تقرير* - تتجه محافظة صعدة مجدداً إلى الانزلاق في بوتقة متكررة من دوائر العنف المحلي بعد أشهر معدودة من الهدوء الاستثنائي نتيجة التحالف الطارئ بين جماعة الحوثيين ومراكز القوى القبلية المناهضة لها الذي أعقب السقوط الدراماتيكي المباغت للمحافظة من حظيرة سيطرة الحكومة المركزية، حيث تشهد ومنذ أسابيع، تجدداً مفزعاً للمواجهات المسلحة بين ما يسمى "تحالف قبائل صعدة" والحوثيين قبيل أن تتسبب مقاطعته للانتخابات الرئاسية المبكرة في تصعيد حدة الصراع في المحافظة . تراجعت ساحات صعدة عن اجتراح الفعل الثوري لتتجه نخبها القبلية المتباينة وبعد أيام من سريان تطبيق التسوية السياسية الناشئة عن المبادرة الخليجية إلى نقض ما يمكن وصفه ب"التحالف الطارئ والهش" ومعاودة الاحتكام إلى السلاح وسيلة لتسجيل الحضور وفرض السيطرة . وأشار عبدالكريم صالح الجلال، أحد الناشطين في ما يسمى "رابطة المتضررين من جماعة الحوثيين"، والتي أنشئت مؤخراً في تصريح ل"الخليج" إلى أن صعدة تواجه، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، مخاطر التحول من ما يشبه "الأرض منزوعة السيادة" جراء احتدام الصراع بين مراكز القوى القبلية المؤثرة في فرض السيطرة المطلقة على المدينة، معتبراً أن غياب الدولة خلال الأشهر الماضية منذ اندلاع شرارة الثورة الشبابية والشعبية ضد النظام وسقوط المحافظة تحت سيطرة جماعة الحوثي ومراكز القوى القبلية المتحالفة معها تسبب في إثارة الأطماع، خاصة لدى الحوثيين إزاء إمكانية الانفراد بالسيطرة المطلقة على صعدة وتحويلها إلى إمارة مستقلة عن الدولة المركزية، ما قوبل برفض ومناهضة بعض القوى القبلية المتصارعة مع جماعة الحوثي والمنضوية في إطار تحالف قبلي مضاد . وجاء انحسار الزخم الثوري بصعدة نتاجاً لفرض التسوية السياسية الطارئة للأزمة اليمنية المحتدمة والتوافق على السقف الزمني المحدد لانتقال السلطة اليوم الثلاثاء، وإن دفع إلى الواجهة بحالة من التهافت في أوساط القوى القبلية المؤثرة في مفردات المشهد الأمني والاجتماعي بالمدينة على الظهور كأطراف فاعلة في معادلة النفوذ والسطوة القائمة بعد سقوط المحافظة من قبضة السيطرة الحكومية بهدف الحصول على مكاسب على الأرض عند التفاوض مع حكومة الوفاق الوطني على ترتيبات وضع المدينة بعد إحداث التغيير السياسي المنشود، إلا انه لم يحل دون تصاعد الروح الثورية في أوساط الشارع العام بصعدة وهو ما يمكن استشعاره في تنامي مظاهر الرفض والسخط العام، خاصة في صفوف الشرائح الاجتماعية البسيطة التي اعتادت ولعقود طويلة الانكفاء والصمت والتعايش مع عقدة الاضطهاد المزمنة إزاء واقع السيطرة المطلقة لجماعة الحوثيين وحلفائها الجدد على المدينة ومنعهم لتدشين الحملة الانتخابية لمرشح التوافق الوطني في الانتخابات الرئاسية المبكرة . واتهم الناشط الاجتماعي بصعدة عبدالسلام أحمد القواس في تصريح ل"الخليج" جماعة الحوثيين بالسعي إلى عرقلة إجراء الانتخابات الرئاسية في صعدة والنكث بتعهداتهم المعلنة بعدم منع الناخبين في مديريات صعدة من التوجه إلى المراكز الانتخابية لترشيح مرشح التوافق الوطني عبدربه منصور هادي في الانتخابات الرئاسية المبكرة . تصعيد جماعة الحوثيين لمواقفها المتشددة حيال التعامل مع استحقاقات التسوية السياسية في البلاد عقب التوقيع على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في الرياض، لا يمكن إرجاعه إلى مجرد تبني الجماعة لخيار الحسم الثوري ورفضها المعلن لمبدأ التسويات السياسية وهو ما دأب الخطاب السياسي والإعلامي للجماعة على تسويقه كمبررات لتسويغ اللجوء إلى العنف والسلاح في التعامل مع القوى المناهضة؛ فالتصاعد المضطرد لمظاهر الصراع المحتدم بين الحوثيين وحزب التجمع اليمني للإصلاح، والذي وصل خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة إلى حد اقتحام ومداهمة مقر فرع حزب الإصلاح في صعدة من قبل مجاميع من أتباع الحوثي واستهداف قيادات إصلاحية يعد جزءاً من مشهد المواجهات والصدامات المحتدمة بين الجانبين والممتدة على خريطة ثلاث محافظات رئيسة إلى جانب صعدة هي الجوف، حجة والمحويت . وأعتبر الأكاديمي اليمني المتخصص في دراسة "الصراعات المذهبية" الدكتور حسن عبدالواحد الصيادي أن مناهضة الحوثيين للمبادرة الخليجية ومنعهم إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة بصعدة يمثل موقفاً موجهاً من الجماعة ليس إلى نائب الرئيس والمرشح التوافقي الذي تم تمزيق صوره بتوجيهات من زعيم جماعة الحوثيين عبدالملك الحوثي ولا للدول الراعية لتطبيق المبادرة ومنها الولايات المتحدة ولكن لحزب التجمع اليمني للإصلاح؛ فالاعتقاد السائد لدى الحوثي وأتباعه أن التسوية السياسية الناشئة في البلاد لم تخدم أياً من أطرافها الرئيسة، كما خدمت حزب الإصلاح الذي يتمتع بتمثيل مؤثر في حكومة الوفاق الوطني ومن قبلها في قوام المجلس الوطني الممثل لمكونات الثورة الشبابية والشعبية . *(الخليج الاماراتية)