إعلام الانتقالي: طيران حربي سعودي يقصف هضبة حضرموت وقوات النخبة تسيطر على المنطقة    احياء مناسبة جمعة رجب في مسجد الإمام الهادي بصعدة    مقتل 6 وإصابة نحو 20 بانفجار داخل مسجد في حمص    ريال مدريد يعير مهاجمه البرازيلي إندريك إلى ليون الفرنسي    الأرصاد: صقيع متوقع على أجزاء من المرتفعات ونصائح للمزارعين ومربي الماشية والنحل والدواجن    مفتاح: جمعة رجب محطة إيمانية تجسد هوية الأنصار وجاهزية اليمن للجولات القادمة    صرخة في وجه الطغيان: "آل قطران" ليسوا أرقاماً في سرداب النسيان!    الصحفية والمذيعة الإعلامية القديرة زهور ناصر    طيران العدوان السعودي يستهدف "أدواته" في حضرموت وسقوط قتلى وجرحى    كاتب حضرمي يطالب بحسم الفوضى وترسيخ النظام ومعاقبة المتمردين    بافقيه: تحالفات صنعاء ضد الجنوب تؤكد أننا شعبان ودولتان مختلفتان    اليمن يتوعد الكيان المؤقت بما هو أشدّ وأنكى    ترامب يعلن تنفيذ ضربات "فتاكة" ضد تنظيم القاعدة بنيجيريا    ما بعد تحرير حضرموت ليس كما قبله    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    صنعاء.. تشييع جثامين خمسة ضباط برتب عليا قضوا في عمليات «إسناد غزة»    الكويت تؤكد أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وحدة وسيادة اليمن    أبو الغيط يجدد الموقف العربي الملتزم بوحدة اليمن ودعم الحكومة الشرعية    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    وطن الحزن.. حين يصير الألم هوية    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حريق يلتهم مستودع طاقة شمسية في المكلا    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    صنعاء تحتفل بتوطين زراعة القوقعة لأول مرة في اليمن    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الراكب والمركوب والكامخ بينهما: فقه نظرية المؤامرة (3)
نشر في نشوان نيوز يوم 07 - 11 - 2013

(في كبرنا نكتب بقلم رصاص لاننا تعلمنا ان الكتابة بالحبر ليس سهلا محوها)
حكمة من يريد تجنب الخطأ
ولكي نكمل ملاحظاتنا حول ليبيا فقد حمل الينا يوم 1-11-2013 اخبارا تقول بانه تم اعلان فدرالية برقة المستقلة عن العاصمة وانها سوف تسخر مواردها لخدمة ابناء الفدرالية! واكد الخبر بان بقية اجزاء ليبيا تستعد لاعلان نظامها الفدرالي مثل برقة وان الثروة الليبية سوف توزع على هذه الفدراليات!
للاطلاع على الحلقات السابقة
وكي تكون الصورة متكاملة ونرى حجم وخطورة المؤامرة الاكبر على الامة العربية بكافة اقطارها التي تنفذ امام عيوننا الان، لابد من التذكير بحادثة مرت مرور الكرام بدون فهم هدفها الحقيقي وهي اغتيال اللواء عبدالفتاح يونس رئيس الاركان الليبي الذي انشق عن القذافي وتعاون مع الاستعمار الممثل بالنيتو لاسقاطه، واصبح رئيس اركان القوات التي تخوض القتال ضد القذافي، فقد قتل بخديعة دبرتها نفس العناصر التابعة للنيتو وهي عناصر اسلاموية وعندما القي القبض عليها بعد ضغوط قبلية شديدة واجري التحقيق اغتيل القاضي الذي عرف ملابسات الاغتيال لدفن القضية ومفاتيحها!
الا يذكركم اعلان برقة كيانا فدراليا واغتيال يونس باحداث اخرى مشابهة ولكن في العراق؟
في العراق وضع دستور صهيوني كتبه صهيوني أمريكي هو نوح فيلدمان، تنفيذا لخطة مسبقة وضعت قبل غزو العراق من قبل (المحافظون الجدد)، وفي ذلك الدستور الذي مازال معمولا به حتى الان فقرة تنص على ان الثروة لمن يعيش فوقها وليس للدولة كلها ولا لابناء الوطن كلهم، فمثلا نفط البصرة لاهل البصرة والجنوب وليس لاهل الانبار او الموصل، والهدف كان تقديم رشا للناس البسطاء الذين جوعهم الاحتلال عمدا في محافظة ما ولو لفترة قصيرة لجرهم الى قبول تقسيم العراق طمعا في المال الذي سيحصلون عليه وحدهم نتيجة حصر الثروة بهم وحرمان العاصمة وبقية العراق منها.
وكان اول المطالبين بتطبيق تلك الفقرة عبدالعزيز الحكيم الايراني الاصل وزعيم المجلس الاعلى الذي اسسته المخابرات الايرانية، أليس ما يحصل الان في ليبيا مطابق لما حصل في العراق من زاوية لمن تعود الثروة والدور الخطير لذلك في اغراء البعض بقبول التقسيم وانهاء الوطن الواحد؟ نعم انه تطابق وليس تشابه فقط، ولهذا الطابق في زمن واحد او متقارب مغزى كبير وواضح جدا وهو انه جزء من خطة عامة تطبق على كافة الاقطار العربية.
اما ما يذكرنا به موضوع اغتيال عبدالفتاح يونس فهو حل الجيش العراقي فور نجاح الغزو بقرار مركزي من ادارة بوش الاحمق، فلقد حل الجيش وقوات الامن والشرطة وحلت محلهم قوات الاحتلال والميليشيات المتعددة. فماذا حصل؟ فقد الامن كليا وتحول العراق الى اسوأ من غابة القتل والنهب والفساد والتلوث والجوع فيها حول الحياة الى جحيم لا يطاق! وكان ذلك الوضع هو ما خططت له امريكا لان الاصل هو تقسيم الاقطار العربية بعد اهلاك الناس وابادة الملايين وتشويه نفوس وحياة من يبقى حيا. فنظام يقوم على حكم الميليشيات والعصابات وفرق الموت والنهب والاغتصاب هو خير اداة لتقسيم اي قطر او بلد.
لكن ما حصل في العراق اجبر امريكا من ناحية ونبهها من ناحية ثانية، فلقد اجبرت امريكا على تغيير خطتها لان هزيمتها امام المقاومة العراقية الباسلة وتحملها خسارة مالية تقدر بحوالي 3 ترليون دولار اي اضعاف مضاعفة لخسائرها في كل حروبها الاستعمارية بما في ذلك حرب فيتنام، اما الخسارة الكارثية الاخرى لامريكا فكانت قتلاها وجرحاها والمعوقين فقد بلغ عدد القتلى اكثر من خمسين الف قتيل أمريكي حسب منهم فقط اكثر من 4000 قتيل هم قتلى الجيش الرسميين ولم يحسب المرتزقة وجنود الشركات الامنية ولا اولئك الذين زجوا في الحرب قبل حصولهم على الجنسية الأمريكية وكشرط للحصول عليها، اما الجرحى والمعوقين فقد تجاوز عددهم المليون معوق نفسيا او جسديا طبقا لاحصاءات أمريكية، لان القوات كانت تستبدل دوريا فوصل عدد من خدم في العراق الى اكثر من مليون بكثير، فهل تكرر امريكا في ليبيا او سوريا وغيرهما (كارثتها الستراتيجية الاعظم في التاريخ الأمريكي) كما وصفت حرفيا مادلين اولبرايت، وزيرة خارجية امريكا السابقة، هزيمة امريكا في العراق؟ ام تتعض وتبحث عن طريقة اخرى للوصول الى نفس اهداف غزو العراق؟
كما ان ما حصل في العراق نبه العصابة الاجرامية التي تحكم امريكا لمسألة مهمة فقد حمّلت امريكا والعصابة بشكل خاص مسؤولية ما حدث ويحدث في العراق من كوارث نتيجة الانفلات الامني وسيطرة العصابات والحرامية والذي ماكان سيحصل لولا حل الجيش وقوات الامن والغاء الوزارات العراقية بعد الغزو،، لذلك تصاعد النقد في الاعلام الأمريكي والكونغرس لهذه الحالة وحمل الجمهوريون مسؤولية كل تلك الكوارث، لذلك تعلمت امريكا الدرس وقررت في عهد الديمقراطي باراك اوباما ان لا تحل الجيش الليبي – وكذلك الجيشين السوري واليمني كما سنرى - بنفس الطريقة التي حلت بها الجيش العراقي لتجنب النقد وتحميلها مسؤولية الكوارث بل لابد من تفكيك الجيوش العربية تدريجيا بطريقة مختلفة وغير رسمية وتبدو كأنها من فعل العرب انفسهم وليس الاستعمار!
ولكن الفوضى الهلاكة، والتي اسمتها كونداليزا رايس (الفوضى الخلاقة) وهي تعني خلق وزرع وفرض كل عناصر الهلاك للبشر والعمران، كانت احد اركان خطة المحافظين الجدد وبدونها لن تنجح خطة تقسيم الاقطار العربية، فما العمل للوصول الى نفس الهدف وهو نشر الفوضى في ليبيا دون حل الجيش رسميا؟، تفتقت عبقرية الشر في امريكا عن بديل خطير وهو تفكيك الجيش الليبي تدريجيا ودون اعلان حله رسميا واحلال العصابات المسلحة محله. ومما ساعد على ذلك هو ان غزو ليبيا تم بطريقة مختلفة عن غزو العراق، فقد اعتمد النيتو على قوات نخبة قليلة العدد ادخلت ليبيا واخذت تقوم بعمليات نوعية جدا ضد قوات ليبيا الوطنية ومنها اسر واغتيال القذافي، ولم يحصل غزو ارضي كثيف كما حصل في العراق، واعتمد اساسا على القوة الجوية والصاروخية فدمرت الكثير من القوات الليبية ومن تبقى منها تشرذم ما بين القذافي وخصومه، لذلك لم تكن هناك اي ضرورة لاعلان حل الجيش وقوات الامن بعد ان تفككت عمليا وتشرذمت وحلت محلها عصابات استولت على السلاح والمال واصبحت هي الحاكمة.
والان نعرف بان اغتيال عبدالفتاح يونس كان هدفه الاساس منع بقاء الجيش الليبي حتى ولو منقسما بل كان مطلوبا تصفيته واول الخطوات كانت اغتيال القائد العسكري الاقوى القادر على ابقاء الجيش او قسما كبيرا منه موحدا وفاعلا، كما انه كان المرشح الاقوى للحلول محل القذافي فيفرض الامن والاستقرار بقوة الجيش بعد اسقاط القذافي فتبقى ليبيا واحدة ولا تحدث عمليات تدمير منظم للدولة والنسيج الاجتماعي الليبي ولا تهدر كل الثروة الليبية، وهذا ليس هو هدف الاصلي والفعلي للنيتو وامريكا والذي يقوم على التدمير الشامل للدولة والمجتمع وشرذمة الناس قبائلا واحزابا وكتلا وجعلهم عبارة عن كتل صغيرة عاجزة حتى عن التفاهم على قاسم مشترك، فاغتيل يونس لمنع استمرار وجود قوة عسكرية تستطيع ابقاء ليبيا موحدة ومركزية، ولفسح المجال لتشرذم القوة الليبية وسيطرة العصابات وهو ما نراه اليوم بشرذمة القوات المسلحة وانهاءها واحلال العصابات محلها وبجعل الثروة لمن يعيش فوقها يمكن وضع اسس تقسيم الاقطار العربية بدون تدخل عسكري مباشر مكلف ماديا وبشريا لامريكا وللنيتو.
وهذه الحالة تنطبق على اليمن الان وانطبقت على سوريا كما سترون، ونرى خطة مشابهة تطبق الان في مصر تقوم على انهاك الجيش المصري وتجريده من عنصر الردع الفعال بتواصل المظاهرات مما سيؤدي الى زوال سمة الردع فيه فيصبح تحديه عملا سهلا من جهة، ويدمر معنويات الجيش عندما يرى الناس العاديين يهينونه وهو عاجز عن الردع بطريقة فعالة، لان امريكا طلبت عدم استخدام القوة ضد التظاهرات السلمية كما اكد سامي عنان رئيس الاركان المصري السابق من ناحية ثانية، وهكذا سيأتي يوم يبدأ فيه الجيش بالتفكك والانهيار التلقائي، وهذا هو تكتيك المخابرات الأمريكية المستخدم خصوصا لانهاء الجيش المصري.
اذن نحن بأزاء مخطط مرسوم بدقة وبعد دراسات معمقة مبنية على معلومات وفهم لحالتنا هدفها هو تدمير الدولة بكافة مؤسساتها والمجتمع بكافة مكوناته وبناه الفوقية وليس النظام فقط كي تزول كل عوامل قوتنا وتماسك هويتنا القومية والوطنية، وفي هذا المخطط تنتظم الاحداث التي تجري في كل الاقطار بخيط فولاذي واضح جدا يضمن التحطيم المتزامن او المتعاقب لكافة عوامل وحدتنا الوطنية ومصادر قوتنا. ليقل لنا اي منصف وعاقل: هل هذا صدفة ام انه تخطيط مسبق؟
من الراكب ومن المركوب في ليبيا؟ المركوب هو الشعب الليبي الذي يعاني من كل اشكال كارثة التدخل الاستعماري المكشوف، اما المركوب الاخر فهو عناصر (وطنية) رقصت للغزو الاستعماري لليبيا نكاية بالقذافي في تعبير غريب عن التخلف الكارثي في فهم ما يجري! والراكب هو الصهيوني المعتق والاصيل برنار هنري ليفي منظر وقائد انتفاضات (الربيع العربي) الذي ابى الا ان يقود بنفسه معركة غزو ليبيا.
4– سوريا من الانتفاضة الوطنية الى الحرب الاهلية: بسبب فساد النظام السوري حتى العظم وتركيز الثروة في ايادي عائلة الاسد وشركاءها وحرمان الناس من العيش الكريم، وطائفيته العلنية، وعمله المنظم لالغاء عروبة سوريا عبر تحوله الى اخطر اداة لنشر النفوذ الايراني الصريح في سوريا والاقطار العربية، مع كل ما يحمله ذلك النفوذ من فايروسات عنصرية وطائفية وافساد مالي واخلاقي (زواج المتعة)، واقدامه على ارتكاب خيانات وطنية وقومية عظمى منها تسليم الجولان لاسرائيل والاعتراف بها (بقبول القرارين 242 و338)، ووضع الجيش السوري تحت امرة امريكا، اولا بدخوله لبنان بقرار أمريكي صريح في منتصف السبعينيات لمنع المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية من فرض سيطرتها على لبنان، ثم امرته امريكا مرة اخرى بالمشاركة في شن العدوان الثلاثيني على العراق في عام 1991 فرأينا الجيش السوري - ويا للعار - يقتل ابناء العراق وجيشه الذي انقذ دمشق من السقوط في عام 1973، واخيرا وليس اخرا نتيجة ظلم النظام واذلاله الشعب العربي السوري طوال اكثر من اربعة عقود، بكل ذلك وغيره من جرائم النظام السوري الصفوي توفرت عوامل الانتفاضة بصورة كاملة في سوريا وكانت تنتظر اللحظة المناسبة لتفجرها.
وبدأت الانتفاضة شعبية وطنية مشروعة وحقيقية في درعا في اذار عام 2011 وكانت سلمية لمدة ستة اشهر وكانت واضحة الاهداف وفي مقدمتها اسقاط النظام، وهب ابناء سوريا الابطال ضد النظام وكسروا حاجز الخوف وتحرروا من كابوس القمع الدموي للنظام الصفوي الفاشي واخذ الشهداء يتساقطون نتيجة لجوء النظام الى اسلوب القمع الدموي وبسبب ذلك كانت الانتفاضة تتسع وتتعمق. ولكن كانت هناك حسابات اخرى غير حسابات الجماهير وقواها الوطنية، فمن خطط للتغيير على المستوى العربي كله وهو المخابرات الأمريكية والصهيونية، كان يريد التحاق سوريا بمسيرة الفوضى الهلاكة وليس التغيير الثوري والوطني، فتدخلت عدة اطراف دولية واقليمية وعربية في سوريا ليس لانجاح الانتفاضة بل لتحويلها الى حرب اهلية تدمر سوريا وليس النظام، تقضي على كل ما بناه الشعب السوري خلال مئات السنين، وتحول سوريا العربية الى امارات طائفية متعاركة حتى الموت والفناء لا صلح بينها.
الان نواجه هذا الواقع المرعب فبعد ان تصاعدت الانتفاضة واصبحت قوية بما يكفي لاسقاط النظام بوصولها الى دمشق واقترابها من قصر الرئاسة وسحقها لاركان النظام حصل ما عده البعص مفاجئة ولكنه كان تطورا متوقعا فقد سحبت امريكا تبنيها لهدف اسقاط النظام وتراجعت عن وعودها بتسليح اطراف في المعارضة باسلحة نوعية تكفي لحسم الصراع، كما وعد اوباما وغيره مرارا، وتبنت نفس ادارة اوباما خطة مكملة قامت على حل سلمي للازمة السورية وعدم تسليح المعارضة (خوفا) من القاعدة كما ادعت امريكا مع انها هي وليس غيرها من ادخل القاعدة الى سوريا، تماما كما فعلت في العراق!
مقابل ذلك وعلى النقيض منه وفي خطوات تكاملية مع الخطوة الأمريكية قامت روسيا وايران برمي ثقلهما كله خلف النظام لتمكينه من البقاء، وهكذا وبعد تصاعد الامال باسقاط النظام لدى المنتفضين وانهيار كامل في معنويات انصار النظام وصل الى درجة ان بشار قدم تنازلات مهينة، انعكست الاية فهبطت هذه الامال لدى المنتفضين وتصاعدت معنويات النظام ومكنت امريكا وروسيا وايران بشار من تحقيق تقدم عسكري في اماكن معينة! هذه الحقيقة المعاشة صدمت من لا يعرف العاب امريكا وعدها تناقضات غير مفهومة مع انها واضحة جدا لمن لديه وعي بالحد الادنى بتاريخ التدخلات الأمريكية في العالم. لذلك طرحت الملايين سؤالا منطقيا هو: لماذا تراجعت امريكا والنيتو عن تشددها المتطرف والذي كان يصر على ان شرعية نظام بشار انتهت وعليه الرحيل فورا وان اصراره على البقاء سوف يؤدي الى اسقاطه بعمل عسكري خارجي؟
الجواب في لعبة معروفة: اضعاف النظام وايصاله حافة الانهيار وتقوية المعارضة حتى تصل بوابة النصر ثم تغيير قواعد اللعبة فيقوى النظام وتضعف المعارضة! كان ذلك هو جوهر لعبة امريكا التي هندست لدفع سوريا الشعب والمجتمع والدولة للتفكك التدريجي تمهيدا لتقسيمها عبر الطحن القاسي للبشر والعمران وبصورة متواصلة حتى الانهيار. ذلك هو التكتيك التقليدي لامريكا في التعامل مع ازمات معينة لا تستطيع التدخل العسكري فيها فتمارس لعبة تدمير طرفي الصراع بقوتهما وليس بقوة امريكا. الان نواجه في سوريا معركة التدمير المنظم للكل، للنظام وللمعارضة وللدولة وللمجتمع، تماما مثلما حصل في العراق ولكن على يد ابناء سوريا في حين كان تدمير العراق ومازال على يد امريكا وايران وتوابعهما. لمن يخدم ذلك؟ بالتأكيد اسرائيل بالدرجة الاولى، لذلك نراها تلعب لعبتها بذكاء، فهي تصدر مقالات وتصريحات تدعم بشار ولكنها وعبر اطراف اسرائيلية اخرى تصدر مقالات وتصريحات ضد بشار، وهذا ما تفعله امريكا عبر اعلامها وبعض مسؤوليها، والهدف هو تشجيع بشار والمعارضة على مواصلة القتال وامتلاك ادلة على ان اسرائيل وامريكا مع وضد الطرفين!
ان اهم سؤال يكشف حقيقة ان المطلوب في سوريا ليس تغيير النظام بل تدمير وتقسيم سوريا هو التالي: الم يكن بامكان امريكا التخلص من النظام السوري بانقلاب عسكري كان ومازال اسهل من شرب الماء؟ نعم كانت امريكا تستطيع اسقاط نظام بشار بابسط من البساطة ذاتها لسبب معروف وهو ان النظام غارق في الفساد وهو حكم عصابة سرقت الشعب واثرت على حسابه وباعت الوطن لاسرائيل وامريكا وايران ودول الخليج العربي، ولذلك كان ممكنا بقرار أمريكي سريع التقاط بشار وزمرته بهدوء تام او شبه تام والقاءهم في السجن او دفنهم في مقبرة جماعية. فمن يعيش على الفساد والافساد يموت نتيجة له ومن اثبت امام الناس انه نظام حرامية نهبوا الناس وثرواتهم لن يجد من يدافع عنه الا الحرامية والمستفيدين منه، وهذا ما ظهر واضحا حينما تقدمت المعارضة وسيطرت على اغلب دمشق وقصفت القصر الجمهوري واوشكت على احتلاله لولا تراجع امريكا والنيتو وتدخل رسمي من قبل حزب الله وايران ودعم روسي مفتوح، بعد ان تفككت عصابات النظام وهربت تماما ولم يعد الان من يقاتل بصورة جوهرية الا ايران وقواتها وحزب الله تحت واجهة النظام وهو ما اعترف به عضو بارز في مجلس الشورى الايراني يوم 4-11-2013.
اذن امريكا استخدمت اسقاط النظام كمعبر لهدف اخطر بكثير وهو التدمير الشامل لسوريا دولة ومجتمعا وهوية قومية وتركيبا نفسيا وثقافيا بصورة متزامنة او متتابعة، وبما ان تقسيم سوريا لم تكتمل متطلباته بعد فان النظام يجب ان يبقى كي يواصل توفير مسوغات تدمير ما تبقى من عناصر القوة المادية والعسكرية والتوحد والشد داخل ابناء سوريا من جهة، ولاجل اكمال هدف جعل سوريا عاجزة عن استرجاع عافيتها وقوتها لمدة لا تقل عن ربع قرن وهي الفترة التي تحتاجها اسرائيل لاكمال ضمانات بقاءها خارج نطاق التهديدات العربية من جهة ثانية.
كيف تحقق امريكا الهدف الصهيوأمريكي هذا؟ مالم يبق بشار في الحكم هو وزمرة الفساد التي لابد ان تدافع عن ثرواتها المنهوبة من الشعب لن تكون هناك حربا اهلية، فلكي تقوم الحرب الاهلية يجب ان يبقى بشار متمتعا بقوة تكفي لمنع اسقاطه مقابل ذلك يجب ان يكون اعداءه قادرين على البقاء مهما تبدلت التوازنات على الارض كي تستمر المعركة ويتساقط يوميا المئات من القتلى من النظام ومن الشعب، وكي تتحول مدن سوريا الى خراب تنعق فيه الغربان ويحصد فيه منجل الموت كل مظاهر الحياة.
المطلوب هو اعادة سوريا لما قبل الف عام زائدا عدم السماح لعلاقات ما قبل الالف عام بالعودة وهي علاقات رحمية قوية تعزز التاخي، لذلك فاعادة سوريا للخلف مثلما حصل في العراق بعد الغزو تقترن بوجود نزعات عصرية غير مسبوقة من الانانية وتدمير الاخر بلا رحمة والتي تبلورت عبر حروب دموية في افغانستان وفيتنام وافريقيا واسيا والشرق العربي وتحت ضغط التجويع والتعذيب المنظمين للشعوب، وانصهرت وتبلورت تلك النزعات الاجرامية المتطرفة في افران البؤس الاجتماعي والاستغلال الطبقي المجرم. وفقا لهذا الهدف الكبير كان يجب ان يبقى بشار وان لا يسقط وان تدعمه ايران وحزب الله وان لا تقوم امريكا بقصفه هي والنيتو كما اعلن كذبا، وان لا تقدم للمعارضة الاسلحة النوعية التي وعدت بها كي تكمل مسيرة اسقاط بشار، فبقي بشار بعد ان تيقن انه انتهى، بينما صدمت المعارضة بملاحظة أنها تبتعد عن هدف اسقاط النظام بعد ان تيقنت انها على وشك تحقيق النصر الحاسم.
نتيجة معارك سوريا حتى الان هي الاهم: فالدمار في العمران في سوريا اكبر واخطر من الدمار الذي حل بالعمران في العراق فمدن سوريا دمرت بغالبيتها اما باسلحة النظام او بعض اطراف المعارضة، ولم تعد سوريا التي نعرفها قائمة كواحة جميلة يحج اليها الناس صيفا من كل قطر عربي، بل اصبحت خرائب لم تكن توجد الا في اكثر مناطق العالم تخلفا وفقرا. اما الانسان في سوريا فانه فقد اكثر من 150 الف شهيد سوري حتى الان ومئات الالاف من الجرحى، واكثر من مليوني مشرد ومهجر، والمطلوب هو رفع رقم المهجرين، ولذلك لم تتوقف الحرب الاهلية السورية ويتواصل نزيف الدم السوري والاخطر تتواصل عملية نزع الكرامة السورية تعمدا وتخطيطا لاذلال السوريين، كما اذلت امريكا وايران العراقيين. ولكن اخطر ما في الكارثة السورية كما في الكارثة العراقية وكما يخطط للكارثة اليمنية والليبية، هو الجرح النفسي العميق الذي يؤرق الروح كل لحظة وينزف قيحا وليس دما وستكون له عواقب اكثر خطورة مما حصل حتى الان.
بعد كل الخراب الرهيب الذي حل بسوريا وبعد كل العذابات والقتلى نرى الان لعبة اعادة الاعتبار لبشار ونظامه واعتبار ان تسليم الكيمياوي السوري كان الهدف من كل الكارثة! رغم ان تسليم الكيمياوي ليس سوى هدنة والكارثة السورية لن تتوقف الا في حالتين: اما الوصول لتقسيم سوريا او هداية الله لاطراف وطنية في المعارضة السورية كي تتوحد وتتفق على برنامج وطني لاسقاط النظام بالاعتماد على النفس والرفض المطلق لاي دعم اجنبي وبذلك يعود الامن والاستقرار الى سوريا الحبيبة.
في ضوء كارثة سوريا نسأل مجددا: من الراكب ومن المركوب؟ هل ركبت الجماهير امريكا واستغلتها في احباط المخططات المعادية للامة العربية؟ ام ان امريكا هي التي ركبت الجماهير واستغلت عذاباتها وسخرتها لتحقيق الخراب الشامل؟
(يتبع)
* كاتب ومفكر عراقي
للاطلاع على الحلقات السابقة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.