أدى الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي يوم الجمعة اليمين على نحو رمزي أمام عشرات الألوف من المصريين الذين احتشدوا في ميدان التحرير بوسط القاهرة وهتف معهم "ثوار أحرار حنكمل المشوار" لكن مئات من مناوئيه من انصار أحمد شفيق منافسه الخاسر في انتخابات الرئاسة نظموا مظاهرة في شرق العاصمة. ومنذ التاسع عشر من يونيو حزيران يعتصم بضعة ألوف من النشطاء -أغلبهم أعضاء بجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي- في ميدان التحرير احتجاجا على إعلان دستوري مكمل أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة -الذي يدير شؤون البلاد- يقيد سلطات رئيس الدولة. وقال مرسي مخاطبا المحتشدين "أنتم أصحاب الإرادة... أنتم مصدر السلطة... أعمل لكم ألف حساب." وأضاف قائلا "أتيت اليوم إلي الشعب المصري... الكل يسمعني الآن... الشعب كله يسمعني والوزارة والحكومة والجيش والشرطة ورجال مصر ونساؤها في الداخل والخارج: لا سلطة فوق سلطة الشعب." ووعد مسلمي مصر ومسيحييها بدولة "مدنية دستورية وطنية حديثة." لكن مرسي (60 عاما) -وهو أستاذ جامعي- سيؤدي اليمين القانونية رسميا أمام المحكمة الدستورية العليا في ضاحية المعادي بجنوب القاهرة يوم السبت. وكان مفترضا أن يؤدي الرئيس المنتخب اليمين أمام مجلس الشعب لكن المجلس العسكري حل مجلس الشعب هذا الشهر بعد حكم أصدرته المحكمة الدستورية العليا قضى بعدم دستورية مواد في قانون انتخاب المجلس النيابي. وقال محللون إن المجلس العسكري ربما نسق صدور الحكم مع المحكمة الدستورية العليا اتقاء لسيطرة الإسلاميين على السلطتين التشريعية والتنفيذية معا. وينفي المجلس العسكري ذلك. ويخلف مرسي الرئيس حسني مبارك الذي أطاحت به انتفاضة شعبية مطلع العام الماضي شاركت فيها جماعة الإخوان المسلمين. وأحاط بمرسي ضباط من الحرس الجمهوري في زي مدني وعسكري قاموا بتأمين المنصة التي سبق أن أقامها الإخوان المسلمون في ميدان التحرير بعد بدء الاعتصام والتي ألقى مرسي خطابه منها. لكن الرئيس المنتخب حرص على أن يبدو جزءا من المظاهرات ناهيا ضباط الحرس الجمهوري مرة واحدة على الأقل عن الفصل التام بينه وبين الحشود. وفتح سترة بزته مرتين في إشارة إلى أنه لا يرتدي صديرية واقية من الرصاص قائلا إنه يشعر بالأمان وسط الجماهير التي لن ينفصل عنها. وكان المجلس العسكري قال إنه سيسلم السلطة لرئيس منتخب بحلول الأول من يوليو تموز لكن الإعلان الدستوري المكمل يتيح له سلطة دائمة على الجيش. كما يتيح له مشاركة الرئيس الجديد في وضع دستور البلاد وفي القرارات التي تتصل بالسياسة الخارجية وإعلان الحرب واستدعاء الجيش لتأمين المنشآت العامة في حالة نشوب اضطرابات. وقبل وصول مرسي لإلقاء خطابه قال محمد البلتاجي العضو القيادي في حزب الحرية والعدالة -الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين- أمام المحتشدين في التحرير إن مرسي سيؤدي اليمين أمام المحكمة الدستورية العليا "حتى لا يتم تعطيل تسليم السلطة." وأضاف أن مرسي سيتوجه بعد ذلك بنحو ساعتين "لحلف اليمين مرة أخرى أمام أعضاء مجلس الشعب بقاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة." وقبل وصول مرسي إلى ميدان التحرير بفترة وجيزة هتف الناشط الإسلامي صفوت حجازي الذي يؤيد الإخوان المسلمين وردد محتشدون وراءه "يسقط يسقط حكم العسكر" و"الجيش المصري بتاعنا والمجلس (العسكري) مش تبعنا". ويعني ذلك أن الصراع حول سلطات رئيس الدولة ووضع الجيش في العمل السياسي وحل أو بقاء مجلس الشعب سيطول. وكان المجلس العسكري قرر منع أعضاء مجلس الشعب من دخول مقر المجلس القريب من ميدان التحرير الذي كان بؤرة الاحتجاجات التي أسقطت مبارك. ولم يحاول الأعضاء بأعداد كبيرة دخول المبنى الذي تحرسه قوات من الجيش والشرطة. وقال مرسي للمحتشدين "إنكم مصدر السلطة والشرعية التي لا تعلو عليها شرعية. أنتم أهل السلطة ومصدرها.. من يحتمي بغيركم يخسر ومن يسير مع إرادتكم ينجح." وأضاف أن شرعية انتخاب الشعب له تعلو على شرعية كل مؤسسات الدولة. وقال "إنكم وحدكم الجهة التي دائما سأبدأ منها طالبا -بعد عون الله- دعمها وتأييدها. فهل أنتم مستعدون؟" وردوا بصوت هادر "نعم." ومضى قائلا "لنحصل على كامل حقوقنا وحقوقكم. لن ينتقص أحد كائنا من كان شيئا من حقوقكم ما دامت هذه إرادتكم بعد إرادة الله. "اؤكد على رفضي لأي محاولة لانتزاع سلطة الشعب أو نوابه." لكنه قال مع اقتراب الخطاب من نهايته فيما بدا أنه طمأنة للمجلس العسكري ومؤسسات في الدولة "لا مجال للصدام أبدا ولا مجال للتخوين... الإجراءت القانونية... أقدرها وأحترمها." وجدد مرسي وعودا قطعها أثناء حملته الانتخابية منها القصاص لقتلى ومصابي الانتفاضة التي أسقطت مبارك وإطلاق سراح نشطاء ومدنيين اعتقلوا خلال مواجهات مع قوات من الجيش والشرطة وفي قضايا جنائية هذا العام والعام الماضي وصدرت ضدهم أحكام من محاكم عسكرية. وقال إنه سيعمل من أجل الإفراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن رجل الدين المتشدد المسجون في الولايات المتحدة منذ سنوات لإدانته بالتحريض على هجوم استهدف برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك قبل الهجوم الذي دمرهما في سبتمبر أيلول 2001. واضاف قائلا "سأفعل من الغد حتى يتحرر هؤلاء." وبعد الخطاب هتف ناشط ورددت الحشود وراءه "يا مشير قول الحق.. مرسي رئيسك ولا لأ" في إشارة إلى رئيس المجلس العسكري المشير محمد حسين طنطاوي. وقال مرسي وهو يترك الميدان "أحييكم.. أحبكم وأتواصل معكم." وقالت جماعة الإخوان المسلمين إن الاعتصام في التحرير سيستمر لحين تسليم السلطة. وقالت مصادر في الجيش إن حفل تسليم السلطة ارجيء ولم تذكر سببا لذلك أو تحدد موعدا جديدا. وقالت انتصار السقا وهي عضوة في حزب الحرية والعدالة وتعمل مدرسة "أنا هنا (في التحرير) لأقول للمجلس العسكري إننا نحن الشعب انتخبنا مجلس الشعب وإننا نحن الذين نقرر إن كنا نحله." وترتدي انتصار خمارا مثل ذلك الذي ترتديه كثيرات من النساء في الميدان والذي ترتديه أيضا زوجة مرسي. وقالت عزة جابر (42 عاما) وهي ربة منزل من مدينة أشمون بدلتا النيل لرويترز في اتصال هاتفي بعد خطاب مرسي "خاطب الشارع وأرى أنه نجح أكثر من أي ظهور سابق له." وأضافت قائلة "ليته ينجح لأننا تعبنا كثيرا (خلال الفترة الانتقالية)." وكان مؤيدو جماعة الإخوان المسلمين تدفقوا يوم الجمعة على ميدان التحرير للاستماع لخطاب مرسي. ورفع المحتشدون في الميدان شعار "سلطات الرئيس" وهتفوا "مرسي رئيس الجمهورية" ولوحوا بأعلام مصر بينما وضعوا صورا له في وسطها. وأشرف المجلس العسكري الذي أزاح مبارك عن الحكم يوم 11 فبراير شباط عام 2011 على فترة انتقالية اتسمت بالاضطراب أجرى خلالها انتخابات تشريعية ثم انتخابات رئاسية لكنه اتخذ إجراءات لإحباط نتائج الانتخاب في الحالتين ليبقى في السلطة بجانب الرئيس الجديد. وأدى مرسي صلاة الجمعة في الجامع الأزهر وهتف له ألوف المصلين بعد أداء الصلاة "بنحبك يا مرسي" وتدافع العشرات لالتقاط صور له بهواتفهم المحمولة. وفي إشارة إلى الصراع قال عبد الفضيل القوصي وزير الأوقاف في خطبة الجمعة بالجامع الأزهر ناصحا مرسي "لا طائفية.. لا شرذمة.. لا تفرقة بين شخص وشخص أو جماعة عن جماعة. ولي أمر المسلمين (هو) ولي أمر الجميع بلا إقصاء." وأضاف "أقول له هذا وطن الجميع." وكان مرسي تعهد بعد انتخابه بألا يكون هناك إقصاء في عهده لكن حديثه اثناء الحملة الانتخابية عن وجود ما بين 400 و500 شخص وصفهم بالفاسدين في النظام القديم دون أن يذكر أسماء أثار قلقا. واستغرق نظر بعض الدعاوى أمام المحكمة الدستورية العليا سنوات لكن نظر دعوى إبطال مواد في قانون انتخاب مجلس الشعب استغرق شهورا قلائل. وبقى مجلس الشورى دون حل رغم انتخابه بنفس المواد التي حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريتها. ويهيمن الإسلاميون على مجلس الشورى أيضا وهو مجلس بغير سلطات تشريعية واضحة. وحين كانت لجان الانتخاب تغلق أبوابها في جولة الإعادة يوم 17 يونيو حزيران أصدر المجلس العسكري إعلانا دستوريا مكملا تضمن أن يؤدي الرئيس المنتخب اليمين القانونية أمام المحكمة الدستورية العليا. وقضى الإعلان الدستوري المكمل أيضا بإعادة سلطة التشريع إلى المجلس العسكري لحين انتخاب مجلس الشعب الجديد في نوفمبر تشرين الثاني على الأقل. ومنحه الحق في التدخل في أعمال جمعية تأسيسية تعمل لوضع دستور جديد للبلاد. وعبر مكبر للصوت سأل عضو في حزب الحرية والعدالة المتظاهرين في ميدان التحرير قبل وصول مرسي "هل نقبل حل مجلس الشعب" ورد المتظاهرون "لا." وكانت لجنة الانتخابات الرئاسية أعلنت يوم الأحد فوز مرسي على أحمد شفيق -آخر رئيس للوزراء في عهد مبارك- بفارق غير كبير في الأصوات. وشفيق قائد سابق للقوات الجوية وكان وزيرا للطيران المدني حين اختاره مبارك -قبل ايام من تنحيه- رئيسا للوزراء محاولا إقناع المحتجين بأنه يستجيب لمطالب التغيير التي رفعوها في الانتفاضة التي استمرت 18 يوما. وأعاد المجلس العسكري أيضا هذا الشهر تشكيل مجلس الدفاع الوطني الذي يرأسه رئيس الدولة والذي يختص بالسياسات الدفاعية والخارجية. وضم المجلس أغلبية من العسكريين بمن فيهم طنطاوي الذي يشغل ايضا منصب وزير الدفاع والإنتاج الحربي. ويصدر مجلس الدفاع الوطني قراراته بأغلبية نصف حاضري الاجتماع زائد واحد. ونظم مئات من مؤيدي شفيق مظاهرة يوم الجمعة -بثت لقطات منها قناة الجزيرة مباشر مصر- في حي مدينة نصر بشرق القاهرة رددوا خلالها هتافات ضد الرئيس المنتخب تقول "إرحل يا مرسي يا اللي سرقت الكرسي" و"عبد الناصر قالها زمان الإخوان ملهمش أمان" و"الشعب يريد أحمد شفيق". وكان أنصار لشفيق قالوا إن تزويرا شاب انتخابات الرئاسة لمصلحة مرسي لكن شفيق هنأ الرئيس المنتخب وقال إنه مستعد للتعاون معه إذا طلب ذلك. * (رويترز)