اذا كان دمويا، واسرائيل تصرخ بمن يدلي رأيه من مسؤوليها في قضايانا: (اصمت ايها الاحمق دع العرب يذبحون بعضهم البعض الاخر ولا تتدخل فينتبهون لدورنا وربما يتوحدون مرة اخرى ضدنا). فيصمت الاسرائيلي الذي اراد ابداء الرأي فيما يحدث!
هل نستوعب معنى انتشار الفتن الدموية في الاقطار العربية في زمن واحد تقريبا، سواء بالتعاقب المخطط او بالتزامن المبرمج؟ هل الصدفة تتكرر بهذا الالحاح الاكثر من غريب؟ ام انه الهدف الموضوع سلفا؟ هل نقرأ معنى كل هذا؟ هل نفهم لم تفعل امريكا كل ذلك التحريض لكل الاطراف ولم تدعم امريكا ومعها اوساط اوربية كل الاطراف بالمال والسلاح والدعاية او القنوات الدبلوماسية؟ اذا استبعدنا الناس البسطاء فان المتعلم الغبي وحده هو الذي يقول لا افهم ما يجري، ومن لديه ذرة وعي يعرف الان وبيقين ان ما يحدث هو المؤامرة الاشد خطورة في تاريخنا العربي كله قديما وحديثا، فلم نواجه خطرا مميتا كالذي نواجهه الان، واذا كان هناك من يعترض فليتفضل ويقول لنا متى واجهنا مثل هذا الخطر منذ عهد الفتوحات الاسلامية وحتى الان.
ايها السادة: يقتل الان كل يوم في سوريا على الاقل مئة عربي، ويقتل كل يوم عشرات الليبيين، وتجري عمليات منظمة لتصفية الكوادر التي اعدتها دولنا بمالنا ودمنا من طيارين وعسكريين وعلماء ومهندسين نراهم الان يذبحون يوميا امام نواظرنا! وفي مصر كر وفر وفقدان للامن واستشراء للفوضى الهلاكة، ومصر الان تتجه لكارثة عظمى نتيجة تواصل الفوضى وعدم وضع حد لها تحت غطاء (حرية التظاهر)! اي حرية هذه التي تمهد لشرذمة مصر اكثر مما حصل حتى الان؟ حرية التظاهر لا يمكن ترجمتها الا على انها تكتيك اكثر من واضح لتقسيم مصر ومنع توقف نزيفها! وفي اليمن تترسخ عوامل التقسيم وتزداد العداوة بين ابناء اليمن ويعود اليمن لعهد اسوأ بمراحل من عهد ما قبل الثورة التي اطاحت بالملكية، ففي اليمن الان من يطالب بالفدرالية والتقسيم واصبح جيشها الوطني جيوش شيوخ قبليين او سياسيين او عسكر يستعد كل منها لمقاتلة الاخر بحماس لا نظير له! هل نسينا انه يقتل يوميا عشرات العراقيين ووصل عدد شهداءنا ثلاثة ملايين عراقي منذ الغزو فقط؟ هل ترون الدم من اي جسد نزف وينزف؟ انه ليس الدم الاسرائيلي ولا الدم الايراني ولا الدم الأمريكي انه فقط الدم العربي!
اذا وضعنا العراق جانبا، لان من دمره ويدمره هو امريكا وايران وادواتهما، برب كل عاقل فيكم هل خسرنا هذه الدماء في كل حروبنا مع اسرائيل؟ برب كل عاقل فيكم هل دمرت مدننا في سوريا وبدأ في مصر تدمير مدننا بيد العدو ام بيدنا؟ الحقيقة المفزعة والمفجعة هي ان القتل العشوائي والدمار يتم بيد شبابنا المنتفض وجنودنا وشرطتنا وليس بيد صهاينة او أمريكيين او ايرانيين! نعم من خطط هي امريكا والصهيونية دون شك، نعم من شارك بالابادة والتدمير بصورة رئيسة ايران بدون شك، ولكن من ينفذ هم ابطالنا ساسة وشباب، حكاما ونخبا تريد التغيير بلا بوصلة! فهل ترون نتائج انتفاضة بلا بوصلة هادية لتجنب الالغام؟
دمرت سوريا وبدأ تدمير مصر كما دمر العراق وليبيا وقسم السودان في خطوة اولى ستعقبها خطوات تقسيم اخرى، واعدت اليمن والبحرين وتونس ولبنان للتدمير لاحقا، وتطبخ الجزائر على نار هادئة لحين وصول قافلة الموت اليها لا سامح الله، وهذا ما يحصل للسعودية ايضا، اما الاردن فان نتنياهو ينتظر الفرصة لاعلان دولة فلسطينية فيه لانهاء مشكلة اللاجئين، وفي الانبار (يناضل) الحزب الاسلامي بلا هوادة لجعله اقليما مستقلا تنفيذا للمخطط الاسرائيلي القائم على توطين اربعة ملايين لاجئ فلسطيني فيه واقامة دولة كونفدرالية فلسطينية – اسرائيلية بعد زاول الاردن من الخارطة! هذه ابرز حقائق ونتائج موضة (عصر الجماهير المقدس)!
هل خسرنا في كل حروبنا مع اسرائيل بشرا ومالا وعمارة بقدر ما نخسر الان؟ كل عاقل لديه وعي يعرف ان خسائرنا بشرا ومالا وعمرانا في كل حروبنا مع اسرائيل لا تصل الى 1 بالالف من خسائرنا الحالية! الا يكفي هذا وحده ليقول اي ساذج وغبي بان ما يحصل ليس سوى خدمة مجانية لامريكا واسرائيل وايران؟
اسألوا اي ماجدة عربية اغتصبت على يد شبيحة النظام او التكفيريين او البلطجية او (ثوار) النيتو: هل تتمتعين بربيع عربي رغم ان اكثر من ذئب سربله الجرب اعتلى جسدك ولهث فوقك وسال لعابه فوق وجهك بينما تفجرت جراثيمه كلها في احشاءك؟ اسألوا ملايين العراقيين والسوريين الذين شردوا: هل ادت كارثة احتلال فلسطين الى تشريد عدد بقدر من شرد من العراق وحده والذين بلغ عددهم سبعة ملايين مهجر ومشرد؟ وهل من شرد من سوريا اقل ممن شرد من فلسطين عام 1948؟ أسألوا كل هؤلاء: هل تتمتعون بهذا الربيع؟ وهل هو ربيع حقا؟
كلنا نعرف ان من شرد من فلسطين وقتها كان اقل من مليون فلسطيني، اما الان فنحن نتحدث عن سبعة ملايين عراقي مشرد ومهجر من الديار او الوطن! ونتحدث عن مليوني سوري مهجرين ايضا! هؤلاء بغالبتهم الساحقة بلا مورد لذلك حصل كل ما يدمي القلب للنساء والاطفال والشباب! والان تعد العدة لتهجير عشرين مليون مصري على الاقل تحت ضغط صراع الحزبين المناضلين الجزيراوي والعربياوي والذي يتخذ شكل تظاهرات تشل الحياة وتجر مصر جرا للخراب! اما لبنان فانه دخل نفق حرب اهلية لم يشهد لها مثيل بفضل (مقاومة) حسن نصرالله وتطلعات ايران الاستعمارية والتي تغذيها الاجهزة الأمريكية والاسرائيلية، وسنرى غدا عشرات الالاف من اللبنانيين الذين يبحثون عن مأوى خارج لبنان!
اذن اين الثورات؟ هل سرقت؟ هل كانت ثورات خططت لها الجماهير او طلائعها لكن امريكا (الشيطانة) ركبت موجتها وحولتها الى فوضى بواسطة من دربته واعدته مسبقا؟ ام انها اصلا خطة مدبرة مسبقا وبالتفاصيل الدقيقة؟ من الذي ركب الموجة اذن؟ من الراكب ومن المركوب؟ لنعيد توضيح الامر وسوف نخصص بدقة لكي لانتهم بالتعميم:
1 – حينما قلنا منذ بدأت انتفاضة تونس وقبل ان تقع انتفاضة مصر ان ما يجري ليس ثورة وانما انتفاضة لان الانتفاضة بداية ثورة ومشروعها القائم على عناصر حتمية لاثورة حقيقية بدونها لانها بوصلة الهداية في طريق العواصف العاتية اهمها التنظيم الشعبي الجماهيري القوي المنسجم ايديولوجيا (في حالة حزب) او المتوافق ايديولوجيا (في حالة جبهة وطنية)، والستراتيجية الواضحة التي تتحكم بخطة الثورة وتعاقب مراحلها، فاذا انتقلت من اسقاط النظام الى بناء البديل بيد من قام بالانتفاضة وليس بيد سراقها فانها تدخل مرحلة الثورة، لان الثورة بالمفهوم الثوري المبسط هي التغيير الجدري نحو الافضل ولخدمة ملايين الناس. ولكي ندرك قيمة البوصلة انظروا لمن انتفض بدون بوصلة في تونس ومصر وكيف انه اوصل القطرين الى حافة كارثة الحرب الاهلية بدل حل مشاكل الجماهير! الم نحذر من ذلك منذ الاسبوع الاول لانتفاضة تونس؟
ولكي يتوقف من يزور كلامنا وينتقي منه مايشاء يجب ان نؤكد على ان ما حصل هو ان الجماهير التي انهكتها الديكتاتوريات والفساد والظلم الاجتماعي والاقتصادي كانت تحلم بالثورة بلا جدوى، وكانت يائسة نتيجة قمع الانتفاضات السابقة بفضل بوليسية النظم والدعم الأمريكي لها بلا تحفظ، لذلك فان الجماهير ما ان رات بوادر تغيير مشجعة حتى التحقت بالالاف وبالملايين بمسيرة التغيير دون ان تكون عارفة بالخطوة التالية لاسقاط النظام وبلا معرفة هوية قادة الانتفاضة، لان الاهم بالنسبة لها كان التخلص من انظمة اذلتها وقهرتها وافقرتها.
هنا لدينا جماهير لا صلة لها باي تخطيط للانتفاضة ونخب درب قسم كبير منها على كيفية تفجير انتفاضة وتطويرها وتصعيدها دون تدريبها على ما بعد اسقاط النظام، لذلك فوعي النخب التي قادت كان وعيا مرحليا قاصرا، اما القسم الاخر الوطني النظيف فانه اندفع ليساهم في احداث موجة (وليس في قيادتها) سبق وان اطلقت بدون مشاركته في التخطيط لها فوجد فيها تحقيقا لاحلامه بالتغيير دون ان يملك القدرة على تحديد مسار الانتفاضة وكان مسيرا وفقا لالياتها المقررة سلفا، اما المتحكمون بالميادين فهم من دربوا قبل سنوات ويخضعون لتوجيه السيد الجالس في مقر المخابرات الأمريكية!!! من الراكب اذن ومن المركوب أيها السادة؟
2 – نكرر ما قلناه قبل اكثر من عامين: فقط شرارة اشعال الحريق كانت عفوية وهي انتحار محمد البوعزيزي في تونس، انطلقت الجماهير بعفوية لاشك فيها لكن هذه العفوية سرعان ما اغتيلت، اولا بتدخل الجيش، وثانيا باعادة تصدير رجالات الغرب وفي مقدمتهم السلفي راشد الغنوشي والليبرالي المنصف المرزوقي، عاد هؤلاء الى تونس بعد ان تم اختيارهم بدقة ولاغراض محددة وهي نشر الفوضى الهلاكة في تونس، اما بوعي منهم او بحكم طبيعتهم السياسية او النفسية، فتولوا المسؤولية بعد انتخابات تمت في بيئة ملغومة، فماذا حصل؟ بدأت لعبة تدمير تونس عبر النشر المخطط للفوضى الهلاكة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وادخل السلاح من ليبيا الى تونس كما ادخل الى مصر بكميات رهيبة ليس لمقاومة احتلال بل لذبح ابناء تونس ومصر وغيرهما.
ويعرف كل تونسي الان ان مايحصل لم يكن ثورة ابدا وانما انتفاضة ارادت الجماهير تحويلها الى اسقاط لنظام فاسد وديكتاتوري واقامة بديل وطني يدفع تونس نحو حالة افضل مما سبق بكثير ولكن ما يحصل هو العكس تماما فقد فقدت تونس استقرارها وامنها وامانها واصبحت غابة قتل واضطرابات وفقدت تقريبا اهم مواردها وهو السياحة! اين وصلت الثورة؟ هل ركبت الجماهير والنخب الوطنية موجة تغيير لم تخطط له؟ ام امريكا ركبت موجة انتفاضة وحرفتها وفقا للاتجاه الذي تريد؟ من الراكب ومن المركوب أيها (القضاة)؟ ماذا عن مصر؟
***
3 - في مصر اشتعلت انتفاضة شعبية بعد انتفاضة تونس وكان توقيت انتفاضة مصر مبنيا على استثمار تأثيرات الانتفاضة التونسية الايجابية على الناس، وكان الناس منذ فشلت انتفاضات عديدة ضد السادات ومبارك وقمعت يشعرون بالاحباط لان امريكا تدعم النظام بقوة ولا تسمح باسقاطه، لكن ما حدث في بداية عام 2011 كان امرا مناقضا تماما، فامريكا اوباما غير امريكا بيل كلنتون ولا امريكا بوش الامي، وكما دعمت امريكا مباشرة ورسميا عمليه اسقاط بن علي هي وفرنسا كررت نفس الموقف في مصر فدعمت الانتفاضة ضد مبارك من خلال الضغط المباشر والرسمي الذي مارسه اوباما شخصيا ووزيرة خارجيته هيلاري كلنتون على مبارك للاستقالة بعد اجباره على عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين، ولم يكن ذلك عشقا أمريكيا للانتفاضة بل للوصول الى تمزيق مصر كما نرى الان وبعد اكثر من عامين ونصف العام.
كانت تلك الرسائل الأمريكية الرسمية واضحة المعنى تماما للجميع ولا يمكن الاختلاف في تفسير معناها: لعسكر النظام ومخابراته ورئيسه تقول: ستحاسبون في محاكم دولية اذا استخدمتم العنف ضد المتظاهرين! وهذا يعني ترك الانتفاضة تتوسع كي تصل حد عجز النظام فينهار من الداخل، هذا ما اكدناه مبكرا، والان وبعد عامين ونصف العام يأتي الجنرال سامي عنان رئيس الاركان المصري اثناء بدأ الانتفاضة ليؤكده باعترافه في مذكراته بان اوباما طلب منه بواسطة قائد القوات الأمريكية مباشرة عدم استخدام العنف ضد المتظاهرين وارفق الطلب بتهديد واضح تماما كما فعل بريجنسكي مع جنرالات ايران اثناء الانتفاضة الايرانية في عام 1979 عندما ارسل لهم الجنرال روبرت هويزر قائد القوات الأمريكية في اوربا وقتها ليحذر الجنرالات من تنفيذ اوامر الشاه بسحق الانتفاضة فرضخوا لطلبات امريكا وكانت النتيجة اعدامهم كلهم!
كذلك التقط المنتفضون خصوصا الوطنيون منهم الرسالة فتشجعوا اكثر على مواصلة الانتفاضة بعنف اشد، بينما من دربوا في واشنطن وبلغراد على كيفية القيام باسقاط النظام ب(طرق سلمية) واصلوا دورهم بلا تردد لان لديهم ضمانات أمريكية واضحة. وكان اعداد هؤلاء ممتازا لدرجة ان وائل غنيم، وهو ابرز نشطاء الاعداد الأمريكي المباشر والصريح، كان الاعلام الموجه العربي والاجنبي يركز عليه وهو يبكي قتيلا بطريقة مؤثرة عاطفيا صورته (كرمز للثورة المصرية)! اما الجماهير الحاقدة على النظام والتي كانت خائفة منه ويائسة من اسقاطه نتيجة تجارب الانتفاضات السابقة التي قمعت بلا رحمة فانها حينما لاحظت ان امريكا ليست مع مبارك هذه المرة وان الجيش محايد ولم يقمعها تشجعت اكثر وفي ظنها ان الفرج اقترب ربما على يد الجيش هذه المرة، فترسخ الطابع الملاييني للانتفاضة واكتسب زخما هائل جعل الانتفاضة المصرية احدى اهم انتفاضات التاريخ الانساني العظمى!
اسقط مبارك بقرار أمريكي اولا وقبل كل شيء وليس لقوة الانتفاضة فقط فلو لم تدعمها امريكا لسحقها الجيش كما سحقت انتفاضات سابقة في عهدي السادات ومبارك، بل ان تعاظم الانتفاضة قوة وعددا احد اسبابه الرئيسة ادراك الناس العاديين ان امريكا تخلت عن نظام مبارك لذلك زال ترددهم وتخوفهم من النتائج واندفعت ملايين الناس بلا حدود تعويضا عن القهر والظلم والاحباط في السابق. ولكن الانتفاضة لم تتوج بحل شعبي واضح كما حلمت الملايين ومعها شباب وطني صادق بل ادخلت مصر في نفق مظلم وخطير مملوء بالافاعي السامة والوحوش الغريبة التي لم نشاهدها من قبل لدرجة ان الناس اخذوا يتساؤلون: هل هذه هي نتائج انتفاضة انتظرناها ثلاثة عقود من القهر والظلم والتجويع؟
ولذلك ليس ثمة مفر من طرح التساؤل المركب التالي في ضوء تفاقم ازمة مصر الان وانتشار الفوضى الهلاكة فيها: هل ما يحصل الان في مصر وفرض ادارة اوباما على سامي عنان والعسكر في مصر عدم استخدام القوة ضد المتظاهرين هل هو تمهيد لتكرر ادارة اوباما في مصر الان ما فعله بريجنسكي اثناء عمله كمستشار للامن القومي في ادارة كارتر في ايران؟ نذكر بان بريجنسكي ارسل الجنرال روبرت هويزر قائد القوات الأمريكية في اوربا وقتها الى جنرالات ايران وطلب منهم عدم تنفيذ اوامر الشاه بقمع التظاهرات ووعدهم بان حياتهم مضمونة لكن عدم استخدام القوة لفض التظاهرات ادى الى سقوط الشاه واعدم جنرالات الشاه حتى من تعاون لانجاح عملية ايصال خميني للحكم! فهل عدم استخدام القوة لانهاء التظاهرات العنيفة في مصر سيؤدي الى شرذمة مصر اذا تواصلت ولم تنتهي بحسم سريع، ويأتي يوم يعدم فيه عنان وطنطاوي والسيسي وكافة جنرالات مصر كما اعدم الجنرال ربيعي ورفاقه في ايران؟
تذكير اخر: ايران لم تحصل فيها فوضى هلاكة بعد اسقاط الشاه، بل بالعكس كان الهدف الأمريكي الاسرائيلي هو بروز ايران موحدة واقوى من ايران الشاه واوسع نفوذا وتأثيرا في الوطن العربي والعالم الاسلامي، لان دورها المرسوم أمريكيا وصهيونيا كان يقوم على استخدام النفوذ الطائفي لحكم رجال الدين الايرانيين في الاقطار العربي لاجل شرذمتها وتقسيمها طائفيا في اطار مخطط الشرذمة الطائفية العنصرية للوطن العربي، لذلك كانت ايران الموحدة والقوية ومازالت حتى هذه اللحظة مصلحة ستراتيجية أمريكية صهيونية.
هل من دليل جديد على هذه البديهية الان؟ نعم الادلة كثيرة وتهاطلت كالمطر مؤخرا! الصفقة الروسية الأمريكية حول سوريا والتي قامت فيها امريكا بما كان متوقعا منها وهو الغدر بمن وثق بها من اطراف في المعارضة السورية، فابقت النفوذ الايراني في سوريا لفترة اضافية من خلال النظام الصفوي الاسدي مع ان هذا النفوذ كان على وشك التلاشي نتيجة اقتراب انتصار المعارضة، وتحول زواج المتعة الذي عقده خميني مع بريجنسكي الى زواج مدني بين اوباما وخامنئي واستخدام حسن روحاني كشاهد على هذا الزواج، وانهاء فترة التهديدات والمعارك الدونكيشوتية بينهما وقيام خامنئي باكبر حملة تنظيف في ايران لرفع الشعارات المعادية لامريكا، وقبلها تسليم العراق الى ايران وليس الى عملاءها التقليديين! الا تكفي هذه الادلة وهي جزء من حزمة ادلة اكبر لاثبات ان ايران القوية مصلحة استراتيجية أمريكية صهيونية؟
وخدمة رجال الدين الايرانيين لامريكا والصهيونية نرى نتائجه وواقعه الان في العراق وسوريا واليمن والبحرين ولبنان ودول الخليج العربي التي اندلعت فيها الفتن الطائفية بفضل نظام رجال الدين في ايران وليس غيرهم، فأدى ذلك الى اعطاء اسرائيل فترة هدوء شامل وتوقف (التهديدات) العربية لها لان العرب انظمة وجماهير اصبحوا منغمسين حتى شعر الرأس بصد الهجمات الايرانية الدموية ولم يعد لديهم الوقت ولا الطاقات لتذكر الخطر الاسرائيلي الذي تفاقم وتضاعف بفضل الدور الايراني، كما ان امريكا استثمرت تهديدات رجال الدين في ايران بغزو اقطار الخليج العربي تحت غطاء (نشر الثورة) للحصول على المزيد من المال العربي وتوسيع قواعدها العسكرية في الوطن العربي.
وهنا علينا تذكر احدى اهم حقائق الصراعات الحالية والسابقة التي تقدم ايضاحات اخرى وهي ان الاقطار العربية هي هدف المخطط الصهيوني الأمريكي هذا وليس ايران التي لم تكن يوما ما هدفا حقيقيا لذلك المخطط، ففلسطين عربية وليس ايرانية والنفط بقسمه الاعظم عربي وليس ايرانيا، وتلك اهم المصالح الأمريكية والصهيونية، من هنا فان تغيير النظم العربية ليس مقدمة لاقامة نظم بديلة قوية ومستقرة كما حصل في ايران بل هو مدخل واضح جدا لتمزيق الاقطار العربية كلها طائفيا وعرقيا عبر اغراقها في فوضى هلاكة تجر جرا الى تقسيم الاقطار العربية وتقاسمها بين الغرب الاستعماري وقوى دولية اخرى وقوى اقليمية. لهذا فان اي تغيير في مصر يجب ان ينظر اليه من زاوية محددة وهي ستراتيجية تقسيم وتقاسم الاقطار العربية وفي مقدمتها مصر.
الان علينا ان نطرح اسئلة تشكل مفتاح الفهم الصحيح لما يجري في مصر من احداث خطيرة جدا ومنها: هل تحولت الانتفاضة المصرية الى ثورة؟ هل اقيم حكم بديل كما ارادته الجماهير؟ هل تحققت امال الجماهير او حتى بعض اهدافها ولو جزئيا؟ كلا طبعا فلقد اوصلت امريكا عمدا وتخطيطا محمد مرسي للرئاسة واغتيل عمر سليمان المرشح البديل الذي اوهمته امريكا هو وغيره من رجالات النظام بانه هو البديل لمبارك حتى انه ربما اقنع مبارك بتلك المعلومة كي يتنحى، لكن امريكا نحرت سليمان نحرا بلا رحمة او تردد وبصورة اقرب للعلنية، ومن يقول انه مات بمرض طارئ فهو مغفل كامل الغفلة، واستبعدت امريكا حتى رجلها الاخر اخر رئيس للورزاء في عهد مبارك احمد شفيق الذي فاز فعلا في الانتخابات لكن امريكا عطلت اعلان النتائج وزورتها واعلن مرسي رئيسا. مثلما فعلت في العراق بجعل المالكي رئيسا للوزراء بينما كان علاوي وقائمته هما من فاز.
لماذا (عينت) امريكا مرسي رئيسا ثم ساعدت على اسقاطه؟ لكي لانتهم احدا بما ليس فيه علينا توضيح الاسباب، فمرسي اختير رئيسا لانه يمثل تيارا متخلفا ومعوقا فكريا ونفسيا وهو لذلك بعيد جدا عن فهم ما يجب وما لايجب في الحكم نتيجة تربيته الرجعية الظلامية خصوصا طبيعته التكفيرية للاخرين وعبادة الكثير من قادة جماعته للمال والحكم والجنس، ومن بين اهم الاسباب ان اشعال فتن طائفية دموية واسعة النطاق لا يمكن تحقيقه الا بوصول (اخوان مصر) للحكم، فبعد ان مهد نظام السادات - مبارك للفتن الطائفية وفجرها جاء دور الاخوان في نقلها الى مستوى الكارثة الوطنية المصرية من خلال ممارستهم لكافة اشكال التكفير والاقصاء والاخونة للوظائف والسيطرة على الناس وممارسة اشد الفواحش استفزازا...الخ، وعندها يمكن للتطرف المسيحي ان يجد مبررا لدعوة الخارج لانقاذ الاقباط والانغماس في حرب اهلية. وهذه الخطوة الأمريكية الصهيونية في دعم الاخوان المسلمين في مصر تشبه خطوة امريكا في ايران بدعم خميني واستبعاد القوى الوطنية الايرانية، كما تشبه ما حصل في العراق بايصال احزاب طائفية تتستر بالاسلام السني والشيعي ليس حبا بالاسلام بل رغبة في استخدامها لاشعال فتن طائفية
كان متوقعا من مرسي كما خططت امريكا ان يخلق بيئة ازمات متتالية تولد احدها الاخرى لجر مصر الى حرب اهلية، خصوصا لان امريكا عرفت بدقة ان مرسي وجماعته سوف يتمسكان بالحكم حتى الموت واراقة دماء الالاف اذا جرت اي محاولة لازاحته من الرئاسة حتى بالانتخابات، وهذا ايضا احد اسباب دعم امريكا للمالكي في العراق رئيسا للوزراء وتجديد ولايته، فمن دون اشخاص تشبعوا بثقافة الاستبداد والاستعداد لقتل الالاف من اجل موقعهم الرئاسي لا يمكن تصور وقوع احداث كارثية تساعد على تفكك المجتمع والدولة! وهكذا خلقت بيئة حرب ضروس لاتبقي ولا تذر بين ملايين المصريين وليس بين نظام مبارك والشعب!
ما رأيناه في مصر هو ضربات استباقية (Preemptive strikes) أمريكية لاحلام الناس بالثورة والتغيير الجذري، فبدلا من حصول ثورة تحقق اهداف الجماهير في الحرية والعدالة القانونية والاجتماعية والاقتصادية تم اختطاف مشروع الانتفاضة القديم منذ عهد السادات واحبط مرات وتوفرت ظروف تسمح به فتفجرت الانتفاضة عام 2011 ولكن بقيادة نخب المسيطر منها مدجن ومدرب من قبل نفس الذي يحرك باصبعه قروقوزات الجزيراوي والعربياوي، لذلك تحول مشروع الانتفاضة الى فوضى هلاكة!
الملايين خرجت وهي تأمل بحكم شعبي يحل مشاكل الجوع والفقر والتخلف والظلم والفساد، ولهذا قدمت الشهداء لكن من يحرك القرقوازات كان يريد امرا اخرا وهو اشتعال نيران الفوضى الهلاكة في مصر حتى تدمرها ولا تبقي حجرا فوق حجرا وتمسح كل امل في الحرية والاستقرار من ذاكرة شعب مصر. فقط تأملوا في التغييرات الغريبة في مصر وحللوا سبب دعم امريكا وصول الاخوان المسلمين لحكم مصر ولم واصلت دعمهم حتى نفذوا ما كانت تتوقعه وهو محاولة اعادة تشكيل مصر وفقا لرؤية ظلامية مرفوضة استفزت ملايين المصريين واجبرتهم على رفض حكم الاخوان فاسقط وبدأت رحلة تشرذم مصر، فقط تذكروا ذلك ستعرفون من هو الراكب ومن هو المركوب.
4 – ليبيا كانت رغم نظامها وغرائبه تشكل واحة استقرار وكان ابناء الشعب يعيشون بصورة طبيعية يتمتعون بامتيازات كبيرة. فماذا حصل؟ فقدت ليبيا وضعها السابق ولم تحصل على الحرية والاستقرار بل ادخلت من كل الابواب التي فتحت لها الى الجحيم. فاليوم ليبيا ساحة قتال بين القبائل والكتل والاحزاب والعصابات والحارات، وتقوم العصابات المسلحة بأبادة كل ما أهلته ليبيا من كوادر الدولة كالضباط والطيارين والخبراء، وتبديد الثروة الليبية بصورة علنية وتسليمها للغرب الاستعماري، فقدت ليبيا الاستقرار كليا ودخلت طور التأكل التدريجي وبدأت بالتحول الى امارات حرب يحكمها امراء حرب فاسدون حتى العظم وهذا هو الوضع الانموذجي الذي يخدم النيتو الذي اسقط القذافي. هل هي انتفاضة؟ ام ثورة؟ ام ردة؟ الا يشبه ذلك ما حصل ويحصل في العراق وغيره؟ هل التشابة او التطابق احيانا صدفة؟ من الراكب ومن المركوب في ليبيا: الجماهير ام اجهزة المخابرات الاوربية والأمريكية والاسرائيلية؟
احد المركوبين في ليبيا اسمه عبدالرحمن شلقم، وكان وزيرا لخارجية القذافي، اعترف مرخرا بانه ساهم في تنفيذ مخطط رمي ليبيا في نيران الفوضى الهلاكة وان نظام المرحوم معمر القذافي كان افضل بكثير من الوضع الحالي، وهذه الاعترافات تقدم لنا انموذجا لحالة السقوط الاخلاقي قبل السقوط الوطني لاشخاص لا يهمهم سوى ملذاتهم ومصالحهم الانانية وهي الصفات التي تبحث عنها اجهزة المخابرات وتبدأ بتوريط الاشخاص باستثمارها كما فعلت مع شلقم هذا، فشلقم الذي تلطخت يديه بدماء الاف الشهداء الليبيين كان وزيرا مدمنا للقذافي وكان من اركان نظامه وكان مدللا بشكل خاص لكنه ارتد وخدم الاستعمار طمعا في منصب اعلى – اه! اه من الدلال فان اغلب من تدلل في العراق قبل الغزو خان وارتد - فساهم في حرق ليبيا تماما مثلما فعل احمد الجلبي الرمز الاكثر قذارة للخيانة الوطنية العظمى في العراق.
***
(3)
ولكي نكمل ملاحظاتنا حول ليبيا فقد حمل الينا يوم 1-11-2013 اخبارا تقول بانه تم اعلان فدرالية برقة المستقلة عن العاصمة وانها سوف تسخر مواردها لخدمة ابناء الفدرالية! واكد الخبر بان بقية اجزاء ليبيا تستعد لاعلان نظامها الفدرالي مثل برقة وان الثروة الليبية سوف توزع على هذه الفدراليات! وكي تكون الصورة متكاملة ونرى حجم وخطورة المؤامرة الاكبر على الامة العربية بكافة اقطارها التي تنفذ امام عيوننا الان، لابد من التذكير بحادثة مرت مرور الكرام بدون فهم هدفها الحقيقي وهي اغتيال اللواء عبدالفتاح يونس رئيس الاركان الليبي الذي انشق عن القذافي وتعاون مع الاستعمار الممثل بالنيتو لاسقاطه، واصبح رئيس اركان القوات التي تخوض القتال ضد القذافي، فقد قتل بخديعة دبرتها نفس العناصر التابعة للنيتو وهي عناصر اسلاموية وعندما القي القبض عليها بعد ضغوط قبلية شديدة واجري التحقيق اغتيل القاضي الذي عرف ملابسات الاغتيال لدفن القضية ومفاتيحها!
الا يذكركم اعلان برقة كيانا فدراليا واغتيال يونس باحداث اخرى مشابهة ولكن في العراق؟
في العراق وضع دستور صهيوني كتبه صهيوني أمريكي هو نوح فيلدمان، تنفيذا لخطة مسبقة وضعت قبل غزو العراق من قبل (المحافظون الجدد)، وفي ذلك الدستور الذي مازال معمولا به حتى الان فقرة تنص على ان الثروة لمن يعيش فوقها وليس للدولة كلها ولا لابناء الوطن كلهم، فمثلا نفط البصرة لاهل البصرة والجنوب وليس لاهل الانبار او الموصل، والهدف كان تقديم رشا للناس البسطاء الذين جوعهم الاحتلال عمدا في محافظة ما ولو لفترة قصيرة لجرهم الى قبول تقسيم العراق طمعا في المال الذي سيحصلون عليه وحدهم نتيجة حصر الثروة بهم وحرمان العاصمة وبقية العراق منها.
وكان اول المطالبين بتطبيق تلك الفقرة عبدالعزيز الحكيم الايراني الاصل وزعيم المجلس الاعلى الذي اسسته المخابرات الايرانية، اليس ما يحصل الان في ليبيا مطابق لما حصل في العراق من زاوية لمن تعود الثروة والدور الخطير لذلك في اغراء البعض بقبول التقسيم وانهاء الوطن الواحد؟ نعم انه تطابق وليس تشابه فقط، ولهذا الطابق في زمن واحد او متقارب مغزى كبير وواضح جدا وهو انه جزء من خطة عامة تطبق على كافة الاقطار العربية.
اما ما يذكرنا به موضوع اغتيال عبدالفتاح يونس فهو حل الجيش العراقي فور نجاح الغزو بقرار مركزي من ادارة بوش الاحمق، فلقد حل الجيش وقوات الامن والشرطة وحلت محلهم قوات الاحتلال والميليشيات المتعددة. فماذا حصل؟ فقد الامن كليا وتحول العراق الى اسوأ من غابة القتل والنهب والفساد والتلوث والجوع فيها حول الحياة الى جحيم لا يطاق! وكان ذلك الوضع هو ما خططت له امريكا لان الاصل هو تقسيم الاقطار العربية بعد اهلاك الناس وابادة الملايين وتشويه نفوس وحياة من يبقى حيا. فنظام يقوم على حكم الميليشيات والعصابات وفرق الموت والنهب والاغتصاب هو خير اداة لتقسيم اي قطر او بلد.
لكن ما حصل في العراق اجبر امريكا من ناحية ونبهها من ناحية ثانية، فلقد اجبرت امريكا على تغيير خطتها لان هزيمتها امام المقاومة العراقية الباسلة وتحملها خسارة مالية تقدر بحوالي 3 ترليون دولار اي اضعاف مضاعفة لخسائرها في كل حروبها الاستعمارية بما في ذلك حرب فيتنام، اما الخسارة الكارثية الاخرى لامريكا فكانت قتلاها وجرحاها والمعوقين فقد بلغ عدد القتلى اكثر من خمسين الف قتيل أمريكي حسب منهم فقط اكثر من 4000 قتيل هم قتلى الجيش الرسميين ولم يحسب المرتزقة وجنود الشركات الامنية ولا اولئك الذين زجوا في الحرب قبل حصولهم على الجنسية الأمريكية وكشرط للحصول عليها، اما الجرحى والمعوقين فقد تجاوز عددهم المليون معوق نفسيا او جسديا طبقا لاحصاءات أمريكية، لان القوات كانت تستبدل دوريا فوصل عدد من خدم في العراق الى اكثر من مليون بكثير، فهل تكرر امريكا في ليبيا او سوريا وغيرهما (كارثتها الستراتيجية الاعظم في التاريخ الأمريكي) كما وصفت حرفيا مادلين اولبرايت، وزيرة خارجية امريكا السابقة، هزيمة امريكا في العراق؟ ام تتعض وتبحث عن طريقة اخرى للوصول الى نفس اهداف غزو العراق؟
كما ان ما حصل في العراق نبه العصابة الاجرامية التي تحكم امريكا لمسألة مهمة فقد حمّلت امريكا والعصابة بشكل خاص مسؤولية ما حدث ويحدث في العراق من كوارث نتيجة الانفلات الامني وسيطرة العصابات والحرامية والذي ماكان سيحصل لولا حل الجيش وقوات الامن والغاء الوزارات العراقية بعد الغزو،، لذلك تصاعد النقد في الاعلام الأمريكي والكونغرس لهذه الحالة وحمل الجمهوريون مسؤولية كل تلك الكوارث، لذلك تعلمت امريكا الدرس وقررت في عهد الديمقراطي باراك اوباما ان لا تحل الجيش الليبي – وكذلك الجيشين السوري واليمني كما سنرى - بنفس الطريقة التي حلت بها الجيش العراقي لتجنب النقد وتحميلها مسؤولية الكوارث بل لابد من تفكيك الجيوش العربية تدريجيا بطريقة مختلفة وغير رسمية وتبدو كأنها من فعل العرب انفسهم وليس الاستعمار!
ولكن الفوضى الهلاكة، والتي اسمتها كونداليزا رايس (الفوضى الخلاقة) وهي تعني خلق وز ع وفرض كل عناصر الهلاك للبشر والعمران، كانت احد اركان خطة المحافظون الجدد وبدونها لن تنجح خطة تقسيم الاقطار العربية، فما العمل للوصول الى نفس الهدف وهو نشر الفوضى في ليبيا دون حل الجيش رسميا؟، تفتقت عبقرية الشر في امريكا عن بديل خطير وهو تفكيك الجيش الليبي تدريجيا ودون اعلان حله رسميا واحلال العصابات المسلحة محله. ومما ساعد على ذلك هو ان غزو ليبيا تم بطريقة مختلفة عن غزو العراق، فقد اعتمد النيتو على قوات نخبة قليلة العدد ادخلت ليبيا واخذت تقوم بعمليات نوعية جدا ضد قوات ليبيا الوطنية ومنها اسر واغتيال القذافي، ولم يحصل غزو ارضي كثيف كما حصل في العراق، واعتمد اساسا على القوة الجوية والصاروخية فدمرت الكثير من القوات الليبية ومن تبقى منها تشرذم ما بين القذافي وخصومه، لذلك لم تكن هناك اي ضرورة لاعلان حل الجيش وقوات الامن بعد ان تفككت عمليا وتشرذمت وحلت محلها عصابات استولت على السلاح والمال واصبحت هي الحاكمة.
والان نعرف بان اغتيال عبالفتاح يونس كان هدفه الاساس منع بقاء الجيش الليبي حتى ولو منقسما بل كان مطلوبا تصفيته واول الخطوات كانت اغتيال القائد العسكري الاقوى القادر على ابقاء الجيش او قسما كبيرا منه موحدا وفاعلا، كما انه كان المرشح الاقوى للحلول محل القذافي فيفرض الامن والاستقرار بقوة الجيش بعد اسقاط القذافي فتبقى ليبيا واحدة ولا تحدث عمليات تدمير منظم للدولة والنسيج الاجتماعي الليبي ولا تهدر كل الثروة الليبية، وهذا ليس هو هدف الاصلي والفعلي للنيتو وامريكا والذي يقوم على التدمير الشامل للدولة والمجتمع وشرذمة الناس قبائلا واحزابا وكتلا وجعلهم عبارة عن كتل صغيرة عاجزة حتى عن التفاهم على قاسم مشترك، فاغتيل يونس لمنع استمرار وجود قوة عسكرية تستطيع ابقاء ليبيا موحدة ومركزية، ولفسح المجال لتشرذم القوة الليبية وسيطرة العصابات وهو ما نراه اليوم.
بشرذمة القوات المسلحة وانهاءها واحلال العصابات محلها وبجعل الثروة لمن يعيش فوقها يمكن وضع اسس تقسيم الاقطار العربية بدون تدخل عسكري مباشر مكلف ماديا وبشريا لامريكا وللنيتو. وهذه الحالة تنطبق على اليمن الان وانطبقت على سوريا كما سترون، ونرى خطة مشابهة تطبق الان في مصر تقوم على انهاك الجيش المصري وتجريده من عنصر الردع الفعال بتواصل المظاهرات مما سيؤدي الى زوال سمة الردع فيه فيصبح تحديه عملا سهلا من جهة، ويدمر معنويات الجيش عندما يرى الناس العاديين يهينونه وهو عاجز عن الردع بطريقة فعالة، لان امريكا طلبت عدم استخدام القوة ضد التظاهرات السلمية كما اكد سامي عنان رئيس الاركان المصري السابق من ناحية ثانية، وهكذا سيأتي يوم يبدأ فيه الجيش بالتفكك والانهيار التلقائي، وهذا هو تكتيك المخابرات الأمريكية المستخدم خصوصا لانهاء الجيش المصري.
اذن نحن بأزاء مخطط مرسوم بدقة وبعد دراسات معمقة مبنية على معلومات وفهم لحالتنا هدفها هو تدمير الدولة بكافة مؤسساتها والمجتمع بكافة مكوناته وبناه الفوقية وليس النظام فقط كي تزول كل عوامل قوتنا وتماسك هويتنا القومية والوطنية، وفي هذا المخطط تنتظم الاحداث التي تجري في كل الاقطار بخيط فولاذي واضح جدا يضمن التحطيم المتزامن او المتعاقب لكافة عوامل وحدتنا الوطنية ومصادر قوتنا. ليقل لنا اي منصف وعاقل: هل هذا صدفة ام انه تخطيط مسبق؟
من الراكب ومن المركوب في ليبيا؟ المركوب هو الشعب الليبي الذي يعاني من كل اشكال كارثة التدخل الاستعماري المكشوف، اما المركوب الاخر فهو عناصر (وطنية) رقصت للغزو الاستعماري لليبيا نكاية بالقذافي في تعبير غريب عن التخلف الكارثي في فهم ما يجري! والراكب هو الصهيوني المعتق والاصيل برنار هنري ليفي منظر وقائد انتفاضات (الربيع العربي) الذي ابى الا ان يقود بنفسه معركة غزو ليبيا.
4– سوريا من الانتفاضة الوطنية الى الحرب الاهلية: بسبب فساد النظام السوري حتى العظم وتركيز الثروة في ايادي عائلة الاسد وشركاءها وحرمان الناس من العيش الكريم، وطائفيته العلنية، وعمله المنظم لالغاء عروبة سوريا عبر تحوله الى اخطر اداة لنشر النفوذ الايراني الصريح في سوريا والاقطار العربية، مع كل ما يحمله ذلك النفوذ من فايروسات عنصرية وطائفية وافساد مالي واخلاقي (زواج المتعة)، واقدامه على ارتكاب خيانات وطنية وقومية عظمى منها تسليم الجولان لاسرائيل والاعتراف بها (بقبول القرارين 242 و338)، ووضع الجيش السوري تحت امرة امريكا، اولا بدخوله لبنان بقرار أمريكي صريح في منتصف السبعينيات لمنع المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من فرض سيطرتها على لبنان، ثم امرته امريكا مرة اخرى بالمشاركة في شن العدوان الثلاثيني على العراق في عام 1991 فرأينا الجيش السوري - ويا للعار - يقتل ابناء العراق وجيشه الذي انقذ دمشق من السقوط في عام 1973، واخيرا وليس اخرا نتيجة ظلم النظام واذلاله الشعب العربي السوري طوال اكثر من اربعة عقود، بكل ذلك وغيره من جرائم النظام السوري الصفوي توفرت عوامل الانتفاضة بصورة كاملة في سوريا وكانت تنتظر اللحظة المناسبة لتفجرها.
وبدأت الانتفاضة شعبية وطنية مشروعة وحقيقية في درعا في اذار عام 2011 وكانت سلمية لمدة ستة اشهر وكانت واضحة الاهداف وفي مقدمتها اسقاط النظام، وهب ابناء سوريا الابطال ضد النظام وكسروا حاجز الخوف وتحرروا من كابوس القمع الدموي للنظام الصفوي الفاشي واخذ الشهداء يتساقطون نتيجة لجوء النظام الى اسلوب القمع الدموي وبسبب ذلك كانت الانتفاضة تتسع وتتعمق. ولكن كانت هناك حسابات اخرى غير حسابات الجماهير وقواها الوطنية، فمن خطط للتغيير على المستوى العربي كله وهو المخابرات الأمريكية والصهيونية، كان يريد التحاق سوريا بمسيرة الفوضى الهلاكة وليس التغيير الثوري والوطني، فتدخلت عدة اطراف دولية واقليمية وعربية في سوريا ليس لانجاح الانتفاضة بل لتحويلها الى حرب اهلية تدمر سوريا وليس النظام، تقضي على كل ما بناه الشعب السوري خلال مئات السنين، وتحول سوريا العربية الى امارات طائفية متعاركة حتى الموت والفناء لا صلح بينها.
الان نواجه هذا الواقع المرعب فبعد ان تصاعدت الانتفاضة واصبحت قوية بما يكفي لاسقاط النظام بوصولها الى دمشق واقترابها من قصر الرئاسة وسحقها لاركان النظام حصل ما عده البعص مفاجئة ولكنه كان تطورا متوقعا فقد سحبت امريكا تبنيها لهدف اسقاط النظام وتراجعت عن وعودها بتسليح اطراف في المعارضة باسلحة نوعية تكفي لحسم الصراع، كما وعد اوباما وغيره مرارا، وتبنت نفس ادارة اوباما خطة مكملة قامت على حل سلمي للازمة السورية وعدم تسليح المعارضة (خوفا) من القاعدة كما ادعت امريكا مع انها هي وليس غيرها من ادخل القاعدة الى سوريا، تماما كما فعلت في العراق!
مقابل ذلك وعلى النقيض منه وفي خطوات تكاملية مع الخطوة الأمريكية قامت روسيا وايران برمي ثقلهما كله خلف النظام لتمكينه من البقاء، وهكذا وبعد تصاعد الامال باسقاط النظام لدى المنتفضين وانهيار كامل في معنويات انصار النظام وصل الى درجة ان بشار قدم تنازلات مهينة، انعكست الاية فهبطت هذه الامال لدى المنتفضين وتصاعدت معنويات النظام ومكنت امريكا وروسيا وايران بشار من تحقيق تقدم عسكري في اماكن معينة! هذه الحقيقة المعاشة صدمت من لا يعرف العاب امريكا وعدها تناقضات غير مفهومة مع انها واضحة جدا لمن لديه وعي بالحد الادنى بتاريخ التدخلات الأمريكية في العالم. لذلك طرحت الملايين سؤالا منطقيا هو: لماذا تراجعت امريكا والنيتو عن تشددها المتطرف والذي كان يصر على ان شرعية نظام بشار انتهت وعليه الرحيل فورا وان اصراره على البقاء سوف يؤدي الى اسقاطه بعمل عسكري خارجي؟
الجواب في لعبة معروفة: اضعاف النظام وايصاله حافة الانهيار وتقوية المعارضة حتى تصل بوابة النصر ثم تغيير قواعد اللعبة فيقوى النظام وتضعف المعارضة! كان ذلك هو جوهر لعبة امريكا التي هندست لدفع سوريا الشعب والمجتمع والدولة للتفكك التدريجي تمهيدا لتقسيمها عبر الطحن القاسي للبشر والعمران وبصورة متواصلة حتى الانهيار. ذلك هو التكتيك التقليدي لامريكا في التعامل مع ازمات معينة لا تستطيع التدخل العسكري فيها فتمارس لعبة تدمير طرفي الصراع بقوتهما وليس بقوة امريكا. الان نواجه في سوريا معركة التدمير المنظم للكل، للنظام وللمعارضة وللدولة وللمجتمع، تماما مثلما حصل في العراق ولكن على يد ابناء سوريا في حين كان تدمير العراق ومازال على يد امريكا وايران وتوابعهما. لمن يخدم ذلك؟ بالتأكيد اسرائيل بالدرجة الاولى، لذلك نراها تلعب لعبتها بذكاء، فهي تصدر مقالات وتصريحات تدعم بشار ولكنها وعبر اطراف اسرائيلية اخرى تصدر مقالات وتصريحات ضد بشار، وهذا ما تفعله امريكا عبر اعلامها وبعض مسؤوليها، والهدف هو تشجيع بشار والمعارضة على مواصلة القتال وامتلاك ادلة على ان اسرائيل وامريكا مع وضد الطرفين!
ان اهم سؤال يكشف حقيقة ان المطلوب في سوريا ليس تغيير النظام بل تدمير وتقسيم سوريا هو التالي: الم يكن بامكان امريكا التخلص من النظام السوري بانقلاب عسكري كان ومازال اسهل من شرب الماء؟ نعم كانت امريكا تستطيع اسقاط نظام بشار بابسط من البساطة ذاتها لسبب معروف وهو ان النظام غارق في الفساد وهو حكم عصابة سرقت الشعب واثرت على حسابه وباعت الوطن لاسرائيل وامريكا وايران ودول الخليج العربي، ولذلك كان ممكنا بقرار أمريكي سريع التقاط بشار وزمرته بهدوء تام او شبه تام والقاءهم في السجن او دفنهم في مقبرة جماعية. فمن يعيش على الفساد والافساد يموت نتيجة له ومن اثبت امام الناس انه نظام حرامية نهبوا الناس وثرواتهم لن يجد من يدافع عنه الا الحرامية والمستفيدين منه، وهذا ما ظهر واضحا حينما تقدمت المعارضة وسيطرت على اغلب دمشق وقصفت القصر الجمهوري واوشكت على احتلاله لولا تراجع امريكا والنيتو وتدخل رسمي من قبل حزب الله وايران ودعم روسي مفتوح، بعد ان تفككت عصابات النظام وهربت تماما ولم يعد الان من يقاتل بصورة جوهرية الا ايران وقواتها وحزب الله تحت واجهة النظام وهو ما اعترف به عضو بارز في مجلس الشورى الايراني يوم 4-11-2013.
اذن امريكا استخدمت اسقاط النظام كمعبر لهدف اخطر بكثير وهو التدمير الشامل لسوريا دولة ومجتمعا وهوية قومية وتركيبا نفسيا وثقافيا بصورة متزامنة او متتابعة، وبما ان تقسيم سوريا لم تكتمل متطلباته بعد فان النظام يجب ان يبقى كي يواصل توفير مسوغات تدمير ما تبقى من عناصر القوة المادية والعسكرية والتوحد والشد داخل ابناء سوريا من جهة، ولاجل اكمال هدف جعل سوريا عاجزة عن استرجاع عافيتها وقوتها لمدة لا تقل عن ربع قرن وهي الفترة التي تحتاجها اسرائيل لاكمال ضمانات بقاءها خارج نطاق التهديدات العربية من جهة ثانية.
كيف تحقق امريكا الهدف الصهيوأمريكي هذا؟ مالم يبق بشار في الحكم هو وزمرة الفساد التي لابد ان تدافع عن ثرواتها المنهوبة من الشعب لن تكون هناك حربا اهلية، فلكي تقوم الحرب الاهلية يجب ان يبقى بشار متمتعا بقوة تكفي لمنع اسقاطه مقابل ذلك يجب ان يكون اعداءه قادرين على البقاء مهما تبدلت التوازنات على الارض كي تستمر المعركة ويتساقط يوميا المئات من القتلى من النظام ومن الشعب، وكي تتحول مدن سوريا الى خراب تنعق فيه الغربان ويحصد فيه منجل الموت كل مظاهر الحياة.
المطلوب هو اعادة سوريا لما قبل الف عام زائدا عدم السماح لعلاقات ما قبل الالف عام بالعودة وهي علاقات رحمية قوية تعزز التاخي، لذلك فاعادة سوريا للخلف مثلما حصل في العراق بعد الغزو تقترن بوجود نزعات عصرية غير مسبوقة من الانانية وتدمير الاخر بلا رحمة والتي تبلورت عبر حروب دموية في افغانستان وفيتنام وافريقيا واسيا والشرق العربي وتحت ضغط التجويع والتعذيب المنظمين للشعوب، وانصهرت وتبلورت تلك النزعات الاجرامية المتطرفة في افران البؤس الاجتماعي والاستغلال الطبقي المجرم. وفقا لهذا الهدف الكبير كان يجب ان يبقى بشار وان لا يسقط وان تدعمه ايران وحزب الله وان لا تقوم امريكا بقصفه هي والنيتو كما اعلن كذبا، وان لا تقدم للمعارضة الاسلحة النوعية التي وعدت بها كي تكمل مسيرة اسقاط بشار، فبقي بشار بعد ان تيقن انه انتهى، بينما صدمت المعارضة بملاحظة أنها تبتعد عن هدف اسقاط النظام بعد ان تيقنت انها على وشك تحقيق النصر الحاسم.
نتيجة معارك سوريا حتى الان هي الاهم: فالدمار في العمران في سوريا اكبر واخطر من الدمار الذي حل بالعمران في العراق فمدن سوريا دمرت بغالبيتها اما باسلحة النظام او بعض اطراف المعارضة، ولم تعد سوريا التي نعرفها قائمة كواحة جميلة يحج اليها الناس صيفا من كل قطر عربي، بل اصبحت خرائب لم تكن توجد الا في اكثر مناطق العالم تخلفا وفقرا. اما الانسان في سوريا فانه فقد اكثر من 150 الف شهيد سوري حتى الان ومئات الالاف من الجرحى، واكثر من مليوني مشرد ومهجر، والمطلوب هو رفع رقم المهجرين، ولذلك لم تتوقف الحرب الاهلية السورية ويتواصل نزيف الدم السوري والاخطر تتواصل عملية نزع الكرامة السورية تعمدا وتخطيطا لاذلال السوريين، كما اذلت امريكا وايران العراقيين. ولكن اخطر ما في الكارثة السورية كما في الكارثة العراقية وكما يخطط للكارثة اليمنية والليبية، هو الجرح النفسي العميق الذي يؤرق الروح كل لحظة وينزف قيحا وليس دما وستكون له عواقب اكثر خطورة مما حصل حتى الان.
بعد كل الخراب الرهيب الذي حل بسوريا وبعد كل العذابات والقتلى نرى الان لعبة اعادة الاعتبار لبشار ونظامه واعتبار ان تسليم الكيمياوي السوري كان الهدف من كل الكارثة! رغم ان تسليم الكيمياوي ليس سوى هدنة والكارثة السورية لن تتوقف الا في حالتين: اما الوصول لتقسيم سوريا او هداية الله لاطراف وطنية في المعارضة السورية كي تتوحد وتتفق على برنامج وطني لاسقاط النظام بالاعتماد على النفس والرفض المطلق لاي دعم اجنبي وبذلك يعود الامن والاستقرار الى سوريا الحبيبة.
في ضوء كارثة سوريا نسأل مجددا: من الراكب ومن المركوب؟ هل ركبت الجماهير امريكا واستغلتها في احباط المخططات المعادية للامة العربية؟ ام ان امريكا هي التي ركبت الجماهير واستغلت عذاباتها وسخرتها لتحقيق الخراب الشامل؟ (يتبع).
* كاتب ومفكر عراقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.