انطلق الحديث فجأةً في الايام القليلة الماضية عن الواقع الفلسطيني المتعدد الأوجه في لبنان.. وعادت الذاكرة بالبعض إلى أيام النضال المشترك في الربع الأخير من القرن الماضي والحديث عن ضرورة دعم الشعب الفلسطيني لمواجهة مشاريع التسوية وسوى ذلك من العبارات والشعارات، وانطلقت التصريحات العالية النبرة التي تحمل طابعا استهزائياً أو أتهاميا بحق هذا الفريق أو ذاك.. وكأن الشعب الفلسطيني في لبنان كان ولا يزال ينعم بحياةٍ رغيدة وسعةٍ من العيش الواسع خلال المرحلة الماضية منذ النكبة واللجوء عام 1948، والحالية منها والممتدة منذ أن منع المواطن الفلسطيني في لبنان من حق التملك والتوريث ولو بشروط المواطنين الأجانب، بقانون صادر عن مجلس النواب اللبناني الذي كان وما يزال يرأسه نبيه بري، وهو (المقاوم الأول) بحسب تعبير حزب الله، وتم ذلك خلال عهد ورعاية الوصاية السورية.. وعانى الشعب الفلسطيني خلال هذه الفترة من ظلمٍ شديد وظروف صعبة من كافة النواحي.. إلا أن هذا الواقع المؤلم والمرير لم يلفتحينها نظر حزب الله ونبيه بري ووليد جنبلاط وسواهم ممن استفاق الآن فجأة ودون سابق إنذار على معانات ومأساة وعذابات الشعب الفلسطيني في المخيمات وكان القرارات السابقة قد اتخذت في غفلة من الزمن أو في عهد قوى أخرى وقيادات مختلفة...... وقد تم حينها تبرير هذه القرار أو القانون بأنه يهدف لمنع التوطين ولإجبار الأممالمتحدة والمجتمع الدولي على تسريع عودة الفلسطينيين إلى فلسطين ولو تحت الاحتلال الصهيوني.. وتم اتهام كل من دافع عن معاناة الشعب الفلسطيني وطالب برفع الغبن والظلم عنه بأنه يسعى لتوطين الفلسطينيين في لبنان رغبةً في زيادة حضوره الديموغرافي وتعزيزاً لحضوره السكاني والبشري.. وصولاً للهيمنة على الوطن ومقدراته.. وللعلم فقط، فقد تمت الموافقة على هذا القانون بغياب نواب ميشال عون والقوات اللبنانية وحزب الكتائب باعتبارهم كانوا غير ممثلين حينها في المجلس النيابي الذي اتخذ القرار الشهير آنذاك، ووافق حينها المرحوم الرئيس رفيق الحريري ومعه نواب الطائفة السنية، السوري الولاء منهم وغيرهم على هذا القانون حتى لا يقال أن الطائفة السنية تسعى لتوطين الفلسطينيين طمعاً في زيادة عددها وعدديها أو رغبةً في تغير الواقع الديمغرافي في لبنان لصالح الطائفة السنية... إذاً المسؤول عن هذا القرار وتداعياته هم من يتباكون اليوم على الشعب الفلسطيني ومن قبل من نكل وحاصر الشعب الفلسطيني في المخيمات طوال سنوات ومن يعتبر سلاحه الميليشوي موجهاً ضد مشروع التوطين أولاً وأخيرا... وقد بدا منذ البداية أن معاناة الشعب الفلسطيني وعذاباته وكذلك وضعه المدني منه أو العسكري هو مادة مناسبة لكل فريق ليكيل لنفسه أو لحلفائه أو للقوى الإقليمية التي يتحالف معها أو يعمل تحت إمرتها العناوين والأسباب المناسبة لمواقفه أو لسلاحه أو لنشاطه أو لرفضه و لغضبه.. قد أفهم وأتفهم خوف مسيحيي لبنان من توطين الفلسطينيين على الأراضي اللبنانية.. وأن من حقهم المطالبة بتوضيحات وضمانات من سائر اللبنانيين ومن المجتمع الدولي بعدم السماح بالتوطين.. ولكن لا يمكنني أن أفهم مجاراة بري وحزب الله لهذا الأمر منذ انطلاق حرب المخيمات في أواسط الثمانينات من القرن الماضي على يد حركة أمل التي يرأسها بري وبمشاركة حزب الله في معارك مخيمات صيدا بحجة دعم أبناء العمومة والخؤولة... رغم أن الفلسطينيين جميعاً ودون استثناء يؤكدون عدم رغبتهم بل ورفضهم للتوطين أو حتى مجرد القبول بمبدأ التعويض الذي قد يشكل مدخلاً للتوطين سواء في لبنان أو في غير لبنان.. إضافةً إلى رفض كافة فئات الشعب اللبناني ومكوناته للتوطين وتداعياته.. وفي هذا الموضوع يقول حليف حزب الله ونبيه بري والنظام السوري وئام وهاب بتاريخ... 25 تشرين الثاني/نوفمبر 2009.. (استغرب رئيس "تيار التوحيد" وئام وهاب "كيف أن بعض الناس لا تخجل بالقول إنها تريد نقاش مصير سلاح المقاومة". وقال: "سلاح المقاومة باقٍ طالما بقي الصراع العربي "الإسرائيلي" وطالما بقيت نتائج الصراع العربي "الإسرائيلي" جاثمة". وشدد خلال كلمة ألقاها في حفل تخرج طلاب "جمعية النور للتربية والتعليم" في الضاحية الجنوبية أمس، على أنهم "إن قالوا كيف سيعالجون التوطين نقول لهم كيف سنعالج سلاح المقاومة")... وبتاريخ 11/1/2010.. قال زعيم تيار المردة سليمان فرنجية.. ". وتطرق فرنجية إلى سلاح "حزب الله" فأكد مضيفًا: "لسنا معه إلى أبد الآبدين، وأدعو الغيارى على لبنان الذين يخيفون المسيحيين من هذا السلاح إلى التنبه للمخطط الغربي الرامي إلى توطين الفلسطيني في لبنان"، معتبراً أن "سلاح "حزب الله" يقف بوجه تنفيذ هذا المخطط وبوجه التهديدات الإسرائيلية للبنان"، وقال: "إن الذين يكرهون "حزب الله" ولا يريدون سلاحه، لو كانوا وطنيين حقاً، لكان عليهم أن يقايضوا هذا السلاح بمواقف أوروبية أو دولية تضغط على إسرائيل"... وسأل فرنجية "الذين يطرحون موضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات": "لماذا لا تطالبون بإلغاء هذا السلاح داخل المخيمات؟"... إذاً فسلاح حزب الله ليس لتحرير فلسطين وليس لاسترجاع القدس والأقصى بل لمنع التوطين ولتحقيق طموحات داخلية أخرى وهذا ما يؤكده نعيم قاسم في 12/1/2010، حين يقول.. اعتبر نائب الأمين العام ل"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم أن "القول بأنه إذا حصلت حلول في المنطقة وانسحبت إسرائيل وانتهت المشكلة الصهيونية، فهذا يعني أن المقاومة لا يعود لها وجود، هو تفكيرٌ ساذج، لأن هذه الجهة ليست موجودة بفعل الظرف وإنما موجودة بفعل المبدأ، والمبدأ لا يتوقف ولا ينتهي حتى ولو تغيّرت الظروف"،... من هنا نرى أن كل فريق أو طرف سياسي يسعى لاستثمار الواقع الإنساني والمعيشي والسلاح الفلسطيني سواء كان داخل المخيمات أو خارجها على طريقته ووفقاً لرغباته وخدمةً لمشروعه..وئام وهاب يتكلم بالنيابة وبالأصالة عن حزب الله والنظام السوري والإيراني..وأيده بعد ما يقارب الشهرين من تصريحه هذا سليمان فرنجية حين توجه لجمهور اللبنانيين بالعناوين عينها وأثنى على ذلك نعيم قاسم حين اعتبر السلاح بيد حزبه وطائفته قضية مبدأ وليس بسبب ظروف معينة..واستدرك جنبلاط عودته وانعطافته إلى الحظيرة السورية من باب المعاناة الفلسطينية بالانتباه المفاجئ للواقع المؤلم الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في لبنان..وكان قد استبق خطوته الأخيرة هذه بالطلب بان يستلم وائل أبو فاعور وزيره في الحكومة ملف الشعب الفلسطيني في لبنان.. ربما لحاجته الجديدة أو المستجدة للسلاح الفلسطيني وللمقاتل الفلسطيني ليخوض عنه معارك جديدة كما جرى خلال الأيام الخوالي في المتن الشمالي والشحار الغربي وسوق الغرب وعيتات وغيرها أو ليؤكد انتماؤه للساحة العربية والوطنية مجدداً بعدما ابتعد عنها بعيداً..ونبيه بري الذي اعتاد تغييب الملفات ومشاريع القوانين في أدراج النسيان في مجلس النواب طرح هذا الموضوع بسرعة فجائية لإحراج الطائفة السنية .. إن هي أيدت الحقوق الفلسطينية وهي محقة بلا شك..ثار النزاع بين تيار المستقبل وحلفائه من المسيحيين..وإن رفضها التيار والنواب السنة خسرت الطائفة السنية علاقاتها الوطيدة مع الشعب الفلسطيني في لبنان وخارج لبنان.. وتحركت بعض المجموعات والتنظيمات التي لا ترى في القضية الفلسطينية سوى المخرج الرسمي والقانوني لتعبر من خلاله عن وجودها وتوجهاتها ولتهرب من فشلها في معالجة الشؤون الداخلية اللبنانية وانحسار جمهورها وحضورها الشعبي فتسعى لأخذ مكان بين الجمهور السني في لبنان لتقوده نحو أفاق جديدة....ولتضع البلاد على شفير الصراع الداخلي...الذي يخدم التوجهات الإيرانية والرغبات السورية.. بعيداً عن كل هذا السجال وبعيداً عن هذا الاستغلال للواقع الفلسطيني المسلح منه والإنساني.. فإنه لا بد من إعادة النظر بالواقع المعيشي والإنساني للشعب الفلسطيني في لبنان..ولا بد من الإشارة إلى أن المخيمات الفلسطينية بواقعها هذا لن تستطيع أن تستوعب التزايد السكاني للمقيمين فيها من الفلسطينيين وليس من المقبول ونحن في القرن الواحد والعشرين أن يستمر حصار الفلسطينيين في غزة والمخيمات اللبنانية.. ولا بد من تنظيم الوجود الفلسطيني في لبنان من ناحية حق العمل والتملك وحرية الحركة ورفع الحصار عن المخيمات التي تشبه مداخلها الثكنات العسكرية ومخيمات العزل التي أنشاها الفوهرر الألماني إبان الحرب العالمية الثانية.. لذا المطلوب من الجميع وقف المزايدة والاستغلال الرخيص لمعاناة الشعب الفلسطيني ولسلاح الشعب الفلسطيني داخل المخيمات.. خاصةً وان تنظيم الوجود الفلسطيني أصبح مطلباً فلسطينياً قبل أن يكون لبنانياً .. وليعمل جميع اللبنانيين مسلمين ومسيحيين لمعالجة الملف الفلسطيني اجتماعيا وإنسانيا إضافةً لإعطاء حق العمل والتملك للمواطن الفلسطيني أسوةً بأي مواطن أجنبي ضمن شروط معينة يتفق عليها اللبنانيين بما يحفظ الكيان اللبناني واستمراره والقضية الفلسطينية وهوية الشعب الفلسطيني، حتى تحقيق حلم العودة إلى الأراضي الفلسطينية.. ولتتنبه القوى الفلسطينية واللبنانية أيضاً لضرورة معالجة مشاكلها بطريقة حضارية وسياسية تليق بقداسة وأهمية القضية الفلسطينية والالتفات إلى معاناة الشعب الفلسطيني ولتسحب الذرائع من تجار القضية الذين يستغلون هذه المعاناة لاستثمارها بما يخدم مشاريعهم وطموحاتهم .. المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...