يبدو أن مواجهة ظاهرة انتشار السلاح والمسلحين في لبنان لن تفلح. فصرخة ممثلي بيروت لمنع تكرار ما حدث من استباحة للعاصمة، ورفع شعار «بيروت منزوعة السلاح»، نقلا حديث انتشار السلاح بين المواطنين الى ملف نزع سلاح «حزب الله». وفهم الحزب الأمر على هذا النحو، فرد مستغرباً: «أيصح أن تكون مناطق إمارة موناكو للسياحة والاصطياف ولعب القمار، وأخرى للمواجهة والحرب، أيريدون أن نرفع الرايات البيض المستسلمة في شوارع العاصمة؟». وهذا الفهم ستتلقفه المخيمات الفلسطينية، التي رفض قادتها في السابق إلغاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. الحكومة اللبنانية تواجه أزمة مصيرية، وهي حاولت ان تستغل حادث برج أبي حيدر، وتلجم ظاهرة انتشار السلاح بين المواطنين، لكنها اصطدمت بالعقدة السياسية للسلاح. فالسلاح في لبنان لا يشبه مثيله في اليمن وبقية الدول العربية، وهو لم ينتشر نتيجة تساهل أمني، وتقاليد قبلية أو اجتماعية، لكنه جاء نتيجة خلل طائفي وسياسي شديد الحساسية والتعقيد. وإذا كانت حرب تموز 2006 لم تسعف الدولة اللبنانية في نزع السلاح من أيدي الأحزاب والناس، فإن حادث برج أبي حيدر لن يغيّر الواقع الخطير الذي يعيشه لبنان. لا شك في أن انتشار السلاح بين اللبنانيين ظاهرة خطيرة. لكن لبنان ليس وحده الذي يعاني هذا الخطر. اليمن يعيش وضعاً مشابهاً، وبعض دول الخليج أيضاً، وساهمت الحروب والأزمات التي مرت على بعض الدول العربية في تسهيل تجارة السلاح وانتشاره بين الناس، فضلاً عن أن الأوضاع الإقليمية القلقة حرّضت على استمرار تفشي هذه الظاهرة في معظم البلدان العربية. الأكيد أن تفشي السلاح بين المواطنين أصبح ظاهرة عربية. ومواجهة هذه المشكلة يجب أن تأخذ بعداً عربياً. معظم البلدان العربية يعيش على ترسانة من الأسلحة الخفيفة المنتشرة في أيدي الناس، وإذا كانت الصورة أشد وضوحاً في لبنان واليمن والسودان، فإن بقية الدول ليست بعيدة عن هذا الخطر في ظل التهديدات الأمنية المحيطة بالمنطقة. لذا لا بد من أن يتبنى العرب موقفاً جماعياً من ظاهرة انتشار السلاح خارج سلطة الدولة. ويجب أن تتولى القمة المقبلة هذا الملف.