لم تكتمل فرحة غالبية السكان في اليمن -اسر فقيرة تكافح من أجل البقاء- بعيد الاضحي المبارك لهذا العام بسبب تردي الأوضاع المعيشية إلى مستوى كارثي بفعل الأزمة الطاحنة بالبلاد في سياق الصراع على السلطة منذ نحو عشرة أشهر. وفي السنوات السابقة ينفق غالبية اليمنيين أكثر من 65% من ميزانيتها لمواجهة احتياجاتها اليومية من الغذاء، غير أنها وفق تقديرات مختصين تصل إلى 100 بالمائة وتضاف إليها استدانة في هذا العام المثقل بالمعاناة الإنسانية والتردي الاقتصادي وتعطل الحياة بفعل الاحتجاجات المنادية بإسقاط النظام والممزوجة بصراع مسلح بعدد من المدن الرئيسة أبرزها صنعاء وتعز حولها بعديد من مفاصلها إلى مدن أشباح مشردا آلاف العاملين وتوقف حركة الإنتاج والتجارة وحتى أعمال الباعة المتجولين،ومضيفا قوافل جديدة بالملايين إلى قائمة الأسر المكافحة لأجل البقاء. كما تسببت الاضطرابات التي يشهدها اليمن في أزمة حياتية متفاقمة للسكان في الوقود والكهرباء وضخ المياه نتيجة انقطاع دائم للتيار الكهربائي وضرب وتخريب خطوط إمداداتها وكذا النفط ، ما انعكس سلبا على الأوضاع المعيشية لغالبية اليمنيين بارتفاع أسعار الغذاء وبشكل متزايد ومزاجي بانعكاسات ارتفاع أسعار النقل. ومع استمرار حالة الارتفاع أسعار السلع الأساسية في السوق اليمنية وتردي الوضع المعيشي بما يضاف من أعباء إضافية بفعل الاضطرابات ونزيف الواقع المتردي، يبدوا عيد الأضحى هذا العام بمنطق المثل اليمني القائل "العيد عيد العافية" إذ أضحت مسألة شراء الأضاحي من الأغنام والعجول هذا العام رغم أسعارها المقاربة لأسعار العام الماضي نوع من المستحيل ويعكس ذلك إفادات بائعيها في الأسواق والذين يشكون قلة الإقبال على الشراء بشكل لافت. وعلى الرغم من أن تردي الأوضاع الاقتصادية العام الماضي اظهر اتجاه الأسر الفقيرة والبسيطة ومحدودي الدخل إلي استبدال الأضاحي بالدجاج والاسماك، إلا أنها هذا العام الطاحن للملايين من الفقراء والأشد فقرا تبدوا من الصعوبة بمكان، نتيجة انعدام الدخل المساعد بتأثير تفاقم الأعباء المعيشية ، وكذا لما تشهده أسعار السمك والدواجن من ارتفاع مؤخرا ترجع لارتفاعات الوقود المستخدم للمراكب والنقل والتثليج ، وكذا استهلاك وقود في مزارع الدواجن للاضائه وارتفاع أجرة نقلها ومداخل العلف كما يقول الصيادون وملاك مزارع وحاضنات الدواجن. وشهدت عديد من أسواق اللحوم البيضاء كالدجاج والاسماك التي تشكل بديلاً للفقراء تراجعا في الإقبال عليها خلال اليومين الماضيين بمقارنة العام الماضي ، فيما يبدوا حجم الإقبال علي اللحوم الحمراء – في ادنى مستوياته هذا العام . وعبر عدد من مرتادي تلك الاسواق عن حالة من الحسرة من عدم قدرتهم على توفير أضحية ، وتحول العيد إلي "عبء لا يطاق" بسبب الضائقة الاقتصادية التي يعيشها معظمهم مضاف إليها التردي المعيشي هذا العام بأعباء إضافية وانعدام مصادر الرزق المعينة حيث باتت لا تكفي دخولهم للأكل خبزا وكذا الشرب وشراء الماء ، فيما لا يتجاوز متوسط دخل الاسرة 550 دولار في السنة بحسب البيانات الرسمية. ويتركز الاهتمام الدولي والعربي سياسيا وإعلاميا بأقلية الاحتجاجات السياسية المتبنية لإسقاط النظام في اليمن وربيعها المشوه في ملامحه ، فيما يتجاهل تفاقم الاحتياجات وتعاظم الأزمة الحياتية لغالبية اليمنيين والذين تعصف بهم ومن قبل بروز الاحتجاجات المنادية بإسقاط النظام أوضاع معيشية وإنسانية غاية في السوء تفاقمت أكثر خلال الأشهر الماضية. وحتى اللحظة لا ترقى الأوضاع المعيشية الطاحنة بأغلبية اليمنيين لاهتمامات أطراف الأزمة في السلطة والمعارضة ، وكذا لشباب الثورة ،اذ يمتلك كل طرف من المال والخدمات والحماية ما يكفيه وسط غموض "التمويل السياسي" لما تشهده اليمن من صراع طاحن تجاوز مساعي إسقاط النظام او انتقال السلطة سلميا إلى إسقاط الدولة . وكان مسؤولون بالامم المتحدة أكدوا مؤخرا ان اليمن يتعرض لخطر الوقوع في أزمة انسانية أعمق على غرار الازمة الصومالية بعدما جعلت الاضطرابات السياسية الامر أكثر صعوبة بالنسبة للعديد من اليمنيين الذين يكافحون من أجل الحصول على الغذاء. وقال جيرت كابيليري ممثل صندوق الامم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في اليمن "اليمن على شفا كارثة انسانية حقيقية... انه عرضة لخطر أن يصبح صومالا جديدا على المستوى السياسي والانساني." وذكر كابيليري ان اليمن بالفعل لديه ثاني أعلى معدل سوء تغذية في العالم بعد افغانستان مما يؤثر على حوالي ثلث سكان أكثر الدول العربية فقرا والبالغ عددهم 24 مليون نسمة. واضاف "يعاني أكثر من 50 بالمئة من الاطفال دون سن الخامسة من سوء تغذية مزمن في اليمن اليوم." وقالت لبنى علمان مديرة برنامج الاغذية العالمي التابع للامم المتحدة في اليمن ان اليمن يعتمد مثل دول الخليج الاخرى اعتمادا كبيرا على الواردات الغذائية لان 2.5 بالمئة فقط من الاراضي صالح للزراعة. واضافت "في أحسن الاحوال يمكن أن ينتج اليمن نحو 30 بالمئة فقط من احتياجاته الغذائية بسبب محدودية الاراضي الصالحة للزراعة الامر الذي يجعله يعتمد على الواردات بشكل كبير."، وتابعت "أن الحصول على الغذاء هو التحدي الرئيسي". وقالت علمان "انها ليست مسألة انتاج الغذاء فحسب انما الحصول عليه فالناس لا تكسب ما يكفي من المال لشراء المواد الغذائية التي في الاسواق وبالتالي فان زيادة معدل التوظيف هو الحل المستدام." واشارت علمان الى ان المصاعب الاقتصادية أيضا جزء من القوة التي تدفع كثيرا من الناس الى الاحتجاج اذ يعيش حوالي 40 بالمئة من اليمنيين على اقل من دولارين في اليوم. ومنذ بدء الاضطرابات هذا العام بدا أن الاقتصاد اليمني على حافة الانهيار مع انخفاض صادرات البلاد من الهيدروكربون والتي تمثل 60 بالمئة من الدخل بينما يمثل توافر المواد الغذائية خطرا أكبر. وقالت علمان ان هناك حاجة لانهاء الاضطرابات الحالية من أجل البدء في مرحلة التعافي. ويسعى برنامج الاغذية العالمي الى جمع 159 مليون دولار لليمن هذا العام بينما من المتوقع ان يحتاج العام المقبل 200 مليون دولار.