أبين.. إصابة 3 جنود من الحزام الأمني جراء هجوم بطائرة مسيّرة    الخارجية الروسية: روسيا تؤكد تضامنها مع فنزويلا على خلفية التصعيد في البحر الكاريبي    فنان تشكيلي يتلقى إشعاراً بإخلاء مسكنه في صنعاء ويعرض لوحاته للبيع    فنان تشكيلي يتلقى إشعاراً بإخلاء مسكنه في صنعاء ويعرض لوحاته للبيع    عاجل: الانتقالي يرد على تهديدات نائب وزير خارجية العليمي بالتحالف مع الحوثي    الصحفي والناشط الحقوقي نشوان النظاري    تواصل منافسات بطولة الرماية المفتوحة للسيدات والناشئات    رئيس مجلس النواب: استهداف مقر الإصلاح عمل إجرامي يستهدف أمن تعز    14 وزارة وهيئة في عدن تؤكد دعمها للمسار السياسي للمجلس الانتقالي الجنوبي    لقاء موسع للعلماء والخطباء في الجبين بريمة نصرةً للقرآن وفلسطين    الجالية اليمنية في ألمانيا تدين وتستنكر تدنيس نسخة من القرآن الكريم    تلغراف البريطانية: الصراع في المناطق المحتلة قد يعزز نشاط التنظيمات الإجرامية    لجنة مكلفة من قائد الثورة تفرج عن 78 سجينا بالحديدة    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يعزّي في وفاة الشيخ حسين جابر بن شعيلة    ما الذي يعنيه تعليق صندوق النقد أنشطته في اليمن؟    صنعاء : تخصيص 600 مليون ريال للمشاريع الصغيرة وعدم منح أي تصريح لأي مول    ندوة ثقافية في الحالي بالحديدة بذكرى جمعة رجب    الجنوب العربي ليس دولة وظيفية    هيئة المواصفات تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    الجيش الإيراني يؤكد الجهوزية الكاملة لمواجهة أي تهديد خارجي    رشيد تعز يفوز على تضامن شبوة في دوري الدرجة الثانية    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    وقفة طلابية تندد باغتيال الاستاذ الشراعي بالتفجير الذي استهدف مقر الإصلاح بتعز    خطوة إيرانية لتشويه الجنوب واستهداف الانتقالي    خبير مصري: إخوان اليمن يلتقون المخابرات البريطانية    مستشفى الجمهوري بصنعاء يدشن جراحة القلب المفتوح    الإصلاح بحجة ينعى الشيخ مبخوت السعيدي ويذكّر بمواقفه الوطنية وتصديه للمشروع الحوثي    فيفا: السعودية معقل كرة القدم الجديد    إصابة محامٍ بجروح خطيرة برصاص مسلحين قرب مقر النيابة شمال صنعاء    اغتيال جنرال في الجيش الروسي في موسكو    الأرصاد يتوقع أجواء شديدة البرودة وتشكّل الصقيع    الانتقالي الجنوبي يتمسك بحوار مباشر مع السعودية.. والعليمي خارج الحسابات    الذهب يتجاوز 4400 دولار للأونصة والفضة عند مستوى تاريخي    النفط يرتفع بعد اعتراض أميركا ناقلة قبالة فنزويلا    المغرب يفتتح كأس إفريقيا 2025 بهدفين رائعين في شباك جزر القمر    برونزيتان لليمن في بطولة رفع الأثقال بقطر    افتتاح 19 مشروع مياه تعمل بالطاقة الشمسية في الحديدة    خلال مراسم تشييع جثمان الصحفي الأميري.. المشيعون: الإعلام اليمني فقد أحد الأقلام الحرة التي حملت هموم الوطن    بهويته الإيمانية.. شعب الحكمة والإيمان ينتصر للقرآن    مرض الفشل الكلوي (33)    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يلتقي ملاك وممثلي معامل الدباغة ومصانع الجلديات    برشلونة يبتعد بقمة الليجا ب 46 نقطة بعد إسقاط فياريال بثنائية    اتحاد حضرموت يتصدر تجمع سيئون بعد تغلبه على 22 مايو في دوري الدرجة الثانية    وزارة المالية تعلن إطلاق تعزيزات مرتبات موظفي القطاعين المدني والعسكري    تدشين البطولة المفتوحة للرماية للسيدات والناشئات بصنعاء    السقطري يترأس اجتماعًا موسعًا لقيادات وزارة الزراعة والثروة السمكية ويشيد بدور القوات الجنوبية في تأمين المنافذ ومكافحة التهريب والإرهاب    البنك المركزي يوقف التعامل مع منشأة صرافة ويعيد التعامل مع أخرى    تقرير أممي: ثلث الأسر اليمنية تعيش حرمانًا غذائيًا حادًا    اللجنة الوطنية للمرأة بصنعاء تكرّم باحثات "سيرة الزهراء" وتُدين الإساءة الأمريكية للقرآن الكريم    الصحفي والقيادي الاعلامي الكبير الدكتور عبدالحفيظ النهاري    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    معلومات حول الجلطات في الشتاء وطرق الوقاية    مهرجان ثقافي في الجزائر يبرز غنى الموسيقى الجنوبية    بالتزامن مع زيادة الضحايا.. مليشيا الحوثي تخفي لقاحات "داء الكلب" من مخازن الصحة بإب    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



- قصة انتحار لؤي
نشر في أوراق برس يوم 06 - 09 - 2020

انتحر صديقي لؤي بالأمس، وصلني الخبر كالصاعقة، كنت متوقعًا أن يفعلها؛ لكن ليس مبكرًا كما حدث، أخر رسالة بيني وبينه قبل يومين، خضت معه نقاشًا مطولاً وفشلت في إقناعه بجدوى الحياة، كان بعيدًا عني ولم يكن بوسعي مساعدته في شيء، وهو في القرية. كان قريب مني روحيًّا، ويمكنني تغيير حياته عمليّا، وكنت عديم الحيلة تجاهه، لا أملك ما يمكنني انقاذ حياته به.
عرفت لؤي قبل 5 سنوات، هو أحد أبناء مديريتي كان عمره آنذاك 16 سنة، لم أصادف شابًّا بذكاء وعبقرية هذا الرجل وهو بهذا السن، ولم أخض نقاشًا معه إلا وخرجت مندهشًا من وعيه الحاد بالحياة وغزارة أفكاره.
الصديق الوحيد الذي كان يستفز عقلي وأكثّف قراءتي في الفلسفة كي أتمكن من مجاراته بالنقاش..كنت أقرأ في اتجاهات متعددة، وكان هو كل قراءته في الفلسفة، وفي كل محادثة معه، كان يضطرني لاستعادة بعض كتب الفلسفة كي أستوضع بعض الأفكار التي لم يسبق أن اطلعت عليها.
عاش لؤي حياة قاسية جدّا، ماتت أمه وهو صغير وهاجر أبوه للغربة ولم يعد منذ 18 عامًا، تربى في بيت أقاربه وكان منذ طفولته حزينًا ويشعر بالوحدة، كافح ليعيش وكانت الكتب ملاذه الوحيد، كان يهرب من واقعه البائس؛ بحثًا عن تفسير لحياته، غرق في الكتب منذ صغره وتكونت له تصورات مختلفة عن المجتمع، كان يناقشها مع الطلاب في المدرسة فيعنِّفه الجميع، لم يجد أحدًا يتفهمه، نهرَه المدرسين البلداء في مدرسته، طردوه، قالوا عنه ملحدًا، حرضوا زملاءه عليه، نبذوه بدعوى أنه سيفسدهم، كان الجميع يتحدث عنه كما لو أنه مجرمًا، وكنت أشعر بالصدمة من طريقة تعاملهم معه، ومنذ أول لحظة سمعتهم يتحدثون عنه، أدركت أنه شاب مختلف وأنه سيتعب إذا استمر في العيش داخل هذا المجتمع.
أكمل الثانوية ولم يجد أي طريق للحياة، فاعتكف في عزلته، وتضاعفت كوابيسه ثم انتهى به الحال للتخلي عن فكرة الحياة بكاملها.
حتى اللحظة الأخيرة كانت رغبته بالحياة موجودة، كنت ألتقط ذلك من تفاصيل صغيرة في حديثه، ورغم كل الاحباط الذي يعيشه، ظلت غريزة البقاء تعمل داخله، لكنه لم يجد أحدًا يحتويه، لا أصدقاء يشدونه للحياة، ولا أهل يمنحونه الدفء ولا جيران يحترمونه ولا عمل يشعره بالرضى عن ذاته، ولا مستقبل ينتظره ويحفزه للحياة..قلت له مرة: تزداد وحشة الحياة لدينا حين لا نجد شيء يربطنا بها، سيخف كثير من قلقك الوجودي لو تغيرت حياتك واقعيًّا، معنى الحياة ليس شئيًا نظريًّا يُعطى لك مسبقًا، بل شئيًا يبنى بالتدريج، الدراسة، العمل، الأصدقاء، الحب، وهكذا قال لي : أنا مستعد للعيش، وتقبل فكرة الحياة، مهما كانت عبثية؛ لكن حياتي واقفة، أريد أن أدرس، بم تنصحني يا محمد..؟
أتذكر أول مرة راسلني وهو متحرج وخائف، كان يعتقد أنني سأعارضه، تعاملت معه باحتفاء كبير، فشعر بابتهاج، أخبرته أنني أتابعه وأسمع عنه وأحيي وعيه الكبير، منحته رقم الواتس، فراسلني عليه: كنا نناقش كل شيء على فترات متقطعه..نصل لقناعات مشتركة في بعض الأمور، ثم نترك بقية الأفكار مفتوحة لنقاش قادم.
في نهاية أخر محادثة معه، بعثت له مقطع من كتاب فلسفي عن "معنى الحياة" ولماذا هي جديرة بأن تُعاش، فرد عليّ: أشعر أنك الصديق الوحيد بحياتي الذي يجعل الحياة جديرة بالعيش، أريد أن ألتقيك يا صاحبي، أنا وحيد ولا أدري ماذا أفعل بحياتي..؟
لؤي لم يقتل نفسه، لقد قتلناه جميعًا، قتله المجتمع المريض، قتلته الحياة القاسية، غادر الحياة وهو أكثرنا استحقاقًا لها، المنتحرون هم أكثر الناس ادراكًا للحياة، أكثرهم رغبة بالعيش بشكل يليق بالإنسان، لديهم وعيًّا حارّا بفكرة الحياة، لا يتقبلون العيش بمستويات وضيعة، وحين لا يتمكنون من الحياة بشكل يمنح وجودهم معنى وقيمة يتخلون عنها.
الانتحار هو احتجاح الوعي ضد عبثية الحياة، أخر صرخة رفض للواقع المختل، قبلها يطلق المنتحر نداءات كثيرة، ولا يُقدم على الموت إلا وقد استنفد كل إمكانات الحياة وكل المحاولات للتشبث بها. كان يمكننا انقاذ لؤي لكننا لم نفعل ، تعاملنا معه ببلادة وفتور، ولم ندرك فداحة الحياة التي كان يعيشها إلا بعد أن تخلى عنها، لا يتخلى الإنسان عن حياته إلا وقد صارت عديمة القيمة، حين يتساوى عنده العيش والموت، يختار الموت، كحل أخير وهادئ يخلصه من قلق الحياة الفارغة.
أنا مؤمن أن لؤي أطهر من كل الذين ما يزالون على قيد الحياة، أقرب إلى الله من كل العبّاد، ظل رافضًا لواقعه المختل منذ بزوغ وعيه، رفض الإيمان بأي شيء حتى يقتنع بالفكرة، كان شابًّا نقيًّا، صريحًا، لا يجيد التعايش مع الزيف ولا يتقن مجاملة المجتمع، واجه الحياة وحيدًا ثم واجه الموت أشد وحده.
أشعر بالندم يا لؤي، بموتك مات جزء مني، إننا حين نفرط بحماية حياة واحد منا، يتآكل وجودنا نحن، ونكتشف كم أن الحياة تافهة وبلا أي قيمة.
مع الله يا لؤي، مع الله يا صاحبي، لقد رحلت وتركتني مكسور بعدك، أشعر بفجوة داخلي لن يرممها شيء، سامحني لإني لم أتمكن من انقاذك، كل ما كان بمقدوري فعله هو أن أحتضنك وأبكي معك، أبكي وجودنا المهدور كما دمك المسفوح أسفل المشنقة.
محمد دبوان المياحي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.